المرأة بين الإسلام والجاهلية
أختاه ...
تحية اسلامية عطرة ...
ما أحلى ان نعود فنلتقي مرة ثانية لنتابع ما وقفنا عنده ، ولنمضي في سيرنا المستقيم الى مطلع النور واشراقة السعادة الهائلة المتبلورة في صفحات سجل اسلامنا المتلألئ الذي بعث به محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيا للعالمين ، وجاء ليكون المربي الاول للمجتمع العليل آنذاك الذي كان يرزح تحت وطأة العادات القبلية والحزازات والمشاحنات العصبية وحتى في البلدان المتحضرة آنذاك كالروم والفرس ، فقد كانت القوانين الجائرة قائمة هناك على قدم وساق .
والأجدر بنا في لقائنا هذا ان نتطرق الى احدى نواحي انحلال ذلك المجتمع فنراجع حال المرأة في تلك الفترة المغبرة لنرى ما كانت عليه من انعدام معنوي ، وتفاهة روحية . ففي الروم والفرس ـ مثلا ـ كانت المراة لا تعدو كونها آلة انتاج كأنها خلقت لتفيد المجتمع لا لتستفيد منه ومن ثم كانت
( 168 ) وسيلة لعقد الصداقات وحل المخاصمات تقدم هي فيها كهدية متواضعة لا حول له على المنع ولا طول .
وأما في جزيرة العرب فقد كانت تسود وجوههم اذا بشروا بها ويتوارون من الخجل كأنها قد ارتكبت بقدومها عليهم ابشع جريمة في الوقت الذي جاءت لتلد رجالا ، وتنشىء أجيالاً . وفجأة وفي غضون ذلك العصر المغبر ، وبدون سابق مقدمات انبثقت رسالة محمد الامين صلى الله عليه وآله ، لتكون رحمة للعالمين ( للملايين ) ، ولتكون رسالة عالمية تصلح العوج بالهداية ، وتقيم الحق بدستورها السماوي ، وهناك جاء دور المرأة المسلمة لتكون عضوا فعالا في المجتمع ، ولتشعر بمكانتها المعنوية التي سلبت منها فيما مضى ، وكيف لا نكتسب روح الثقة بانسانيتها وكرامتها ؟ والآية الكريمة تنص على وجودها الادبي والمعنوي والكلمات النبوية الخالدة التي نأخذ بيدها لنرفعها الى أوج العزة والكرامة فهي مخلوقة كالرجل سواء بسواء ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) ( خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ) ( وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه او كثر ) ثم يقول نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم قولته الماثورة : ( النساء شقائق الرجال ) .
وهكذا أخذت المرأة تحتل مكانها الطبيعي على أساس آيات القرآن وكلمات الرسول ( ص ) ، واخذ المجتمع الانساني
( 169 ) يؤمن بقدسيتها وجدارتها بالحياة ويقر لها بممارسة كل الحقوق التي تنسجم مع طبيعتها كأنثى ، ومن جانبها أيضاً أخذت تبني شخصيتها على أساس المفاهيم الاسلامية الكاملة من الفضيلة ، والعفة ، والاخلاق ، ادركت مهانة الرذيلة فارتفعت بروحها ومشاعرها عنها ، واحتفظت بنفسيتها نقية صافية متألقة وفهمت بشاعة الكذب فعملت على ألا تكذب ؛ وتعرفت على مواطن الضعف في الخداع فحرصت على ألا تخدع ، وملكت ان تخلق لنفسها كيانا خاصا فجهدت على ابداع ذلك الكيان ، وضربت المثل العليا على الامومة الحنانية والزوجية السعيدة المخلصة .
