متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المقأومة والنضال طويل الأمد
الكتاب : الحكومة الإسلامية    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

المقأومة والنضال طويل الأمد

ليس ثمة عاقل يتوقع أن نتوصل من خلال عملنا التبليغي والارشادي إلى تشكيل الحكومة الإسلامية بسرعة. فمن أجل النجاح في إقامة الحكومة الإسلامية المستقرة، نحتاج إلى أنشطة متنوعة ومتواصلة، فهذا هدف يحتاج إلى وقت طويل. عقلاء العالم يقومون بوضع حجر في مكان ما لكي يقيموا عليه بناءً بعد مئتي سنة من ذلك الوقت، ومن ثم يحققوا النتيجة المرجوة.

سأل الخليفة ذلك المزارع العجوز ـ الذي كان يضع الفسيل ـ عما يدفعه إلى زرع ما يحتاج في انتاجه إلى خمسين سنة اُخرى، حيث يكون قد مات الزارع فأجاب: "لقد زرعوا فأكلنا، ونزرع فيأكلون".

فعملنا إذا كانت نتيجته تتحقق للأجيال القادمة، فعلينا أيضاً أن نستمر به، إذ أنه خدمة للإسلام، ولأجل سعادة البشر، وليس أمراً شخصياً لكي نقول: بما أنه لن ينتج الآن، وإنّما سيأخذ نتيجته الآخرون فيما بعد، فلا علاقة لنا به. لو أن سيد الشهداء (ع) ـ الذي ضحى بكل ما لديه من ماديات ـ كان يفكر بمثل هذا التفكير، ولو كان عمله لنفسه ولفائدته الشخصية، لكان هادن منذ البداية، وانتهت القضية. كان الجهاز الأموي الحاكم إنّما يريد من الحسين (ع) البيعة والخضوع لحكمه. فلم يكونوا ليحصلوا على أفضل من ذلك، بأن يعترف ابن النبي (ص) وإمام ذلك الزمان بحكومتهم، ويخاطبهم بلقب "أميرالمؤمنين". لكنه (ع) إنّما كان يفكر بمستقبل الإسلام والمسلمين، وعارض وجاهد وضحى لأجل نشر الإسلام في المستقبل، وإقامة أنظمته السياسية والاجتماعية في المجتمعات.

تأملوا في الرواية التي ذكرتها فيما سلف لتجدوا أن الإمام الصادق (ع) الذي كان يعيش في ظروف تقية، وفي ظل ضغوطات الحكام الظلمة، ولم يكن يمتلك أية سلطة تنفيذية، وكان في معظم الأحيان يخضع للمراقبة والمحاصرة، ومع هذا يقوم بتعيين التكاليف للمسلمين، وينصب حكاماً وقضاة. فما معنى هذا التصرف منه (ع) ؟ وأساساً ما الفائدة المترتبة على هذا النصب والعزل؟ إنّ الرجال العظماء ذوي الآفاق الفكرية الواسعة لا يشعرون باليأس في أي وقت من الأوقات، ولا ينظرون إلى وضعهم الحالي، حيث يكونون في السجن، وليس من المعلوم أنهم سيخرجون منه أم لا. بل يخططون للتقدم في أهدافهم مهما كانت الظروف التي يعيشونها، لكي ينفِّذوا تلك الخطط فيما بعد بأنفسهم إذا تمكّنوا، وإذا لم تسنح لهم الفرصة، يقوم بذلك الآخرون ـ ولو بعد مئتين أو ثلاثمائة عام ـ الكثير من النهضات الكبرى بدأت بهذا الشكل. فسوكارنو[10] رئيس جمهورية أندونيسيا السابق كان يحمل تلك الأفكار في السجن، ووضع الخطط والبرامج، ومن ثم نفذها فيما بعد.

والإمام الصادق (ع) ـ عدا عن وضع الخطة ـ قام بالنصب والتعيين أيضاً. لو كان عمل الإمام (ع) ناظراً لذلك الوقت فقط، لكان يُعدُّ عمله هذا ضرباً من اللغو، لكنه (ع) كان يفكر بالمستقبل. فهو لم يكن مثلنا مشغولاً بنفسه ومهتماً بوضعه فقط. كان يحمل همَّ الاُمة والبشرية بل وجميع العالم.

