متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
1 ـ النظام الوقائي
الكتاب : النظرية الإجتماعية في القرآن الكريم    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة
1 ـ النظام الوقائي : ويعالج النظام الوقائي الحالة المرضية قبل وقوعها . فاذا كانت كثرة الطعام تسبب آلاماً في الجهاز الهضمي مثلاً ، فمن الوقاية ان يجتنب الفرد كثرة الأكل . وهذه القاعدة الصحية البسيطة لها تأثير فعال على صحة الأفراد ، لأن كمية الطعام ونوعيته مرتبطة بعدد كبير من الامراض التي تصيب الانسان . واذا نظرنا من وجهة نظر طبية ونفسية للتحريم الذي أوجبه الشارع على المأكولات تبين لنا ان للتحريم ـ اضافة الى معناه التعبدي ـ نتائج وقائية على مستوى عظيم من الأهمية . ويمكن


( 135 )

ترتيب النقاط التالية حول النظام الوقائي في القرآن الكريم :
اولاً : لما كان الفم الطريق الرئيسي لدخول الطعام الى جسم الانسان حيث تجري عليه مختلف العمليات الكيميائية من هضم وامتصاص وتمثيل وبناء خلايا ، فان نوعية الطعام الداخل لابد وان تؤثر على سير عمليات الجسم البيولوجية . ولاشك ان بعض المأكولات قد تسبب ـ بشكل مباشر أو غير مباشر ـ امراضاً تختلف شدتها وقوة تأثيرها على الأجهزة المختلفة التي تتضافر على تسيير دفة حركة الجسم . وعلى ضوء ذلك فقد نظم الاسلام نوعية المواد الغذائية المأكولة فحرم تناول لحوم الخنازير ، والدماء ، والميتة ، وما أهل لغير الله ، كما قال تعالى في كتابه الكريم : ( قل لا أجد فيما أوحي الي محرماً على طاعم يطعمه الا ان يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فانه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغٍ ولاعادٍ فان ربك غفور رحيم ) (1) . وحرمت الكلاب والسباع (2) ، والمسوخ (3) ، والطيور المخلبية على تفصيلٍ (4) . والحيوانات البحرية والاسماك التي ليس لها قشور (5) . وحرمت الخمرة ـ وهو مطلق ما يسكر ـ لقوله تعالى : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ) (6) ، ( انما الخمر
____________
(1) الانعام : 145.
(2) الكافي ج 6 ص 245.
(3) الخصال ج 2 ص 88.
(4) الجواهر ج 36 ص 304.
(5) اللمعة الدمشقية للشهيد الاول ج 7 ص 300.
(6) البقرة : 219.

( 136 )

والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) (1) ، ( قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق ) (2) . والاثم ـ في عرف المفسرين ـ هو الخمر . و « تحريم الخمر من ضروريات الدين حتى ورد أنه أكبر الكبائر وانه لو صب في أصل شجرة ما أكل من ثمرها ، ولو وقع في بئر قد بنيت عليه منارة ما أذن عليها ، ونحو ذلك من الأخبار الدالة على المبالغة في تحريمها لكثرة مفاسدها » (3) . وحرمت ايضاً كل الاعيان النجسة ، والسوائل المتنجسة ، وألبان الحيوانات المحرمة . والمدار في التحريم قاعدة ( لاضرر ولاضرار في الاسلام ) (4) ؛ بمعنى ان أي طعام ينزل ضرراً معتداً به على الفرد يحرم تناوله الا في حالة الاضطرار ، كما ورد في قوله تعالى : ( ولاتلقوا بأيديكم الى التهلكة ) (5).
ثانياً : ولم توقف الاسلام على تحديد الأطعمة المحرمة ، بل اشار الى حلية الأطعمة المباحة كلحوم البهائم الاهلية مثل البقر والغنم والماعز والابل ، ولحوم البهائم البرية كالغزلان والابقار والحمير المتوحشة ، كما ورد في قوله تعالى : ( احلت لكم بهيمة الانعام ) (6) ، ( واحلت لكم الانعام الا ما يتلى عليكم ) (7) . والاسماك ذات القشور وبيوضها ، كما في قوله تعالى : ( احل
____________
(1) المائدة : 9.
(2) الاعراف : 32.
(3) قلائد الدرر للشيخ الجزائري ص 300.
(4) من لايحضره الفقيه ج 4 ص 243.
(5) البقرة : 195.
(6) المائدة : 1.
(7) الحج : 30.