ثم انها عرفت ايضا ان تفي الاسلام حقه فمشت مهدية بهداه تحمل راية التبشير والدعوة اليه ، وقد زخرت نفسها بالعقيدة الاسلامية الفياضة ، واندفعت في عروقها دماء التضحية والمفاداة ، وكانت كلما ادلهمت الخطوب ازدادت حماسا واندفاعا وايمانا بقضيتها ، فهذه ( الزرقاء بنت عدي ) تقف بين صفوف المجاهدين تبث روحها ووعيها وتقوم بأداء رسالتها قائلة : ( يا ايها الناس انكم في فتنة غشتكم جلابيب الظلم وجارت بكم عن قصد المحجة فيا لها من فتنة عمياء صماء ) . الى ان تقول : ( ان خضاب النساء الحناء وخضاب الرجال الدماء ) . وهذه ( ام الخير بنت الحريش تخطب في الصف الاسلامي المجاهد من ابنائها واخوانها لتأجج فيهم نار البطولة وتفجر نور الايمان فتقول ( ايها الناس لولا ان تبطل
( 170 ) الحقوق ، وتعطل الحدود ، ويظهر الظالمون ، وتقوى كلمة الشيطان لما اخترنا المنايا على خفض العيش وطيبه ) .
لك الله يا أم الخير ما اروع كلماتك وأسماها ، انت في هذه الكلمات تلقنين النساء من بناتك المسلمات دروسا في التضحية للمبدا والعقيدة فلم يكن اندفاعك الثوري لأجل مكسب رخيص ولا موجة عاطفية مبتذلة وانما كان غضبة للحق ، وانتصارا للمثل الاسلامية العليا ، وتحديا للظالمين المنحرفين عن جادة الاسلام السوي ، الذين عطلوا الحدود وابطلوا الحقوق .
هكذا كانت المرأة تحتل مركزها اللائق في المجتمع الاسلامي وتشارك في مسؤليات الدعوة والتوجيه وتعتبر نفسها عضوا فعالا مسؤولا عن تركيز دعائم الحق ، واعلاء كلمة العدل ، وتباشر مسؤولياتها بالاساليب التي تتفق مع طبيعتها .
ولكن على مر الزمن وتعاقب السنين أخذت المرأة المسلمة تفقد شخصيتها مرة اخرى ، وتبعد عن دورها الذي أتاحه لها الاسلام ، وذلك بنتيجة سوء فهمها الاسلام والبعد عن روحه ومفاهيمه من ناحية وبنتيجة تغذية الثقافة الاستعمارية المسمومة المناقضة للاسلام ، والتي لا تنطوي في الحقيقة الا على الا على القضاء على اصالة المرأة وانوثتها وكرامتها كأنثى .
( 171 )
هكذا ضاعت المرأة بين الفهم الخاطئ للاسلام والمفاهيم الوافدة من الغرب ! واصبحت المرأة المسلمة بين أمرين فاما أمرأة لا حظ لها من الوجود الاجتماعي ولا نصيب لها من المساهمة في كل الحقوق الاجتماعية والكفرية ، واما أمرأة متفرنجة قد تجردت من انوثتها واعتبرتها شينا وعارا ، وراحت تزاحم الرجال بمناكبها وتسترجل لتكتسب حقوقها في الحياة العامة ..
والاسلام لا يقر هذا ولا ذاك فلا هو يفرض على المرأة ان تكون كمية مهملة تماما في الوجود الاجتماعي كله لا لذنب جنته إلا انوثتها ، ولا هو يفرض عليها التجرد عن انوثتها ويعتبر انوثتها عارا يجب ان تتخلص منه لتلتحق بقافلة الرجال ، بل هو النظام الوحيد الذي اقر للمرأة بخصائصها الطبيعية ، واعترف بها كأنثى ثم لم يجعل هذه الانوثة عيباً أو معيقا عن حصول المرأة على حقوقها وكرامتها الانسانية ، او عن مساهمتها في الحياة الفكرية والاجتماعية في حدود العفة والفضيلة .
فالاسلام يحفظ للمرأة حقوقها وكرامتها لا انه يجردها من انوثتها ليهبها تلك الكرامة كما تصنع الحضارة الغربية .
|