متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
مقالة في أن الأخلاق من موضوعات الفلسفة
الكتاب : الأخلاق في الإسلام و الفسلة القديمة    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

مقالة في أن الأخلاق من موضوعات الفلسفة

(الفلسفة هي أمّ العلوم) مقولة يتوافق عليها كل الباحثين في تاريخ الفلسفة، أو في تاريخ نشأة العلوم، وتفرّعها، وتنوّع اختصاصها، وتطوّرها. فالتنظير الفكري من خلال الفلسفة كان وما زال يفتح آفاقاً جديدة أمام العلوم وتطورها، بما يرسم من أبعاد، أو يطرح من تساؤلات تدفع بالعلم إلى السعي بحثاً عن أجوبة لها.

إن استقراء تاريخ العلوم من الرياضيات إلى القانون، إلى الاقتصاد والفيزياء والاجتماع يظهر لنا بما لا يرقى إليه الشكّ مصداقية هذه المقولة.

ولكن يجب أن ننتبه إلى قاعدة مهمة في هذا المجال مفادها؛ أنه ليس من المفروض أن نفسّر الفلسفة على أنّها ذلك الجدل العقيم الذي يعتمده بعض الناس ليظهر براعته الشكلية، دون أن يكون هناك أهداف، أو ضوابط للجدل أو للنقاش. كما أنّه ليس من المفروض ان نفسّرها على أنها محاولة لوضع عقيدة جديدة تناقض الدين، وتحاول استبدال العقيدة الدينية بأخرى وضعية من اختراع الإنسان.

فهذا الاتجاه الأخير هو حالة من الهذيان تصيب بعض من اعتراهم مرض (جنون العظمة)، مع العلم أن قدرات الإنسان محدودة وليس من طاقة العقل البشري أن يعمل على وضع تفسير للظواهر الكونية وقوانينها، فذلك شأن لا يستطيعه. وحدود الإنسان ـ وهي حدود الفلسفة والعلوم ـ أن يبحث في مسائل محددة سعياً لفهم بعض ما فيها من سُنن وقوانين، مع الاعتقاد أن معارفه ستبقى نسبية الصحة، محدودة الآفاق.

وإذا ما فهمنا الفلسفة وفق هذه المرتكزات، عندها لا يجوز أن نرفضها لمجرد أن هناك فلسفات إلحادية، أو فلسفات حلّق أصحابها بأسلوب خرافي فضلوا الطريق، وزاغوا عن الحقيقة، بل الأصح أن نحاكم كل فلسفة على حدة لاستكشفا غايتها ومنهجها، من أجل رفضها، أو قبولها. وأريد أن نعلم في هذا الباب أننا لسنا بصدد خوض دفاع عن الفلسفة وأفكارها المتنوعة، ونظرياتها المتعددة، فبعضها نرفضه ونحاربه، وبعضها نقبله، وهذا أمر طبيعي، ولكن هدفنا هنا أن ننبّه القارئ إلى خطورة الأحكام التعسفية، التي كثيراً ما تبنى على الارتجال، وتصدر في حالة من التسرّع وعدم التروّي.

الفلسفة ـ كما نفهمها ـ محاولة جادة من قبل المشتغل بها لتفسير ظواهر طبيعية، أو غير طبيعية، ولكن يشترط فيها أن تكون مجمل آراء الفيلسوف؛ معدّة في نسق متكامل منسجم الأجزاء والأفكار. وليست الفلسفة، ولن تكون، محاولة لخلق سُنن طبيعية كونية جديدة، أو تفسيراً شاملاً لنظام الكون، فمثل هذا الكلام الإلحادي يعبّر عن قصر نظر، وعصبية تنمّ عن جهل وادّعاء.

ضمن هذا السياق يأتي التمييز بني موضوعات الفلسفة المتعددة، والتي يمكن حصرها بداية تحت عنوانين رئيسين: فلسفة نظرية، فلسفة عملية. ومن خلال هذا التقسيم يمكن أن ندرج في النوع الثاني كل العلوم المرتبطة بالجانب التطبيقي للعلوم، أو لحياة الإنسان في مختلف جوانبها، وحتى غير الإنسان من المخلوقات.

