3- القوة والتنظيم
والعنصر الثالث القوة والتنظيم، ولا إرتياب في أنهما من عوامل النصر، والنصر يحصل على أرض المعركة، والقوة والتنظيم والتخطيط من عوامل النجاح والتقدم على ارض المعركة.
وقد أمرنا الله تعالى بإعداد القوة والسلاح للمعركة (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ). وفائدة هذه القوة (الإرهاب)، ولكن إرهاب أعداء الله وأعداء الناس (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ). لا إرهاب الأبرياء والمستضعفين من خلق الله.
ولابد من هذا العنصر في تكوين (المقاومة) على كل حال وهذا لا اختلاف فيه ... وإنما نختلف في تقييم (المقاومة) وتحليل عوامل إنتصار المقاومة في المكونات الأخرى للنصر، وهي (الإيمان) و(الوعي). وهذا موضع الافتراق في التقييم والتحليل بيننا وبين المدرسة المادية الاستكبارية الغربية.
إنهم يعتقدون أن القوة على وجه الأرض هي كل شيء في تقرير نتيجة المعركة .. فقد كانوا لا يشكون لحظة واحدة، إن إسرائيل هي المنتصرة في هذه المعركة، فيعجبون كيف تخرج إسرائيل من هذه المعركة (اللامتكافئة) مهزومة مثخنة بالجراح لم تحقق شيئاً حقيقياً من النصر .
ونحن نعتقد أن القوة لابد منها على وجه الأرض، وفي ميدان القتال، والتنظيم والتخطيط لابد منه في ساحة المعركة، ولكن القوة لا تختزل كل النصر، والمعادلة الحقيقية قائمة بين النصر وكل عوامل النصر.
عوامل النصر ثلاثة وليست واحدة، ولابد منها جميعاً، وهذه الثلاثة بعضها يجبر بعضاً، وبهذه السُنة نصر الله تعالى المؤمنين في بدر على عتاة قريش، يقول تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ)، آل عمران/ 123. وبهذه السُنة يقول تعالى: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ)، البقرة/ 249. وبهذه السُنة يقول تعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)، المجادلة/ 21 . هذه هي تركيبة المقاومة. وهذه التركيبة تجعل من المقاومة حالة صعبة، لا يمكن التغلب عليها، إلا بزوال احد أمرين: أما بزوال العدوان، واو بزوال الوعي الحركي والسياسي لدى الناس.
وما دام العدوان باقياً في حياة الناس وعلى مشارف بلدهم، أو في داخل بلدهم، فإن المقاومة قائمة في حياة الناس، لا محالة، ما لم يغب الوعي السياسي والجهادي عن حياة الناس. فإذا كان العدوان قائماً، وكان الوعي قائماً في حياة الناس، فلا محالة تبقى المقاومة. إن المقاومة تختلف عن الجيوش النظامية. إن الجيوش النظامية تنتكس، وتنهزم، وتنكسر في جبهات القتال، ولا هزيمة ولا انتكاسة في المقاومة، إذا سقط عشرة حل محلهم عشرون، وإذا سقط عشرون حل محلهم أربعون، وهكذا تتنامى وتتوسع المقاومة.
ولا تفقد المقاومة السلاح، حيثما تكون، فان المقاومة تجد السلاح الذي تحارب به العدوان، وإذا صدقت المقاومة في ساحة القتال، أمطرت السماء عليهم سلاحاً، ولن تمطر السماء سلاحاً، ولكن الله تعالى لن يمنع السلاح عن قوم يريدون أنْ يقاتلوا أعداءهم، ويزيلوا العدوان عن أرضهم وكرامتهم، إذا صحّت نيتهم في ذلك. وسلام الله على الإمام الصادق (ع) كان يقول: (لن يعجز جسد عما قويت عليه النيّة)، وبنفس الملاك نقول: لن تفقد أمة تريد ان تقاتل عدوها، وتزيل العدوان عن أرضها وكرامتها، السلاح الذي تقاتل به.
ان أمريكا واهمة، حيث تتصور ان بالإمكان تجريد (حزب الله) من سلاحه، وبالتالي إسقاط حزب الله وتحويله إلى حركة سياسية إعلامية على صفحات الجرائد.
فلن تنتهي المقاومة الإسلامية في لبنان وفي فلسطين ما دامت إسرائيل قائمة بالعدوان والبطش والإرهاب، وما دام القرآن يمد المسلمين بالوعي والبصيرة. (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)،الحج/ 39. لقد كانت أيدينا على قلوبنا في الأسابيع الخمسة من المواجهة بين حزب الله وإسرائيل في جنوب لبنان، وكنا نخشى أن تنفذ صواريخ حزب الله فيبين الضعف العسكري في جهة حزب الله ... فإن حزب الله مقاومة محدودة، وليس دولة كبيرة، ومخزونها من السلاح والعتاد والمال محدود لا محالة، ولكن حزب الله كان يمطر فلسطين المحتلة بالصواريخ في كل يوم، 200 صاروخاً و 150 صاروخاً من غير أن يحسب حساباً لمخزونه من الصواريخ، واستمر هذا الوابل من الصواريخ على سماء فلسطين المحتلة إلى آخر يوم من أيام المعركة، توقف القتال بعده بقرار من مجلس الأمن، ولم ينفذ بعد مخزونه من الصواريخ، ولو كان القتال يمتد بين حزب الله وإسرائيل شهوراً أُخر، لعرفنا كيف يمدّ الله حزب الله بالسلاح والعتاد، والمؤن، والمال، وإن إسرائيل لا تستطيع بمحاصرة لبنان جوّاً وبرّاً وبحراً، وبتخريب الجسور والجادات والاتصالات أن تمنع رحمة الله والمدد الإلهي من حزب الله.
(يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ)، المنافقون/ 7 . إن تجريد حزب الله في لبنان، وتجريد حماس في فلسطين من السلاح، من الوهم الذي تورّط فيه الأمريكان لأنهم يقيسون المقاومة بمقاييس الجيوش النظامية في بلادهم. وقد أثبتت الأسابيع الخمسة من قتال المقاومة لإسرائيل خطأ أمريكا في مقاييسها ومعاييرها.
ولست أذكر الآن من هو بالتحديد القائد العسكري الإسرائيلي الذي قال عن حزب الله أن اكبر جيوش العالم يعجز عن هزيمة حزب الله ... الا انني أعلم أن هذا القائد العسكري الإسرائيلي عرف في ساحة القتال الضاري لحزب الله، ما لم يعرفه (بوش) في تنظيراته وخطاباته، والدراسات التي يقدمها له مستشاروه.
|