متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الحلقة الحادية عشر
الكتاب : لقاء في المستشفى    |    القسم : مكتبة القُصص و الروايات
أصبح صباح اليوم الثاني ولم تنزل ورقاء من غرفتها فحسبت الجدة أنها نائمة ، ولهذا تركتها حتى ساعة عالية من الصباح ثم دخلت اليها لتوقظها وفتحت باب الغرفة ودخلت وانحنت عليها تناديها ، فهالها أن رأت ورقاء غارقة في بحران من الحمى وقد انصبغ وجهها بزرقة قاتمة وأخذت أنفسها تتلاحق لاهثة كاوية ، فنادتها قائلة : ورقاء ! ورقاء .
ففتحت ورقاء عينها ونظرت إلى جدتها نظرات تائهة .
فقالت الجدة : ماذا بك يا ورقاء ؟ يا مهندستي الصغيرة ؟
قالت ورقاء بصوت واهن متقطع : لا أدري .


( 195 )

قالت الجدة : هل أستدعي لك طبيباً ؟
قالت ورقاء : نعم ، فأنني لست على ما يرام .
فنزلت الجدة وهي حائرة ماذا تصنع ، ثم خطر لها أن تتصل بماهر وتطلب منه إحظار طبيب ، فاتصلت به في مكتبه وقالت له في لهفة : أرجوك يا أستاذ ماهر ، أنقذ ورقاء فأنها مريضة جداً .
فجاءها الجواب في برود قائلاً : ماذا بها ؟
قالت : أنها مريضة وفي حاجة إلى طبيب .
قال : ولكن الأطباء ليسوا في عيادتهم صباحاً .
قالت : ولكن فتش فقد يكون هناك طبيب غير موظف .
قال : ولكنني مشغول وعندي الكثير من المراجعين ، أجلي الموضوع إلى العصر ، وإذا كانت لا تزال في حاجة إلى طبيب فاتصلي بي مرة ثانية .
فلم يسع الجدة إلا أن تغلق السكة وهي بين اليأس والغضب وصعدت إلى جوار ورقاء وهيأت لها بعض المجربات . ولكن حماها كانت ترتفع ووضعها لا يوحي بأي تحسن حتى حان العصر فأعادت الاتصال بمكتب ماهر فقيل لها أنه غير موجود فقالت في توسل : هل تعلمون أين هو ؟
قالوا لها : أنه سافر في مهمة له في خارج البلد وسوف


( 196 )

لن يعود اليوم . فألقت سماعة التليفون وعادت إلى جوار ورقاء تقرأ لها بعض الأدعية مع بعض آيات من القرآن الكريم وما أن حل الليل حتى أحست أن ورقاء قد فقدت شعورها وأن جسمها قد أخذ يتشنج وقد بدأت تهذي بكلمات غير مفهومة فطار صوابها وعادت إلى التليفون تطلب فيه ماهراً فلم تحصل له على أثر وحاولت أن تحصل على سواه ولكنها لم تتوصل إلى نتيجة ، فخطر لها خاطر أنكرته على نفسها وأهملته وعادت إلى ورقاء فسمعت أنينها يختلط بالهذيان ، ورأت جسمها وهو يتشنج بشكل مرعب ولم يسعها حين ذاك إلا أن تقول : لعنة الله عليّ ، لقد قتلت ابنتي بيدي . ولكن عليّ الآن أن أنقذها بأي شكل ، نعم بأي شكل ، وعادت تنزل إلى جهاز التلفون وأدارت أرقاماً معينة وكأنها كانت تغالب نفسها وتريد أن تحقق أمراً قبل أن تتردد فيه ، وكانت تطلب المستشفى ، الطابق السابع فردت عليها من هناك إحدى الممرضات فقالت لها متوسلة :
إنني أريد أن أكلم الدكتورة معاد .
قالت الممرضة : ولكنها فوق في غرفتها ولعلها نائمة .
قالت الجدة : ناديها أرجوك يا ابنتي فأنني مضطرة إليها .
قالت الممرضة : أعطيني رقم تليفونك لكي أقول لها أن تتصل بك هي فأن الخط لا يمكن أن يبقى مشغولاً مدة من الزمان .