( 137 )

لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة ) (1) . والطيور بمختلف انواعها شرط ان لا تكون مخلبية ، وان يكون دفيفها أكثر من صفيفها ، وان تكون لها حواصل وقوانص وصيص : ( قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما امسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ) (2) . ولما كانت اللحوم من أهم مصادر البروتينات التي لها علاقة عظيمة ببناء الخلايا الجسمية ، فان حليتها لابد ان يكون امراً حتمياً ، لأن الفرد يصعب عليه ان يحيا على النباتات فقط دون مصدر بروتيني غني كاللحوم . ولاشك ان حلية تناول الخضار والثمار وكل ما ينفع الجسم الانساني من مواد غذائية ، واضحة ولاتحتاج الى مزيد من التفصيل ، ولعل اطلاق الآية الكريمة التالية يشملها ، وهو قوله تعالى : ( يا ايها الناس كلوا مما في الارض حلالاً طيباً ... ) (3).
ثالثاً : الاعتدال في تناول الاطعمة المحللة ، وضرورة التركيز على نوعية الطعام لا كميته ، كما هو الظاهر من قوله تعالى : ( وكلوا واشربوا ولاتسرفوا انه لايحب المسرفين ) (4) . وقد أوصت الروايات بتقليل كمية الاطعمة الداخلة الى جسم الانسان والاقتصار منها على ما يقيم صلب الانسان . وأوصت بالاعتدال في تناول اللحوم ، وضرورة طبخها جيداً ، ويدل على ذلك قوله تعالى في ضيف ابراهيم : ( فما لبث ان جاء بعجل
____________
(1) المائدة : 96.
(2) المائدة : 4.
(3) البقرة : 168.
(4) الاعراف : 31.

( 138 )

حنيذ ) (1) ، أي محنوذ وهو الذي اجيد طبخه ونضجه . وقال تعالى في وصف الطيبات : ( وانزلنا عليكم المن والسلوى ) (2) والمن هو العسل ، والسلوى يعني اللحم ، سمي سلوى لأنه يسلى به على جميع الادام ولايقوم غيره مقامه ، والى ذلك اشار رسول الله (ص) : ( سيد الادام اللحم ) (3) . ثم قال تعالى بعد ذكر المن والسلوى : ( كلوا من طيبات ما رزقناكم ) (4) ، فاعتبر اللحم والعسل من طيبات مارزقهم .
وقد وردت أهمية الخبز باعبتاره اساس الوجبة الغذائية ، ومادته الكاربوهيدراتية هي التي تمنح الجسم الطاقة التي يتحرك بها . فعن رسول الله (ص) قال : ( اللهم بارك لنا في الخبز ولاتفرق بيننا وبينه ، فلولا الخبز ما صلينا ولاصمنا ولاأدينا فرائض ربنا ) (5) . ووردت ايضاً أهمية الخضار المطبوخة ، والفاكهة وخصوصاً التمور ، ومنتوجات الالبان بكافة انواعها واشكالها . وكل هذه المواد الغذائية ـ اذا تناولها الفرد باعتدال ـ تساعد الجسم على القيام بوظائفه الطبيعية وتساهم في تنظيم الجهاز الهضمي وتنشيط الدورة الدموية وتجنب الفرد أمراض المعدة والامعاء وتصلب الشرايين وأمراض الكلية والجهاز البولي.
رابعاً : ان الاصل في القاعدة الوقائية الاسلامية ، ان كل ما يعد فعله
____________
(1) هود 69.
(2) البقرة : 57.
(3) الكافي ج 6 ص 308.
(4) البقرة : 57.
(5) الكافي ج 6 ص 287.

