متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
أولاً : الموقع الجغرافي،والثروة النفطية،ومطامع الإمبريالية
الكتاب : من تاريخ العراق الحديث ج1    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

أولاً : الموقع الجغرافي،والثروة النفطية،ومطامع الإمبريالية :

   يتميز الموقع الجغرافي للعراق بأهمية كبرى ، حيث يقع على رأس الخليج العربي، والذي يكوّن مع بقية دول الخليج أكبر مجهز للطاقة في العالم أجمع ، كما يمثل العراق حلقة الاتصال بين أوربا ومنطقة  المحيط الهندي ، التي كانت واقعة تحت سيطرة الإمبراطورية البريطانية ، ولذلك وجدنا إمبرياليو الدول الأوربية بشكل عام، وبريطانيا وألمانيا بشكل خاص ، يسعون بكل طاقتهم إلى مد سيطرتهم على العراق، وكان التنافس على أشده بين بريطانيا وألمانيا.

   لقد سعت ألمانيا إلى ربط العراق ، ومنطقة الخليج بخط قطار الشرق السريع ، في محاولة لتمهيد الطريق إلى مد سيطرتها على اكبر مستودع للنفط في العالم ، لكن جهودها لم تتحقق بعد أن خسرت الحرب العالمية الأولى ، وتقدمت الجيوش البريطانية إلى هذه المنطقة ، وبسطت سيطرتها الكاملة عليها ، وهكذا وقع العراق تحت نير الاحتلال البريطاني في أواخر العام الأول ، وبداية العام الثاني للحرب العالمية الأولى التي اندلعت عام 1914 .

   ورغم رفض الشعب العراقي لقوات الاحتلال البريطانية، واندلاع ثورة العشرين، واضطرار بريطانيا إلى تأسيس ما سمي بالحكم الوطني ، والإتيان بالأمير فيصل ابن الحسين ملكاً على العراق ، إلا أن سيطرة بريطانيا على مقدرات العراق عسكرياً واقتصادياً ، وسياسياً ، استمرت عبر أشكال جديدة أخرى . فقد اكتفت بريطانيا بقاعدتي الحبانية الواقعة شمالي بغداد ، والشعيبة الواقعة قرب البصرة ، إضافة إلى قاعدة الرشيد في بغداد ، محتفظة بقوات جوية وبرية فيها، فيما شددت قبضتها على مقدرات العراق عبر المستشارين العسكريين ، والسياسيين ، والاقتصاديين ، والثقافيين، وكان هؤلاء المستشارين هم الحكام الحقيقيين للبلاد ، وكان السفير البريطاني في بغداد صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في حكم العراق ، منذُ ذلك التاريخ، وحتى قيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958 .

ولم تتوقف أحلام ألمانيا بالحصول على موطئ قدم لها في العراق ، فقد سعى [هتلر] لتوثيق علاقاته مع الملك غازي ، الذي كان يناصب البريطانيين العداء ، ويحاول التخلص من سيطرتهم ، لكن بريطانيا التي كانت تراقب سياسة الملك غازي ، وتطور الأوضاع المحلية والدولية ، سارعت إلى التخلص منه حيث قتل في ظروف غامضة، وقيل أنه قتل بحادث سيارة ، واصبح طفله الصغير فيصل الثاني ملكاً على العراق،  وجاء البريطانيون بخاله [ عبد الاله ] وصياً على العرش ، وولياً للعهد، حيث بقي مخلصاً للتاج البريطاني حتى مقتله صبيحة ثورة الرابع عشر من تموز 1958 .

