متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
السكينة و الاستعلاء في المعركة
الكتاب : الوعد الصادق دلالات ودروس عن أنتصار حزب الله    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

لابد للمقاتلين في المعركة من أمرين: السلاح والإعداد العسكري أولاً.
و(السكينة) و(الاستعلاء) ثانياً.

وقيمة الثانية في ساحة القتال تزيد على قيمة الأولى، ولا تغني عنها.وبهذه القيمة الثانية نصر الله المسلمين ببدر (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ) ونصرهم في مواطن كثيرة ويوم حنين، (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ).

وطالما غلبت بها الفئات القليلة، عدداً وعُدّة الفئات الكثيرة بإذن الله (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ).
وأعداؤنا يملكون القوة الأولى، ولا يملكون القوة الثانية. وهذا هو الفارق الجوهري الكبير بيننا وبينهم في ساحة القتال ... على أننا نقول مرة ثانية ونؤكد أنها لا تغني عن قوة السلاح والميدان.

وهذه السكينة والاستعلاء في ساحة المعركة، تبعث في نفوس المقاتلين الطمأنينة والسكون واليقين بمعية الله تعالى لهم في المعركة، وان الله لا يتخلّى عنهم، مهما واجهوا من أوضار المعركة وبأسائها، وإذا اطمأن المقاتل في ساحة القتال إلى معية الله تعالى ... اطمأنت نفسه، وسكنت إلى الله، وآمن بنتائج المعركة، وتصرّف وتحرك في ساحة القتال، بكل قوة، وتحمّل لبأساء المعركة وضرّائها، بكل ما تتطلّبه المعركة من حيطة وحذر، ولكن من دون قلق وارتباك، وباطمئنان وثقة عاليتين.
وهذه الطمأنينة والثقة بالمعية الإلهية، وليس بالكثرة والقوة.

فإن الثقة بوعد الله ومعيته من (الاعتزاز) بالله تعالى، وهو ما يحبّه الله لعباده، والاعتداد بالقوة والكثرة من (الاغترار) بالنفس والعجب، الذي يمقته الله تعالى، والإعجاب بالنفس يمحق ثواب الآخرة، ويحبط مكاسب الدنيا.

ولقد أعجب المسلمون بكثرتهم يوم حنين فانتكسوا في المعركة، وتخلخلت صفوفهم، فلما لجأوا إلى الله، وتضرعوا إليه، نصرهم على أعدائهم، وأنزل عليهم سكينة من عنده في نفوسهم.
(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ)، التوبة/ 25 - 26.

وأنزل الله سكينته على رسوله وأيده بجنود لم يروها يوم خرج من مكة متخفياً وقد حوصر في مغارة مظلمة ضيّقة (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ)، فكان يقول لصاحبه في تلك الحالة، مطمئناً واثقاً بمعية الله، (لاَ
تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا
) ... إن الإحساس بمعية الله تعالى في الساعات الحرجة الصعبة يمنح الإنسان ثقة وطمأنينة، لا حدّ لهما، وهو ما يفقده أعداؤنا في ساحات القتال، وفي الساعات الحرجة (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا)، التوبة/ 40.

.... علينا ان نكتسب في موافقنا الصعبة مع العدو الشرس هذا الإحساس بمعية الله، وهذه السكينة النفسية التي ينزلها الله تعالى على قلوب عباده، ساعة البأساء والضراء ... فتطمئن قلوبنا بالله، وبمعيته، وبأنه لا يتخلّى عنّا، ولا يُكِلُنا إلى أنفسنا، وأنه تعالى يرانا ويسمعنا، فيتحرك المقاتل في ساحات القتال مطمئناً واثقاً بنصر الله ... وهذه الخصلة النفسية في ساحة القتال توازي قوة السلاح، بل تزيد عليها، ولا يغني عنها.

وأعداؤنا يفقدون هذه الخصلة بالكامل، ويلبسون السلاح على قلوب مرعوبة، والمؤمنون يلبسون القلوب على السلاح.

وشتان بين من يحمل السلاح وثقته بالله ونصره ومعيته، ومن يحمل السلاح، وثقته في سلاحه وقوته، فإذا خانه السلاح أو غُلب عليه ولّى هارباً.