( 139 )

في العرف الاجتماعي ضرراً فهو حرام . فالمخدرات الطبيعية والصناعية التي تسبب ضرراً جسيماً بعقل الانسان ، والسموم الطبيعية ، وما يقطع العلم بكونه سماً يحرم تناوله بأي شكل من الاشكال الا في حالة الضرورة.
خامساً : ان قاعدة الاضطرار ـ وهي ان الضرورات تبيح المحظورات ـ تعتبر من أكمل القواعد الصحية التي استهدفت التيسير والسعة وعدم الضرر ونفي الحرج على الفرد المضطر . فقد أعلن الاسلام ان الاصل في احكام الشريعة هو اليسر والسعة وعدم الضرر ، لقوله تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) (1) ، ( يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر ) (2) ، ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم ) (3) . والمشهور من قوله (ص) : ( لاضرر ولاضرار في الاسلام ) (4) . والرواية الواردة عن علي بن مهزيار عن الامام ابي الحسن العسكري (ع) قال : ( ... وكلما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر ) (5).
والمضطر ـ حسب تعبير الفقهاء ـ هو « الذي يخاف التلف على نفسه لو لم يتناول المحرم أو يخشى حدوث المرض أو زيادته ، أو انه يؤدي الى الضعف والانهيار ، أو يخاف الضرر والأذى على نفس اخرى محترمة ، كالحامل تخاف على حملها ، والمرضعة على رضيعها » (6) . وقد اشتهر بين
____________
(1) الحج : 78.
(2) البقرة : 185.
(3) الانعام : 145.
(4) من لايحضره الفقيه ج 4 ص 243.
(5) من لايحضره الفقيه ج 1 ص 120.
(6) المسالك للشهيد الثاني ـ باب الاطعمة الاشربة.

( 140 )

الفقهاء بأن ( الضرورة تقدر بقدرها ) ويدل عليه قوله تعالى : ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ) (1) . ولاشك ان الخوف على تلف نفس الانسان أو زيادة المرض أو الخشية عليه من الضعف والانهيار ، هو الذي دعا الى تشريع هذه القاعدة العظيمة . ومعنى ( ان الضرورة تقدر بقدرها ) ، هو ان على الفرد وقت الاضطرار تناول المواد الغذائية المحرمة بشكل يؤدي الى اجتناب الضرر فقط ولا يتعدى الى مادون ذلك لأن الاصل في الاضطرار هو اصلاح الضرر أو الفساد المحتمل حدوثه على جسم الفرد ، وليس بناء الجسم على المادة الغذائية الفاسدة المحرمة شرعاً.
سادساً : ومن الواضح ان تأكيد الاسلام على السواك والتخلل ينسجم منطقياً مع دعوته الصحية في الوقاية من الأمراض ، خصوصاً فيما يتعلق بالفم كأمراض اللثة وتسوس الاسنان . ويمتاز خشب الاراك المنصوص على استحبابه في السواك ، باحتوائه على رائحة طيبة تطهر الفم من النكهة المتغيرة بالنوم أو بالطعام . وقد ورد عن رسول الله (ص) : ( ان افواهكم طرق القرآن فطيبوها بالسواك ) (2) . وفي الرواية عن ابن عباس قال : ( بت عند النبي « ص » فاستن ) . وقوله : « فاستن من الاستنان وهو الاستياك ، وهو دلك الاسنان وحكها بما يجلوها . مأخوذ من السن وهو امرار الشيء الذي فيه خشونة على شيء آخر ومنه المسن الذي يشحذ به
____________
(1) البقرة : 173.
(2) المحاسن للبرقي ص 588.

( 141)

الحديد ونحوه » (1) . ولاشك ان السواك والتخلل وتأثرهما على الاسنان واللثة يعتبران اساس طب الاسنان الوقائي الاسلامي وما عداهما اساس طب الاسنان العلاجي.
سابعاً : ومن المسلم به ان الأرق والقلق النفسي يعتبران في النظام الصحي الغربي مشكلة طبية تستدعي علاجاً يقوم على أساس الدواء الكيميائي (2) . ولما كانت الحياة المبنية على التنافس الاقتصادي مصحوبة دائماً بالصراع النفسي والصخب والكدح المستند على حيازة أكبر قدر ممكن من المادة ، فان الأرق يصبح داء الفرد الرأسمالي ؛ لأن الاثارة التي تجلبها الحياة الرأسمالية لبعض الافراد تسلب عن أعينهم النوم . واذا أدخلنا عملية تطبيب النظام الاجتماعي التي يسعى النظام الصحي الغربي الى فرضها على المجتمع ، أصبح واضحاً لدينا ان الأرق في الحضارة الغربية يعتبر اليوم مرضاً توليه المؤسسة الطبية الغربية اهتماماً واسعاً ، وتزعم ان علاجه لايتم الا عن الطريق الكيميائي.
الا ان النوم وآدابه في الاسلام يعتبران شكلاً من اشكال التكامل النفسي الذي ينعم به الفرد في المجتمع الاسلامي ، كما يقول تعالى : ( وجعلنا نومكم سباتاً ، وجعلنا الليل لباساً ) (3) . فبالاضافة الى اطمئنان الفرد على حياته وعرضه وماله بسبب قانون العقوبات الاسلامي ، فان الاسلام
____________
(1) عمدة القاري في شرح صحيح البخاري للعيني الحنفي ج 1 ص 953.
(2) ( نافارو فايسنت ) . الطب تحت ظل الرأسمالية . نيويورك : بروديست ، 1976 م.
(3) النبأ : 9 ـ 10.

