متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
النهاية
الكتاب : امرأتان و رجل    |    القسم : مكتبة القُصص و الروايات
أبردت رحاب رسالتها إلى مصطفى وعادت الى البيت ، فخلعت حجابها وتوجهت إلى غرفة حسنات فهي تريد أن تعترف لها بكل شيء ، يكفي ما كلفتها من آلام ، وكانت كلما مشت خطوة عادت فوقفت حائرة كيف سوف تبدأ ؟ ماذا سوف تقول ؟ ما هي ردود الفعل عند حسنات ؟ لا أنها سوف تنقم عليها بشدة ، لا شك أنها وعلى الأقل سوف تعاقبها بقساوة ، وخشيت أن تجبن عن الاعتراف فاندفعت نحو غرفة حسنات بخطوات ثابتة وهي تقول : ليس لي أن أخشى شيئاً ما دمت أؤدي عملاً يرضي الله ، وكانت حسنات تنتظر أختها بشيء من القلق ، ولهذا فقد تطلعت إليها بلهفة وجلست أمامها تنتظر ، فكان أول عمل قامت به رحاب أن أخرجت من حقيبتها صورة مصطفى ومقدمتها إلى حسنات ، فأخذتها حسنات واستغربت الأمر فأدرات الصورة لترى ما كتب خلفها فوجدت كلمات اهداء غذبة موجهة نحوها وموقعة باسم مصطفى ! فعلت وجهها صفرة باهتة أعقبتها حمرة ثم


( 420 )

ورفعت وجهها إلى رحاب قائلة : متى وصلت هذه الصورة يا رحاب ؟
قالت رحاب وصوتها يكاد يعود إلى الأعماق : لاحظي التاريخ يا حسنات ...
فألقت حسنات نظرة على التاريخ ثم قالت : ماذا ؟ أن تاريخها يعود إلى ما قبل سبعة أشهر فأين كانت كل هذه المدة يا رحاب ؟
قالت رحاب : أنها كانت عندي يا حسنات ألم أقل لك بأنني مجرمة ؟ ألم أقل لك بأنني لا أستحق منك الحب والحنان ؟
قالت حسنات : كلا ، كلا أنا لا أسمح لك بهذا الكلام يا أختاه ولكن حدثيني بحديث الصورة إن سمحت يا أختاه ...
قالت رحاب : أنا ما قدمت اليك إلا لأحدثك حديث هذه الصورة يا حسنات ولك بعد حديثي أن تعاملينني بما تريدين ، ثم بدأت تحدثها بكل شيء وكانت حسنات تستمع إليها بكل هدوء الشيء الذي أعجب رحاب وشجعها على متابعة الاعتراف ، وما أن انتهت من حديثها حتى أطرقت تنتظر الحكم ... فقامت إليها حسنات وقبلتها بحنان قائلة : بنفسي أنتِ يا أختي لكم تحملتِ من آلام ؟


( 421 )

فرفعت رحاب رأسها نحو حسنات وهي لا تكاد تصدق ما تسمع ثم قالت : أنا ؟ أنا التي تحملت الآلام أم أنتِ التي حملتك الآلام يا حسنات ؟!
فردت حسنات تقول : ولكن آلامي هانت لدي عندما عرفت أنها كانت الطريق الغير المباشر لهدايتك ولهذا فأنا الآن أشعر بالسعادة مضاعفة لأنني حصلت على أخت صالحة وزوج صالح...
قالت رحاب : وهل سوف تغفرين لي خيانتي يا حسنات ؟
قالت : نعم وسوف أنساها لعمق فرحتي بك وبإيمانك وبعودة مصطفى إلي وهاك هذه القبلة كدليل على اخوتي التي لم تتغير ولم تتبدل ، ثم طبعت على جبين أختها قبلة حب صادقة ثم جلست إلى جوارها وصورة مصطفى ما زالت بيدها وهي تتطلع إليها بين حين وحين فقالت رحاب : أنظري كم هو جميل بالاضافة إلى باقي ما يميزه ؟
فابتسمت حسنات وقالت : أن الجمال لا يهمني كما تهمني الشخصية والايمان ، أنا لم أفكر يوماً في جماله وعدمه ولكن طالما فكرت في سلوكه وسيرته.

