بينما كانت رحاب تعيش أيام انتظار للجواب ، واعداد
( 364 )للرسالة ، وتأنيب ضمير خفي ، تستنكره وتنكر على نفسها الانقياد اليه ، كانت حسنات تطوي ضلوعها على ألم دفين تستنكره وتنكر على نفسها الانقياد إليه أيضاً ، وطالما حدثتها نفسها بالخيبة ، وطالما أوحت إليها تصوراتها أقسى الايحاءات ، فبماذا كانت تتمكن أن تؤول هذا الموقف المنكمش من خطيبها وزوجها الموعود ، ألم يكن من أدنى مستلزمات اللياقة أن يرسل اليها رسالة ولو صغيرة ؟ ألم يكن من التهذيب في شيء أن يرسل اليها صورته بعد أن علم أنها لا تملك له صورة ؟ وكانت هذه التصورات تلح عليها عنيفة بها تارة ورفيقة أخرى وهي بين كل ذلك لا تريد أن تصدق ما تلمسه من واقع فتحاول أن تنتحل لموقفه هذا شتى الاعذار ، وتبرره بمختلف التبريرات ، لعله مشغول ، أو لعله يخجل من الكتابة ، أو لعله يكتب فلا تصل رسائله ، وكان هذا العذر الأخير هو أحب الأعذار إليها فان مما يسعدها أن تتصوره يكتب إليها كما يكتب غيره ، ويهتم بأمرها ويفكر بها كما تهتم بأمره ، وتفكر فيه ، وهي في كل ذلك تنتظر عودة أخته من السفر بعد انتهاء السنة الدراسية لعلها تعرف منها شيئا عن أخيها ، وكانت تحاول أن تصرف نفسها عن التفكير بكثرة المطالعة والكتابة ، وفي مرة ، وكانت تجلس في غرفتها تقرأ ، دخلت عليها رحاب ، فاستغربت قدومها ولم تعودها ذلك من قبل ، ولهذا فقد رحبت بها واستقبلتها بحفاوة ، فجلست رحاب على طرف السرير ، وكان الارتباك يظهر عليها
( 365 )بوضوح ، وكأنها لا تعرف ماذا يجب أن تفعل ، فابتدرتها حسنات قائلة : أراك لم تذهبي إلى وظيفتك اليوم يا رحاب أرجو أن لا تكوني مريضة ؟ فهزت رحاب رأسها في حيرة ثم قالت : الواقع أنني كنت أشعر بصداع شديد ولهذا فقد اتصلت بصديقتي هناك وطلبت منها تقديم إجازة بدلاً عني ، ولكنني الآن أشعر بالسأم فهل عندك كتاب أقرأ فيه ؟.
فاستغربت حسنات من أختها هذا الطلب ، وأختها تعلم أنها لا تملك الكتب التي تعجبها هي ولكنها لم تشأ أن تصدمها في الجواب فقالت : أمامك كتبي فتشي بينها عما يعجبك يا رحاب...
فنهضت رحاب وأخذت تفتش بين الكتب وحسنات تتطلع اليها لتعرف أي كتاب سوف تختاره ، وفوجئت عندما وجدتها تخار كتاب قصة الايمان ، وكتاب موكب النور في سيرة الرسول ، وكأن رحاب لم تعرف كيف تتصرف أمام أختها وبماذا تفسر لها رغبتها في مطالعة هذه الكتب ، ولهذا فقد أسرعت بالذهاب إلى غرفتها قبل أن تسأل وتجيب ، أما حسنات فقد شعرت بالفرحة ، فما أحلى أن تعود رحاب أختها إلى حضيرة الايمان لقد أسعدها أن تجد أختها الضائعة السادرة في التيه وقد بدأت تفتش عن معالم الطريق ، أسعدها ذلك وأشغلها عن مشاعر الألم لديها إلى فترة . فقد أخذت تتصور رحاب وقد آمنت والتزمت بتعاليم الاسلام ثم يتقدم
( 366 ) إليها خاطب مؤمن صالح مثل مصطفى ... وهنا وقف بها التفكير عند هذا ... مصطفى وكيف هو مصطفى يا ترى ؟ وعادت افكارها القاتمة تلح عليها من جديد فعادت إلى الكتاب الذي بين يديها تستجمع أفكارها بين سطوره من جديد أيضاً.