القسم الثاني
حقيقة قوانين الإسلام وكيفيتها
الدليل الآخر على لزوم تشكيل الحكومة هو ماهية القوانين الإسلامية (أحكام الشرع) وكيفيتها. فماهية هذه القوانين تفيد أنها قد شُرِّعت لأجل تكوين دولة، ولاجل الإدارة السياسية والأقتصادية والثقافية للمجتمع إذ انها:
أولاً: تشتمل قوانين الشرع على قوانين ومقررات متنوعة تبني نظاماً اجتماعياً شاملاً. ويتوفر في هذا النظام الحقوقي كل ما يحتاجه البشر، من نمط التعامل مع الزوجة والأولاد والعشيرة والقوم وأهل البلد والأمور الخاصة والحياة الزوجية، إلى المقررات المتعلقة بالحرب والصلح والتعامل مع سائر الشعوب.
ومن القوانين الجزائية، إلى قوانين التجارة والصناعة والزراعة. ففيها قوانين لمرحلة ما قبل النكاح وانعقاد النطفة، وتبين كيف يجب أن يتم النكاح، وماذا ينبغي أن يكون طعام الإنسان عندها، أو أثناء انعقاد النطفة، وما هي تكاليف الأبوين فترة الرضاعة، وكيف يجب أن يربى الطفل، وكيف يجب أن يتعامل الرجل والمرأة مع بعضهما، ومع أولادهما. فيوجد فيها قانون لجميع هذه المراحل، لتربِّي الإنسان فردا كاملا فاضلا، يجسد القانون ويعمل على تطبيقه تلقائياً. ويتضح بهذا إلى أي حد يَهتمُّ الإسلام بالحكومة والعلاقات السياسية والاقتصادية للمجتمع، لكي يوفر كل الظروف لأجل تربية الانسان المهذب الفاضل. فالقرآن الكريم والسنة الشريفة يشتملان على جميع القوانين والأحكام التي يحتاجها الانسان لسعادته وكماله.
في كتاب الكافي فصل تحت عنوان أن (.. جميع ما يحتاج الناس اليه إلا وقد جاء فيه كتاب أو سنة) والكتاب أي القرآن {تبيان كل شيء} ويُقْسِمُ الامام (حسب الروايات) أن كل ما يحتاج إليه الناس موجود في الكتاب والسنة وهذا لا شك فيه.
ثانياً: بالتدقيق في ماهية وكيفية أحكام الشرع نجد أن تنفيذها والعمل بها مستلزم لتشكيل الحكومة، وأنه لا يمكن العمل بوظيفة تطبيق الأحكام الإلهية دون تأسيس سلطة عظيمة وواسعة للتنفيذ والادارة.
ونحن لحد الآن إنما ذكرنا بعض الموارد، وعلى السادة أن يراجعوا الموارد الاخرى.
1 ـ الأحكام المالية
الضرائب التي فرضها الإسلام والميزانية التي طرحها تدل على أنها ليست لمجرد سد رمق الفقراء من السادة الهاشميين وغيرهم، وإنما لأجل تشكيل حكومة، وتأمين المصارف الضرورية لدولة كبيرة.
مثلاً: الخمس أحد الموارد الضخمة التي تصب في بيت المال، ويشكل أحد مصادر الميزانية، وبحسب مذهبنا يؤخذ الخمس بشكل عادل من جميع المصالح، سواء الزراعة أو التجارة، أو المصادر المخزونة في جوف الارض، أو الموجودة فوقها. وبشكل عام من جميع المنافع والعوائد. بنحو يشمل الجميع من بائع الخضار على باب المسجد، إلى العامل في السفن، أو من يستخرج المعادن. فهؤلاء عليهم دفع الخمس من أرباحهم بعد صرف المصارف المتعارفة إلى الحاكم الإسلامي لكي يضعه في بيت المال. ومن البديهي أن مورداً بهذه العظمة إنما هو لأجل إدارة بلد إسلامي، وسد جميع حاجاته المالية. فعندما نحسب خمس أرباح البلاد الإسلامية، أو جميع انحاء الدنيا ـ فيما لو صارت تحت الحكم الإسلامي ـ يتضح لنا أن الهدف في وضع ضريبة كهذه ليس مجرد سد حاجة السادة الهاشميين وعلماء الدين، بل ان القضية أهم من ذلك. فالهدف هو سد الحاجة المالية لجهاز حكومي كبير. ففيما لو قامت الحكومة الإسلامية فيجب أن تدار بواسطة هذه الضرائب، من الخمس والزكاة ـ ومقدار الزكاة بالطبع ليس كبيراً ـ والجزية والخراج (أو الضرائب على الأراضي الوطنية الزراعية).
