متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
أولاً : ثورة الشيخ محمود الحفيد في السليمانية
الكتاب : من تاريخ العراق الحديث ج1    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

أولاً : ثورة الشيخ محمود الحفيد في السليمانية :

الشيخ محمود الحفيد ، ينتمي إلى أسرة كردية عريقة في السليمانية ، يرجع تاريخها إلى أكثر من 150 سنة ، وكان عميدها [ كاكا أحمد ] يتمتع بمركز كبير، ديني ودنيوي في آن واحد ، حيث كان بمنزلة [ الولي ] فلما توفي كاكا أحمد ، خلفه ابنه [ الشيخ سعيد ]، ثم خلفه بعد وفاته الشيخ  [محمود الحفيد ]، الذي أخذ نفوذه في صفوف الأكراد يتصاعد ، منذُ الحكم العثماني .

ولما اندحرت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى ، واحتلت بريطانيا العراق، حاولت تركيا أن تستميل الشيخ محمود الحفيد إلى جانبها ، رغبة منها في إلحاق ولاية الموصل [ والتي تشمل محافظات الموصل، وأربيل، وكركوك ، والسليمانية] بها .

 إلا أن الشيخ الحفيد اتصل بالإنكليز ، بصورة سرية وتعهد لهم بالسيطرة على الحامية التركية التي كانت ما تزال باقية في السليمانية ، لقاء منحه امتيازات في إدارة شؤون المدينة ، وتشكيل حكومة كردية برئاسته ، على أن تكون تحت ظل الانتداب البريطاني .

 رحبت السلطات البريطانية بعرض الشيخ الحفيد ، نظراً لما يتمتع به من مركز مرموق في صفوف الأكراد ، وقامت بإرسال مندوبين عنها من كبار الضباط لإجراء مفاوضات معه ، في 6 تشرين الثاني 1918، لتسهيل دخول القوات البريطانية إلى السليمانية ، وقد استقبلهم الشيخ محمود الحفيد بحفاوة ، وسلمهم الحامية التركية، التي سيطرت عليها قواته ، وسارعت السلطات البريطانية إلى تعيينه حاكماً على لواء السليمانية ، ومنحته راتباً شهرياً قدره [ 15 ألف روبية ]،كما عينت الميجر [ نوئيل] مستشاراً له ، وشكلت نواتاً لحكومة كردية في منطقة كردستان العراق ، والتي أشارت إليها  [معاهدة سيفر ] في موادها [ 62، 63، 64 ].(1)

لكن علاقة الشيخ الحفيد بالبريطانيين أصابها الفتور، عندما حاول المحتلين البريطانيين تقليص نفوذه ، وإضعافه، مما دفع الشيخ الحفيد في نهاية الأمر إلى إعلان الثورة على الحكم البريطاني ، وقام باحتلال السليمانية في 21 أيار 1919، بعد أن دحر القوات البريطانية،وقوات الليفي التي شكلها البريطانيون للحفاظ على مصالحهم في المنطقة ، وتمكن من أسر عدد كبير منهم ، ومن الضباط الإنكليز ، وأعلن تشكيل دولة كردية ، وأعلن نفسه ملكا عليها ، واتخذ له علماً خاصاً بدولته .

أخذ الشيخ محمود الحفيد يوسع  مناطق نفوذه في كردستان ، بعد أن استطاع دفع القوات البريطانية نحو [ مضيق طاسلوجة ]، و[ مضيق دربند ]، واستطاع الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة من القوات البريطانية ، وقوات الليفي الآشورية التابعة لهم .

واستمر الشيخ الحفيد يوسع مملكته ، فقد ضم إليها مناطق [ رانية ] و[ حلبجة ] و[كويسنجق] متحدياً السلطات البريطانية .