ومن أقسام الفلسفة العملية، قسم من الدراسات الفلسفية يُطلق عليه اسم (Axiologie) ـ أكسيولوجي ـ ومرادف الكلمة بالعربيةـ خلاقة ـ، ومرادفها اصطلاحاً في الفلسفة: علم القيم، ويشمل هذا العلم البحث في موضوعات: علم المنطق ـ علم الجمال ـ علم الأخلاق.

ويتجاوز بعض الباحثين جادة الحق والحقيقة فيضيفون إلى الفلسفة العملية، في باب علم القيم، الدين. وهذا الأمر غير صحيح، لأن الدين، وفق المفهوم الإسلامي لرسالات السماء على أنها وحي منزل على الرسل، يتجاوز حدود الفلسفة، والعلوم وكل أبحاثهما، ليعطي للفلاسفة والعلماء قواعد التفكير ومنهجه، وليشكل الضوء الذي يكشف لهم طريق سيرهم مشجعاً على البحث والنظر في علم القيم وغيره، مع إيضاح مكانة العقل في المعنى الاستكشافي وحدوده حتى لا تتحوّل المسألة من قبل الإنسان إلى جمود وانكفاء، أو إلى شطحات عقلية تقرب من حد الأسطورة، وتجافي الواقع والممكن.

في العودة إلى مبحث القيم، لكي يتم تحديد علومه الثلاثة: منطق ـ جمال ـ أخلاق، نستطيع القول: إنها (تدرس القيمة التي يمكن إضفاؤها على التفكير ـ المنطق ـ، أو القيمة التي يمكن إضفاؤها على الوجدان أو الشعور ـ الجمال ـ، أو التي يمكن إضفاؤها على السلوك ـ الأخلاق ـ)[1].

انطلاقاً من هذه المداخلة يمكن القول: إن الأخلاق علم معياري، بمعنى أنّه جملة القواعد والأسس التي يعرف بواسطتها الإنسان معيار الخير في سلوكٍ ما، أو مدى الفساد والشرّ المتمثّل في سلوك آخر.

والأخلاق كعلم معياري يكون وفق هذا المفهوم علماً خاصاً بالإنسان دون باقي المخلوقات، وهو يشكّل منهاجه السلوكي القائم على مجموعة المبادئ والقيم التي تحكم قناعات الفرد.

إن لكل إنسان فلسفته الخاصة التي تحكم تصرافته، ويقول عنها: إنّها معياره في تحديد الفضائل. ولكن هذا لا يعني أن يصبح الفرد مقياس الأشياء، بل لا بدّ من عقيدة تحكم هذه القناعات، وتوجّه السلوك حتى لا يصبح سلوك الفرد جرياً وراء الشهوة بالمعيار الفردي، لأن قيمة السلوك الأساسية بمقدار انسجامه مع قيم المجتمع والجماعة، خاصة إذا كانت الجماعة تلتزم الفضيلة في سلوكها، وأخلاقها.

لهذا بات اتسام أخلاق الفرد بالطابع الإنساني، وصدور أفعاله عن روية وتعقّل هما مقياس أخلاقيته.

في معرض حديثه عن الإنسان والأخلاق يقول مسكويه عن الإنسان: (أما أفعاله وقواه وملكاته التي يختص بها من حيث هو إنسان، وبها تتمّ إنسانيته وفضائله، فهي الأمور الإرادية التي تتعلّق بها قوة الفكر والتمييز، والنظر فيها يُسمى: الفلسفة العملية)[2]. وبذلك يؤكد مسكويه؛ أن الأخلاق من أقسام ومباحث الفلسفة العملية.



[1]  إمام، د. عبد الفتاح، محاضرات في فلسفة الأخلاق، القاهرة، دار الثقافة، سنة 1974، ص 8، 9.

[2]  مسكويه، أبو علي احمد بن محمّد، تهذيب الأخلاق، تحقيق د. قسطنطين زريق، بيروت، منشورات الجامعة الأمريكية، سنة 1966، ص 11.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net