كان يريد إصلاح البشر، وتطبيق قوانين العدل. كان عليه أن يقوم بالتخطيط والتعيين منذ ألف وعدة مئات من السنين، لكي يتوصل إلى يقظة الشعوب هذه الأيام، وإلى وعي الاُمة الإسلامية وثورتها. لم يبق ثمة تحيُّر، فوضع الحكومة الإسلامية ورئيس الإسلام معلوم، واساساً فإنّ دين الإسلام، ومذهب الشيعة، وسائر المذاهب والأديان تقدموا بهذا الشكل. أي لم يكن ثمة شيء في البداية سوى الأطروحة، ومن ثم، وبعد صمود وجدية القادة والأنبياء تحققت النتيجة. لم يكن النبي موسى (ع) سوى راعٍ مارس عمله ذاك لسنين طويلة. وعندما كُلِّف بمواجهة فرعون، لم يكن يملك من مساعدٍ أو نصير. لكنه ـ بما يمتلك من لياقةٍ وصفات وصمود ـ أزال أساس حكومة فرعون بعصاه. أتظنون أنه لو كانت عصا موسى بيدي أو بأيدي حضراتكم لكان حصل معنا نفس النتيجة؟! إنّ الأمر يحتاج إلى همَّة موسى وجدِّيته وتدبيره لكي يتم القضاء على فرعون. وهذا ليس بمقدور أي كان. عندما بُعث النبي الأكرم (ص) بالرسالة، وشرع بالدعوة، لم يؤمن به في البداية سوى طفل في الثامنة من العمر هو أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وامرأة في الاربعين هي خديجة، ولم يكن لديه سواهما. والجميع يعلم كم ناله من أذى ومحاربة وتخريب. لكنه لم ييأس، ولم يقل لا نصير لدي، بل صمد، وأوصل ـ بقدرته الروحية وعزمه القوي ـ الرسالة من الصفر إلى هذه النتيجة، حيث ينضوي تحت لوائها سبعمائة مليون شخص هذه الأيام.

مذهب الشيعة بدأ أيضاً من الصفر. وعندما وضع الرسول (ص) أساسه قوبل بالاستهزاء، إذ حين جمع الرسول (ص) قومه بداية الدعوة، عرض عليهم دعوته، وسألهم أيهم يؤازره في هذا الأمر ليكون وزيره وخليفته، ولم يجبه أحد سوى أمير المؤمنين (ع) ـ الذي لم يكن قد بلغ سن البلوغ بعد ـ لكنه كان يحمل روحاً كبيرة أكبر من كل الدنيا. التفت أحدهم إلى أبي طالب، وقال له مستهزئاً: لقد أمرك أن تطيع ابنك وتسمع له[11].

وفي ذلك اليوم الذي أعلن فيه ولاية أميرالمؤمنين (ع) على الناس قوبل بالبخبخة (بخٍ بخٍ) الظاهرية[12]، لكن العصيان والخلاف بدأ منذ ذلك الوقت، واستمر إلى النهاية. لو كان الرسول (ص) نصبه مرجعاً للمسائل الشرعية فحسب، لما خالفه أحد. لكن نصبه خليفة له، وجعله الحاكم على المسلمين، والمقرر لمصير اُمة الإسلام، وهذا هو الذي سبب هذه الاعتراضات والمخالفات. وأنتم اليوم إذا جلستم في بيوتكم، ولم تتدخلوا في أمور البلاد، فلن يتعرض لكم أحد. وإنما يتعرضون وكل فيما لو تدخلتم في أمور البلاد فحسب. وأميرالمؤمنين (ع) والشيعة نالوا كل هذا الأذى، وكل هذه المصائب بسبب تدخلهم في أمور الحكومة وسياسة البلاد. لكنهم مع هذا لم يتخلُّوا عن الجهاد والعمل، إلى أن صار عدد الشيعة اليوم ـ نتيجة جهادهم وعملهم التبليغي ـ حوالي مئتي مليون شخص.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net