الأخلاق
في الإسلام والفلسفة القديمة
الدكتور اسعد السحمراني
أستاذ فلسفة في جامعة بيروت العربية وكلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية
الإهداء
إلى المحافظين على القيم الأخلاقية الإسلامية ـ العربية
المقاومين لدعوات الفرنجة والتغريب.
إلى كل من يتمسك بالسلوك الخلقي الفاضل
مدافعاً عن شخصية الأمة.
إلى الغرباء الذين يعملون على إصلاح ما أفسده العصاة
أهدي عملي هذا.
مقدمة
تشكِّل الأخلاق دور العامل الحاسم في صلاح الجماعات، وتقدّم الأمم والشعوب إذا كانت أخلاق خير قائمة على معايير سليمة. وتكون أخلاق الشر المنطلقة من قواعد فاسدة عاملاً رئيساً في انحلال الجماعات، وتفكك روابطها، وسبيلاً لتخلف الأمم والشعوب.
فالأخلاق هي تلك الفلسفة التي تهتم بالجانب العملي في سلوك الإنسان، والوجه العملي من سلوك الإنسان، هو المعيار الذي يحكم الآخرون من خلاله عليه، وهو الباب لتمتين علاقته مع غيره، أو السبيل لإفساد علاقته بهم. ناهيك من أن القيم الخلقية التي تشكل حالة إلزام ذاتي للفرد ترقى به إنسانياً وتساعده على تزكية نفسه والسمو بشخصيته فوق الأعراض الزائلة، بينما ينحط الإنسان المتحلل من الضوابط الأخلاقية إلى بهيمية تحصر اهتمامه بمطالب جسدية تفسد عليه إنسانيته.
ولأهمية الأخلاق في ضبط المجتمعات وتنظيمها لم نجد واحداً من الفلاسفة، على امتداد التاريخ، أو المفكرين والكتاب في العلوم الإنسانية إلاّ وقد خصّص حيّزاً من كدحه الذهني وكتاباته لباب الأخلاق، ولكن جهود الأفراد في رسم المعايير والقواعد الأخلاقية تبقى في إطار النسبية لأن للأفراد قناعات ومفاهيم، وأهواء ومصالح تلعب دوراً في ما يكتبون، ولذلك نرى كل فيلسوف، حسب اهتماماته وواقعه وعوامل الضغط الاجتماعي في عصره ووفق موقعه وسط الجماعة، قد رسم للأخلاق أسساً وقواعد تلتقي أو تتمايز عمّا رسمه غيره.
هذه القضية هي التي تحملنا على القول: إذا أردنا قيماً أخلاقية ترقى عن الفردية والهوى، وتمتاز بالثبات واستمرارية الصلاحية متجاوزة حدود المكان والزمان، فإننا لا نظفر بذلك إلاّ في الدين لأنه صنعة إلهية، ومن لدن عليم حكيم، ليس فيه سوى هدف الرحمة للعالمين، وصلاح المجتمعات، والوعيد للمفسدين.
والدين لم يكن أصلاً إلاّ من أجل الإنسان ليبيّن له طريق الخير ويأمره باتباعها، ويعرّفه بالشر وينهاه عنه. لذلك لا داعي، ونحن نعيش اليوم حالة فساد وانحلال خلقي تغشى مجتمعات وأمماً عديدة، لإجهاد النفس في سبيل تحديد معايير وقيم تصلح أساساً لفلسفات أخلاقية، فمحاولاتنا لن تتقدم كثيراً عن محاولات من سبقونا، ولن يكون بيننا موقف موحد بل ستكون محاولاتنا سبيل تفتيت المجتمع، وباباً لإيجاد العصبيات.
لذلك من المفيد أن نسلّم بما جاءنا في شريعة الله تعالى لأنه السبيل لصلاحنا ورقي إنسانيتنا، وجهدنا يكون في فهم ما أنزل الله والالتزام به، وأن يحصر اجتهادنا وجهدنا في التنظير في باب الأخلاق انطلاقاً من ضوابط الشريعة وأحكامها، والتزاماً بما أمر به الله تعالى، وامتناعاً عن فعل ما نهى عنه سبحانه.
وليكن كلّ منا في دعوته الأخلاقية مقتدياً بأخلاق النبي محمّد صلى الله عليه وسلم الذي حدّد من غايات بعثته الرسالية إصلاح الأخلاق فقال صلى الله عليه وسلم: (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
أرجو أن أكون قد نجحت في تحقيق الفائدة من عملي هذا للقارئ العربي وأسأل الله تعالى أن يقبله ويؤجرني عليه لأنني لا أبغي سوى مرضاته سبحانه.
والحمد لله رب العالمين والله الموفق.
4 ربيع الثاني 1408 هـ / 24 تشرين الثاني 1987م
اسعد السحمراني
|