( المدرسة ) في النظام الاجتماعي ولما كان ايمان الاسلام بحق الفرد في التعليم ايماناً راسخاً ، نابعاً من مقتضى قوله تعالى : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) (1) ، فإن تدخل الدولة في المجتمع الاسلامي بضرورة فرض التعليم الاجباري لحد المرحلةالمتوسطة يجب ان يكون امراً ارتكازياً وشرعياً ، للاسباب الثلاثة التالية : اولاً : لأن الفرد يعتبر قاصراً في سن الطفولة ؛ فعلى وليه الاهتمام بمصلحته العلمية . ثانياً : لما كان ولي أمر الامة ( الامام المعصوم أو نائبه الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة ) مسؤولاً عن بناء الدولة الاسلامية بناءً محكماً في المجال الاقتصادي والسياسي والعسكري ، وجب عليه تهيئة مقدمات بناء الدولة من خلال بناء الافراد علمياً وثقافياً قبل البلوغ ، ثالثاً : ان العلم بكل فروعه وألوانه يقرب المكلف من الله عز وجل ، ويجعله أكثر تطبيقاً للاحكام الشرعية وأكثر فهماً لدور الدين في النظام الاجتماعي. وبطبيعة الحال ، فان التمييز بين الافراد في النظام التعليمي الاسلامي يجب ان يمحى اصلاً ؛ لأن ديناً كالاسلام يحاول تثبيت أسس العدالة الاجتماعية بقوة القانون ، لايمكن ابداً ان يحرم الافراد من حقوقهم ____________ (1) الزمر : 9.
( 110 ) المشروعة . فالتعليم حق مشروع لكل فرد ، والمساواة في تحصيله أصل من اصول العدالة الاجتماعية ، بل ان المساواة العامة التي أمر بها الاسلام في امتلاك الثروة واستثمارها في شتى مجالات الحياة العملية ، تعتبر دعماً حقيقياً للمساواة في نظام التعليم العام. ولاشك ان المدرسة في المجتمع الاسلامي تساهم في تطوير النظام الاجتماعي ، من خلال نقل المعرفة الاسلامية والانسانية الى اذهان الطلبة من الجيل القديم الى الجيل الجديد ، ونشر الفكر الذي يوحد توجهات المجتمع ، وتطوير شخصيات هؤلاء التلاميذ الذين سيحملون مشعل المسؤولية مستقبلاً ، وتأهيلهم لتحمل التكليف الشرعي ، وتمرينهم على الاعمال التخصصية ، وتعليمهم قواعد النظام الاجتماعي التي تربط الاسرة وأفرادها بالمسجد والمدرسة والحكومة وساحة العمل المهني. فعلى نطاق نقل المعرفة ، فان عملية التعليم لابد لها من الاستمرار عبر الاجيال المتعاقبة ، وهذا هو الذي يميز المجتمعات الانسانية عن غيرها من التجمعات الحيوانية . ففي كل حقبة زمنية تتراكم كمية هائلة من المعلومات الاجتماعية والتجريبية ، لابد وان تنقلها أيادي الجيل القديم الى نظائرهم من الجيل الجديد . وهذا الانتقال لايساهم في بقاء الحياة الانسانية في تطور مستمر فحسب ، بل يساهم في بقاء القيم الاخلاقية حية في الضمائر مهما طال زمن انتشارها . ولايمكن نقل هذه المعارف والافكار الانسانية الا عن طريق المدرسة والنظام التعليمي المعترف به اجتماعياً. ولما كانت أرض الاسلام ساحة منسجمة تجمع الاقليات العرقية
( 111 ) المتعددة ، اصبح للمدرسة دوراً أعظم في توحيد توجهات أفراد المجتمع وتهذيب تطلعاتهم وآمالهم في حياة اسلامية رغيدة. فلابد ان تدرس اللغة العربية الفصحى ومعارفها ـ باعتبارها لغة القرآن ـ لجميع أفراد الامة ، وكل ما يدرس في المدرسة العامة في النظام الاسلامي من علوم وتاريخ ودين يساهم في توحيد الدولة من الناحية الثقافية والسياسية والاجتماعية ؛ لأن عملية انصهار هذه العلوم في أذهان التلاميذ ستخلق منهم افراداً يملكون كل المؤهلات العلمية لبناء دولة علمية ، موحدة ، متطورة ، قائمة على أساس نظام اخلاقي وديني عظيم. ولاشك ان دور المدرسة العامة في المجتمع الاسلامي لايتوقف عند معرفة اللغة وفهم العلوم التي تتعلق بها ، بل ان دورها يتعدى الى فهم دور الانسان في الحياة الاجتماعية ، وفهم علاقته بالكون والخالق ، وفهم الانسان لذاته من خلال العلوم الفلسفية والتطبيقية . ولابد لهذه المدرسة من فتح أبواب النقاش العلمي والنقد البناء ، فالرد على النظريات الفاسدة والآراء المنحرفة يوفر للطلبة فرصاً ثمينة لممارسة النقد البناء المستند على الاسس العلمية . بل ان المدرسة تستطيع ان تهيئ لطلابها جواً من العمل السياسي والاجتماعي ، حتى تؤهلهم لاحقاً لدخول المعترك الاجتماعي دون عراقيل . ولابد لنا من معرفة حقيقة مهمة وهي ان المدرسة بكل تخصصاتها وفروعها العلمية والانسانية والمهنية ، انما هي ضمان لمستقبل الاسلام ، ونجاح التجربة الاسلامية في تكامل النظام الاجتماعي لقيادة البشرية المعذبة وايصالها الى شاطئ السلام . ولاشك ان المدارس والجامعات الاسلامية
( 112 ) ينبغي لها ان تساهم مساهمة فعالة في حل المشاكل العلمية والاجتماعية والاقتصادية التي يبتلي بها النظام الاجتماعي . فما فائدة المدرسة التي لاتساهم في التفاعل الاجتماعي ولا تفهم مشاكل الافراد ولا تحاول حلها ؟ ألم تكن الدراسات النظرية باباً من أبواب الدراسات التطبيقية وفرعاً من فروعها ؟ فما فائدة دراسة تركيب الذرة مالم تترجم هذه الدراسة الى تصنيع مواد كيميائية تنفعنا في التطبيب والتسميد والتنظيف ؟ وما فائدة دراسة الظواهر الاجتماعية والانحرافات مالم يوضع منهج واضح المعالم لترشيد توجهات المجتمع الاسلامي وطموحاته وآلامه ومشاعره ؟ واذا كانت النظرية السياسية الرأسمالية قد نجحت في فصل المدرسة عن الكنيسة في المناهج التعليمية ، وتركت للكنيسة تنصير الافراد وتعليمهم دينهم (1) ، فان النظام التعليمي الاسلامي ينبغي ان يؤسس في كل مدرسة مسجداً للصلاة ، وينبغي ان تندمج المدرسة بالمسجد اندماجاً حقيقياً يؤدي الى تهذيب المدرسة اخلاقياً ، والى رفد المسجد بالطاقات العلمية الشابة المؤهلة لا للعبادة والدعاء والتسبيح فحسب ، بل على أتم الاستعداد للدفاع عن الدين والوطن ، وحماية العقيدة بالعلم والسلاح. ____________ (1) ( جون كودلاند ) . مكان يسمى ( المدرسة ) : ابعاد مستقبلية . نيويورك : ماكرو ـ هيل ، 1984 م.
|