متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الفصل الثالث
الكتاب : امرأتان و رجل    |    القسم : مكتبة القُصص و الروايات
مرت الأيام ناعمة وسعيدة بالنسبة لحسنات لولا مضايقات رحاب ، وبطيئة وثقيلة بالنسبة لرحاب ، فقد كان مما يغيظها جداً أن تجد حسنات سعيدة وأن تسمع التهاني والتبريكات تنهال عليها دونها ، وبعد أسبوع حيث كانت رحاب عائدة من وظيفتها إلى البيت وجدت ساعي البريد يحاول أن يطرق بابهم وعندما وجدها داخلة سلمها رسالة باسم اختها حسنات ، وكانت الرسالة تحمل طابع المملكة المتحدة الشيء الذي جعلها تعرف أنها من مصطفى فاستلمت الرسالة بيد ترتجف وبشكل لا اختياري اخفتها في حقيبتها ودخلت دون أن تشير إليها ، ثم تعجلت في الذهاب إلى غرفتها بعد الغذاء ، وهناك وبدافع شرير من الغيرة


( 344 )

والحسد فتحت الرسالة ، فطالعها خط جميل منمق يحكي عن شخصية الكاتب ، ثم بدأت تقرأ الرسالة فكانت :

بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزتي حسنات ، يا من اصطفتيك لنفسي على بعد الطريق والمسافات ، ها أنا أكتب اليك لأول مرة وإن كنت قد عشت معك الأيام الماضية بجميع أدوارها ، عشت الأمل فيك ، وعشت الانتظار لك ، وعشت الشوق واللهفة بعد أن طالت فترة تطلعي نحوك يا حسنات ، والآن وقد حقق الله أملي ، حيث وجدت فيك تلك الأمنية الغالية ، وذلك الكنز الثمين ، وجدتني أكتب اليك عسى أن تعوض الكتابة عن بعض مراتب الحرمان من اللقاء ، ثم لكي أحدثك عن نفسي ، التي أصبحت نفسك منذ الآن ، فأنا انسان أحببتك بعمق قبل أن اراك ، لأني عرفت بأنك تحبين ما أحب ، وتؤمنين بما أؤمن ، وأنا انسان أخلصت لك بصدق ، منذ اللحظة التي تمّ فيها ارتباطنا المقدس ، لأن هذا الارتباط لم يكن ليتم لولا


( 345 )

إخلاصك لدينك ، واقتناعك بي من أجل ذلك ، وأنا انسان أجد في الحياة الزوجية شركة روحية وفكرية متجردة عن المادية وزيفها ولهذا اخترتك أنت دون سواك ، لكي نبني معاً حياة زوجية مثالية ، مفروشة بزهور الايمان ، منارة بأشعة القرآن ، مدعومة بتعاليم الاسلام ، كلها حب ، وكلها وداد ، وكلها اخلاص ووفاء ، فأنا لله أولاً ولك ثانياً بكل وجودي ما دمتِ أنت لله أولاً ولي ثانياً بكل وجودك يا حسنات ، فليبارك الله وحدتنا الروحية ، وليرع حبنا بعين رعايته ، وليسدد خطواتنا للسير على دربه.
وأخيراً ، فقد كان بودي لو أطيل معك أكثر فأكثر ، لأن حديثي معك طويل وطويل ، ولكنني انتظر منك الجواب لأعرف منه ذوقك بقصر الرسالة وطولها ، فتقبلي تحياتي وحبي واسلمي لايمانك ولي إلى الأبد
مصطفى


( 346 )

ملاحظة : ارجو أن تتقبلي صورتي التي تجدينها مع هذه الرسالة مع طلب صورة منك في أسرع وقت.
أتمت رحاب قراءة الرسالة وهي تشعر المرير من الألم ، وكأن عذوبة كلماتها كانت بالنسبة لها لذعات من نار ، ودفعها حقدها أن تتخذ وبشكل نهائي قرارها بعدم تسليم الرسالة إلى حسنات ، وانقضى يومها ذاك وهي بين الألم والحيرة ، ألمها لوجود الرسالة ، وحيرتها لاختيار الطريقة التي تتخلص بها منها ، فهي لا تفتأ تعيد القراءة بين حين وحين ، وكلما أعادتها تضاعف لديها إحساس الألم ، وتمنت لو كانت هذه الرسالة موجهة اليها دون حسنات ، وفي الليل ، وعندما تقدمت ساعاته وعيناها لم تجد للنوم سبيلاً ، جلست على سريرها لتعيد قراءة الرسالة للمرة العاشرة من جديد ... وحدثت نفسها تقول : الخط جميل ، والصورة أجمل ، والكلمات عذبة ، تحكي عن روح أعذب بكثير ، لشد ما كانت تفرح بها حسنات لو وصلتها ، لا شك أنها كانت تبدو سعيدة بعد استلامها ، وسعادتها لا تريحني أبداً ... وإلى هنا قررت رحاب تمزيق الرسالة لكي لا يمكن لها أن تصل إلى يد حسنات ، وقبل أن تبدأ بالتمزيق خطرت لها فكرة ، فرددت مع نفسها قائلة : كلا أنني لن أمزقها ولكنني سوف أحرقها فان مما يلذ لي أن أتابع النار وهي تلتهم كلماتها الرقيقة


