متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
نمط الحكومة الإسلامية واختلافها مع سائر أنماط الحكومات
الكتاب : الحكومة الإسلامية    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

نمط الحكومة الإسلامية واختلافها مع سائر أنماط الحكومات

الحكومة الإسلامية ليست كأي نوع من انماط الحكومات الموجودة. فهي مثلاً: ليست استبدادية[3]، بحيث يكون رئيس الدولة مستبدّاً ومتفرداً برأيه، ليجعل أرواح الشعب وامواله ألعوبة يتصرف فيها بحسب هواه، فيقتل من يشاء، وينعم على من يشاء، ويهب من يشاء من اموال الشعب واملاكه. فرسول الله (ص) وامير المؤمنين (ع) وكذلك سائر الخلفاء لم يكن لهم هذه الصلاحيات. فالحكومة الإسلامية لا هي استبدادية ولا مطلقة[4]، وانما هي مشروطة. وبالطبع ليست مشروطة[5] بالمعنى المتعارف لها هذه الايام، حيث يكون وضع القوانين تابعاً لآراء الاشخاص والأكثرية. وإنما مشروطة من ناحية ان الحكام يكونون مقيدين في التنفيذ والادارة بمجموعة من الشروط التي حددها القرآن الكريم والسنَّة الشريفة للرسول الأكرم (ص). ومجموعة الشروط هي نفس تلك الأحكام والقوانين الإسلامية التي يجب أن تُراعى وتنفذ. ومن هنا فالحكومة الإسلامية هي "حكومة القانون الالهي على الناس".

الفرق الاساسي للحكومة الإسلامية مع حكومات "الملكية المشروطة"[6]، "والجمهورية"[7] هو في كون ممثلي الشعب أو الملك هم الذين يقومون بعملية التشريع في مثل هذه الأنظمة، بينما في الحكومة الإسلامية يختص التشريع بالله تعالى. فالشارع المقدس في الإسلام هو السلطة التشريعية الوحيدة. فلا حقَّ لأحدٍ بوضع القوانين، ولا يمكن وضع أي قانون غير حكم الشارع موضع التنفيذ. لذا ففي الحكومة الإسلامية بدلاً من "مجلس التشريع" الذي يشكل احدى السلطات الثلاث في الحكم يكون هناك "مجلس تخطيط" يضع الخطط لمختلف الوزارات من خلال أحكام الإسلام، وتحدد كيفية أداء الخدمات العامة في جميع أنحاء البلاد من خلال هذه المخططات.

إن القوانين الإسلامية التي وردت في القرآن والسنة يتلقاها المسلمون بالقبول والطاعة. وهذا مما يسهل عمل الحكومة، ويجعلها مرتبطة بالشعب، بينما في الحكومات الجمهورية والملكية المشروطة فإن غالبية الذين يعتبرون أنفسهم ممثلي أكثرية الشعب يضعون ما يشاؤون ويسمونه "قانون" ومن ثم يفرضونه على الشعب.

حكومة الإسلام هي حكومة القانون. وفي هذا النمط من الحكومة تنحصر الحاكمية بالله والقانون ـ الذي هو أمر الله وحكمه ـ فقانون الإسلام أو أمر الله له تسلط كامل على جميع الأفراد وعلى الدولة الإسلامية. فالجميع بدءاً من الرسول الأكرم (ص) ومروراً بخلفائه وسائر الناس تابعون للقانون ـ وإلى الأبد ـ لنفس ذلك القانون النازل من عند الله، والمبلَّغ بلسان القرآن والنبي (ص). إذا كان النبي (ص) قد تولى الخلافة، فقد كان ذلك بأمر من الله، إذ أن الله تعالى هو الذي جعله (ص) خليفة. "خليفة الله في الارض" لا أنه قام بتشكيل الحكومة من نفسه وأراد أن يكون رئيساً على المسلمين. كما انه حيث كان يحتمل حصول الخلاف بين الأمة بعد رحيله ـ إذ كانوا حديثي عهد بالإسلام والايمان ـ فقد الزم الله تعالى الرسول (ص) بأن يقف فوراً وسط الصحراء ليبلّغ أمر الخلافة[8]. فقام الرسول (ص) بحكم القانون واتَّباعاً لحكم القانون بتعيين أمير المؤمنين (ع) للخلافة، لا لكونه صهره، أو لأنه كان قد أدى بعض الخدمات، وإنما لأنه (ص) كان مأموراً وتابعاً لحكم الله، ومنفذاً لأمر الله.

أجل، فالحكومة في الإسلام تعني اتباع القانون، والقانون وحده هو الحاكم في المجتمع.

فحيث اعطيت صلاحيات محدودة للرسول الأكرم (ص) وللولاة، فانما كان ذلك من الله. وفي كل وقت كان يقوم فيه النبي (ص) ببيان أمر أو إبلاغ حكم، فإنما يكون ذلك منه إتباعاً لحكم الله وقانونه. واتباع الرسول (ص) إنما هو أيضاً بحكم من الله حيث يقول تعالى: {وأطيعوا الرسول} اتباع أولي الأمر أيضاً بحكم من الله حيث يقول تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}[9]، فرأي الاشخاص وحتى رأي الرسول الأكرم (ص) ليس له أي دور في الحكومة والقانون الإلهي، فالجميع تابعون لإرادة الله تعالى.

