متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
بطولة المرأة في ميدان حمل الدعوة
الكتاب : بطولة المرأة المسلمة    |    القسم : مكتبة المرأة

بطولة المرأة في ميدان حمل الدعوة :


أما في ميدان حمل الدعوة فقد شهدت المرأة المسلمة في صدر الاسلام الحروب والوقعات وجهدت على أن تبرهن بمواقفها البطولية تلك كونها تعمل للاسلام على أساس من انسانيتها . التي أقرها لها الاسلام ولها الحق في الدفاع عن الرسالة التي تدين بها . وتاريخ المرأة المسلمة يحدثنا عن بطلات ضاهين في بطولتهن الرجال واقتحمن لظى الحروب غير هيابات ولا وجلات . وهذه احداهن وهي نسيبة بنت كعب بن عمر بن عوف الانصارية وقد كانت سيدة جليلة القدر كبيرة القلب عالية الهمة رفيعة الروح ، وقد اسلمت في اوائل من اسلم وما ان خرج زوجها غزية بن عمرو وابناها حبيب وعبد الله الى أُحد حتى خرجت معهم متطوعة مختارة وفي أُحد كانت تقوم بفعاليات مهمة فهي تسقي العطشى وتداوي الجرحى وتطبب المرضى . وفي مرة خرجت في اول النهار كعادتها لتسقي جرحى الحرب من المسلمين فانتهى بها


( 217 )

المطاف الى رسول الله وهو في اصحابه والنصر للمسلمين ، فلما أنهت مهمتها وعادت لاحظت ان النصر قد جانب المسلمين فانحازت الى رسول الله ، فلما انهزم المسلمون أخذت بالسيف وجعلت ترمي بالقوس بين يدي رسول الله حتى وصلت اليها الجراح وذلك لما ولى الناس عن رسول الله ، وقد اقبل ابن قميئة وهو يصيح دلوني على محمد فلا نجوت ان نجا ، فاعترض له مصعب بن عمير وناس معه وقد كانت نسيبة ام عمارة فيهم فضربها وضربته على ذلك ضربات ولكنها لم تصبه لانه كان قد تدرع بدرعين من حديد . وقد حدثت نسيبة عن وقعة أُحد فقالت : انكشف الناس عن رسول الله فما بقي إلا نفر لا يتممون العشرة وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه والناس يمرون منهزمين. ورآني رسول الله لاترس معي فرأى رجلا موليا ومعه ترس فقال لصاحب الترس : الق ترسك الى من يقاتل فالقى ترسه فأخذته وجعلت أتترس به عن رسول الله . هذا ما روته أم عمارة عن موقفها في أحد وعن موقف الرسول منها واهتمامه بأمرها وهي تذود عنه مع القلة من الرجال وقد استمرت نسيبة بمهمتها تداوي وتطبب وتقاتل عندما تدعو الحاجة الى ذلك ، حتى جرح ابنها عبيد بن زيد وجعل دمه يسيل وهي لاهية عنه بقتال الاعداء حتى نادى رسول الله ابنها فقال : اعصب جرحك فتنبهت الى ابنها واقبلت اليه ومعها عصائب قد اعدتها للجراح فربطت جرحه والنبي واقف ينظر اليها .


( 218 )

