الخير
علمنا ان كل تصرف يصدره الإنسان باختياره فهو مسبوق بالتفكير في نتائجه وبالموازنة بين الجهات المرجحة لفعله ولتركه. وإذن فهنا أشياء نشتاق إليها في نفوسنا ونتوسل إلى تحصيلها بأعمالنا ونعد الفعل الذي يوصلنا إليها راجحاً. وهنا أشياء أخرى ننفر منها بمقتضى طباعنا ونجتنب العمل الذي يؤدي بنا إليها ونعده مرجوحا. وقد أطلق الخلقيون على الأشياء الأولى كلمة الخير وعلى الأشياء الثانية كلمة الشر وهم يحكمون على العمل بأنه خير أو شر بملاحظة ما ينتجه من الجهات المذكورة، وإن اختلفوا في موازين الخير والشر والمقاييس التي تقاس بها الأشياء ليعلم أنها خير أو شر وقد يوجهنا البحث إلى هذه الناحية فيما يأتي:
(الخير هو موضوع جميع الآمال ) هكذا يقول أرسطو في تعريف الخير[11]. ويقول فيلسوف آخر "الخير ما يتشوقه الجميع " ويقول ثالث "هو ما يقصده الجميع في أعمالهم " وبين هذه التعاريف فروق واضحة إلا أنها تجتمع على الجهة التي ذكرناها.
ولفظ الخير عند الخلقيين القدماء يحكي معنيين متناسبين وللتفرقة بينهما يصفون أحد هما بالخير المطلق والثاني بالخير المضاف، والتعاريف المتقدمة تحدد الخير بمعناه الأول.
والخير المضاف هو كل وسيلة توصلنا إلى الخير المطلق والفارق بينهما هو الفارق بين الوسيلة والغاية، أو بين الغرض الأدنى والغرض الأقصى.
قد توصلنا الغالية إلى غاية أخرى أسمى منها فتكون الغاية الأولى خيراً مضافاً لأنها أوصلتنا إلى الخير المطلق ولنا ان نعتبرها خيراً مطلقاً أيضاً لأنها غاية بعثنا إليها الشوق وتوسلنا إلى حصولها بالعمل.
والإمام الصادق (ع) يذكر المعنى الأول من الخير فيقول: " جعل الخير كله في بيت، وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا "[12]. ويقول " السعادة سبب خير يتمسك به السعيد فيجره إلى النجاة "[13].ويذكر المعنى الثاني فيقول " إذا أردت شيئاً من الخير فلا تؤخره " [14] ويقول: " افتتحوا نهاركم بخير، وأملوا على حفظتكم في أوله خيراً وفي آخره خيراً "[15] ويقول: " احسن من الصدق قائله وخير من الخير فاعله"[16].
|