وهذه السكينة في ساحات القتال، وساعات البأساء والضراء تعم المؤمنين فإذا عرف الله تعالى منهم: جميعاً، ولا تخص رسول الله الإيمان، والصدق، والإخلاص، والصبر، أنزل عليهم السكينة، وعندئذ تزيدهم السكينة إيماناً على إيمانهم، وصبراً على صبرهم، وصدقاً في اللقاء على صدقهم، كما ان فراغ النفس من الإيمان بالله، والثقة بوعده ونصره والاتكال عليه، يزيد المعرضين عن الله عجزاً وضعفاً وكُفراً.

(هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً)، الفتح/ 4 .
إنّ السكينة في قلوب المؤمنين لا تنزل الا عندما يعلم الله تعالى منهم: الصدق، والإيمان، والصبر، فإذا علم الله منهم ذلك، رضي عنهم، وأنزل عليهم من لدنه سكينة واطمئناناً، فتزول الجبال عندئذ عن مواضعها، ولا يزول هؤلاء المؤمنون من مواقعهم ومواضعهم في القتال.

(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)، الفتح/ 18.

والخصلة الثانية التي يحتاجها المقاتل في ساحات القتال والمواجهة الإحساس بالاستعلاء على العدو، ويكسب المؤمنون هذا الإحساس من موقع الإيمان، فإن الله تعالى جعل هذا الموقع في المجتمع البشري موقعاً عزيزاً، دون سائر المواقع (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ).

إن موقع الإيمان موقع عزيز، يَهَبُ أصحابه العزّة، وذلك أن المؤمنين يصلون حبلهم بحبل الله، وحولهم بحول الله تعالى وقوته، فإذا عرفوا ذلك من أنفسهم، لم يفارقهم الإحساس بالعزة.

وهذا الإحساس في النفس، يقترن دائماً بالإحساس بذل العدو، وحقارته، وصغاره ... وهذا هو معنى الاستعلاء في المعركة، على العدو ... ولهذا الإحساس بالاستعلاء أثران واضحان، على ارض المعركة، في تعامل المؤمنين مع أعدائهم.

الأثر الأول: هو نفي الوهن والضعف من نفوس المقاتلين، إذا واجهوا شراسة وضراوة في لقاء العدو.
والأثر الثاني: هو نفي الحزن عن نفوسهم، إذا وجدوا خسارة ونقصاً في (الأنفس والأموال والثمرات)، فلا يحزن المؤمنون على ما يفقدون في ساحات القتال من نفوس عزيزة وأموال وثمرات، إذا اطمأنوا إلى معية الله تعالى، وأن الله تعالى يبصر بهم وبما يبذلون في سبيله من النفوس والأعضاء والجوارح والأموال، ويسمع بهم وهو (السميع البصير).

فلا يضعفون في القتال، عندما يواجهون شراسة العدو وضراوته، ولا يحزنون على ما يفقدون في القتال من الأنفس والأموال، وذلك قوله تعالى: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، آل عمران/ 139 .
وهذه آية عجيبة في كتاب الله تُربّي الأجيال، وتُحكِم النفوس المهزوزة، وتبعث القوة في القلوب الضعيفة.
ولم تنزل آية الاستعلاء (وأنتم الاعلون) على المؤمنين بعد نشوة الانتصار في معركة (بدر)، وإنما نزلت عليهم بعد مرارة النكسة في معركة (أحد).
وآية (الاستعلاء) في (آل عمران) تضع النقاط على الحروف، وسبحان منزلها على رسوله.
فهي ثلاث نقاط:
1- الاستعلاء على الأعداء في المعركة: (وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ).
2- ومصدر هذا الاستعلاء، وهو الإيمان بالله تعالى: (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
3- ونتائج الاستعلاء في ساحات القتال وهي نفي الوهن والحزن: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا).

وليس معنى الاستعلاء ان لا يعبأ الإنسان بالعدو، فلا يحتاط له، ولا يوليه الاهتمام والحذر ... فهذا من (اللامبالاة) و(الإهمال)، وليس من (الاستعلاء).

والاستعلاء ان لا يكون مرعوباً من ناحية العدو، ولا يشعر تجاهه بالهزيمة، ويطمئن بالنصر من عند الله، ثم يولي العدو كل الحذر والاحتياط، ويُعِدّ له كل أسباب القوة والقتال.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net