وفي نهاية هذه الجولة، نذكّر المقاومة الإسلامية (حزب الله) بما ذكّر الله تعالى به المسلمين في سورة (النصر) من الحمد والتسبيح والاستغفار لله، بعد ان أتمّ الله لهم النصر والفتح من عنده.
فقد مرّ هذا (النصر) و(الفتح) الذي جاء به الله تعالى للمسلمين يومئذ، وهذا الإقبال العظيم من الناس على الإسلام أفواجاً أفواجاً ... بطريق صعب عسير، في مكة أيام الشدة والعسر، وفي المدينة أيام البأساء والضراء، وتعرّض المسلمون في طريق النصر إلى كثير من الضعف والزلل، والخوف، وإيثار الدنيا، وحب العافية، والاختلاف، والشك، وسوء الأحلام والأخلاق، كما عرف الله منهم في هذه الفترة: الإيمان، والإخلاص، والنصيحة، وإيثار الآخرة على الدنيا، وحب الله ورسوله، على حب الأزواج والبنين والآباء والأمهات أيضاً ... .
وهذه طبيعة مسيرة المؤمنين فيها القوة وفيها الضعف، وفيها إيثار العافية، وفيها الرضا بالبأساء والضراء ... وها هو النصر قد أقبل عليهم بعد انتظار طويل، وعذاب وعناء. (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً)، فيُذكّرهم الله بما ظهر منهم في أيام المحنة من الضعف والخوف وإيثار الدنيا والعافية، والشك بوعد الله فيأمرهم بالاستغفار، ثم يذكّرهم بما أنعم الله عليهم من النصر الذي لم يكونوا يستحقّوه بأعمالهم، لولا رحمة الله وفضله، فيأمرهم أن يسبحوه تعالى ويحمدوه.
(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً). إن وقفة التسبيح والحمد والاستغفار بعد هذا العبور الصعب إلى الفتح والنصر كان لابد منه للمسلمين يومئذ، ليكفكف نشوة النصر والعجب عن نفوسهم ... إن هذه النشوة والعجب إذا تمكن من نفوسهم ذهب بكل ثواب المعاناة والعذاب الذي تحمّلوه إلى النصر، وأحبط كل القوة التي اكتسبوها في هذا النصر، فان العُجْب والغرور، كما يحبطان الأجر والثواب يحبطان القوة والاقتدار النفسي والعسكري كذلك ... فكان لابد بعد العبور الصعب إلى النصر، أن يُذكّرهم الله تعالى بالحمد والتسبيح والاستغفار.
بالتسبيح والحمد على ما رزقهم الله من النصر، وبالاستغفار على ما صدر منهم من ضعف، وإيثار للعافية، وشح في العطاء، وحب للدنيا، وشك في وعد الله.
ونحن نذكّر المقاومة الإسلامية بما ذكّر الله تعالى المسلمين يومئذ بالتسبيح والحمد والاستغفار.
فلا يمتلكهم الغرور والعجب، فَيَحبطُ عملهم عند الله، ولا تأخذهم نشوة النصر، فان نشوة النصر تشغل الإنسان عن إكمال المسيرة.
وما يستقبلهم من مراحل العمل الصعب في مكافحة إسرائيل وأمريكا أصعب بكثير من الأشواط التي قطعوها في هذا الطريق الصعب.
وليذكروا دائماً ان هذا النصر كان بفضل الله تعالى، وليس بجهدهم، وأن جهدهم وقوتهم من عند الله وما كسبوه من النصر كان من عند الله.
وقد دخلت قبلهم الأنظمة العربية في هذه المعركة، وكانوا أكثر منهم قوة وعدداً، فلم يهزموا إسرائيل، ولم يكسبوا من النصر ما رزقهم الله تعالى، فليكثروا من تسبيح الله وحمده، على ما رزقهم من النصر، والقوة، والسلطان، والعزة، وما ألحقوه بعدوّهم من هزيمة منكرة، وأي موضع أحرى بالحمد والتسبيح لرب العالمين من هذا الموضع؟!
وليعرف المسلمون في أدبياتكم وإعلامكم هذا التسبيح والحمد، كما عرفوا منكم صولاتكم، وبسالتكم في مواجهة العدو. وأكثروا من الاستغفار في نهاية هذا الشوط مما يستغفر منه عباد الله الصالحون.
واسألوا الله النصر للشوط القادم من المعركة، الذي لابد منه، وليعرف المسلمون من أدبياتكم وإعلامكم هذا الاستغفار والتواضع بين يدي رب العالمين، وأي موضع أحرى بالاستغفار والتواضع والخضوع والخشوع وعرفان الجميل بين يدي الله من هذا الموضع.
وليست هذه الجولة هي نهاية هذه المعركة الصعبة، فان من بعد هذا الشوط أشواطاً من القتال العسير، ولابد من الآن الاستعداد للأشواط القادمة، وصدق الله العلي العظيم حيث يقول: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ* وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)، إذا فرغتم من مرحلة من مراحل العمل الشاق فلا تخلدوا للاسترخاء، فان الاسترخاء يسلب الإنسان حرارة العمل، وإذا فقد الإنسان حرارة العمل، لا يسهل عليه ان يستعيدها من جديد.
وإن أمامنا معركة طويلة لمكافحة الاحتلال والنفوذ الأمريكي الإسرائيلي في العالم الإسلامي. وأمامنا صراع طويل لمكافحة أنظمة الاستكبار العالمي في العالم الإسلامي، وما لم نتحرّر من نفوذ الاستكبار العالمي على العالم الإسلامي لا تنتهي هذه المعركة الضارية.
وفي هذه المعركة لابد من أن نحافظ دائماً على إستعدادنا الكامل لخوض المعركة، في أي وقت ولا نركن إلى الاستراحة بعد الشوط الأول من المعركة والنصر، وهو قوله تعالى (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ) ... إذا فرغت من شوط من أشواط المعركة، فانصب للشوط القابل، ولا تركن إلى العافية والاسترخاء.
ولابد أن نوجّه وجوهنا في هذا الاستعداد والتأهب، لله تعالى أن لا يَكِلنا إلى أنفسنا، وان يُمدّنا بالنصر والفتح، وأنْ لا يحرمنا نصره وتأييده، وهو قوله تعالى: (وإلى ربك فارغب).
أجل، بعد هذه الجولة من تأييد الله ونصره، وما ألحق الله بأعدائنا من هزيمة منكرة، علينا ان نجدّد لله تعالى التسبيح، والحمد، والاستغفار، والدعاء، ليواصل علينا نصره ورحمته.
(إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً)، النصر/ 1-3.
صدق الله العلي العظيم
|