الضمان والتكافل الاجتماعي في الاسلام
وواجب الدولة في النظام الاسلامي ضمان معيشة الافراد ، وهي بذلك تتبع أحد هذه الطرق الثلاثة ؛ اولها : ان توفر لهم اعمالاً يرتزقون بها الى حد الكفاية . ثانيها : ان تضمن معيشتهم الاساسية في حالة عدم توفر فرص العمل . ثالثها : ان تنشئ لهم هيئات ولجاناً متخصصة لاستحداث مختلف الاعمال في الزراعة والصناعة والاعمال التجارية . وكل هذه الطرق الهادفة لضمان معيشة الافراد يمكن ايجادها ضمن حدود الدولة والنظام الاجتماعي ، لأن الأرض ـ بكل خيراتها ـ لا تبخل على الانسان بعمل ، وان العقل البشري ـ بطاقته الجبارة ـ يفتح آفاقاً واسعة لتطويرمصادر الغذاء في البر والبحار والمحيطات والانهار . وهذه الخيرات تستطيع اشباع ملايين الافراد ، خصوصاً اذا ما استخدمت وسائل الانتاج الزراعي والحيواني الميكانيكية التي تستطيع مضاعفة الانتاج الغذائي بكلفة أقل . وكل هذا النشاط والاستثمار يقع تحت عنوان حق الجماعة في التمتع بمصادر الثروة الاجتماعية ؛ فتضمن الدولة حقوق القاصرين والعاجزين عن العمل ، فضلاً عن حقوق عموم الافراد باستثمار مصادر الثروة الطبيعية بكافة انواعها اشكالها المعروفة . فالأرض بخيراتها الهائلة انما خلقت للجميع كما ورد في قوله تعالى : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جيمعاً ) (1). ____________ (1) البقرة : 29.
( 35 )
وهذا الضمان ينبع من جوهر النظرة القرآنية للانسان . فالفرد ـ حسب تلك النظرة ـ ليس كياناً مادياً فحسب ، بل هو كيان مادي وروحي كريم ؛ والجوع يمزق هذا الكيان ويحط من قدره ؛ وبذلك فلابد من اشباع حاجاته الاساسية في العيش الكريم . والى هذا التفضيل اشار الكتاب المجيد بقوله : ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) (1). وليس غريباً ان نلمس بكل صراحة ادانة القرآن الكريم للبخل والبخلاء ، واولئك الذين يكنزون اموالهم ويبعدونها عن التداول الاجتماعي ؛ لأن البخل يحرم الافراد من التنعم بالثروات الاجتماعية : ( ويلٌ لكل همزةٍ لمزةٍ ، الذي جمع مالاً وعدده ، يحسب ان ماله أخلده ، كلا لينبذن في الحطمة ) (2) ، ( أرأيت الذي يكذب بالدين ، فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين ) (3) ، ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم ، بل هو شرٌ لهم ، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ) (4).
ان من حق المخلوق على الخالق اشباعه وكسوته ، وأي نقض لهذا القانون الكوني انما هو نقض لصميم مفهوم العبودية بين المربوب والرب . فالجائع لا يستطيع عبادة الله ، ولايقدر على تحمل التكاليف الشرعية ؛ فكيف يأمره الخالق ـ اذن ـ بالعبادة ، ولا يضمن له العيش الكريم ؟ ولاشك ____________ (1) الاسراء : 70. (2) الهمزة : 1 ـ 4. (3) الماعون : 1 ـ 3. (4) آل عمران : 180.
( 36 ) ان المولى عز وجل خلق للافراد مصادر غذائهم وكسوتهم ، ولكن سوء التوزيع الذي يقوم به الانسان هو الذي يحرم البعض من حقوقهم ويتخم البعض الآخر . وهذا يفسر ـ الى حد ما ـ تأكيد الاسلام المستمر على الانفاق الواجب والمستحب على الفقراء والمساكين ؛ خصوصاً في موارد الانفاق التي ذكرناها سابقاً ، كالصدقات الواجبة ، والكفارات ، والاضحية ، والانفال.
ولا تتوقف النظرية الاسلامية بمساعدة الفقراء عند الضمان الاجتماعي فحسب ، بل تتعدى في نظرتها الشمولية الى التكافل العام بين جميع افراد المجتمع الانساني ، الذي ينبغي ان يقوم على مبدأين هما :
الاول : مبدأ كفالة الافراد بعضهم البعض كفاية ، وهذا المبدأ لايمكن تجزئته أو فصله عن بقية أحكام الاسلام التي تفرض على المكلفين ضرائب وغرامات مالية أو عينية يرد أغلبها الى الفقراء ، خصوصاً القاصرين والعاجزين.
الثاني : مبدأ الاخوة الذي يعتبره الاسلام حجر الاساس في بناء العلاقات الاجتماعية النظيفة . وقد اشارت الاحكام الشرعية الاسلامية في أكثر من موضع الى ضرورة التحسس لآلام الآخرين وأهمية مشاركة الافراد شعورهم الانساني من افراح واتراح . فالمصائب الجماعية أخف ثقلاً على كاهل الفرد من تلك التي ينوء بحملها الانسان منفرداً دون صديق أو حميم . ولذلك كان مفهوم الاخوة في الاسلام ، وما يترتب عليه من آثار اقتصادية في توزيع الثروة ، من أكثر وسائل التكافل الاجتماعي تأثيراً وأمضاها فعالية في تضييق الفوارق الطبقية بين الافراد . ولئن كان ( المذهب
( 37 ) الفردي ) الذي تدعي النظرية الرأسمالية تفوقه على بقية المذاهب الاجتماعية ، قد نجح في دفع الافراد نحو العمل والابداع (1) ، الا ان التأثيرات الاجتماعية السلبية التي اوقعها ذلك المذهب بالمجتمع الرأسمالي ، تجعله من أكثر المذاهب الاجتماعية فشلاً في تحقيق سعادة الانسان وطموحه في تحقيق مجتمع سعيد متكاتف يقوم على اساس المساواة والعدالة الانسانية. ____________ (1) ( مي برودبك ) . « المذهب الفردي الطريقي : تعريف واختزال » . مقالة فلسفية في مجلة ( فلسفة العلم ) الامريكية ، عدد 25 ، رقم 1 ، 1958 م . ص 1 ـ 22.
|