متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
كيف كافأنا حزب الله ؟
الكتاب : الوعد الصادق دلالات ودروس عن أنتصار حزب الله    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

هذا السؤال هام أرى من المفيد أن أطرحه للبحث والجواب.
وقبل أن أدخل الجواب أقول لقد كافأ جمهور المسلمين حزب الله بهذه المبادرة الشجاعة والتضحية والبسالة خير جزاء.

خرج ملايين المسلمين إلى الشوارع في مراكز العالم الإسلامي من جاكارتا إلى سمرقند وبخارا، ومن طنجة والدار البيضاء إلى دلهي وبمباي، يعلنون تضامنهم مع حزب الله، ويحذّرون أمريكا وعملاءها في المنطقة، ويشتبكون مع رجال البوليس في إعلان الموقف وتسجيل التضامن والتعاطف... لقد خرج شباب المسلمين في القاهرة وعمان والكويت ودمشق وطهران وكابل يطالبون بالانضمام إلى صفوف حزب الله.

ولمع اسم الأمين العام لحزب الله وقائد المقاومة الإسلامية في لبنان- السيد حسن نصر الله- في كل العالم الإسلامي بدون استثناء، وارتفعت صوره كل مكان في تحدٍ واضح لدعاة التطبيع والمهزومين سياسياً ونفسياً أمام إسرائيل، وأصبح نصر الله رمزاً للمقاومة الإسلامية في كل مكان، يتغنّى باسمه جماهير المسلمين، ويجدون فيه القدوة والقيادة التي يطلبونها.

إن هذا التعاطف الواسع، والتضامن الكبير في فترة قصيرة يكشف عن حيوية كبيرة في ضمير العالم الإسلامي، وأن المسلمين رغم كل الحواجز الإقليمية والسياسية والقومية والطائفية التي أقامها الاستكبار الغربي في العالم الإسلامي... أقول أن المسلمين رغم كل هذه الحواجز الكبيرة قادرون على تخطي كل هذه
الحواجز، فترى جمهور العالم الإسلامي في أقل من أسبوع كالبحر يرفده المسلمون من كل حدب وصوب، لا تكاد تميّز فيه العربي عن الكردي والفارسي عن التركي والسني من الشيعي والمصري من الجزائري، أن هذه الحالة من الاندماج السريع والترافد في بحر هذه الأمة التي جعلها الله خير امة أخرجت للناس... إمارة الصحة والصحوة والحيّوية.

أجل، جزى الله خيراً جمهور هذه الأمة المباركة، فقد كان وفيّاً للمقاومة الإسلامية، متضامناً ومتعاطفاً معه، ولم يأل هذا الجمهور جُهداً في دعم المقاومة وإسناده وإشعاره بأنه يقف معه، في هتاف واحد، وشعار واحد، وموقف واحد.
لقد عرف الناس جميعاً هذه الحقيقة.
فلسنا نقصد بهذا السؤال جماهير الأمة، وإنما نقصد به الكيانات الرسمية والسياسية في العالم الإسلامي، لقد فوجيء الرأي العام الإسلامي بالفتور والتوجّس ، بل والتنكر، الذي واجه به بعض حكام العرب، وبعض الأنظمة العربية، وبعض الأحزاب السياسية في لبنان هذا الإقدام الشجاع الذي قام به حزب الله في إختراق الحواجز الأمنية الإسرائيلية ببسالة وكفاءة ونجاح.

لقد تنصّلت هذه الأنظمة من تبنّي هذه العملية، بشكل واضح، واعتبرته توريطاً للأنظمة العربية في معركة ساخنة في مواجهة لإسرائيل لا يريدونها، ولا يطلبونها.

وكانوا يعلنون ذلك... ولم نسمع كلمة تشجيع وتثبيت ودعم لحكام العرب والمسلمين، إلا نادراً كالموقف الإيراني والسوري مثلاً.

واجتمع وزراء خارجية العرب في بيروت للتعبير عن تضامنهم مع لبنان في هذه الكارثة التي حلت بلبنان من جانب إسرائيل،ـ وقد كانت المعركة في حينها على أشدّها، فلم نسمع كلمة تثبيت ودعم لوزراء خارجية العرب... وعندما طلب منهم أحد القادة اللبنانيين تسجيل تحية لحزب الله في هذا اللقاء واجهه القوم
بالصمت والوجوم.

ولقد كان الموقف من ناحية الحكام العرب أول الأمر، يسير بأتجاه عكسي، باتجاه التّبري من هذه المغامرة غير محمودة العواقب، كما كانوا يقولون، والتنصّل عما يقوم به حزب الله وإعلان هذه البراءة والتنصل منه.

والذي خفّف من حدة هذا الموقف السلبي عند حكام العرب أمران، الأمر الأول التضامن والتعاطف الواسع من قبل المسلمين الذي أخجل الحكام من مواقفهم السلبية المعلنة تجاه حزب الله.

الأمر الثاني الهزائم المتلاحقة التي كانت تلحق بالجيش الإسرائيلي، على خلاف توقع حكام العرب جميعاً.
وكان لهذين العاملين تأثير واضح في تخفيف نبرة الشجب والتسفية والإدانة.