فالسادة الهاشميون ليسوا بحاجة إلى ميزانية كهذه، إذ خمس أرباح سوق بغداد يكفي للسادة ولجميع الحوزات العلمية، وجميع فقراء المسلمين، فضلاً عن أسواق طهران واسطنبول والقاهرة وسائر الاسواق. فتعيين ميزانية بهذه الضخامة يدل على أن الهدف هو تشكيل حكومة وإدارة بلد. وقد جعلت للقيام بالحاجات الاساسية للشعب والخدمات العامة، التي تشمل الشؤون الطبية والثقافية والدفاعية والعمرانية. خصوصاً مع ذلك النظام الذي حدده الإسلام لجمعها وحفظها ومصرفها، بنحو لا يقع أي حيف وميل في الخزينة العامة، ودون أن يكون ثمة امتياز لأحد من الولاة أو المتصدين للخدمات العامة ـ أي موظفي الدولة ـ على سائر الناس العاديين في الاستفادة من الارباح والاموال العامة. وإنما ينالون حصصاً متسأوية. فهل يجب أن نرمي هذه الميزانية الضخمة في البحر؟ أو ندفنها حتى يظهر صاحب الأمر (ع) ؟ أو لكي يأكلها ذلك اليوم خمسون شخصاً من السادة الهاشميين؟ أو لنفرض أنها اليوم لخمسين ألف من السادة حيث لن يعرفوا ماذا يفعلون بها؟ مع أنه نعلم أن حق السادة والفقراء انما هو بمقدار يكفيهم للمعاش، غاية الامر أن خطة الميزانية في الإسلام هي بهذا النحو حيث يجعل لكل من الواردات مصارف أصلية معينة. فيكون هناك صندوق للزكاة وآخر للصدقات والتبرعات وثالث للخمس. والسادة الهاشميون يؤمن معاشهم من الصندوق الاخير. وفي الحديث أنه يجب على السادة أن يدفعوا الفاضل عن مصارفهم إلى الحاكم الإسلامي. واذا أحتاجوا (ولم يكفهم السهم) يساعدهم الحاكم.
ومن جهة أخرى فالجزية المجعولة على "أهل الذمة والخراج" الذي يؤخذ على الاراضي الزراعية الواسعة يؤمنان موارد ضخمة. فوضع ضرائب كهذه يدل على لزوم الحاكم والحكومة. ان وظيفة الحاكم والوالي هي أن يضع الضرائب على أهل الذمة بحسب استطاعتهم المالية على رؤوسهم، أو يأخذ ضرائب متناسبة على مزارعهم ومواشيهم. وكذلك الخراج يعني جمع الضرائب على الاراضي الواسعة التي هي "مال الله" وفي تصرف الدولة الإسلامية. ولا يمكن حصوله بالفوضى. والمسؤولون عن الحكومة الإسلامية هم المكلفون بتحديد ضرائب كهذه من ناحية المقدار والمتناسب وفقا للمصلحة، ومن ثم القيام بجمعها وصرفها في مصالح المسلمين.
فكما تلاحظون فإن الأحكام المالية للإسلام تدل على لزوم تشكيل الحكومة، ولا يمكن تطبيقها إلا عن طريق إقامة النظام الإسلامي.
|