تاسعاً : دعوة الأمير فيصل للقدوم الى العراق، لتولي الملك :
لم يكد مؤتمر القاهرة ينهي أعماله ، حتى سارع جعفر العسكري ، وزير الدفاع، بطلب من المندوب السامي ، إلى توجيه رسالة الى الأمير فيصل أبن الحسين في 25 مايس 1921، يدعوه للقدوم الى العراق ، تنفيذاً لقرارات المؤتمر ، وعلى الفور أبدى الأمير فيصل سروره واستعداده للسفر الى العراق ، والقيام بالمهام التي اختارتها له بريطانيا من أجلها ، ملكاً على العراق .كما أرسل الميجر [ مارشال ] رسالة أخرى للأمير، يدعوه للتهيئ للسفر الى العراق، وأبلغه أن الباخرة [ نورث بروك ] في طريقها الى [ جدة] وقد تم حجز المقاعد اللازمة له ولحاشيته ورفاقه.(10)
وفي 12 حزيران 1921 أستقل الأمير فيصل الباخرة البريطانية [ نورث بروك ]في طريقه الى البصرة وبصحبته عدد من زعماء ثورة العشرين يضم السادة :محمد الصدر ويوسف السويدي ، وعلوان الياسري ، ومحسن أبو طبيخ ، ورايح العطية .
أما الحاشية الملكية المرافقة لفيصل فكانت تضم كل من السادة :
رستم حيدر، وأمين الكسباني، وتحسين قدري، وعلي جودت الايوبي، وابراهيم كمال، وصبيح نجيب، ومكي الشربتجي، والمستر كورنواليس البريطاني، والذي أصبح مستشاراً للملك فيصل .
وفي 23 حزيران وصلت الباخرة التي تقل الأمير فيصل وحاشيته الى ميناء البصرة، وكان في استقباله كل من وزير الدفاع جعفر العسكري، ومتصرف لواء البصرة أحمد الصانع، ومستشار وزارة الداخلية جون فلبي ، حيث جرى للأمير استقبالا رسمياً هناك ثم تابع موكب الأمير فيصل سفره الى بغداد بالقطار، حيث وصلها في 29 حزيران، وجرى له استقبال رسمي شارك فيه المسؤولون البريطانيون ، وأعضاء الحكومة ، وعدد من الشخصيات السياسية ، ورؤساء العشائر .
وفي 5 تموز، نشر المندوب السامي بياناً رحب فيه بمقدم الأمير فيصل، ودعى العراقيين الى تأييد تنصيبه ملكاً على البلاد .
مجلس الوزراء يبايع الأمير فيصل ملكاً على العراق :
وفي 11 تموز 1921 أتخذ مجلس الوزراء قراراً بمبايعة الأمير فيصل أبن الحسين ملكاً على العراق ، بعد أن تليت رسالة المندوب السامي [ بيرسي كوكس ] المرقمة :
س د /1631، والمؤرخة في 8 تموز 1921، واشترط قرار مجلس الوزراء أن تكون حكومة العراق ملكية دستورية نيابية ديمقراطية مقيدة بالقانون ، وتقرر تخويل وزارة الداخلية نشر هذا القرار على عموم الشعب العراقي .
وعلى أثر صدور قرار مجلس الوزراء بمبايعة الملك فيصل ، أصدر وزير الداخلية أمراً الى جميع متصرف الألوية ، يدعوهم إلى تسجيل أراء أبناء الشعب في هذه البيعة !!، كما أمر بتشكيل لجان تتنقل في كافة الألوية للإشراف على تسجيل أراء أبناء الشعب وكانت ، هذه اللجان قد رتبت الأمور في كل لواء تزوره ، ليبدو وكأن الشعب يؤيد كل التأييد بيعة الملك الهاشمي ، حيث يجري إلقاء خطابات معدة سلفاً تبين مآثر العائلة الهاشمية ، ثم ينتهي الاجتماع بكلمة [ مؤيدون ]!!.