( 142 )

يتحدث عن النوم باعبتاره قضية من القضايا التعبدية . فالطهارة الشخصية وذكر الله تعتبران من أهم ميزات خلود الفرد للنوم (1) ، دون الحاجة الى المواد الكيميائية التي يتناولها الفرد في الأنظمة الاخرى.
ثامناً : وتعتبر الطهارة المائية وغيرها من الطهارات ـ بالاضافة الى صورها التعبدية ـ من وسائل الوقاية الصحية ايضاً . حيث توجب الشريعة في الطهارة من الخبث ازالة البول والغائط والدم والمني بواسطة الماء المطلق ـ حكمية كانت النجاسة أو عينية ـ كما يقول تعالى : ( وينزل عليكم من السماء ماءً ليطهركم به ) (2) ، ( وانزلنا من السماء ماءً طهوراً ) (3) . وفي الطهارة من الحدث يجب الوضوء أو الغسل أو التيمم ، كما ورد في الذكر الحكيم فيما يخص الوضوء : ( ... فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق ... ) (4) ، ( ولا جنباً الا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) (5) ، ( فاذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ) (6) ، وفي التيمم : ( فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ) (7) . وتعتبر الشمس من المطهرات ايضاً للأرض وما عليها . ولاشك ان تأكيد الاسلام على نظافة الشعر والأذنين والأنف والاسنان والاظافر ، وآداب دخول الحمام ونحوه ، والكثير
____________
(1) من لايحضره الفقيه ج 1 ص 123 . ومصباح المتهجد ص 114.
(2) الانفال : 11.
(3) الفرقان : 48.
(4) المائدة : 6.
(5) النساء : 43.
(6) البقرة : 222.
(7) المائدة : 6.

( 143 )

من المستحبات الخاصة بالتنظيف تعتبر من أهم اشكال الطب الوقائي التي تجنب الفرد الكثير من الأمراض المنقولة في الأوساط التي تفتقد الى النظافة والتطهير . ولعل حثه تبارك وتعالى لرسوله الكريم (ص) في أوائل الدعوة بتطهير الثياب ، رمزٌ لطهارة الفرد في الاسلام على الاصعدة الروحية والجسدية والمعنوية ، كما قال : ( وثيابك فطهر والرجز فاهجر ) (1).
تاسعاً : وبطبيعة الحال ، فان صيام شهر كامل من أشهر السنة القمرية من طلوع الفجر وحتى الغروب يومياً يعتبر ـ بالاضافة الى صورته التعبدية ـ شكلاً من اشكال الطب الوقائي في معالجة الامراض المختصة بالجهاز الهضمي والدورة الدموية ، وشكلاً من أشكال الطب النفسي في الصبر وتقوية العزيمة والارادة . وقد وردت في ذلك جملة من الآيات القرآنية : ( يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ) (2) ، ( وان تصوموا خيرٌ لكم ) (3) ، ( ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) (4) ، ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام الى الليل ) (5) . ويتضافر الشكل الطبي للصيام بالشكل الاجتماعي الذي يشجع الافراد على المؤازرة والمؤاخاة والتعاون على اطعام الآخرين ، فيضيف بعداً آخر للاطمئنان الاجتماعي بين الافراد في المجتمع الاسلامي.
____________
(1) المدثر : 4 ـ 5.
(2) البقرة : 183.
(3) البقرة : 184.
(4) البقرة : 196.
(5) البقرة : 187.

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net