ثم قالت لابنها بعد ان انتهت من تضميد جراحه انهض يابني فضارب القوم فجعل النبي يقول : ومن يطيق ما تطيق أم عمارة ثم اقبل الرجل الذي ضرب ابنها فقال رسول الله هذا ضارب ابنك قالت نسيبة فاعترضت له فضربت ساقه فبرك قالت فرأيت رسول الله يبتسم حتى رايت نواذجه وقال استقدت يا أم عمارة ثم اقبلوا يعلونه بالسلاح حتى أتوا على نفسه فقال النبي الحمد لله الذي ظفرك وأقر عينك من عدوك وأراك ثأرك بعينك . وفي رواية ان رسول الله كان يقول : لمقام نسيبة يوم خيبر خير من مقام فلان فلان . وكان الرسول يراها يوم أُحد وهي تستبسل بالجهاد وقد شدت ثوبها ومئزرها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحاً وكان رسول الله يذكر شجاعتها ويقول اني لأنظر الى ابن قميئة وهو يضربها على عاتقها . وكان اعظم جراحها وقد داوته سنة ولم يمنعها جراحها هذا عن السعي الى خوض غمار الحرب عندما نادى رسول الله الى حمراء الأسد فشدت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم وأعياها الخروج فباتت ليلتها وهي تداوي جراحاتها المتعددة . فلما رجع رسول الله من الحمراء ارسل اليها عبيد الله بن كعب المازني يسأل عنها فرجع اليه بخبر سلامتها ففرح بذلك ، وكأنه كان قد افتقد مكانها مع المجاهدين هناك فأراد ان يطمئن على سلامتها وان يشجعها ويرفع من معنوياتها وان يبين لها أن قلبه الكبير ورسالته السماوية تتسعان لكل من نذر قلبه للاسلام ، وانها بجهادها


( 219 )

ذاك حازت عند ربها درجة المجاهدين الابرار . وقد روي عن الرسول انه قال يوم أُحد ما التفت يمينا ولا شمالاً الا وأنا أراها تقاتل دوني . هذه هي نسبية في صدر الاسلام وهذه آيات بطولتها وجهادها بين يدي رسول الله (ص) وهي مندفعة وراء عقيدتها الخالصة وهذا هو موقف الرسول الاعظم من المرأة المسلمة وحتى بعد الرسول لم تكن جذوة الحماس الديني لتخمد في صدر نسيبة وقد أضاءها في جوانحها رسول الله ورسالته الخالدة فقد شهدت قتال مسيلمة باليمامة وتطوعت للجهاد وللدفاع عن العقيدة الاسلامية وأبلت في تلك الوقعة بلاءً حسناً وجرحت أحد عشر جرحاً وافتقدت يدها في تلك الوقعة كما فقدت ولدها أيضاً وهي صابرة محتسبة لم تهن ولم تنكل وأنى لها ان تنكل او تتراجع وهي التي واكبت سير الرسالة منذ فجرها الاول ونذرت نفسها لقضيتها العادلة منذ شهدت بيعة الرضوان مع القلائل الذين شهدوها وهي التي روي عنها انها أتت النبي فقالت ما أرى كل شيء الا للرجال وما ارى النساء يذكرون فكان ان نزلت الآية الكريمة « ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الى آخر الآية » وبهذا اثبتت ان للمرأة المسلمة في الاسلام شأناً ومقاماً ينص عليه القرآن الكريم وما كانت نسيبة لتندفع هذا الاندفاع الثوري وتقوم بهذه التضحيات الجسام لو لم يقر لها الاسلام حقوقها كاملة في الحياة ولو لم يساو بينها وبين الرجل على صعيد انساني واحد


( 220 )

