متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
2 ـ النظام الغذائي
الكتاب : النظرية الإجتماعية في القرآن الكريم    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة
2 ـ النظام الغذائي : ولايمكن المواظبة على العمل والانتاج وطلب العلم مالم يقم الفرد باتباع نظام غذائي يبعث فيه كل ألوان الطاقة والنشاط والتفكير ، وعليه نبه رب العزة بقوله : ( كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً ) (1) ، ( كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله ان كنتم اياه تعبدون ) (2) . ومع ان تناول الطعام في نفسه يعد امراً ضرورياً ، الا ان الاحاديث الواردة في أهمية تناوله ، أكدت جميعاً على ضرورة تقليل كمية المتناول منه ، واشارت الى أهمية اقتصاره على الاساسيات التي تقوي صلب الفرد وتمنحه النشاط المطلوب . ومن أجل توضيح المنهج الاسلامي في التغذية ، لابد من ترتيب النقاط التالية :
أولاً : وجوب التذكية الشرعية ، وهو دليل قوي على ارتباط حلية المأكولات اللحمية بالقضايا التعبدية من جهة والصحية من جهة اخرى لثبوت المصلحة الشرعية التي تخص الفرد والنظام الاجتماعي . فلا يؤكل من الحيوانات الا ما كان قابلاً للتذكية الشرعية ، فتتحقق تلك التذكية بالذبح للحيوانات الاهلية : ( ولاتأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ) (3) ، والصيد للحيوانات المتوحشة : ( واذا حللتم فاصطادوا ) (4) ، والنحر للابل :
____________
(1) المؤمنون : 51.
(2) البقرة : 172.
(3) الانعام : 121.
(4) المائدة : 2.

( 145 )

( فصل لربك وانحر ) (1) ، والاخراج حياً من الماء للاسماك : ( وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً ) (2) ، ( وما يستوي البحران هذا عذبٌ فرات سائغ شرابه وهذا ملح اجاج ومن كل تأكلون لحماً طرياً ) (3).
ومن نافلة القول ان نقول : ان أخطر ما يواجه النظام الطبي اليوم من مشاكل صحية هي مشكلة اللحوم وما يتبعها من تذكية وحفظ وطهي ؛ فهي مصدر الكثير من الامراض المنتشرة في العالم المتحضر كأمراض القلب والدورة الدموية والجهاز الهضمي والبولي . ولاشك ان استبدال الاجهزة الحديثة في التبريد لحفظ اللحوم عن الطريقة القديمة السابقة التي كانت تستعمل التوابل ، لم يساعد على تقليل عدد الامراض التي تنتشر عادة عن طريق تناول تلك اللحوم , بل غير من نوعها وشدتها فقط . فبدل تعرض الفرد للتسمم بتناوله لحماً متفسخاً ـ بالطريقة القديمة ـ أصبح نفس الفرد يتعرض لامراض القلب وتصلب الشرايين جراء تناوله لحماً محفوظاً في الاجهزة الحديثة.
وليس لدينا ادنى شك من ان مشكلة اللحوم ستبقى من أخطر المشاكل التي يواجهها النظام الطبي في تعامله مع اسباب نشوء المرض ؛ لأن الحيوانات بكافة اشكالها وأنواعها تعتبر من أهم عناصر نقل الامراض الى خلايا الجسم البشري . ولكن الانسان يصعب عليه الاستغناء عن اللحوم
____________
(1) الكوثر : 2.
(2) النحل : 14.
(3) فاطر : 12.

( 146 )

المطبوخة في وجباته الغذائية . ولعل الطريقة الاسلامية في التذكية الشرعية ، تعتبر من أنشط العوامل في تجنب الامراض الناشئة عن تناول اللحوم.
ثانياً : اشرنا عند حديثنا عن النظام الوقائي الى ان الاسلام تناول باسهاب حلية الأطعمة المباحة . ونزيد هنا بذكر الآيات القرآنية الكريمة التي اشارت الى ذلك . ففي اللحوم قال تعالى : ( والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ) (1) ، وفي الاسماك : ( ومن كل تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حلية تلبسونها ) (2) ، وفي الفواكه : ( لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون ) (3) ، وفي الجواب : ( كلوا من ثمره اذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ) (4) ، وبالاجمال في أكل الطيبات : ( يا ايها الناس كلوا مما في الارض حلالاً طيباً ) (5).
ثالثاً : التأكيد على النظام الشفائي الغذائي المتمثل بالعسل ، وقد ورد في النص المجيد : ( وأوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون . ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها شرابٌ مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لاية لقوم يتفكرون ) (6) . و« هنا فوائد منها ان في الآية دلالة على اباحة العسل واباحة التداوي به ، اما بنفسه واما مع التركيب مع غيره
____________
(1) النحل : 5.
(2) فاطر : 12.
(3) المؤمنون : 19.
(4) الانعام : 141.
(5) البقرة : 168.
(6) النحل : 68 ـ 69.