ولكن لم يتغير الموقف عند هؤلاء إلى موقف ايجابي قط، وبقي الفتور والبرود هو الطابع العام للموقف العربي من ملحمة حزب الله في جنوب لبنان.
ترى لماذا كل هذا الوجوم والفتور؟
لأن تقدير موقف حزب الله، وإبراز هذه البطولة النادرة في مواجهة إسرائيل يتضمن إدانة لتراجع الأنظمة العربية أمام القوات الإسرائيلية وانسحابهم سنة 1967م أمام زحف الجيش الإسرائيلي، وتمكين إسرائيل من الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي العربية الإسلامية، من ضمنها القدس والخليل وحيفا ويافا وغيرها وممارسات التطبيع مع إسرائيل بعد ذلك.......؟

أم أن حكام العرب، في الغالب، من موقع المسؤولية عيونهم عالقة بالإشارات الأمريكية الحمراء، ولا يستطيعون تجاوز هذه العلامات إلا بإذن وقرار، وليس بإمكانهم إختراق الخط الأحمر الذي ترسمه أمريكا.

أن قرار الأنظمة العربية ليس هو القرار الأمريكي بالضرورة، ولكن الذي لا نشك فيه: إن هذه الأنظمة لا تستطيع تجاوز الخطوط الحمراء الأمريكية في علاقاتها السياسية وقراراتها الدولية.

وحزب الله في الاعتبارات الأمريكية يدخل في دائرة الإرهاب، لا شك في ذلك، وضمن المنطقة الحمراء، وليس بإمكان هذه الأنظمة أن تدعم حركة تصفها أمريكا بالإرهاب، حتى بالكلمة، فضلاً عن الموقف والمال والسلاح.

هذه هي الكارثة السياسية، بعينها: أن الأنظمة العربية والإسلامية تأخذ معاييرها ومقاييسها في فهم الأشياء من الثقافة السياسية والإعلام السياسي الغربي.

والفصل الثاني من هذه المكافئة في لبنان، بالذات، لقد بدأت الأصوات ترتفع في بعض الأوساط السياسية اللبنانية بتجريد حزب الله من سلاحه، ولما يزل العدو على الأرض اللبنانية، ولما تزل البيوت تتهدم على رؤوس أصحابها كما قال السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، ولا يزال الكثير من أبناء هذا البلد مدفونون تحت الأنقاض... ولم يكن بوسع هؤلاء أن يضبطوا أعصابهم ليتم تنفيذ قرار وقف إطلاق النار، ويرجع العدو إلى الخط الأزرق كما يقولون.

وقد سمع المسلمون جميعاً هذه الصيحات الناشزة، من داخل لبنان، وداخل الوسط السياسي في لبنان.
ولو أن فريق كرة قدم أحرز فوزاً عالمياً في مباريات الكرة، ثم طالب أحد بتجريد هذا الفريق من الكرة لارتفعت صرخات الاستنكار والشجب من الجميع.

لقد حقق حزب الله أول هزيمة عسكرية في الجيش الإسرائيلي، كما قال أمير قطر في لقائه مع رئيس جمهورية لبنان، ومعنى ذلك أن هذه المجموعة الصغيرة المحدودة حققت ما عجزت عنه الأنظمة العربية جميعاً.

فكان نصيب هذه العصابة المؤمنة من حزب الله الدعوة إلى تجريدها من السلاح الذي هزموا به إسرائيل.

نحن نترك للقاريء تقدير الدواعي والأسباب الحقيقية وخلفيّات هذه الدعوة، ولما تزل إسرائيل تمارس القصف والعدوان على لبنان، ولسنا بصدد تحليل هذه النقطة.

ولكن أقول أن ناساً، مهما كان انتماؤهم السياسي، يرضون بإسرائيل على الأرض اللبنانية، وبالعدوان الإسرائيلي، ولا يرضون بأن تحمل شريحة من أبناء بلدهم السلاح لدرء العدوان والاحتلال عن بلدهم... هؤلاء الناس يعانون من حالة مرضية سياسية بالغة الخطورة... وأن انتشار هذا المرض السياسي الحزبي، وقبوله بحجة التعددية السياسية في العالم الاسلامي، يؤدي إلى آثار تخريبية واسعة في مستقبلنا السياسي.

وعلينا نحن في العالم الإسلامي، والعربي أن نعمل لمكافحة هذه الحالة المرضية السياسية، ولا نسمح للتعددية السياسية داخل العالم الإسلامي أن تنزل بنا إلى هذا الحضيض من التقاطعات السياسية في القيم والمواقف.

أقول أن المقاومة الإسلامية في لبنان وفي فلسطين لا يعتمد مثل هذا الوسط الرسمي والحزبي، وإنما يعتمد الشارع الإسلامي، والجمهور، وهو وسط مبارك وتربة خصبة، تُقدّر هذه البطولة، وتشجّعها، وتتضامن معها.

ولكننا لا يمكننا على كل حال أن نمرّ بمثل هذه الحالات المرضية السياسية، من دون تفكر ودراسة ولا توقف.

إننا أسأنا كثيراً فهم التعددية السياسية واستخدامها في العالم الإسلامي، حتى عاد معنى التعددية عند البعض السماح بالتقاطع في القيم والمواقف، وتعريض القيم الإسلامية والثوابت السياسية المتبناة من قبل الجماهير لهزات شديدة.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net