ولو لم يخلق لها الاسلام الجو الذي مكنها من أن تلعب دورها البطولي فيه على اساس انساني فنسيبة امرأة ونساء قريش نساء أيضاً ولكل من نسيبة المسلمة والمرأة القريشية الكافرة قلب امرأة وعاطفة انثى ومع هذا فقد خرجن القريشيات الى القتال مع أزواجهن ليضربن الدفوف ويذكين فيهم الاحقاد ويحملن مراود ومكاحل فاذا تكعكع أحدهم ناولنه اياها وقلن له أنت امرأة . خرجت نسيبة المسلمة وغيرها من المسلمات ليقاتلن ويطببن ويداوين ويثبتن حين يفر الرجال وقد روت ام عمارة عنهن قالت رأيتهن يوم أحد وقد ولين منهزمات مشمرات وهن يتبعن الرجال المنهزمين على الخيول على اقدامهن فيسقطن في الطريق فأي روح هذه التي جعلت من نسيبة داعية مسلمة تقاتل مع النبي حتى تجرح وتقاتل بعده حتى تقطع يدها وجعلت نساء قريش يضربن الدفوف ثم يولين الادبار منهزمات انها روح الاسلام وما يهبه للمسلمات من معنويات عالية . أعلى الله مقام أم عمارة ورزقها الخلد موئلاً ومقاماً وجعلنا ممن يقتفين آثارها ويهتدي بهداها وجعل من المجتمع الاسلامي الحاضر مجتمعاً اسلامياً واقعياً يمكن المرأة المسلمة الواقعية من القيام بمهمتها كمسلمة وجعل المسلمات كامهاتهن في مطلع الاسلام جديرات بتحمل مسؤولية الدعوة للاسلام والحفاظ عليها . وهذه بطلة ثانية وهي نسيبة بنت الحارث الانصارية وكانت تعد من فواضل نساء عصرها ومن خيرة نساء الصحابة ، وقد غزت مع رسول الله في أكثر


( 221 )

غزواته تمرض وتداوي وتقوم برسالتها كمسلمة على أروع وجه وأبهاه . وكان تمريض مرضى الحرب وتطبيق جرحاه يعد في ذلك العصر الذي لم تكن وسائل العلاج المستحدثة موجودة فيه يعد ضرورة من أهم ضرورات الحرب ومقوم من مقومات انتصارها وصمودها أمام الاعداء ، فلولا وجود المطبب والمداوي لتلاشى الجيش ولا نشغل كل جندي بأخيه وبصديقه ورفيقه . ولهذا فقد أسهم لها رسول الله سهم رجل تقديراً منه لموقفها البطولي وتشجيعهاً لها ولغيرها من المسلمات على مساندة الدعوة والقيام بما يقوين عليه من أعمال وتضحيات . فالاسلام لايريد ان يعزل المرأة المسلمة عن الدعوة ولا يريد ان يقعد بها عن مواكبة سير الرسالة وهو يعلم ان المرأة عضو فعال في كل مجتمع ولا يمكن للمجتمع الاسلامي ان يعيش وقد شل أحد أعضائه ولهذا فنحن نرى ان الرسول الاعظم كان يعني بالمتطوعات من المسلمات ويسهم لهن رجل ... ومن النساء المسلمات اللواتي شهدن الوقعات مع رسول الله يداوين ويطببن معاذة الغفارية وأم منيع بنت عمر بن عدي بن سنان وهند بنت عمر بن حرام وأمية بنت قيس بن الصلت الغفارية وقد روي عن أمية هذه ان قالت جئت رسول الله في نسوة من بني غفار فقلنا انا نريد ان نخرج معك الى خيبر يارسول الله نداوي الجرحى ونعين المسلمين بما استطعنا فقال رسول الله على بركة الله قالت فخرجنا وقمنا بواجبنا في الجهاد نعم هكذا كن النساء المسلمات وقد حبب الاسلام اليهن الفداء وجعلهن يستهن بمصاعب الحرب وأهواله وسعين اليها مندفعات غير هيابات ولا وجلات . وهكذا كان رسول الله رؤوفاً بالمسلمات باراً بهن ، لا يرد لهن طلباً ولا يحط من مكانتهن ولا يشعرهن بعجزهن فالمرأة انسانة كما أن الرجل انسان ولكل انسان حقه الطبيعي في الدفاع عما لديه والذود عما يعتز فيه وبما ان الاسلام هو اغلى شيء لدى المرأة المسلمة لم يشأ نبي الرحمة ان يحرمهن من لذة الذود عنه ، فهن متطوعات مندفعات وراء حماسهن الديني .. وممن شهدن الغزوات مع رسول الله ايضاً حمنة بنت جحش وهي من المهاجرات وقد شهدت اُحد فكانت تسقي العطشى وتداوي الجرحى وبرزة بنت مسعود بن عمر الثقفية وام زياد الاشجعية وهي سادسة ست نسوة خرجن يوم خيبر فبلغ ذلك النبي فبعث اليهن فقال باذن من خرجتن فقلن له خرجنا ومعنا دواء نداوي الجرحى ونناول السهام ونسقي السويق ونغرل الشعر ونعين في سبيل الله فقال صلى الله عليه واله وسلم أقمن فلما فتح الله عليه خيبر قسم لهن كما قسم للرجال وكذلك ام سليط وهي من فضليات نساء عصرها وقد حضرت مع النبي اُحداً وكانت تزخر القرب للمجاهدين وتقوم على مداواة المرضى منهم وام سنان الاسلمية وقد استأذنت الرسول عند خروجه الى خيبر فقالت يا رسول الله أخرج معك في وجهك هذا أخرز السقاء ، وأداوي المرضى فأذن لها رسول الله وقال اخرجي على بركة


