متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
النظام الصحي في الاسلام
الكتاب : النظرية الإجتماعية في القرآن الكريم    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة

النظام الصحي في الاسلام

ان الاسلام بحثه على العمل ، ومباركته للجهد الانساني ، وربطه العمل الانتاجي في الارض بالثواب والأجر في الحياة الآخرة ، أراد لكل الافراد في النظام الاجتماعي اداء أدوارهم المرسومة بكل جدية ونشاط ؛ لأن الانسانية لايمكن ان يتكامل نظامها الاجتماعي ولا أن يتطور بناؤها الفكري والفلسفي ، مالم يساهم الافراد جميعاً بالعمل الانتاجي المؤدي الى اشباع حاجاتهم الاساسية . ونزول المرض بفرد ما ، يعطل جهده الطبيعي في تأدية الدور الاجتماعي المناط به ؛ مما يؤدي الى تحرك النظام الاجتماعي للتعامل مع ذلك الاستثناء حتى يتم اصلاحه وعلاجه طبياً واجتماعياً.
فاذا كان المرض مؤقتاً ويمكن علاجه بالطرق الطبية المعروفة ، خلد المريض الى الراحة ، وتدخل النظام الاجتماعي الاسلامي لمساعدته على ثلاثة محاور ؛ المحور الاول : العلاج ، فيقدم له كل اسباب التطبيب والعلاج دون النظر لدخله السنوي أو طبقته الاجتماعية . والمحور الثاني : المساعدة المادية له ولعائلته اذا كان فقيراً ، فيحتسب مقدار حاجته وحاجة عائلته ، فيدفع له ذلك المقدار حتى يحين وقت الشفاء . والمحور الثالث : تدخل النظام الاجتماعي لسد دور المريض الشاغر في الحقل العملي . فاذا كان المريض عاملاً في مؤسسة صناعية ، فان المؤسسة ملزمة باستئجار عامل آخر يحل


( 152 )

محل العامل المريض ، وهذا يتم عادة في الامراض التي يستلزم علاجها فترة زمنية قصيرة كالانفلونزا والجروح والكسور وامراض الجهاز الهضمي والبولي.
اما اذا كان المرض مزمناً ، كالشلل التام ، وامراض السرطان ، وامراض نقص المناعة الحادة ، والامراض القلبية ، فان النظام الاجتماعي ملزم بالتدخل ايضاً لمساعدة المريض طبياً ومالياً وايجاد من يسد دور المريض الشاغر في الحقل الاجتماعي بصورة دائمية . ولايختلف تدخل النظام الاجتماعي في المرض المزمن عن المرض المؤقت الا بفارق الزمن ، حيث يتعين على ذلك النظام تخصيص معاش ثابت للمريض ولعائلته يفترض ان يستقطع من بيت المال ـ كما في الرواية المروية عن الامام امير المؤمنين (ع) مع الشيخ النصراني ـ وتعيين برنامج علاجي مستمر للمريض . بل ينبغي ان يستمر هذا المعاش والعلاج حتى آخر لحظة من حياة ذلك المريض . وهذا على خلاف رأي النظرية الرأسمالية التي تعتبر المريض عنصراً مستهلكاً لاقدرة له على الانتاج (1) . ولكن نظرة الاسلام الشمولية واحترامها للحياة الانسانية أوجبت اكرام الانسان المعاق جسدياً ، حتى لو كان عاجزاً عن الانتاج ؛ وقد ورد في الروايات المروية عن اهل البيت (ع) ان الامام علي (ع) عندما صادف النصراني ـ المذكور آنفاً ـ والذي كان يمد يده استجداءً لعدم قدرته على العمل ولكبر سنه ، تألم لحالته وانكر على عماله سلوكهم تجاهه وقال لهم : ( استعملتموه ، حتى اذا كبر وعجز منعتموه ) ، وأمر
____________
(1) ( اليوت فريدسون ) . المهنة الطبية نيويورك : دود وميد ، 1970 م.

