ضرورة الحكومة من خلال الاحاديث
إن تأسيس الحكومة أمر لازم بحسب ضرورة العقل والأحكام الإسلامية ونهج الرسول الأكرم (ص) وأمير المؤمنين (ع)، وبحسب مفاد كثير من الآيات والروايات. وكنموذج على ذلك أذكر هذه الرواية المنقولة عن الامام الرضا (ع) :
روى عبدالواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار، قال: حدثني ابو الحسن علي بن محمد بن قُتيْبَة النيسابوري، قال: قال ابو محمد الفضل بن شاذان النيسابوري: أن سأل سائل فقال: أخبرني هل يجوز ان يكلَّف الحكيم ... فإن قال قائل: ولم جعل أولى الامر وأمر بطاعتهم؟ قيل: لعلل كثيرة. منها: أن الخلق لما وُقِفَوا على حد محدود، وأمروا أن لا يتعدوا تلك الحدود ـ لما فيه من فسادهم ـ لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يجعل عليهم فيها أميناً يأخذهم بالوقف عندما أُبيح لهم، ويمنعهم من التعدي على ما حَظَرَ عليهم، لأنه لو لم يكن ذلك لكان أحدٌ لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره. فَجُعِلَ عليهم قيِّمٌ يمنعهم من الفساد، ويقيم فيهم الحدود والأحكام. ومنها: أننا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بَقوا وعاشوا الا بقيَّم ورئيس لما لابد لهم منه في أمر الدين والدنيا. فلم يَجُزْ في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم انه لابد لهم منه، ولا قوام لهم إلا به، فيقاتلون به عدوهم، ويقسمون به فيئهم، ويقيمون به جمعهم، وجماعتهم، ويُمْنَعْ ظالمهم من مظلومهم. ومنها: أنه لو لم يجعل لهم إماماً قيِّماً اميناً حافظاً مستودعاً لدرست الملة، وذهب الدين وغُيَّرت السنن والأحكام، ولزاد فيه المبتدعون، ونقص منه الملحدون، وشبَّهوا ذلك على المسلمين. إذ قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت حالاتهم، فلو لم يجعل قيَّماً حافظاً لما جاء به الرسول الأول، لفسدوا على نحوا ما بيَّناه وغُيَّرت الشرائع والسنن والأحكام والأيمان، وكان في ذلك فساد الخلق اجمعين!!.
وكما يستنبط من كلام الامام (ع) فهناك أسباب وعلل عديدة تستدعي لزوم تشكيل الحكومة وتولي "ولي الأمر". وهذه العلل والاسباب والجهات ليست ظرفية ولا محدودة بزمان، فلزوم تشكيل الحكومة في النتيجة أمر مستمر. فتعدي الناس مثلا عن حدود الإسلام، وتجأوزهم لحقوق الآخرين، وغصبهم لها لأجل تأمين اللذة والمنفعة الشخصية أمر يحصل باستمرار. فلا يمكن القول أن هذا إنما كان في زمان أمير المؤمنين (ع) لكن الناس بعده صاروا ملائكة! لقد شاءت حكمة الخالق أن يعيش الناس بالعدل، وأن يتحركوا ضمن حدود الأحكام الإلهية.
فهذه الحكمة دائمة، ومن السنن الإلهية التي لا تقبل التغيير. وبناءً عليه فهناك ضرورة ـ في أيامنا هذه وعلى الدوام ـ لوجود ولي للأمر، أي حاكم قيم على النظام والقانون الإسلامي، حاكم يمنع الظلم والتجأوز والتعدي على حقوق الآخرين، ويكون أميناً وحارساً لخلق الله، وهادياً للناس إلى التعاليم والعقائد والأحكام والنُظم الإسلامية، ويقف امام البدع التي يضعها الاعداء والملحدون في الدين وفي القوانين والنظم. أولم تكن خلافة أمير المؤمنين (ع) لأجل هذا الأمر؟ فتلك العلل والضرورات التي جعلته (ع) حاكماً لا تزال موجودة هذه الأيام أيضاً، مع فارق أنه الآن لا يوجد شخص معين، وإنما صار المنصوب هو "العنوان" وذلك ليبقى محفوظاً إلى الأبد.
إذن إن كان من الواجب بقاء أحكام الإسلام، والوقوف بوجه تعديات الاجهزة الحاكمة الظالمة على حقوق الشعب الضعيف، ومنع الأقلية الحاكمة من تأمين مصالحهم وملاذهم من خلال نهب الشعب وإفساده. واذا كان واجبا إقامة النظام الإسلامي، والتعامل مع الجميع بطريقة الإسلام العادلة، وعدم التخطي عنها. وإذا كان واجباً الوقوف بوجه البدع ووضع القوانين المخالفة للإسلام بواسطة المجالس المزورة. وإذا كان واجباً إزالة نفوذ الأجانب من البلاد الإسلامية، فالحكومة أمر لازم. إذ أن هذه الأمور لا تتم دون حكومة ومؤسسات، وبالطبع فالمطلوب هو الحكومة الصالحة، والحاكم الذي يكون قيِّماً أميناً وصالحاً. وإلا فإن الحكام الموجودين لا ينفعون، لأنهم ظلمة وفاسدون ولا يملكون اللياقة المطلوبة.
في الماضي، وحيث أننا لم ننهض لأجل تأسيس الحكومة، وازالة تسلط الحكام الخونة والفاسدين بشكل جماعي ومنسق، والبعض منا تراخى في اداء المطلوب، بل حتى انه انزعج من القيام بالعمل التوجيهي والتبليغي، بل بالعكس حتى لقد كانوا دعاة للحكام الظلمة. لهذه الأسباب صارت الأوضاع بهذا النحو، فضعف نفوذ الإسلام وحاكميته في المجتمع، وابتليت الامة الإسلامية بالتقسيم والعجز، وتعطلت أحكام الإسلام، وغُيَّرت وبُدِّلت، وقام المستعمرون ـ من خلال عملائهم السياسيين، ولاجل تحقيق اغراضهم المشؤومة ـ بترويج القوانين والثقافة الاجنبية بين المسلمين، وحولوا الناس إلى مغتربين. وكل هذا كان بسبب عدم امتلاكنا لقيِّم ورئيس، وسلطة قيادية. ونحن نحتاج لمؤسسات حكومية صالحة، وهذا الأمر من البديهيات.
|