   واستمرت جهود المانيا للوصول إلى منابع النفط ، دون توقف ، وخاصة عندما أفلحت حركة رشيد عالي الكيلاني بالاستيلاء على السلطة ، في 2مايس 1941، عندما كانت الحرب العالمية الثانية مستعرة ، وانحياز حكومة [الكيلاني ]إلى جانب ألمانيا ، وإعلانها الحرب على بريطانيا ، وتقدمها بطلب المساعدة العسكرية من [هتلر] لكن هتلر لم يستطع إرسال قواته إلى العراق ، مكتفياً بإرسال عدد من أسراب طائراته الحربية لحماية الانقلابيين من القوات البريطانية التي راعها هذا الانقلاب المفاجئ في العراق ، وخطورة وصول ألمانيا إلى منطقة الخليج والسيطرة على منابع النفط فيها، وصممت على إسقاط الحكومة الكيلانية بأسرع ما يمكن ، وإعادة الوصي إلى الحكم من جديد .

   سارعت القوات البريطانية إلى التقدم صوب بغداد واستطاعت احتلالها ، بعد معركة غير متكافئة مع الجيش العراقي ، الذي كان يفتقد إلى السلاح ، والخبرة العسكرية ، مقارنه بالقوات البريطانية ، وهرب رشيد عالي الكيلاني والعقداء الأربعة، قادة الجيش ، الذين اعتمد عليهم الكيلاني في الانقلاب ، إلى خارج العراق ، وعاد الوصي عبد الإله ، والزمرة الحاكمة إلى الحكم من جديد لينفذوا حملة شعواء ضد كل المناهضين للاحتلال البريطاني ، وبذلك ذهبت محاولات هتلر أدراج الرياح، وأحكمت بريطانيا سيطرتها التامة على البلاد .

   لكن الصراع على العراق وثروته النفطية لم ينتهِِ بنهاية الحرب العالمية الثانية ، فقد بدأ بعد الحرب صراع جديد بين الولايات المتحدة ، التي خرجت من الحرب كقوة عظمى ، تمتلك اكبر قوة اقتصادية في العالم ، وبين بريطانيا التي خرجت من الحرب منهكة القوى ، ومثقلة بالديون ، وبدت إمبراطوريتها التي كانت لا تغيب عنها الشمس تتهاوى ، وبدأت الولايات المتحدة تتطلع إلى الهيمنة على منطقة الخليج، واقتسام الثروات النفطية مع بريطانيا ، في بادئ الأمر، ومن ثم للاستحواذ على حصة الأسد فيما بعد .

لقد بدأ التنافس الأمريكي البريطاني على منطقة الخليج في واقع الأمر منذُ عام 1920، عندما طالبت الولايات المتحدة من بريطانيا ، في مؤتمر [ سان ريمو ]بضرورة مشاركتها بنفط الخليج ، لكن بريطانيا رفضت ذلك رفضاً قاطعاً في ذلك الوقت ، مما حدا بالرئيس الأمريكي [ ودرو ولسن] إلى إرسال رسالة إلى الحكومة البريطانية يقول فيها : {إنكم تريدون ممارسة نوع من الاستعمار ، اصبح موضة قديمة }.(4)

وفي عهد الرئيس [روزفلت ] جرى ضغط شديد على رئيس الوزراء البريطاني     [ونستن تشرشل ] من أجل حصول الولايات المتحدة على نصيب أكبر في نفط الخليج ،وكان تشرشل يقاوم الضغط الأمريكي ، إلا أنه كان عاجزاً عن إيقاف ذلك الضغط ، بسبب ضعف موقف بريطانيا ، فقد كتب تشرشل إلى اللورد [ بيفر بروك] العضو في وزارة الحرب البريطانية يقول فيها رداً على مذكرته حول محاولات الولايات المتحدة : {إنني أفهمك جيداً ولكني أخشى أن عالم ما بعد الحرب قد ينهار إذا دخلناه ونحن في معركة مع الولايات المتحدة حول البترول } .

