الشجاعة البدنية:
(جبلت الشجاعة على ثلاث طبائع، لكل واحدة منهن فضيلة ليست للأخرى: السخاء بالنفس، والأنفة من الذل، وطلب الذكر، فإذا تكاملت في الشجاع كان البطل الذي لا يقام لسبيله والموسوم بالإقدام في عصره، وإذا تفاضلت فيه بعضها على بعض كانت شجاعة في ذلك الذي تفاضلت فيه أكثر وأشد أقداماً) .
عناصر الشجاعة ثلاثة على ما يقرره الإمام الصادق (ع) في هذا الحديث، يجب توفرها في الشخص ليسمى شجاعاً بالاستحقاق، والذي يفقد واحداً منها لا يستحق هذه الصفة لأنه يفقد ركناً من أركان الشجاعة.
(1) السخاء بالنفس، وهذا هو العنصر الأول في الأهمية أيضاً، وإذا عرفنا ان السخاء بالشيء هو بذله عن طيب نفس علمنا الذي يتكلف بذل نفسه لبعض الدواعي لا يستحق ان يسمى شجاعاً، وان اجتمعت فيه العناصر الأخرى للشجاعة ولكن قد يتكرر هذا التكلف من الإنسان حتى يصبح معتاداً عليه، ويعود سخياً ويستحق صفة الشجاعة إذا استكمل بقية عناصرها.
(2) و (3) الأباء والشمم، وهما خلقان نفسيان متلازمان في الأكثر، وأثر الأباء احتفاظ الإنسان بكرامة نفسه وترفعه عن الدنيء من الأمور، وأثر الشمم، طلب الرفعة والتوجه إلى المراتب الجليلة، وهما قريبان في المعنى من عزة النفس، وعلو الهمة، وسنذكرهما فيما يأتي. وهذه العناصر الثلاثة المتقدمة قد تجتمع في الشخص بأرقي مراتبها فيصفه الإمام (ع) بالشجاع الكامل وبالبطل الذي لا يقام لسبيله. وقد يضعف فيه بعض العناصر فيفقد من الشجاعة الكاملة بمقدار ذلك النقص.
أما الشرط الأول للشجاعة وهو إخضاع قوة الغضب لقوة العقل فيقول فيه: ثلاثة تعقب مكروها. حملة البطل في الحرب في غير فرصة، وان رزق الظفر[14] .النفس أثمن شيء يجده الإنسان، ونفس البطل أعز ذخيرة يحتفظ بها ليومها الأكبر، فيجب عليه ان لا يخاطر بهذه النفس إلا إذا أحرز الفرصة ووثق بالفوز، وإلاّ فإنه يبيع نفسه من غير ثمن، والعقل يعد مجازفاً وإن رزق النصر، لأن نصره هذا وليد المصادفة، والمصادفات لا تدخل تحت مقياس.
والشجاعة لا تختص بالجندي يقدم نفسه فداء للدين، أو يبذل دمه لنصرة الوطن فإن للشجاعة البدنية أنواعاً كثيرة, لأن شدائد الحياة لا تدخل تحت حساب، وملاقاة هذه الأهوال شجاعة متى كان الإقدام فيها بإشارة العقل وإرشاده فالشجاعة تكون في الجندي وفي القائد، والطبيب ورجال الإنقاذ على سواء إذا اجتمعت في هؤلاء عناصر الشجاعة التي ذكرها الإمام في حديثه السابق.
|