متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
نظرية التعليم في القرآن
الكتاب : النظرية الإجتماعية في القرآن الكريم    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة

نظرية التعليم في القرآن

وتتلخص هذه النظرية بفكرتين ؛ وهما : ( القراءة ) ، و( التسخير ) . فقد اختصر الاسلام نظريته في التعليم بأول كلمة وحي من الباري عز وجل نزلت على قلب الرسول العظيم محمد (ص) ، وهي كلمة : ( اقرأ ... ) . ومع ان هذه الجملة في الآية الكريمة تفيد خصوص القراءة للرسول (ص) الا ان مقتضاها أوسع من ذلك . فتوجيه صيغة الامر بالقراءة سيساعد المكلفين حتماً على فهم الاحكام الشرعية وتطبيقها ، ويساعدهم أيضاً على قراءة القرآن والتفكر في آياته العظيمة ، وعلى تنشيط عقولهم لتطوير الحياة الانسانية في مختلف مجالاتها الاقتصادية والاجتماعية . وفي المشهور : ( اطلبوا العلم من المهد الى اللحد ) ، وقوله (ع) : ( ايها الناس اعلموا ان كمال الدين طلب العلم والعمل به ، وان طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال ) (1) ، دلالة على ان طلب العلم والتفقه يشمل المسلمين عموماً ولا يختص بفئة دون اخرى . فكمال الدين اذن ـ حسب الرواية ـ والسمو في فهم الاحكام الشرعية وعللها ، لايتم الا عن طريق طلب العلم والاجتهاد في تحصيله . وبذلك ، فان الاسلام وضع العلم على سلم الحاجات البشرية التي ينبغي اشباعها.
____________
(1) الكافي ج 1 ص 35.

( 105 )

وليس هناك أدنى شك من ان الاعمال التي يقوم بها الفرد في حياته العملية تحتاج الى كمية من العلوم ، تقدرها المصلحة الاجتماعية . فالطب وتخطيط المدن وجمع الحطب مثلاً تحتاج الى علوم تتناول تلك الاختصاصات . فعلم التشريح والعقاقير والكيمياء يطور علم الطب ، ودراسة القياسات ومعرفة علم المساحة وتربة الأرض ومواد البناء تساعد في علم تخطيط المدن ، ودراسة الاشجار واخشابها وطريقة قطعها واسلوب نقلها يساعد الأفراد المهتمين بعملية جمع الحطب واستخدامه في عملية توليد الطاقة . وفي كل تلك الأمثلة يكون العلم الاختصاصي هو المحور والمدار في تطوير المهنة التي يقوم بها العامل المختص . وبطبيعة الحال ، فان الاختصاص ليس القطب الوحيد الذي عرضه الاسلام ضمن اهتمامه بالعلوم التطبيقية ، بل طرح فكرة التسخير أيضاً ، باعتبارها منهجاً عملياً للتفاعل الاجتماعي : ( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ) (1) . وهي اشارة ـ كما ذكرنا سابقاً ـ الى ان النظام الاجتماعي لا يحيا الا عن طريق تسخير جهود الافراد الشخصية لخدمة بعضهم البعض في شتى المجالات الحياتية الضرورية للبقاء البشري على الأرض ، حيث تقوم العلوم التخصصية في عملية التسخير بدور العامل المساعد في تطوير تلك العملية وتسهيلها خدمة للنظام الاجتماعي العام وافراده . ولم تتوقف فكرة التسخير على الاعمال اليدوية والاعمال القائمة على الجهد الانساني العضلي ، بل تعدت الى الجهد العلمي والفكري الذي يقوم به الانسان . ومن
____________
(1) الزخرف : 32.

( 106 )

