التمثيل الواحد و الخمسون
(لاَ يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ* كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيم ). (1)
تفسير الآيات
"الحصن" :جمعه حصون، والقرى المحصنة التي تحيطها القلاع المنيعة التي تمنع من دخول الاَعداء.
البأس والبأساء: الشدة.
الوبال: الاَمر الذي يخاف ضرره.
الآية تصف حال بني النضير من اليهود الذين أجلاهم الرسول وقد تآمروا على قتله، وكيفية الموَامرة مذكورة في كتب التاريخ، فأمرهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) بالجلاء وترك الاَموال و قد كانوا امتنعوا من تنفيذ أمر الرسول ، و كان المنافقون يصرّون عليهم بعدم الجلاء وانّهم يناصرونهم عند نشوب حرب بينهم وبين المسلمين، فبقي بنو النضير أياماً قلائل في قلاعهم لا يجلون عنها بغية وصول إمدادات تعزّز قواهم.
____________
1 ـ الحشر:14ـ15.
( 262 )فالآيات تشرح حالهم بإمعان وتخبر بأنّهم "لا يقاتلونكم" معاشر الموَمنين جميعاً إلاّ في قرى محصنة، أي لا يبرزون لحربكم خوفاً منكم، وإنّما يقاتلونكم متدرّعين بحصونهم، أو "من وراء جدر"، أي يرمونكم من وراء الجدر بالنبل والحجر.
(بأسهم بينهم شديد )، والمراد من البأس هو العداء، أي عداوة بعضهم لبعض شديدة، فليسوا متّفقي القلوب، ولذلك يعقبه بقوله: (وقلوبهم شتى )، ثمّ يعلل ذلك بقوله: (ذلك بأنّهم لا يعقلون ) .
ثمّ يمثّل لهم مثلاً، فيقول: إنّ مثلهم في اغترارهم بعددهم وعدّتهم وقوتهم (كمثل الذين من قبلهم )، و المراد مشركو قريش الذين قتلوا ببدر قبل جلاء بني النضير بستة أشهر، ويحتمل أن يكون المراد قبيلة بني قينقاع حيث نقضوا العهد فأجلاهم رسول الله بعد رجوعه من بدر.
فهوَلاء (ذاقوا وبال أمرهم )، أي عقوبة كفرهم ولهم عذاب أليم.
|