الإمام واجتنابه المرجعية التي تزينت به
لم ينضم إلى جمع كبار العلماء يوم وفاة السيد البروجردي
تم تعطيل دروس الحوزة في صباح اليوم الذي انتشر فيه خبر وفاة السيد البروجردي، وذهبنا إلى بيت السيد فوجدنا الكثير من السادة المراجع مجتمعين فيه وقد جلس كل منهم في زاوية في القسم الداخلي من منزله، وقد سعينا بكل جهدنا لكي يأتي الإمام وينضم إلى هؤلاء العلماء الكبار ولكن دون جدوى، فقد كان ملتزماً بالاعتزال في مثل هذه الحوادث رغم أنه كان يحظى بمكانة متميزة، وهكذا كانت سيرته في مراسم تشييع جنائز العلماء، فقد كان يشارك فيها إلى باب الحرم ويرجع لكي لا يعرض نفسه لفتنة أن يطلب منه بعض العلماء التقدم لإقامة صلاة الميت على جنازة المتوفى فيما يقول آخرون لا يصلي السيد الفلاني على الجنازة، وتجنباً لذلك كان الإمام لا يتدخل في هذه القضايا من الأساس[1].
المرجعية أمر إلهي
زرت الإمام في الصباح الباكر لليوم الأول الذي أعقب وفاة آية الله السيد البروجردي لكي أسأله عن رأيه بشأن البقاء على تقليد الميت، ولما عرضت سؤالي عليه قال: ( أرى جواز ذلك )، فسألته عن الدليل فشرح لي دليله.
وقد بقيت عنده في ذلك اليوم إلى صلاة الظهر وأقمتها مقتدياً به، وقد قال لتلاميذه في ذلك اليوم،: ( حذر من أن تندفعوا للدعوة إلى مرجعية أحد، فالمرجعية أمر إلهي وسيتم تعينها بدون تأثيرمن هذه المداخلات ) [2].
لا يحق لكم التفوه بكلمة واحدة في تأييدي
أخذت يوماً مبلغاً من المال كسهم الإمام عليه السلام من الحقوق الشرعية وتحت عناوين معينة من احدى الجهات وحملته للإمام وسلمته له، فوعظني في البداية وقال:( لا تتصورا ـ وقد توفي آية الله البروجردي ـ أنه كان رازقنا مثلما لم يكن الله الشيخ عبد الكريم ( الحائري ) من قبل رازقنا، أن رازقنا هو الله، عليكم أن تحفظوا عزة علماء الدين، وحذار من أن تقوموا بما يجعل الناس أن علماء الدين محتاجون، احفظوا عزة العلماء، لا تتفوهوا بكلمة واحدة يشم منها أي نقص لا يناسب العلماء، لا يحق لكم ـ في ظل هذه الأوضاع التي يتدافعون فيها لصنع مراجع !!ـ أن تتفوهوا بكلمة واحدة في التأييد لي أو في اغتياب عالم آخر. عليكم أن تقوموا بواجباتكم بأفضل ما يمكن وتخدموا الناس وتجاهدوا)[3].
يجب الامتناع عن أي ذكر لي، المهم حفظ وحدة الحوزة
أخذت الوفود تتقاطر على قم من جميع المحافظات الإيرانية إثر وفاة آية الله البروجردي تكريماً له وبهدف المشاركة في المراسم التي أقيمت بمناسبة مرور سبعة أيام ثم أربعين يوماً على وفاته.وقد تقرر أن أرتقي المنبر في إحدى الليالي لإلقاء خطاب في هذه المراسم فتشرفت بزيارة الإمام وقلت له: لقد طلبوا مني إلقاء كلمة في هذه المراسم فهل توصونا بشيء ؟
وهنا عرفت عظمة روح الإمام، إذ أن المألوف في مثل هذه الحالات أن يمدح التلامذة أستاذهم ويعرفونه للناس، اما الإمام فقد قال لي: ( إن المهم والضروري الآن هو التأكيد على وحدة الحوزة، يجب حفظ الحوزة، يجب الامتناع عن أي ذكر لي أو إشارة إلي في الخطاب بل يجب التأكيد على حفظ وحدة الحوزة )[4].