( 223 )

الله تعالى فان لك صواحب قد كلمنني وأذنت لهن من قومك ومن غيرهم فان شئت فمع قومك ، وان شئت معنا فقالت ام سنان معك يارسول الله فقال رسول الله تكوني مع ام سلمة زوجتي فكانت وشهدت فتح خيبر كذلك ام الضحاك بنت مسعود الانصارية وأم العلا الانصارية وكعبية بنت الاسلمية واُم سليم بنت ملحان بن خالد وقد شهدت يوم أحد وسقت فيه العطش ، ودوات الجرحى ثم شهدت يوم حنين وابلت فيه بلاء حسناً ، وكانت قد حزمت خنجراً على وسطها وهي حامل يومئذ بعبد الله بن أبي طلحة فقال ابو طلحة يا رسول الله هذه ام سليم معها خنجر ان دنا مني احد من المشركين بقرت به بطنه واقتل هؤلاء الذين يفرون عنك كما تقتل هؤلاء الذين يقاتلونك فانهم بذلك اهل فقال لها رسول الله يا أم سليم ان الله قد كفى واحسن ...
أولاء جميعهن وكثير من المسلمات كن يبذلن مهجهن رخيصة في سبيل المبدأ والعقيدة وهن في ذلك غير ملزمات فالاسلام لم يفرض الجهاد على النساء ولم يكلفهن بشيء منه رأفة بهن وحرصاً منه على فرز وظائفهن عن وطائف الرجال وتفرغهن لما تدعوهن اليه طبيعتهن الانثوية ولهذا فنحن نرى أن كثيراً من النساء المجاهدات كن يستأذن النبي في الجهاد ولا يخرجن بدون أذن منه مع حرصهن الشديد على الخروج وكأن المرأة المسلمة كانت تتوق الى ما كتب للرجل من أجر في الجهاد وتأسى لحرمانها منه فحاولت ان لا تدع فرصة الجهاد


( 224 )