( 347 )

( الدينية ) قالت هذا ثم ذهبت إلى خزانتها تفتش عن شمعة ، فوجدت عدداً من الشموع الملونة الصغار مطوقة بشريط ذهبي كتب عليه : عيد ميلاد سعيد مع تمنياتي لك بالسعادة والايمان ... فضحكت في عصبية ، واستخرجت شمعة منها وهي تقول لطيف أن أحرق رسالة مصطفى إليها بالشموع التي أهدتها هي إليّ ، نعم أن هذه الشمعة الصغيرة النحيلة واحدة من مجموعة الشموع التي أهدتها الي بمناسبة عيد ميلادي الثامن عشر ، وقد بقيت حتى الآن رهينة هذه الخزانة تنتظر أن تكون أداة حرقاً لرسالة مصطفى وبالتالي أداة حرق لراحتها وسعادتها ، وكانت رحاب خلال ذلك توقد الشمعة وتحاول أن تثبتها على حافة المنضدة ثم أخذت الرسالة بيدها لتدنيها من النار ، وهناك خطرت لها فكرة ، فما جدوى أن تحرق هذه الرسالة لأنه سوف يرسل لها رسالة ثانية وثالثة وسوف لن يصدف لها أن تجد ساعي البريد أمام الباب في كل مرة ، إذن فان احراق هذه الرسالة وحده لا يكفي ، ولا يجدي شيئاً ، وفكرت لحظات ، ثم لاحت لها فكرة سرعان ما اقتنعت بصوابها ، فهي سوف تكتب إلى مصطفى بدلاً عن حسنات ، وسوف تحاول بكتابتها أن تحطم في نفسه هذه الثقة بحسنات ، ثم أن عليها أيضاً أن تعطيه عنواناً آخر غير عنوان هذا البيت ، وهذا ليس بالصعب عليها فهي تتمكن أن تعطي عنوان دائرتها ولكن باسم صديقتها هناك ، وفعلاً فقد صممت أن تنفذ هذه الفكرة ، إذن فإن عليها أن تحتفظ


( 348 )

بالرسالة ، فلعلها سوف تحتاج إلى مراجعتها فيما تكتب ، فجلست لكي تكتب إلى مصطفى قائلة :
عزيزي مصطفى ،
استلمت رسالتك مع مزيد الشكر ، فأعجبني فيها أسلوبك المهذب وكلماتك الرقيقة ، وحسناً صنعت باختصار الرسالة لأنني لا حب الاطالة بالكتابة...
أما ما ذكرت عن أن الكتابة قد تعوض عن اللقاء ، فهو أمر وهمي ، قد يوحيه الانسان الخيالي إلى نفسه من أجل اقناعها ، وإلا فأي جدوى للرسائل ؟ وماذا عساها تغني ؟ ما دمت لا أعرف أين أنت ؟ وكيف أنت ؟ وبأي شكل تعيش ؟ أو مع من تعيش ؟ وأنت في تلك الأرض الزاخرة بجميع ملاذ الحياة ومتعها ، فماذا سوف يتبقى منك لي يا ترى ؟ ثم ألا تجد معي أن حاجتنا لأن نعيش الدين هكذا وبالشكل الذي ذكرته في رسالتك قد انتهت ، فلم تعد هناك متناقضات طبقية أو فئات ظالمة مستغلة ، كما أنه لم تعد


( 349 )

هناك أيضاً مجموعة ضعيفة مستغلة ، لكن يدعونا ذلك لنفتش بين جانب هذا الظلم عن منفذ ، ونبحث خلال هذه الظلمة عن كوة من نور ، ثم لا نتمكن أن نجد المنفذ لصلابة البناء الغاشم ولا نهتدي إلى النور لحلكة الظلام القاتم فلا يسعنا حيال ذلك إلا أن نوجد لنا ـ مختارين ـ قوة عليا ، هي أعلى من الظلم ، وأقوى من الظلام ، ثم نبدأ نوحي لأنفسنا الأمل بهذه القوة ، وبانتظار حلها لمشاكلنا ورفعها لآلامنا ومحننا ... ان هذا هو السبب الذي طرح على صعيد العالم فكرة الايمان بالله ، وفكرة الدين نتيجة لذلك ، ولهذا أفلا تجد معي أننا لم نعد في حاجة لشيء مما ذكرت بعد أن عرفت البشرية كيف تحقق لها العدالة المتوخاة ؟
هذا وأنني استمحيك عذراً إذا كنت قد جابهتك بما لا يعجبك من الأفكار ، ولكنني انسانة صريحة واحب أن أتعامل


( 350 )

مع الآخرين على أساس الصراحة ، ولك مني أخيراً تحياتي وتمنياتي.

حسنات

ملاحظة : أرجو إرسال الجواب وكل رسالة أخرى على العنواني الآتي :
مديرية الري ـ قسم الاحصاء
الآنسة ميادة ناجي
بادرت رحاب إلى ابراد الرسالة على العنوان الذي ذكره مصطفى في رسالته ، وقد استشعرت بشيء قليل من تأنيب الضمير لأن رسالتها كانت كفيلة بهدم سعادة أختها ، ولكنها استعادت طاقات الحقد الموجودة لديها وابعدت عنها التفكير بتأنيب الضمير ، وبقيت تنتظر النتائج.

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net