متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
ثانياً : الاحتلال البريطاني للعراق
الكتاب : من تاريخ العراق الحديث ج1    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

ثانياً : الاحتلال البريطاني للعراق :

بدأ الاحتلال البريطاني للعراق في أواخر سنة 1914، بعد قيام الحرب العالمية الأولى، ودخول الدولة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا . فقد هاجمت القوات البريطانية جنوب العراق ، وتمكنت من احتلال [شبه جزيرة الفاو ] دون مقاومة تذكر، وكانت حجة بريطانيا في حملتها على العراق آنذاك حماية نفط عبدان في إيران،وطريق الهند ، لكن الحقيقة كانت غير ذلك تماماً ، فقد أرادت بريطانيا فرض سيطرتها على العراق طمعاً في ثرواته . وبعد أن تم للقوات البريطانية احتلال شبه جزيرة الفاو، اندفعت نحو مدينة [البصرة ]، كبرى مدن العراق الجنوبية ، حيث اشتبكت مع القوات التركية في منطقة الشعيبة ، في أواسط شهر نيسان عام 1915، واستطاعت هذه القوات إلحاق الهزيمة بالجيش التركي ، واحتلال البصرة   . ثم واصلت تقدمها شمالاً باتجاهين ، الاتجاه الأول نحو مدينة [الناصرية]، الواقعة على نهر الفرات ، والاتجاه الثاني نحو مدينتي  [العمارة ] و [الكوت] على نهر دجلة ، ومن ثم نحو العاصمة [بغداد ].

   وفي الثلاثين من حزيران دخلت القوات البريطانية مدينة [العمارة ] وانتزعتها من أيدي الأتراك ، كما احتلت مدينة [الناصرية] في 25 تموز من العام نفسه ، واحتلت مدينة [الكوت ] في 28 أيلول نفس العام . واستمرت القوات البريطانية بقيادة الجنرال [ طاوزند ] بالتقدم نحو [بغداد ]، وخاضت معركة طاحنة مع الأتراك قرب [المدائن]، على مشارف بغداد ، لكن القوات التركية استطاعت إلحاق الهزيمة المنكرة بالجيش البريطاني المهاجم الذي انسحب نحو [ الكوت ]، ولحقت به القوات التركية، واستطاعت فرض الحصار على المدينة ، حيث استمر من 13 تشرين الثاني 1915 وحتى 29 نيسان 1916، و اضطرت القوات البريطانية المحاصرة في المدينة أخيراً إلى الاستسلام دون قيد أو شرط  للقوات التركية التي دخلت المدينة ، وقامت بأعمال انتقامية دموية لا مثيل لها ضد السكان ، بتهمة التعاون مع القوات البريطانية .

غير أن بريطانيا عادت وأرسلت قوات جديدة بقيادة الجنرال [ مود ] الذي شرع بالتقدم نحو  [بغداد] ووصلت قواته إليها في كانون الأول 1916، واستطاعت إلحاق الهزيمة بالجيش التركي المدافع عنها ، ودخلتها في 11 آذار  1917 .

 وجه الجنرال مود عند دخوله العاصمة العراقية بياناً للشعب العراقي باسم السلطات البريطانية قال فيه :{ إنني مأمور بدعوتكم بواسطة أشرافكم ، والمتقدمين فيكم سناً ، وممثليكم ، إلى الاشتراك في إدارة مصالحكم ، ولمعاضدة ممثلي بريطانيا السياسيين المرافقين للجيش، كي تناضلوا مع ذوي قرباكم ، شمالاً وجنوباً، وشرقاً وغرباً ، في تحقيق طموحاتكم القومية }.(2)

لكن أهداف ومخططات الإمبرياليين البريطانيين ، والفرنسيين سرعان ما تكشّفت، عندما قامت ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا عام 1917، بقيادة [ فلاديمير لينين]، حيث فضح بنود اتفاقية [سايكس بيكو]المعقودة بين الإمبرياليين البريطانيين والفرنسيين ، وروسيا القيصرية، حول اقتسام ممتلكات الإمبراطورية العثمانية فيما بينهم   ، وعلى أثر ذلك سارع قائد الحملة البريطانية،الجنرال  [مود ] إلى إصدار بيان جديد للشعب العراقي ، في محاولة لتطمينه ، والتستر على النوايا الحقيقية  للإمبرياليين البريطانيين ، وجاء في ذلك البيان ما يلي :