تفوفتها وهي الحريصة عليه ، فخرجت تطبب وتداوي ثم تضرب وتقاتل فقد كانت المرأة في صدر الاسلام تأخذ الاسلام من منبعه الزاخر فتنطبع روحياتها وعواطفها انطباعاً اسلامياً واقعياً فيهون لديها العزيز والغالي في سبيل عقيدتها ومبدئها السماوي وتقدم الضحايا من الاخوة والابناء قريرة فخورة ثم تحاول ان تقوم بنفسها أيضاً بدور ايجابي في معارك الحق مع الباطل فتستأذن في شهود الغزوات وتشهدها فعلاً وتبلى فيها البلاء الحسن ولم يكن موقفها ذاك الا بدافع من يقينها بالحق الذي هي عليه ، وثقتها من أن النعيم السماوي سوف يضم من تفقده من الاعزاء والأحباء . هذا اليقين الذي تغلب في المرأة المسلمة في صدر الاسلام على المشاعر العاطفية التي يزخر بها قلب كل انثى فالتاريخ يحدثنا عن صفية بنت عبد المطلب بن هاشم وهي زوجة العوام بن خويلد بن اسد وقد شهدت غزوة أحد تطبب وتداوي فلما انهزم المسلمون قامت وبيدها رمح تضرب في وجوه القوم وتقول انهزمتم عن رسول الله فلما رآها رسول الله قال لابنها الزبير بن العوام القها فأرجعها لا ترى ما بشقيقها حمزة بن عبد المطلب فلقاها الزبير فقال يا اماه ان رسول الله يأمرك ان ترجعي فردت عليه قائلة ولم . فقد بلغني انه مثل بأخي وذلك في الله عز وجل قليل فلما أرضانا بما كان من ذلك لأحتسبن ولأصبرن ان شاء الله تعالى فلما جاء الزبير رسول الله واخبره بذلك قال خل سبيلها ، فأتت صفية أخاها حمزة


( 225 )

فنظرت اليه وصلت عليه واسترجعت واستغفرت له ولم تزد .. هذا كان هو رد فعل مقتل حمزة رضوان الله عليه لدى اخته صفية لانها كانت مسلمة ، وكانت على يقين راسخ من أن أخاها قد مضى على حق وقتل شهيداً في سبيل الذود عن رسالة السماء فقالت كلمتها الخالدة ذلك في الله عز وجل قليل . وأي شيء أشد هولا من أن ترى أخت صفية أخاها الشهيد حمزة وهو قتيل وقد مثلت فيه آكلة الأكباد ولكن صفية ماذا كان موقفها من ذلك كله . هل نادت بالويل والثبور ، هل جزعت وأقامت الدنيا صراخاً وعويلاً ، هل شتمت ولعنت قاتليه ، هل أظهرت التبرم بالحرب هل وقفت موقف الانثى أم موقف الانسانة ، أبداً لم تقف موقف الانثى بل موقف الانسانة الصابرة صلت عليه واسترجعت واستغفرت له ، فلم تكن صفية لتجزع من الحق أو تتبرم بما يفرضه الاسلام ولكنها بكته ما دامت جاهدة مقروحة ومن رثائها له قولها :

فـو الله لاأنسـاك ما هبت الصبا * بكاءا وحزنا محضري ومسيـري
فيا ليـت شلوي يوم داك واعظمي * لـدى أضبـع تقتادني ونســور

كما ان موقف الخنساء بنت عمر بن الشريد من فقد أخويها قبل الاسلام واولادها الاربعة بعد الاسلام يدل يوضوح على


( 226 )

الروحيات السامية التي كن يعشن بها النساء المسلمات في صدر الاسلام . فقد فقدت الخنساء أخويها صخراً ومعاوية في عصر الجاهلية انتزعتهما منها أيدٍ حاقدة وحزازات عصبية قبلية فأفرطت في الجزع لذلك ونظمت بهما المراثي الطوال التي ضاهت بها أكابر الشعراء ودأبت على أن تشهد سوق عكاظ في كل سنة على هودج مكلل بالسواد تنشد المراثي وتنعى أخويها القتيلين وأشعارها في رثاء صخر تشير الى لوعتها المحمومة وصبرها الذائب في أتون الحقد والضغينة ومما قالته في صخر راثية :

يؤرقنــي التذكر حين امسي * ويردعني مع الاحــزان نكس
على صخر وأي فتى كصخر * ليوم كريهـة وطعان خلــس
فلـم أر مثلـه رزءا لجــن * ولـم أر مثلـه رزءا لانــس
إلا يـا صخر لا انساك حتى * أفارق مهجتـي ويشق رمسـي
ولولا كثرة الباكيــن حولي * على اخوانهـم لقتلــت نفسـي
يذكرني طلوع الشمس صخرا * وأذكـره بكـل غـروب شمس