والحكومة الإسلامية ليست سلطنة ملكية ولا امبراطورية[10]. ففي هذا النوع من الحكومات يكون الحكام مسلطون على ارواح واموال الناس، وهم يتصرفون فيها بحسب آرائهم، والإسلام يجلُّ عن هذا النهج والنمط من الحكم. ولذا لا تجد في الحكومة الإسلامية ـ وخلافاً لأنظمة السلطنة والملكية والامبراطورية ـ آثر للقصور الكبيرة، والعمارات المجللة، والخدم والحشم، والمكاتب الخاصة، ومكاتب ولي العهد، وسائر لوازم السلطنة، والتي تقضي على نصف أو على قسم كبير من ميزانية البلاد. كلكم تعرفون كيف كانت حياة النبي الأكرم (ص) الذي كان رئيس الدولة الإسلامية وحاكمها. وقد استمرت هذه السيرة بعده (ص) إلى عهد بني أمية. وان كانوا قد خالفوا في أمور أخرى، وظهر الانحراف الفاحش في عهد عثمان[11] وذلك الانحراف هو الذي أوصلنا اليوم إلى هذه المصائب. وقد أصلح نهج الحكومة في عهد أمير المؤمنين (ع)، وكان مسارها الصلاح والاستقامة. ومع أنه (ع) كان يحكم بلاداً واسعة، كانت ايران ومصر والحجاز واليمن من مناطقها، فقد كان يعيش حياة لا يقدر عليها حتى طالب العلم الفقير. بحسب المروي فقد اشترى يوماً قميصين اعطى الأفضل منها لخادمه قنبر، والآخر ـ لما كانت أكمامه طويلة ـ فقد قام بقطع الزائد منها، وارتداه بأكمامه الممزقة[12]. هذا مع كونه حاكماً لبلاد كبيرة في المساحة وعدد السكان، وكثيرة الموارد. فلو كانت هذه السيرة محفوظة، وكان الحكم على الطريقة الإسلامية، لما حصل كل هذا التسلط على أرواح الناس واموالهم، ولا الملكية ولا السلطنة، ولا كل هذه المظالم والنهب والسرقة للخزينة العامة، ولا كل هذه المنكرات والفواحش. إذ ان الكثير من المفاسد إنما تنشأ من هذه الاجهزة والعوائل الحاكمة المستبدَّة. فهؤلاء الحكم هم الذين يقيمون اماكن الفساد، ويبنون مراكز الفحشاء والخمور، ويصرفون الموقوفات على دور السينما. لو لم يكن هذا البذخ الملوكي، وهذا التبذير والاختلاس موجوداً لما أصيبت خزينة البلاد بالعجز حتى يخضعوا من ثمَّ لأمريكا وانكلترا طلباً للقروض والمساعدات. إن البلاد أضحت محتاجة بسبب هذا التبذير والاسراف، وإلا فهل كان نفطنا قليلاً أو أننا لا نمتلك المعادن والثروات؟ اننا نمتلك كل شيء، لكن هذه الهبات والاختلاسات، وهذا التلاعب الذي يجري كله على حساب الشعب والخزينة العامة قد أوقع البلاد في العجز. لو لم تكن هذه الأمور موجودة لما كان هناك حاجة للذهاب إلى إمريكا ليتذلل (الشاه) هناك أمام طأولة ذلك الرجيل (رئيس جمهورية أمريكا) طالباً المساعدة.

ومن جهة اخرى فالتشكيلات الادارية الزائدة، ونمط الادارة الذي يعتمد على اختلاق الملفات "وكتابنا وكتابكم" ذلك الاسلوب البعيد عن الإسلام، يفرض على البلاد مصاريف لا تقل عن النوع الأول من المصاريف المحرمة. هذا النظام الاداري بعيد عن الإسلام. وهذه التقليدات الزائدة التي لا تورث الناس سوى التعب والتعطيل وزيادة المصارف ليست من الإسلام.

فمثلاً ذلك النمط الذي حدده الإسلام من اجل احقاق الحقوق، والفصل في الدعأوي، واجراء الحدود والقانون الجزائي بسيط وعملي وسريع للغاية. فعندما كان يُعمل بالقانون القضائي الإسلامي كان قاضي الشرع في المدينة يفصل الخصومات بمعأونة موظفين أو ثلاثة موظفين وقلم ودواة، ومن ثم يخلَّي بين الناس وأعمالهم وحياتهم العادية.

أما الآن فالله يعلم كثرة هذه التشكيلات الادارية للمحاكم ورسومها وتقيداتها، ومع هذا لا ينجز أي عمل أيضاً. فهؤلاء هم الذين يوقعون البلاد في الفقر دونما نتيجة سوى التعب وضياع الوقت.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net