متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الحلقة السابعة
الكتاب : الباحثة عن الحقيقة    |    القسم : مكتبة القُصص و الروايات
عدت الى البيت مبكرا لأن سندس كانت على موعد مع احدى صديقاتها للذهاب الى الخياطة وقد حاولت ان استغل ساعات فراغي في مطالعة الكتاب ، والحقيقة انني انسجمت مع الكتاب واندمجت مع ما فيه بجميع مشاعري واخذت اسجل في مسجلتي الصغيرة بعض الحقائق التي استفدتها منه .. لكن وحوالي الساعة العاشرة مساء رن جرس الباب فاستغربت ذلك ولم يكن لدي موعد مسبق مع أي صديق اما الصديقات فقد كنت قد قطعت علاقتي معهن بشكل نهائي منذ عرفت سندس ، وخمنت انه صديق متطفل ، فعز علي ان يقطع سلسلة افكاري فذهبت لكي افتح الباب وانا احمل معي مسجلتي الصغيرة وكتابي ليعرف القادم ان لدي ما يشغلني عنه ، وما ان فتحت الباب حتى طالعني وجه فتاة في مقتبل الشباب تراجعت خطوات عندما رأتني وكأنها فوجئت من رؤيتي ثم قالت بصوت متهدج :


( 56 )

آه أراني قد اخطات الباب في هذه المرة ايضا ، قلت لها :
اي باب تطلبين ؟ قالت وهي ترتجف :
انني غريبة عن هذا البلد وقد وصلت لتوي اليه ولدي بعض الأقارب فيه وقد اعطوني العنوان مغايرا على ما يبدو فإن بابك هو اخر باب طرقته في هذا الشارع دون ان احصل على من اريد ، قالت هذا وقد انطبعت على وجهها علامات الذعر الشديد فالمني حالها وودت مساعدتها بشكل من الاشكال فقلت لها :
اعطني العنوان لكي افتش أنا عنهم ، قالت :
انهم اعطوني اسم نفس هذا الشارع مع رقم الدار التي امام دارك ولم اجد في تلك الدار سوى عائلة غريبة ، فاستغربت الأمر وقلت :
الا تعرفين احدا سواهم هنا لكي اخذك إليهم ؟ فنخرطت في البكاء وهي تقول :
كلا فقد اتيت بمهمة خاصة تتعلق بهم ، ولا انكر ان الموقف كان محيرا بالنسبة لي ولهذا فقد بقيت ساكنا لا اعرف ماذا عليّ ان اقول ، فقالت وهي تبكي :
يبدو ان عليّ ان ابقى اتجول في الشوارع حتى الصباح ؟ وهنا نظرت اليها في تمعن فوجدتها جميلة وصغيرة ، فعز عليّ


( 57 )

ان ادعها لرحمة الليل ووحوشه ، ومن ناحية ثانية فقد صعب عليّ أن ادخلها البيت وليس فيه احد سواي ، فترددت برهة ثم خطر لي خاطر فقلت لها :
أنني وحيد في هذا البيت ولهذا فلا يسعني الا ان ادعوك للدخول والمبيت فيه على ان اخرج انا عنه حتى الصباح ، فظهرت عليها بعض علامات الهدوء ثم قالت :
ولكن اين سوف تذهب انت ؟ اجبتها :
ان ذلك لا يهم ، المهم ان تأمني انت في ليلتك هذه حتى الصباح قالت :
ولكن كيف ارضى لك بهذا ؟ قلت : !
لا عليك ، انني رجل ويسعني ان انام حيثما اتفق ، قالت :
ان هذا كثير ، وكانت طيلة هذه الفترة تقف على عتبة الباب الخارجي وانا اقف داخل البيت ، ولما وجدتها تتمنع عن امر لا مناص منه خرجت الى ما وراء الباب محاولا اقناعها بالدخول وانا اقول :
هذا الباب مفتوح فادخلي ولن اعود الى البيت حتى الصباح ، وهنا لمح امامي برق خاطف من بعيد لم اتمكن او اعرف مصدره فتلفت باحثاً عنه ثم سألتها :


( 58 )