* * *

مرت الأيام وقد عادت إلى حسنات إشراقتها وعادت من


( 422 )

جديد تنسج تصوراتها لحياتها القادمة ، وكانت خلال ذلك تحاول أن تهب رحاب مزيداً من الحب والحنان والاهتمام لكي تبعد عنها كل شائبة ، وبعد مضي أكثر من ثلاثة أسابيع حيث كانتا تجلسان معاً في غرفة رحاب دخلت عليهما الخادمة تحمل بيدها رسالتين ، ولم تمد إحداهما يدها نحو الرسائل ، وكان كل منهما كانت تنتظر المبادرة من أختها ولهذا فقد وضعت الخادمة الرسائل أمامهما وانصرفت ، وتطلعت عيونهما نحو الرسالتين وقالتا بصوت واحد : انهما من مصطفى ، وكانت احداهما موجهة إلى حسنات والأخرى إلى رحاب ، وكأن رحاب خشيت أن تفتح رسالتها لجهلها بمحتواها ، ولكن حسنات شجعتها قائلة : سوف لن أفتح رسالتي حتى تفتحي رسالتك يا رحاب أنني أخمن أن تكون رسالة مريحة لك يا عزيزتي . ففتحتا رسالتيهما معاً ، فأما رحاب فقد وجدت رسالتها كما يلي :

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة الأخت الفاضلة الست رحاب
سلامي وتحياتي وخالص دعائي وتمنياتي

ها أنا أكتب اليك بشكل جديد ، وكما لم أكن أكتب من قبل بعد أن بدأت أشعر نحوك مزيداً من الاحترام والاكبار فأنا الآن أحس بأنني أكتب إلى انسانة عظيمة


( 423 )

قهرت بارادتها الشيطان ، وترفعت بمعنوياتها على الاغراء والاهواء فحققت رقماً قياسياً بتنزيه النفس وتجريدها عن كل شائبة وبلورتها بالشكل الذي يرضاه الله ، فبورك لك هذا الشؤ الذي بلغتيه وهنيئاً لشخصك هذا السبق الذي أحرزتيه ، وأنني ومنذ استلام رسالتك الأخيرة أو ( الأولى ) أعدك أختاً لي يسعدني ما يسعدها ويؤذيني ما يؤذيها ويهمني أمرها إلى أبعد الحدود ، ثم أنني أرجو أن لا تكدري فكرك بمراجعة الأحداث الماضية ، وأن تكوني واثقة من أنني لا أضمر لك إلا كل احترام وإعزاز ، وأملي أن تكون حسنات كذلك لأنها وكما ذكرت عنها ، حسنات ، وهل تصدر السيئة عن الحسنة ؟ وأخيراً أعود فأتمنى لك كل خير واستودعك الله طالباً لك مزيد التوفيق والتسديد.
مصطفى
أما رسالة حسنات فقد كانت من الرقة والعذوبة بشكل


( 424 )

عوضها عن حرمانها الطويلة ، وكانت حسنات خلال قراءتها للرسالة تتطلع نحو رحاب خشية أن يكون في الرسالة ما يكدرها ولكنها اطمئنت عندما وجدت علائم الراحة بادية على تعابيرها ، وما أن انتهت كل منهما من القراءة حتى تعانقتا على فرح وسعادة بالغين ثم قالت حسنات : هل تعلمين أنه سوف يعود بعد أسبوعين ؟
فقالت رحاب : مرحباً به متى جاء.
وبعد أسبوع من وصول الرسالة اتصلت بهم أم مصطفى تطلب منهم تحديد موعد لزيارتهم ، فحددوا لها عصر ذلك اليوم وخمنوا انها آتية للتحدث حول مقدمات الزفاف ، ولكنها عندما حضرت كانت تخطب رحاب لأبنها محمد وتقترح لو حصلت الموافقة أن يتم زواج الأخوين في وقت واحد ...
* * *

وفعلاً فقد تم زواج الأختين في يوم واحد وسعدت كل مع زوجها.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net