( 197 )

فأعطتها رقم التليفون وأغلق السكة وصعدت إلى جوار ورقاء ولم تمض دقائق حتى رن جرس الهاتف فأسرعت اليه الجدة ورفعته وهي تقول : ألو ، من ، الدكتورة معاد ؟
قالت معاد : نعم ، أنني معاد ، ولكن من أنت ؟
قالت : أنني جدة ورقاء ، ولقد لجأت إليك في خصوص ورقاء ، إنها مريضة ومريضة جداً .
فردت معاد تقول : ورقاء مريضة ؟ ماذا بها ؟
قالت الجدة وهي تبكي : لا أدري ، اسرعي اليها وانقذيها . ان ابنتي سوف تموت فارحميها بالله عليك يا معاد .
قالت معاد : أنني آتية حالاً يا جدتي ، ولكن أين هو بيتكم ؟
فأعطتها الجدة عنوان البيت وعادت إلى جانب ورقاء وقد تجدد لديها بعض الأمل وأخذت تتابع عقارب الساعة بلهفة وقلق ولم تمض فترة طويلة حتى رن جرس الباب فاندفعت اليه وفتحته لتجد معاد ، ونسيت الجدة في غمرة قلقها على ورقاء كل احقادها ولم تعد تذكر سوى أنها أمام طبيبة سوف تعيد إليها ابنتها ورقاء ولهذا فقد استقبلتها بالترحاب وقادتها إلى غرفة ورقاء .
فظهر التأثر على معاد وهي تشاهد ورقاء في هذه الحالة


( 198 )

ثم طلبت من الجدة أن تعطيها منديلاً لفته حول رأس ورقاء ثم قالت للجدة :
هل تسمحين لي أن استدعي معي طبيباً يا خالة فإن الحالة شديدة على ما يبدو.
قالت الجدة : ولكن أين سوف تجدين الطبيب في هذه الساعة المتأخرة من الليل ؟ أرجوك لا تتركيها هكذا .
قالت معاد : أنه ينتظر في السيارة أمام الباب فهل تسمحين له بالدخول ؟
قالت الجدة : طبعاً ، طبعاً ، ما دام فيه شفاء ابنتي .
فنزلت معاد وعادت مع الطبيب ، واشتركا معاً في الفحص والتشخيص وبعد فترة توجهت معاد نحو الجدة قائلة : يبدو أنها مصابة بالحمى القرمزية وهي في حاجة إلى بعض الاسعافات التي لا تتواجد في البيت .
فبهتت الجدة وقالت : إذن ؟
قالت معاد إذن فهي في حاجة لأن تنقل إلى المستشفى فهل توافقين ؟؟
فدعرت الجدة ودقت على صدرها وهي تقول : إذن فهي مريضة جداً يا دكتورة ؟ الويل لي ما أشقاني فقد قتلت ابنتي بيدي .


( 199 )

وعادت معاد تقول : هل تسمحين لنا بنقلها يا جدتي ؟ قولي فإن الأمر مستعجل .
قالت وهي تنتحب : وهل لي إلا الموافقة ما دامت ضرورية ، وعند ذلك اتصل الطبيب بالمستشفى وطلب سيارة إسعاف وهكذا ، تم نقل ورقاء إلى المستشفى ولم توافق معاد على استصحاب الجدة معهم وتعهدت لها أن تخبرها عن حالها أولاً بأول .
سهرت معاد وأخوها سناد الذي كان هو الطبيب الذي جاء بصحبتها ، مع ورقاء حتى الصبح وقد أجريت لها فور وصولها كل الاسعافات المطلوبة .
وفي ساعة متقدمة من الصبح بدأ بعض الهدوء يظهر عليها وإن كانت لا تزال في غيبوبة ولكن هذيانها أخذ يكون جملاً مفهومة ، وكانت معاد تقف إلى جوارها وسناد يجلس على الكرسي الذي في الجهة الثانية حين التقط سمعهما هذه الكلمات التي كانت ترددها ورقاء بين كلمات الهذيان ، كانت تقول :
« محال أن يكون أبوهما مجرماً ، لقد انكسر الصحن يا جدتي ، ولكن معاد ليست ابنة قاتل ، دعيه يذهب هذا المدعو ماهر ، سخيف ، أرجوك أن ترحمينني يا جدتي ، دعيه يأخذ البيت ، أنا لا أريد ماهر ، ماذا سوف أقول لها ، كيف أرفض أخاها ، ارحميني ، لا تقولي أنها ابنة مجرم ، إنها ملاك ، لماذا


( 200 )

قتل أباه أبي ، أنا لم أره إلا مرتين لا أكثر ، كفاك كلاما يا جدتي ، لا أريد ماهر ، لا أريد البيت ، لا أريد ، لا أريد ، لماذا قتل أباه أبي ، لماذا » .
هنا التفتت معاد نحو أخيها وقد شحب لونها وقالت : هل سمعت ؟
قال سناد بهدوء : نعم ، ومن هذا يبدو أنها معذورة في رفضها .
قالت معاد : لقد كنت أخمن شيئا من هذا ولكن ما هو العلاج الآن ؟
فابتسم سناد وقال : المهم الآن أن تعود إليها صحتها وبعد ذلك يمكن تسوية الأمر .

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net