( 153 )

ان يصرف له من بين المال (1).
ويجعل الاسلام الولاية الشرعية ، مصدر المسؤوليات الاجتماعية . فولي الاسرة مسؤول عن رعاية من يتولاهم من القاصرين ونحوهم . وفي انعدام الولي يتحمل الامام أو نائبه ( أي الدولة ) مسؤولية الولاية لمن لا ولي له . وعليه ، فان القاصر عن التحصيل لمرض ونحوه يضمن اما من قبل الولي العام أو الولي الخاص . بمعنى ان الانسان القادر على الانتاج يستطيع ان يسد حاجته الاساسية وحاجة الافراد الذين يتولاهم اصحاء كانوا أم مرضى . واذا عجز الوي بسبب المرض عن اعاشة عائلته ، وجب ـ حينئذٍ ـ على الامام اعالتهم لحد الكفاية ، وهذا الاسلوب يضمن تكامل النظام المعيشي لكل الافراد في المجتمع الاسلامي . وقد جاء هذا الايمان بكرامة الفرد وصيانته من الاهمال ضمن اطار المسؤولية الجماعية والاخوة الانسانية التي دعا اليها الاسلام.
ولاريب ان تأكيد الاسلام على ربط العمل الانتاجي في الحياة الدنيوية بالثواب الاخروي ، وحثه على التزام الصدق والثقة المتبادلة والاعتدال ونهيه عن الكذب وشهادة الزور والجشع ، وجزمه في تثبيت أسس العدالة الاجتماعية سهل دور المؤسسة الصحية في تحديد ( من هو المريض ؟ ) . فمع تضافر هذه العوامل ، تجد من الصعوبة بمكان ان يجد المتمارضون ساحة لكسلهم ومجالاً لعيشهم عبئاً على بيت المال ؛ لأن المؤسسة الصحية تستطيعع تحديد ( من هو المريض ؟ ) عن طريق علامات
____________
(1) التهذيب ج 2 ص 88.

( 154 )

واعراض المرض ، وعن طريق دراسة شخصية وتاريخ المريض والتزامه بالاخلاق الدينية وتمسكه بالصدق والنزاهة والاستعفاف.
ان امراض الحضارة الحديثة يفترض ان لاتجد لها مكاناً في المجتمع الاسلامي ، لأن الاسلام حرم شرب الخمر وأكل الميتة والدم والخنزير ، وهذه هي اساس امراض الكبد والجهاز الهضمي وامراض القلب . وحرم تناول كل ما يضر بالجسد ومنها استعمال المخدرات والتدخين الشديد التي هي المصدر الاساس في امراض سرطان الرئة والبلعوم والاضطراب العقلي . وأوصى بالاعتدال بأكل اللحوم الحمراء ، خصوصا لحوم البقر والضأن وهذه هي مصدر أمراض القلب وتصلب الشرايين . وأوصى باستعمال المسواك لتنظيف الاسنان وتطهير الفم ، وهو تمهيد لممارسة طب الانسان الوقائي . ولاشك ان للدولة الاسلامية مبدأ حق التدخل للحفاظ على البيئة الطبيعية من التلوث الصناعي ، لأن التلوث يعتبر أحد مصادر امراض السرطان وامراض الرئة بأنواعهما المختلفة . وحرم الاسلام الاجهاض والانتحار وقتل النفس البريئة فأكفى الطب الدخول في هذا الحقل الذي يستنزف طاقات المؤسسة الصحية . وأوجب الاسلام التذكية الشرعية ووضع شروطاً للصيد والذباحة ، وهذا الوجوب جنب النظام الصحي العديد من الامراض المتعلقة بالقلب وجريان الدورة الدموية . ولاريب ان الاطمئنان النفسي والراحة الشعورية التي ينزلها النظام الاسلامي على قلوب الأفراد من حيث محو نسبة الجرائم والاعتداءات والسرقات ، يساهم بشكل فعال في ازالة الأرق والقلق النفسي والقرحة والامراض العقلية التي


( 155 )

يعاني منها أفراد الحضارة الحديثة.
ومن نافلة القول ان نذكر : ان صحة المتقدمين وتعميرهم تلك السنين الطويلة لم يكن نتيجة لمعاينة طبية أو نتيجة فهم للنظرية الجرثومية أو استخدام للعقاقير الطبية ؛ بل ان الوقاية وتنظيم النظام الغذائي كانتا من أهم اسباب العيش السليم من الأمراض . وقد ورد في بعض الكتب التاريخية ان سلمان الفارسي (رض) عاش أكثر من ثلثمائة سنة . ولو صحت هذه الرواية لكان الاجدر بالجهاز الطبي دراسة هذه الظاهرة الطبيعية وفهم منشأها واسبابها.
ولا يمكننا الاعتماد على العلاج الكيميائي والشعاعي في جميع الحالات المرضية ، بل لابد ان نترك فسحة لتقدم العلاج الطبيعي والروحي ، لأن الكثير من الأمراض النفسية والأمراض الجسدية الناشئة عنها لايتم علاجها الا بالعلاج الغيبي . وقد ورد في النص المجيد الى ما يشير الى ذلك : ( وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمة للمؤمنين ) (1) ، ( أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدىً وشفاء ) (2) ، ( واذا مرضت فهو يشفيني ) (3) . والعلاج الطبيعي مهم في شفاء الجروح العضلية والغضروفية . ولما كان الاسلام ولا يزال يهاجم النظام الطبقي ويدعو الى توزيع عادل للثروة الاجتماعية ، فان النظام الصحي الاسلامي سيجعل الانشطة الطبية جميعاً
____________
(1) الاسراء : 82.
(2) فصلت : 44.
(3) الشعراء : 80.

