المرأة بين مفهومي العلم والثقافة
اختاه ...
كنت قد تحدثت في احدى الاعداد السابقة عن الثفافة والعلم واختلاف مفهوميهما وموقف الاسلام من كل منهما ، وقد افترقنا آنذاك على ان نعود فنلتقي ثانية لنتابع ما وقفنا عنده من بيان خطورة غزو الثقافة الاجنبية لبلادنا الاسلامية ، واستيلائها على مفاهيمنا ومثلنا العريقة وتخديرها لافكارنا بأفيونها الاستعماري البغيض ، وتشويهها لصفحة نتاجنا الاسلامي الذي هو مرآة حضارتنا العميقة .
ولنأخذ ـ على ذلك مثلا ـ الرسم فهو في حد ذاته شيء حسن وحسن جدا ، وقد خلد وخلد كثيرا ممن نبغوا فيه وأصبح عنوانا لحضارات مختلفة توسعت في الرسم بشتى أنواعه وأشكاله من نحت ، وتمثيل وتصوير ، ولكنه في الوقت ذاته يطبع متتبعيه وهواته بطابعه الخاص لأنه مرتبط بوجهة النظر العامة عن الحياة والكون والمفاهيم المأثورة عنها ، فإذا أخذت خطوطه وقواعده عن فنان يؤمن بوجهة النظر المادية عن الحياة والكون ومدلولاتها الاخلاقية والاجتماعية أصبحت الصورة مادية متحللة من القيم الروحية .
( 173 )
وأما اذا بني الفن على وجهة النظر الصحيحة للحياة والكون أصبح ناطقا معبرا عن الانسانية السامية ، ومشيرا الى المفاهيم الحكيمة العالية وكذلك الادب بشعره ونثره وهو الشيء الذي لا غنى لنا عنه لتنوير أفكارنا ، وتهذيبها ، وابراز مشاعرنا وتنسيقها ، قد اصبح عند بعض الادباء المتطرفين سلعة رخيصة تأخذ عن الادب الغربي مباذله ، وتكشفه ومن الادب الشرقي ماديته وانحرافه وكفره بالقيم والاخلاق الفاضلة الخيرة !
وقد استحال بعض ادبائنا مع كل الاسف ، الى مترجمين وناشرين لا أكثر ولا اقل !! ، أفكارهم غريبة عنهم بعيدة عن واقعهم ومجتمعهم تستهويهم الصيحة ، وتطربهم نغمة ، وتسكرهم رشفة ، فيغنون بأمجاد الاعداء وهم في غفلة ساهون ، ويهللون للافكار السامة وهم لا يكادون يفقهون منها شيئا ، وقد تشبعوا بالثقافة الاجنبية التي أدخلها الاستعمار الى بلداننا منذ عهد بعيد وهي التي انحرفت بجيلنا الناشيء ذات اليمين وذات اليسار ، وحرصت على تشويه انتاجاتنا الادبية بكل أشكال ونواحيها ، ومن جراء هذا الفهم الخاطئ للثقافة وهذه الثقافة الدخلية انتشر في ربوعنا مفهوم استعماري عدائي موجه نحونا نحن بنات الاسلام بالذات ! فشوهوا علينا دعوتنا لطلب العلم واستجاباتنا لدعوة الرسول اذ جعلوا من التعلم والسفور توأمان لا يفترقان !!
( 174 )
فكأنما التعليم ليس بممكن لا اذا برزت بغير غطاء ! في الوقت الذي يكون ذلك سهلا ويسيرا اذا طبق النظام الاسلامي ، وتطهرت معاهدنا من النفوذ الاجنبي ، وارتفع شبابنا عن وهدة الجنس وتسامى عن حضيض الرذيلة ، واذا عمت النظرة الأخيرة وشاعت الفكر الانسانية الفاضلة بين المجتمع الاسلامي ، واذا اكتسبن فتياتنا شيئاً من صمود امهاتهن المسلمات وراجعن عهودهن الزاهرات ، أيام كن يعقدن النوادي الادبية ويفحمن اعاظم الرجال ! من وراء حجاب ، ايام كن يشهدن الحروب الدامية ! وهن كالزهرة في الاكمام لم يعقهن الخمار عن خوض الميادين ولم يقعد بهن الحذر عن الانطباع بطابع الثقافة الاسلامية الصادقة وما أحلى ابيات وردت عن لسان شاعرة نابغة اذ تقول :
بيد العفاف اصون عز حجابي * وبعصمتي أسمو على أترابـي وبفكــرة وقادة وقريحــة * نقادة قــد كملــت آدابـي ما عاقني خجلي عن العليا ولا * سدل الخمار بلمتـي ونقابـي
بنت الهدى
|