( 227 )

وما يبكــون مثـل أخي ولكن * أسلــي النفس عنـه بالتأســي

ومما قالته في أخيها معاوية :
فأقسمت لا ينفك دمعي وعولتي * عليــك بحزن ما دعا الله داعية

ثم تمضي السنون والخنساء لا تنفك تبكي اخويها بمرارة وأسى ، حتى تشرق شمس الاسلام فتسلم الخنساء مع من اسلم وهي لا تزال تبكي اخويها ليل نهار حتى تتقرح اجفانها لذلك ، فيقال لها ما قرح مآقي عينيك فتقول بكائي على السادات من مضر فيقال يا خنساء انهم في النار فتقول ذاك اطول لعويلي عليهم كنت أبكي لصخر على الحياة وأنا اليوم أبكي له من النار ثم حضرت حرب القادسية ومعها بنوها وهم أربعة فقالت لهم من أول الليل يا بني اسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين ووالله الذي لا اله الا هو انكم بنو أمرأة واحدة ما خنت اباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين واعلموا ان الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) فاذا اصبحتم غداً ان شاء الله سالمين فاغدوا الى قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائه مستنصرين فاذا


( 228 )

رأيتم الحرب وقد شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها وجللت ناراً على أوراقها فتيمموا وطيسها وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في الخلد والمقامة .. وفعلاً فقد خرج أولادها الاربعة واستبسلوا في القتال حتى قتل الواحد تلو الاخر فلما بلغها الخبر قالت الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي ان يجمعني بهم في مستقر رحمته ... هذا هو الاسلام وهذه هي روحياته المثلى التي تحبب الى الأم شهادة ابنها وتهون لديها مصابها فيه وهذه هي المرأة المسلمة التي لعبت دورها في المجتمع المسلم كانسانة وعلى حساب انسانيتها التي أقرها لها الاسلام والتي اختصت بها المرأة المسلمة في ظل شريعة الاسلام دون غيرها من النساء والامم غير الاسلامية فعندما شعرت المرأة المسلمة ان الاسلام يحلها في مجتمعه المسلم محل الانسانة ذات الكيان الخاص رأت ان عليها ان تثبت لها ذلك الكيان وان تبرهن في سلوكها عن جدارتها للمحل الذي أحلها منه فخلدت لها في صفحات التاريخ أروع آيات البطولة والفداء وقد تمكنت المرأة المسلمة في صدر الاسلام ان تبرهن على ذلك وتؤكده ويكفي المرأة المسلمة فخراً موقف الحوراء زينب عندما قالت كلمتها المأثورة وهي على جثمان أخيها الامام . اللهم تقبل منا هذا القربان ولم يكن فقيد الحوراء كغيره ممن فقدته النساء ولم تكن مصيبته كغيرها من المصائب وهو الامام والاخ والحبيب وبعد أن تقدمه الى الشهادة خيرة بني الاب والعم والاصحاب


( 229 )

والأنصار فأي عقيدة هذه التي دفعت الحوراء الى هذا الفداء والحوراء انثى لها ما لدى كل انثى من رقة عاطفة ومشاعر حساسة ثم هي اخت وقد فقدت في فقد أخيها ركنها الركين وحصنها الامين وريحانة ابويها وجدها العظيم ثم هي ايضاً مسلمة وقد شاهدت قوى الظلم تبغي على الحق وتردي بضعة النبوة والرسالة ولكن ومع كل هذا تقف على جثمان اخيها لتقول اللهم تقبل منها هذا القربان يا الله ما أقدس قربانك يا بنت رسول الله وأسمى معنوياتك يا عقيلة بني هاشم وما أروع هذا الفداء الذي افتديت به شريعة جدك ورسالة السماء فركزت بذلك اركان الدعوة الاسلامية على مدى العصور والأجيال .

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net