لكن البريطانيون جهزوا له قوة عسكرية كبيرة ، ضمت الفرقة الثامنة عشر، بقيادة الجنرال  [فريزر] لقمع حركته، واستطاعت هذه القوات ، بما تملكه من أسلحة وطائرات حربية ، أن تدحر قوات الشيخ محمود ، وتعتقله، بعد أن أصابته بجروح في المعارك التي دارت بين الطرفين ، وأرسلته مخفوراً إلى بغداد ، حيث أحيل للمحاكمة، وحكم عليه بالإعدام . غير أن السلطات البريطانية أبدلت الحكم إلى السجن المؤبد، ثم قرت نفيه إلى الهند ، خوفاً من وقوع تطورات خطيرة في كردستان ، حيث يتمتع بمكانة كبيرة في صفوف الأكراد .

بقي الشيخ محمود منفياً حتى عام 1922، عندما أعاده البريطانيون إلى السليمانية، وسلموه زمام الأمور فيها من جديد  .

لكن الشيخ محمود ما لبث أن ثار على الإنكليز مرة أخرى ، مما دفع الإنكليز، والحكومة العراقية إلى تجريد حملة جديدة ضده ، حيث استطاعت احتلال السليمانية من جديد .

لكن الشيخ محمود لم يستكن للأمر ، وأخذ يستجمع قواه وينظمها ، واستطاع مهاجمة الجيش المتواجد في مدينة السليمانية وطرده منها، في 11 تموز 1923، وبقي الشيخ محمود يحكم السليمانية مدة  تزيد على العام  .(2)

ولما تولى ياسين الهاشمي رئاسة الوزارة العراقية ، كان في مقدمة مهام وزارته إعادة السليمانية للسلطة العراقية ، فجهز حملة عسكرية ، بدعم من البريطانيين ، وبشكل خاص، قواتهم الجوية ، التي هاجمت قوات الشيخ الحفيد ، واستطاعت دحرها،  وإيقاع خسائر جسيمة في صفوفها ، وتم إعادة لواء السليمانية إلى سيطرة الحكومة العراقية ، وهرب الشيخ محمود الحفيد إلى خارج العراق ، وقامت الحكومة بتعيين متصرف  [محافظ ]للسليمانية من الأكراد .

رأت بريطانيا أن إقامة دولة كردية في كردستان ، قد يسبب لها مشاكل خطيرة ، وبما أنها قد ضمنت مصالحها في العراق ، بموجب معاهدة عام 1920العراقية البريطانية، فقد قررت صرف النظر نهائياً عن إقامة دولة كردية ، وضم كردستان إلى المملكة العراقية بشكل نهائي .

أما الحكومة العراقية فقد أعلنت من جانبها بأنها سوف لا تعيين موظفاً عربياً في منطقة كردستان ، ما عدا الفنيين ، وأن السكان الأكراد لهم الحق بالتكلم بلغتهم الخاصة ، وأن الحكومة سوف تحافظ على حقوق السكان الدينية والمدنية ، كما جرى انتخاب خمسة أعضاء من الأكراد ، وضمتهم إلى المجلس التأسيسي .

وفي شباط 1925، عندما جاءت اللجنة المكلفة من عصبة الأمم لبحث قضية ولاية الموصل، وأجرت دراستها للأوضاع في الولاية ، وقدمت تقريرها إلى عصبة الأمم، تبنت اللجنة وجهة النظر البريطانية القاضية بضم ولاية الموصل إلى المملكة العراقية، مع مراعاة حقوق الأكراد فيما يخص اللغة الكردية،وتعين الموظفين الإداريين الأكراد .

وفي تشرين الأول 1926 أجتمع مستشار وزارة الداخلية بالشيخ محمود الحفيد،  وتباحث معه في الأمور التي تخص كردستان ، وجرى الاتفاق على شروط الصلح مع الحكومة ، حيث وقع الشيخ الحفيد اتفاقاً مع الحكومة العراقية ، في حزيران 1927، تعهد بموجبه أن يعيش هو وأفراد عائلته خارج العراق، مع إعادة كافة أملاكه له، وتعين وكيل من قبله لإدارة شؤون أملاكه، وهكذا استمرت الأوضاع هادئة في كردستان حتى عام 1930، عندما حاولت بريطانيا فرض معاهدة  30 حزيران على العراق ، حيث اندلعت الثورة الكردية من جديد ، عام 1930 .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net