( 147 )

كالحمضيات ونحوها » (1) . وورد في الاثر انه « ما استشفى مريض بمثل العسل فان لعقة منه شفاء من كل داء . وكان يعجب رسول الله (ص) وأكله حكمة . قال تعالى : ( فيه شفاء للناس ) (2) » (3).
وبسبب احتوائه على نسبة كبيرة من الكلوكوز والفركتوز ، وهما نتاج آخر مراحل هضم المواد النشوية والسكرية التي تمتص في الدم ، فان العسل يعتبر طبياً من أفضل المواد الغذائية التي تساهم في شفاء الامراض الخاصة بالامعاء والمفاصل والعضلات ونحوها . ولما كان سكر الفاكهة ( الفركتوز ) أحد أهم نسب المواد السكرية في العسل ، أصبح تناول الفرد السليم أو المريض لهذا الغذاء القرآني امراً شفائياً ، لأنه لايزيد من نسبة السكر في الدورة الدموية للانسان.
رابعاً : ان تأكيد الروايات على آداب الطعام وتناوله ، واخلاقية النظام الغذائي في الاسلام ، والافكار التي تحملها هذه الروايات مساندة تماماً لما جاء في القرآن الكريم . وأهمها التأكيد على آداب الشيء المأكول خصوصاً تقليل كمية الطعام الذي يتناوله الفرد ، واعتدال درجة حرارته وقت التناول ، وتقديم الملح على الطعام ، ومص الماء مصاً ، والاعتدال في أكل اللحوم المطبوخة جيداً ، والاهتمام بتناول الفاكهة والخضروات والخبز ومنتوجات الالبان بكافة انواعها . وكذلك التأكيد على ادآب المائدة
____________
(1) قلائد الدرر ص 314.
(2) النحل : 69.
(3) الجواهر ج 36 ص 503.

( 148 )

ـ كاستحباب غسل اليدين قبل تناول الطعام وبعده ، والأكل بثلاث اصابع ، واطالة الجلوس على المائدة ، والمضغ الشديد ، وتصغير اللقمة المأكولة ، والأكل مجتمعاً مع الآخرين . واخيراً : التأكيد على آداب الأكل كاستحباب تناول الطعام وقت الاحساس بالجوع ، واكماله قبل الشبع ، وتفريغ البدن من الفضلات قبل النوم.
وهذا التأكيد الشديد على ضرورة التدقيق في نوعية المادة الغذائية التي يتناولها الفرد وآداب تناولها ، يؤدي ـ دون شك ـ الى تقليل عدد الامراض التي تصيب افراد المجتمع ، والى تبديل شكل وتوجهات المؤسسة الصحية . ومن أجل تفصيل ذلك ، نورد هذه الاشارات في فوائد النظام الغذائي الاسلامي :
1 ـ ان تطبيق النظام الغذائي الاسلامي يساهم في تقليل عدد وشدة الامراض التي تصيب الافراد ، وهي الامراض الناتجة من سوء العادات الغذائية ، خصوصاً فيما يتعلق بالمضغ ، وحجم اللقمة ، والسرعة في تناول الوجبة الغذائية ، أو كمية الطعام المتناولة ونحوها.
2 ـ ان اهتمام المؤسسة الطبية بنوعية الغذاء الذي يتناوله الافراد أنفع للنظام الاجتماعي ـ على الصعيد الانتاجي ـ وأكثر اقتصاداً من علاج الافراد عن طريق الأدوية والمعاجين الكيميائية المصنعة.
3 ـ ان الاهتمام بالمواد الغذائية يشجع الاقتصاد الزراعي على النمو والتطور مما يفتح فرصاً اخرى لاشباع حاجات الافراد الغذائية ؛ فبدلاً من


( 149 )

تطبيب النظام الاجتماعي كما هو الحاصل اليوم في النظام الغربي (1) ، يحاول النظام الاسلام تقوية صحة الافرد من خلال اتباع اسلوب غذائي سليم يتمثل في وجبات غذائية معتدلة كاملة يتناولها الافرد من سن الطفولة وحتى الشيخوخة والهرم.
4 ـ ان تقليل كمية الطعام المستهلك من قبل الفرد سيوفر للافراد الآخرين طعاماً يشبع حاجاتهم الاساسية . فبدلاً من تخمة البعض وجوع البعض الآخر ، يحاول النظام الغذائي الاسلامي إشباع جميع الافراد بكمية معقولة من الطعام تساعدهم على العمل والانتاج ، وفي الوقت نفسه تحافظ على حيوية اجسامهم ونشاطها الطبيعي.
5 ـ ان ارتباط العادات الغذائية بالجانب العبادي ، يهذب الفرد ويجعله أكثر استعداداً لاحترام النظام الصحي والتعاون مع المؤسسة الطبية لايجاد نظام غذائي متكامل لجميع الافراد . والدافع الاساسي في هذا التوجه هو الدافع العبادي المتجسد بالامتثال للاوامر الشرعية.

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net