ومع ذلك فأن المواطنين في لوائي كركوك والسليمانية رفضوا تأييد الملك فيصل، فيما اشترط المواطنين في لوائي الموصل وأربيل ضمان حقوق الاقليات في تأسيس الإدارات التي وُعدوا بها من قبل الحلفاء بموجب [ معاهدة سيفر ] .
تويج الملك فيصل ملكاً على العراق :
وفي 23 آب 1921 تم تتويج الملك فيصل، ملكاً على العراق ، وأقيمت حفلة التتويج في ساحة [ برج الساحة ] ببغداد وحضر الحفلة ممثلو الألوية المشتركة في التصويت ،وأقبل الأمير فيصل بصحبة المندوب السامي البريطاني [ بيرسي كوكس ]، وجلس على المقعد المخصص له، وجلس على يمينه المندوب السامي ، وعلى يساره جلس القائد العام للقوات البريطانية في العراق ، كما جلس وراءهم كل من رستم حيدر، وأمين الكسباني، وسكرتير مجلس الوزراء حسين فتيان ، ومستشار الملك فيصل ، الكولونيل كورنواليس ،وبعد أن جلس الحاضرون ، ناول المندوب السامي بلاغاً ليتلوه على جمهور الحاضرين وجاء فيه:
{ لقد قرر مجلس الوزراء باتفاق الآراء ، بناء على اقتراح رئيس الوزراء ، في جلسته المنعقدة في اليوم الرابع من شهر ذي القعدة من سنة 1339 هجرية ، والموافق 11 تموز 1921 ميلادية ، المناداة بالأمير فيصل أبن الحسين ملكاً على العراق ، على أن تكون حكومة سموه دستورية نيابية ديمقراطية مقيدة بالقانون ، وبصفتي مندوباً لجلالة ملك بريطانيا ، رأيت أن أقف على رضا الشعب العراقي البات ، قبل موافقتي على ذلك القرار ، فأجري التصويت العام برغبة مني ، وأسفرت نتيجة التصويت عن رغبة اكثر من 97 % من مجموع الناخبين ، على المناداة بسمو الأمير فيصل ملكاً على العراق. وعليه أعلن أن سمو الأمير فيصل ، نجل الملك حسين ، قد أنتخب ملكاً على العراق، وأن حكومة ملك بريطانيا قد اعترفت بجلالة الملك فيصل ملكاً على العراق، وليحيا الملك } (11)
وبعد نهاية تلاوة بلاغ المندوب السامي البريطاني ، أطلقت المدفعية 21 طلقة احتفالاً بهذه المناسبة .ثم تلى ذلك خطاب التتويج الذي بدأه الملك بتقديم الشكر للشعب العراقي، الذي أولاه ثقته وواعداً إياه على السهر على خدمته، وخدمة العراق ، ثم تطرق الى مآثر والده الملك حسين بن علي والعائلة الهاشمية ، مستعرضاً ما قدمه للشعوب العربية من خدمات في سبيل الاستقلال والحرية، ودوره في إشعال الثورة العربية ضد الاستعمار العثماني الذي دام أربعة قرون من التخلف والعبودية، ثم أشار الملك فيصل الى جهود بريطانيا من أجل استقلال البلاد العربية !!!، مؤكداً صداقته المتينة لحكومة صاحب الجلالة البريطانية .
كما وعد الملك فيصل بالنهوض بالعراق في كافة المجالات ، والقضاء على التخلف، وبناء عراق جديد قائم على أساس العلوم الصحيحة ، والأخلاق الشريفة ، والسير به قدماً نحو التقدم والرقي .
كما وعد الملك بأن أول عمل سيقوم به هو انتخاب المجلس التأسيسي ، الذي سيقوم بوضع أول دستور للبلاد ، على أسس ديمقراطية ، ويصادق على المعاهدة العراقية البريطانية ، التي ستحدد شكل العلاقة بين العراق وبريطانيا .
وفي الختام دعى الملك فيصل أبناء الشعب الى الاتحاد والتعاضد والتبصر ، والى العلم والعمل ، داعياً الله أن يوفق الجميع لما فيه خير العراق والعراقيين .
|