( 156 )

أنشطة يهمها العلاج الحقيقي للافراد ، لاتجارة تجني ارباحاً على حساب الفقراء والمستضعفين.
ولا تتوقف وظيفة الطب على تحديد ( من هو المريض ؟ ) بل تتعدى الى قاعدة المحافظة على صحة الافراد عموماً ، حتى يستطيع النظام الاجتماعي تنشيط منهجه الاقتصادي في الانتاج وعدالة التوزيع . وبطبيعة الحال ، فان المؤسسة الصحية الاسلامية مسؤولة عن صحة الافراد في المجتمع الاسلامي على مستويين ؛ المستوى الاول : تثقيف افراد المجتمع تثقيفاً عاماً فيما يتعلق بفهم منشأ وسبب الامراض ، والتركيز على نظامي الوقاية والغذاء في تنمية الجسم البشري ، حيث يتم ذلك من خلال النشر والاعلام والتبليغ الفردي والجماعي . والمستوى الثاني : معالجة الافراد معالجة فردية في الظروف الطبيعية ، ومعالجة جماعية في الظروف الاستثنائية ؛ ومن ذلك توفير الحقن المضادة للأوبئة المعدية ، وتنقية مياه الشرب من الجراثيم ، والسيطرة على أنظمة المجاري العامة ، والتدقيق في الفحص الصحي للاسواق ومراكز بيع اللحوم والمواد الغذائية الاخرى والمطاعم والفنادق ، والسيطرة على الكائنات الناقلة للجراثيم كالذباب والبعوض والقمل.
وبطبيعة الحال ، فان المؤسسة الطبية تساهم بشكل حاسم في تنظيم الحالة الاجتماعية من حيث منح شهادات الميلاد والوفيات حتى يتم توزيع الثروة الاجتماعية بشكل عادل . وتساعد على فصل التخاصم في الارث والحقوق بين الافراد من خلال تشخيص الجينات الوراثية . وكذلك تساعد


( 157 )

في السيطرة على الامراض ، واثبات أحقية المعوقين باستلام المساعدات المالية ، ودراسة الساحة الصحية الميدانية حتى يتم تحديد الطاقة الانتاجية للنظام الاجتماعي الاسلامي . ولذلك ، فان المؤسسة الطبية تعتبر ركناً هاماً من أركان النظام الاجتماعي والديني والاخلاقي ايضاً.
ولما كانت المنافسة الاقتصادية في الاسلام مرتبطة بالمعنى العبادي وبمفهوم تعمير الأرض ـ على خلاف المبدأ الرأسمالي الذي أقحم المؤسسة الطبية في المعركة الاقتصادية فأفقدها مفهومها الانساني ـ أصبحت الرعاية البدنية مرتبطة بالثواب والعقاب أيضاً ؛ لأنها من الضروريات التي يحتاجها الفرد بالخصوص ، والنظام الاجتماعي عموماً . ولاشك ان الدولة مكلفة بسد هذه الحاجة الاساسية من شتى المصادر المتوفرة لها ، حتى تقوي في الفرد روح الانتاج والعبادة ، وحتى تبعد النظام الصحي عن المنافسة الاقتصادية الرأسمالية وما تجر معها من ويلات ومظالم بحق الفقراء.
ولاشك ان مناداة الاسلام ـ ايضاً ـ بالعدالة الاجتماعية وتضييق الفوراق الطبقية بين الافراد ، سيساهم في ازالة الامراض العقلية وغير العقلية بين الفقراء . فيشترك الفقراء ـ حينئذٍ ـ مع أقرانهم في ادارة النظام الاجتماعي . وكذلك فان مشاركة الطبقة الفقيرة في رفد المؤسسة الصحية بالاطباء في النظام الاسلامي سيخفف من حدة الفوارق الطبقية بين الافراد.

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net