ذلك ، الجهد العلمي الذي يؤدي الى الاجتهاد في علوم الدين ، وبالخصوص الفقه والاصول . وعملية الاجتهاد هذه ، تعتبر جزءاً من نظرية التسخير ، فاجتهاد المجتهد وعلمه ينبغي ان يسخر كلياً لخدمة الامة ، بالتوافق مع حاجتها ، وبالتناسب مع طموحاتها في انشاء نظام اجتماعي سياسي ديني متكامل.
ولكن الحركة الاجتهادية في الفقه والاصول قاست في العصور الاسلامية الاولى انعزالاً سياسياً أدى الى تحديد الهدف الاجتماعي من التعليم . فبدلاً من تعميم مفهوم التعليم وجعله حقاً لكل فرد ، سعت السلطات السياسية الحاكمة الى الحفاظ على مستوى من الجهل والتخلف الفكري السائد بين الافراد آنذاك ، لأن السلطات كانت تشعر ان نشر العلم بين افراد الامة سيؤدي الى هز الكيان السياسي الظالم وتقويض أركانه . وكان من نتائج هذا الانعزال تقلص النظرة الاجتماعية للفقه الاسلامي ، وظهور الاتجاه الفقهي الذي يهتم بشؤون الفرد أكثر من اهتمامه بشؤون الامة . وانصب اهتمام الفقهاء بالحث على تحصيل العلوم الدينية المتمثلة بالفقه والاصول وعلوم الحديث واللغة والمنطق بالقلة المختارة من الافراد ، بينما أهمل تعليم الافراد عموماً ؛ بل ان الامة الاسلامية باتت على قسمين ، القسم الاول والأكبر سماهم الفقهاء بـ ( العوام من الناس ) وهم الذين لا يجيدون القراءة ، والثاني : وهم الطلبة والعلماء . وهذه التسمية في حد ذاتها تعطي انطباعاً ظاهرياً بان العلم في الاسلام انما وجد للخاصة فحسب ، وبقية الناس ينطبق عليهم اصطلاح العوام . وكأن التكليف الشرعي لا يحث


( 107 )

المكلف على طلب العلم والتحصيل ! ولانشك ان اللوم في هذا الفكر المتخلف يقع كلياً على السلطات السياسية المنحرفة التي حكمت الامة الاسلامية قروناً عديدة ، فسلبت من أيدي الفقهاء العدول كل أدوات السلطة التنفيذية ، وأرادت للامة الاسلامية ـ بجميع أفرادها ـ التخلف عن ركب العلم والحضارة ، حتى يتم لتلك الفئة المنحرفة السيطرة على مقدرات النظام الاجتماعي بشكل تام . ولا يحمل اصطلاح الفقهاء هذا غير معنى الاختصاص ، فسمي الفقهاء ( علماءً ) لا ختصاصهم بعلمي الفقه والاصول ، وسمي غيرهم ( عواماً ) لجهلهم علمي الفقه والاصول . ويكفينا ، لفهم موقف الاسلام من العلم وضرورة التعلمي الجماعي للمسلمين ، ان نتذكر ما حصل في معركة بدر المظفرة من أمر الرسول (ص) باطلاق سراح أسرى المشركين ، شرط ان يعلم الاسير الواحد منهم عشرة مسلمين القراءة والكتابة.
ولاريب ان التأكيد على التعليم الجماعي كان قد ورد في أحاديث أهل البيت (ع) في القرن الاول الهجري . فالامام علي بن الحسين (ع) في رسالته الحقوقية يدعو بصراحة الى منح الافراد حق التعليم ، ويعلق هذا الحق بواجبات السلطة السياسية التي من مسؤوليتها بناء النظام الاجتماعي ، ويقول (ع) : ( واما حق رعيتك بالعلم ، فان تعلم ان الله قد جعلك لهم فيها آتاك من العلم وولاك من خزانة الحكمة ... فان أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم زادك الله من فضله ) (1).
ولكن تحديد المسار التعليمي الذي تنتهجه الدولة لابد وان يكون
____________
(1) الخصال ج 2 ص 567.

( 108 )

مرتبطاً بخطة عامة ، يضعها متخصصون بشؤون التعليم ، تستهدف رفع المستوى الثقافي للامة الاسلامية . وهذا لايتم الا بتصميم نظام تعليمي مبني على منهج علمي يساند الدولة الاسلامية في كل توجهاتها الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية . فينبغي ان يكون من نتائج هذا التصميم انشاء نظام مدرسي عام يتعلم افراد النظام الاجتماعي من خلاله ، كل الفنون المتعلقة بالحياة الاجتماعية ؛ على ان يكون هذا النظام المدرسي قاعدة للانطلاق في شتى المجالات الحياتية المفترض ان يكون للمعلم فيها دور بناء وأرجو ان لا يختلط اصطلاح ( المدرسة العامة ونظامها ) المستخدم في هذا البحث ، بالمدارس الدينية حسب النظام المعمول به في الحوزات العلمية . بل المقصود من المدرسة العامة ، المؤسسة العلمية التي نشأت مع ظهور الدولة الحديثة وتولت تعليم الصغار اللغة والعقيدة والفقه والعلوم التجريبية حتى مرحلة البلوغ . والصغار هم كل أفراد النظام الاجتماعي دون سن البلوغ الذين يعيشون في تلك البقعة من الأرض ، ويطلق عليهم وعلى من سواهم اسم المجتمع الانساني.

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net