متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
لمن يكون منصب القضاء ـ القضاء للفقيه العادل
الكتاب : الحكومة الإسلامية    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

لمن يكون منصب القضاء

عن محمد بن يحيى، عن محمد بن احمد، عن يعقوب بن يزيد، عن يحيى بن مبارك، عن عبدالله بن جبلّة، عن أبي جميلة، عن اسحاق بن عمار، عن أبي عبدالله (ع) قال: قال امير المؤمنين صلوات الله عليه لشريح: "يا شريح، قد جلست مجلساً لا يجلسه (ما جلسه) إلا نبي أو وصي نبي أو شقي[1].

وحيث أن شريح لم يكن نبياً ولا وصي نبي، فقد كان شقياً جلس على مسند القضاء. لقد تولى شريح[2] منصب القضاء في الكوفة من 50 إلى 60 عاماً، وكان من رجال الدين الذين تكلموا ببعض الأمور، وأصدروا الفتأوى، وقاموا ببعض التصرفات ضد الحكومة الإسلامية تزلفاً لحكومة معأوية. ولم يتمكن امير المؤمنين (ع) في خلافته من عزله، إذ لم يسمح له رجاله بذلك، وفرضوه على حكومة العدل بحجة كون الشيخين قد ولوه ذلك، وعزله مخالفه لهما. غاية الأمر أن الامام (ع) لم يسمح له بالقضاء بخلاف القانون.

القضاء للفقيه العادل

يستفاد من الرواية أن تولي منصب القضاء هو إما للنبي (ص) أو للوصي، ولا خلاف في أن الفقهاء العدول منصوبون للقضاء بتعيين من الائمة (ع) وأن القضاء من مناصبهم، وذلك بخلاف مسألة "الولاية"[3] التي يرى البعض مثل المرحوم النراقي[4] ومن المتأخرين المرحوم النائيني[5] أن جميع المناصب والشؤون الاعتبارية التي للامام ثابتة للفقيه[6] بينما البعض الآخر لا يرى ذلك. لكن لا اشكال في كون منصب القضاء للفقهاء، والمسألة تقريباً من الواضحات.

وحيث أن الفقهاء لا يمتلكون مقام النبوة، ولاشك في أنهم ليسوا مصداق "الشقي" فيجب أن نقول بالضرورة أنهم أوصياء، أي خلفاء الرسول الأكرم (ص).

نعم لم يتمسك بمثل هذه الروايات لكونهم يستفيدون من وصي النبي في المرتبة الأولى من الوصي غالباً. ولكن الحق أن دائرة مفهوم "وصي النبي" فيها توسعة، وتشمل الفقهاء أيضاً. نعم الوصي المباشر هو امير المؤمنين (ع) ومن بعده الأئمة (ع) حيث قد أحيلت أمور الناس اليهم. ولا يتصور أن منصب الحكومة أو القضاء قد كان شأنيّاً بالنسبة للأئمة (ع). لقد كانت الإمارة بالنسبة لهم مهمة لكونها تمكنهم من اقامة حكومة العدل، وتطبيق العدالة الاجتماعية ونشرها بين الناس فحسب، وإلا فإن المقامات المعنوية للائمة (ع) هي فوق ادراك البشر، ولا تتوقف على النصب والتعيين. إذ حتى لو لم يجعل النبي (ص) أمير المؤمنين وصيّاً له، فان مقامات الإمام المعنوية محفوظة. فليس مقام الحكومة والمنصب هو الذي يمنح الإنسان الشأن والمرتبة المعنوية، وانما المقام المعنوي هو الذي يؤهل الانسان للحكومة والمناصب الاجتماعية.

وعلى أية حال فنستنتج من الرواية أن الفقهاء هم أوصياء الدرجة الثانية للرسول الأكرم (ص) وأن الأمور التي أوكلت للأئمة (ع) من جانب الرسول (ص) ثابتة لهم أيضاً، ويجب أن يقوموا بجميع أعمال رسول الله (ص) كما قام بها أمير المؤمنين (ع).

والرواية الاخرى التي هي من أدلة المطلب أو مؤيداته، وهي أفضل من الرواية الأولى من ناحية السند والدلالة رويت من طريق الكليني، وهي من هذا الطريق ضعيفة[7]، لكن الصدوق رواها إلى سليمان بن خالد[8] وهو طريق معتبر وصحيح[9]. والرواية بهذا النحو:

عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عبس، عن ابي عبدالله المؤمن، عن ابن مُسكان، عن سليمان بن خالد، عن ابي عبدالله (ع) قال: اتقوا الحكومة انما هي للامام العالم بالقضاء العادل في المسلمين، لنبي (كنبي) أو وصي نبي[10].

تلاحظ هنا أن من يريد ان يحكم (يقضي) فيجب أن يكون أولاً: إماماً. والامام هنا بالمعنى اللغوي الذي هو الرئيس والقائد، لا بالمعنى الاصطلاحي. ولذا اعتبر النبي إماماً أيضاً. ولو كان المراد الامام بالمعنى الاصطلاحي لكان التقييد "بالعالم" "والعادل" تقييداً بأمر زائد.

ثانياً: أن يكون عالماً بالقضاء. فلو كان إماماً دون أن يكون على علم بالقضاء، أي لا يملك الاطلاع على قوانين القضاء ومبادئه؛ فلا حق له في ممارسة القضاء.

ثالثاً: أن يكون عادلاً.

فالقضاء اذن هو لمن يمتلك هذه الشروط الثلاثة (اي الرئاسة والعلم والعدالة). ثم يقول (ع) ان هذه الشروط لا تنطبق إلا على نبي أو وصي نبي.

لقد ذكرت سابقاً أن منصب القضاء هو للفقيه العادل، وهذا الأمر من ضروريات الفقه، ولا خلاف فيه. فيجب أن نرى الآن أن شروط القضأوة موجودة في الفقيه أم لا. ومن الطبيعي أن المقصود هو الفقيه العادل، لا كل فقيه. الفقيه بالطبع عالم بالقضاء، لأن الفقيه لا يطلق على الشخص الذي يكون عالماً بقوانين ومباديء القضاء الإسلامية فقط، بل الذي يكون عالماً بالعقائد والقوانين والأنظمة والأخلاق أي الذي يكون خبيراً بالدين بكل ما للكلمة من معنى. وعندما يكون الفقيه عادلاً، فقد حاز شرطين، والشرط الآخر هو أن يكون إماماً، أي رئيساً. وقد قلنا أن الفقيه العادل يمتلك مقام الإمامة والرئاسة لأجل ممارسة القضاء، وذلك بحسب تعيين الإمام (ع).

وقد حصر عندها الامام (ع) وجود هذه الشروط في نبي أو وصي نبي. وبما أن الفقهاء ليسوا أنبياء، فهم اذن أوصياء للنبي أي خلفاؤه. بناءً على هذا يتضح ذلك المجهول من هذا المعلوم، فيكون الفقيه وصياً للرسول الأكرم (ص) ويكون في عصر الغيبة إمام المسلمين ورئيس الأمة، ويجب أن يكون هو القاضي، ولا حق لغيره في القضأوة والحكم.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net