{إن الغاية التي ترمي إليها كل من بريطانيا وفرنسا في خوض غمار الحرب في الشرق من جراء أطماع ألمانيا ، هي تحرير الشعوب التي طالما رزحت تحت أعباء الاستعباد التركي ، تحريراً نهائياً وتاماً، وتأسيس حكومات ، وإدارات وطنية تستمد سلطاتها من رغبة نفس السكان الوطنيين ، ومحض اختيارهم } . (3)

استمرت القوات البريطانية بالتقدم شمالاً واحتلت مدينة [خانقين ]في كانون الأول 1917، ثم احتلال مدينة [كفري ] في نيسان 1918، ثم واصلت زحفها نحو مدينة [كركوك ]حيث احتلتها في 30 تشرين الأول 1918، ثم واصلت زحفها نحو مدينة الموصل وانتزعتها من أيدي الأتراك في 8 تشرين الثاني 1918، وعينت الحكومة البريطانية العقيد [ لجمان ] حاكما سياسياً على المنطقة ، وامتدت سلطاته نحو أربيل، والسليمانية ، ودهوك ، وراوندز ، وبذلك أحكمت بريطانيا سيطرتها على كافة أرجاء العراق.

ولابد أن أشير إلى أن بريطانيا لاقت مصاعب جمة في سيطرتها على مدينة السليمانية، التي تعتبر مركزاً لحركة التحرر الوطني الكردي ،مما اضطرها إلى تعيين الشيخ [ محمود الحفيد ] حاكماً على المنطقة في أواخر عام 1918، وعينت الميجر جنرال [ نوئيل ] مستشاراً له ، وخصصت له راتباً شهرياً مقداره 15000 روبية هندية [ الروبية تساوي 75 فلساً عراقياً آنذاك] ، وسمحوا له بتعيين عدد من الموظفين الأكراد لإدارة المنطقة . إلا أن الشيخ محمود الحفيد لم يكن راضياً على تلك الأوضاع ، واخذ يتحين الفرصة للثورة على المحتلين .

 بريطانيا تحكم سيطرتها على العراق :

    استمرت بريطانيا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى في حكم العراق ، حكماً عسكرياً ، وكان على رأس السلطة القائد العام للقوات البريطانية ، يعاونه الحاكم الملكي العام السير [ بيرسي كوكس ]،وكان من ضمن كادره الجاسوسة البريطانية المشهورة  [المس بيل ] حيث شغلت منصب السكرتيرة الشرقية، ثم نقل فيما بعد إلى إيران ، وحل بعده  الكولونيل [ أرنولد ولسن ]، والذي عُرف بممارساته القمعية، وأساليبه الوحشية ، التي أثارت المشاعر الوطنية ضد الإنكليز ، وخاصة في منطقة الفرات الأوسط .

فقد قام أرنولد ولسن بتنظيم استفتاء مزور حول رغبات الشعب في مستقبل البلاد، مستخدماً كل أساليب التزوير ،والرشاوي ،والإغراء لكي يخرج الاستفتاء بنتيجة تؤيد بقاء الوجود البريطاني واستمراره .

ومن أجل إحكام سيطرتهم على البلاد ، أسس البريطانيون عدداً من الدوائر المدنية لتسيير أمور الشعب ، ما عدا جهازي الشرطة والتعليم اللذين بقيا تحت إدارة ضابط سياسي بريطاني مسؤول أمام المفوض السامي مباشرةً ، وجرى تقسيم العراق إلى وحدات إدارية كبيرة تسمى [ اللواء ] ، وقسم اللواء إلى وحدات أصغر تسمى  [الاقضية ]، ونصّب الإنكليز في كل وحدة إدارية ضباطا بريطانيون لشؤون الأمن الداخلي ، ومنحوا الضباط السياسيين سلطات واسعة في الشؤون الإدارية والقضائية والمالية .

   كما باشر المحتلون بتشكيل قوات محلية مسلحة بإشراف ضباط بريطانيين ، ودُعيت ب[ الشبانة، أو لليفي ] من أبناء العشائر التي كان شيوخها موالين لهم ، ومن الآشوريين الذين اعتمدت عليهم بريطانيا كل الاعتماد ، واستخدمتهم في إثارة الفتن والتناحر والانقسامات، كما استخدمتهم في قمع الحركات الكردية مرات عديدة ، مما سبب في خلق الأحقاد والكراهية بين القوميتين ، وحقد الشعب العربي على أعوان الإنكليز.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net