   لقد بعث الرئيس روزفلت لجنة رئاسية إلى الشرق الأوسط ، زارت كل من السعودية ، والعراق ، وإيران ، والكويت ، والبحرين ، وقطر، وعند عودتها قدمت تقريرها إلى الرئيس [روزفلت ] والذي  بدأ بالعبارة التالية : { إن بترول الشرق الأوسط هو أعظم كنز تركته الطبيعة للتاريخ ، وأن التأثير الاقتصادي ، والسياسي لهذا الكنز سوف يكون فادحاً } .وعندما سأل وزير الخارجية [جيمس بيرنز] الرئيس روزفلت ما هي الحصة يا سيادة الرئيس التي ينبغي أن نسيطر عليها من بترول الشرق الأوسط ؟ سكت الرئيس روزفلت برهة ثم أجابه قائلاً :{لا اقل من 100 % } (5)

وكتب [ هارولد إكس ] إلى روزفلت يقول :

{إن الشرق الأوسط مجرة كونية هائلة من حقول البترول ، لا يعرف أحد نظيراً لها في الدنيا ، وأن السعودية هي شمس هذه المجرة ، فهي أكبر بئر بترول في الشرق الأوسط، وأن الظروف فيها مناسبة ، حيث فيها الملك عبد العزيز آل سعود يريد شيئين ، المال

وحماية العرش ، وإن على الولايات المتحدة أن تقوم بتأمين ذلك ، وبالفعل فقد تم ترتيب الأمر مع الملك عبد العزيز عندما التقاه الرئيس [روزفلت] على ظهر الطراد الأمريكي [كويني ] في البحيرات المرة ، وسط قناة السويس ، وحصلت أمريكا على نفط السعودية ، بموجب الاتفاق بين الملك وشركة [أرامكو ]المؤلفة من أربعة شركات نفطية هي [نيوجرسي ] و[ تكساسكو ] و [ سوكال ] و [سكسوني ] بنسب متساوية .

   لقد وقف رئيس أكبر شركة نفط أمريكية [سكسوني فاكوم ] عام 1945 ليقول بالحرف الواحد : { إن إدارة شؤون البترول تختلف عن إدارة شؤون أية سلعة أخرى ، ذلك أن شؤون البترول في 90% منها سياسية ، و10 % منها فقط بترول ، ثم زاد قائلاً، إذا كان محتماً على الولايات المتحدة أن تدير شؤون البترول في العالم ، فإن عليها أن تدرك طوال الوقت بأنها مطالبة بأن تفعل ذلك حتى خارج حدود سياستها الإقليمية ، وخارج قيود القانون الدولي إذا دعى الأمر ذلك }.كما استحوذت الولايات المتحدة على النفط الإيراني بعد أن أفلحت في أحداث انقلاب عسكري ضد حكومة الدكتور [محمد مصدق ] مزيحة الهيمنة البريطانية المطلقة على نفط الخليج وتمكن الإمبرياليون الجدد من السيطرة على 5,4% من نفط الخليج حتى عام 1953 بعد أن كانت حصتها عام 1946 لا تتجاوز 35, 3 %، في حين  هبطت حصة بريطانيا من 49,9 %  إلى 28,4%  .

    أما الرئيس الأمريكي [ جيمي كارتر ] فقد أعلن أمام الكونجرس في 23 كانون الثاني 1980ما عرف آنذاك [بمبدأ كارتر ] حيث قال :{ إن أي محاولة من جانب أي قوى للحصول على مركز سيطرة في منطقة الخليج سوف يعتبر في نظر الولايات المتحدة كهجوم على المصالح الحيوية بالنسبة لها ، وسوف يتم رده بكل الوسائل ، بما فيها القوة العسكرية } .

    هكذا إذاً كان الصراع محتدماً بين الإمبرياليين أنفسهم ، ومنذُ أمد بعيد على منطقة الخليج ، وثروتها النفطية ، وبطبيعة الحال فإن العراق، بموقعه الجغرافي، وبما يملكه من ثروة نفطية هائلة ، كان في لب الصراع الإمبريالي للهيمنة عليه . 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net