اهل الخبرة الطبية
ودفعاً للمشاكل التي يواجهها المجتمع في تمييز الطبيب القادر على العلاج من بين المشعوذين والمنتحلين للصفات الطبية ، فان المؤسسة الطبية مكلفة بحصر تعليم الطب في الكليات والجامعات الطبية ، التي يحدد مستواها وكمية المعلومات الواجب تدريسها اكثر الخبراء علماً وتجربة في العلوم الطبية . ولاشك ان هذه العلوم متغيرة بتغير البحوث التجريبية ، ولذلك فان اي تطور في هذه العلوم يجب ان ينعكس على المواد المنهجية التي تدرس في هذه الكليات . ولابد من التأكيد على الجانب القرآني والفقهي الطبي في المنهج الدراسي بقسميه الغذائي والوقائي ، ودراسة آثار المحرمات كالخمرة والدم والميتة والخنزير والمسوخ ، وآثار التدخين والمخدرات وتلويث البيئة ، وآثار كثرة تناول اللحوم الحمراء وشحومها ، واحكام الصيد والتذكية الشرعية ، واستحباب السواك والتخليل . وهذه الموارد كلها تساهم بشكل فعال في تحليل اسباب نشوء امراض الحضارة الحديثة . ولاشك ان فكرة الوقاية ـ التي تجنب المجتمع الاسلامي العديد من الامراض التي ابتلي بها صانعو تلك الحضارة ومناصروها ـ يجب ان تحتل موقعاً متميزاً في المواد التدريسية.
ولابد في تقييم العمل الطبي ـ قضائياً ـ من اشتراك الحاكم الشرعي ،
( 163 ) والبينة ، والقرائن الموضوعية . فأذا اخطأ الطبيب في علاج المريض ، وثبت الخطأ شرعاً ، ألزمه القاضي الشرعي العادل بالضمان . ولابد في نفس الوقت من تصميم نظام خاص ـ ضمن النظام القضائي ـ يحفظ فيه حق المريض اذا اصابه الخطأ ، ويحفظ سمعة المهنة الطبية ، ويقيم العدل بين افراد النظام الاجتماعي في هذا الحقل بالخصوص.
وقد تتولى الدولة تحديد اجور الطبيب ، حتى لايتجاوز الحد الشرعي فيكون مدعاة انشاء طبقة رأسمالية جديدة في مجتمع يرفض الظلم الاجتماعي . ومع ان تحديد الاجر يتم على ضوء نوعية العمل المنجز ، الا ان رفع اجور العمل الطبي بشكل يؤدي الى تكديس المال في طرف وحرمان طرف آخر منه لايمثل اي شكل من اشكال العدالة الاجتماعية . وامام هذه المشكلة يقف الاسلام موقف الحكم . فالهدف من المهنة الطبية ـ كما يؤكد الاسلام ـ ليس جمع المال وكسب القوة السياسية والاجتماعية ، بل الخدمة الانسانية . وعليه فان اجر الطبيب ينبغي ان يتناسب مع نوعية ذلك العمل وكمية تلك الجهود المبذولة ولكن بشكل لا يسبب حرماناً للفقراء والمعدمين . وعلى ضوء ذلك تحدد الدولة اجور الطبيب في المعاينة والعمليات الجراحية ، وتحدد اجور بقية العاملين في الحقل الطبي.
ولاريب ان رأي اهل الخبرة الطبية حاسم في فصل القضايا القانونية امثال تشخيص الاضطراب العقلي بنوعية الادواري والمطبق ، وتقرير عجز الفرد عن القيام بالعمل الانتاجي ، وتحديد مقدار الجروح او الكسور في الديات . بل لايستطيع احد انكار اهمية دور الطب الجنائي في الكشف عن
( 164 ) اسباب الجريمة ومنشأها . ومع ان هذه العوامل تشكل مادة الحسم في الحكم الصادر ضد المتخاصمين في الامور القضائية ، الا ان وظيفة الطبيب تبقى مقيدة بحدود تقديم الخبرة الطبية ، ويبقى للقاضي اصدار الحكم الشرعي على طرفي النزاع بالاستناد على المصادر الشرعية والقضائية.
ولما كان الطب يتعامل مع الانسان تعاملاً مباشراً ، فان الخطأ الذي يقع سيسبب للمريض اضراراً بالغة . ولذلك ، فان الطبيب لابد وان يتحمل جزءاً من المسؤولية في ضمان ما يتلفه بالعلاج . فقد اتفق فقهاء الامامية ـ باستثناء ابن ادريس ـ ان الطبيب يضمن لو مات المريض بسبب العلاج . وينطبق نظام الديات في تلف النفس والاطراف على ذلك . ولما كان الضامن في الخطأ المحض عاقلة الجاني ، فان الضامن في الفعل الشبيه بالعمد ، الفاعل ـ وهو الطبيب نفسه ـ « لحصول التلف المستند الى فعله ، ولايبطل دم امرئ مسلم ، ولانه قاصد الى الفعل مخطئ في القصد . فكان فعله شبيه عمد ، وان احتاط واجتهد واذن المريض » (1). ____________ (1) شرح اللمعة ج 1 ص 108.
|