هل لا حظت نورا قد برق من ورائنا ؟ فتلفتت هي بدورها وقالت :
آه نعم لعله ضوء سيارة من بعيد ، فلم احاول ان ابحث عن الموضوع اكثر ، فقالت بشيء من الارتباك :
ولكنني اخاف ان اقضي الليل بمفردي هنا قلت :
إذن ؟ قالت :
إذن انام انا في الصالون وتنام انت في غرفتك قلت :
كلا بل تنامين انت في الغرفة وانام انا في الصالون ، دخلنا البيت وقدتها الى غرفة منامي وقلت لها وانا اغلق الباب ورائها :
سوف انام انا في الصالة ولن افتح عليك الباب حتى الصباح فكوني مطمئنة ، قالت :
اشكرك يا اخي ويؤسفني ان لا اعرف اسمك ، فاجبتها ببرود قائلاً :
لا حاجة لان تعرفي اسمي ان اعرف اسمك ، ثم توجهت الى الصالون وهناك انتبهت الى ان المسجلة كانت لا تزال تعمل وتسجل فحمدت الله ان الفتاة لم تلتفت الى وجودها او الى كونها تشتغل وتسجل ، وكان الشريط يكاد ان ينتهي فاغلقتها واستسلمت للنوم ولكن فكرة صغيرة اقلقتني


( 59 )

وهي انا الهاتف كان في غرفة المنام فماذا لو طلبني احد ؟ ثم عدت فابعدت هذه الفكرة عن ذهني فليس من المحتمل ان يطلبني احد في منتصف هذا الليل وهي سوف تغادر الغرفة عند الصباح واستيقظت في الساعة السابعة صباحا فخرجت من الصالون فوجدتها واقفة امام باب الغرفة وكأنها تنتظرني ثم قالت :
لست ادري كيف اشكرك وها انا ذاهبة ولكنني ارجوك ان لا تحدث احد بامري لأن ذلك سوف يجلب لي المتاعب ، فضحكت في شيء من السخرية ثم قلت :
وكيف لي ان اتحدث عنك وانا لا اعرف عنك حتى اسمك ؟ قالت .
آه نعم انت لا تعرف اسمي ان اسمي هو فدوى ناجي ، قلت بشيء من اللامبالاة :
تشرفنا ، وبعدها ودعتني وخرجت ، فدخلت غرفتي فوجدت اعقاباً سكاير اجنبية ولا حظت صورة سندس تحركت من مكانها فابتسمت وقلت لنفسي :
ان مجرد رؤيتها لهذه الصورة كفيلة ببعث الاطمئنان الى نفسها وعلمها بانني لا اعبأ بمثلها مع وجود مثل صاحبة هذه الصورة ، ثم دخلت الحمام لأغسل فلاحظت انها قد دخلت الحمام ايضا لأن باب الحمام كانت مغلقة باحكام في الوقت


( 60 )

الذي لم يكن من عادتي ان احكم اغلاق الباب لصعوبة فتحه بعد ذلك ، واستغربت منها هذا التجوال ولكنني اوعزته الى الفضول ثم لبست ملابسي وتوجهت نحو الجامعة ، وهناك رأيت سندس تقف بمفردها في ناحية من الساحة الأمامية فتوجهت نحوها كعادتي في كل صباح ولكنني فوجئت بانها ردت علي بشيء من الفتور ، وفوجئت ايضاً بانها تجاهلت يدي التي مددتها اليها والتي طالما احتضنت يدها دقائق طويلة في كل صباح ، وحاولت ان اغالب نفسي فسألتها قائلاً :
ماذا بك يا سندس هل انت مريضة ؟ فسكتت لحظة ثم قالت :
مريضة ، كلا ، انني لست مريضة ، فقلت :
إذن ماذا بك ؟ فبقيت ساكتة ولم تجب ، فعدت أقول :
هل سهرت البارحة مع المذاكرة فاتعبك السهر ؟ وهنا نظرت اليّ نظرة طويلة وعميقة وحزينة ثم قالت بصوت مبحوح :
وانت هل سهرت البارحة للمذاكرة ؟ والحقيقة بانني في تلك اللحظة كنت قد نسيت كل شيء عن ليلة البارحة تلك ولهذا فقد ترددت قليلا ثم قلت :
كلا لقد نمت حتى الصباح ، فابتسمت هي في مرارة وقالت بشيء من التهكم :


( 61 )

لا اشك ان نومتك كانت مريحة جداً ، وهنا تذكرت نومتي في الصالون وكيف انها لم تكن مريحة ابداً واردت ان احدثها عن ذلك ولكن وعدي الذي قطعة لفدوى منعني من الحديث ، ولهذا فقد تلكأ لساني وانا اقول :
كلا انها لم تكن مريحة جدا ، فعادت تنظر اليّ تلك النظرة العميقة الحزينة ثم قالت :
اتمنى لك نوما مريحا اكثر في المستقبل ! ، قالت هذا اوستدارت متوجهة نحو مدخل الجامعة فمشيت بجانبها وانا افكر فيما تعنيه كلماتها ولكنها تجاهلت وجودي حتى دخلنا الصف ، وبعد انتهاء الدوام مباشرة طلبت منها موعدا للعصر فقالت انها مشغولة وتركتني نهيا للحيرة وانصرفت بخطوات متعبة ...

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net