لكن الذي حدث هو أننا لم نعثر على الإمام !
كان الجميع إثر وفاة آية الله البروجردي يسعون للتعرف على مرجع التقليد الذي يخلفه، وقد سعينا ـ نحن تلاميذ الإمام ـ لتوضيح مكانة الإمام في مراسم تشييع جثمان السيد البروجردي وذلك من خلال التجسيد العملي في هذه المراسم لحقيقة أن الكثيرين من طلبة الحوزة يؤيدون زعامة ومرجعية السيد الإمام، ولذلك كنا نتحين الفرصة لكي نحيط به كثافة خلال مراسم التشييع ونرفع أصواتنا بالصلوت على محمد وآله والتسليم على السيد الإمام لكي نعبر من جهة عن تأييدنا القلبي لسماحته من جهة ونعرفه للناس من جهة اخرى.
ولكن الذي حدث هو أننا لم نعثر على الإمام في مراسم التشييع رغم طول بحثنا عنه !!وقد تحدث بنفسه فيما بعد عن هذا الموضوع قائلا:( إن مرضي لم يكن بالدرجة من الشدة التي تمنعني من الحضور في مراسم تشييع جثمان السيد البروجردي، لكنني لم أحضر المراسم لأنني رأيت أن حضوري تبعات لا أرغب فيها وان بعض الأمور ستجري أثناء ذلك ولذلك أحجمت عن الحضور لكي أكون بعيداً عن هذه الامور ).
ثم قال:( على كل محب لي أن يبقي حبه لي في قلبه، فلا يقوم بأبسط حركة من أجل التبليغ لزعامتي ) [5].
يوجد ولله الحمد من العلماء من يقوم بهذه المهمة
لم يسع الإمام طوال عمره إلى الزعامة والمرجعية ولا بمقدار تحريك قدم واحدة.وقد شهدت قم ـ إثر وفاة آية الله البروجردي ـ الكثير من التحركات والنشاطات على صعيد الوصول إلى رئاسة الحوزة وبالتالي المرجعية الدينية، تلاميذ كل عالم من العلماء الكبار ومحبوه يسعون للدعاية له، وكنا نحن أيضاً نرغب في البليغ لصالح استاذنا ـ أي الإمام الخميني ـ لكن الإمام نفسه كان يعارض بشدة هذه التحركات ويجتنب بحزم القيام بأبسط خطوة على هذه الطريق، ولذلك كان يشارك ـ بهيئة الفرد العادي ـ في مراسم تشييع العلماء والمجالس التأبينية التي كانت تعقد على أرواحهم ويجلس في زاوية وحده، وكان يجتنب حضور بعضها بالكامل.
ولذلك أيضاً قرر عدم إقامة مجلس تأبيني لآية الله البروجردي وكان يصر على هذا القرار لكنه اضطر بسبب شدة إلحاح الطلبة وبسبب مصالح معينة إلى القبول بإقامة مثل هذا المجلس ومع ذلك فقد أخر إقامته إلى ما بعد انتهاء المجالس التأبينية التي أقامها العلماء الآخرون.
إما فيما يرتبط بالتصدي لإدارة شؤون الحوزة ودفع الرواتب الشهرية لطلبتها فقد إعتزل ذلك بالكامل وكان يقول: (يوجد ولله الحمد من السادة العلماء من يقوم بهذه المهمة، لذلك فنحن نتابع مهمتنا العلمية). وقد إقترحنا عليه ـ أنا وأحد الأخوة ـ البدء بدفع الرواتب للطلبة وقلنا أن الأموال سيتم توفيرها لكنه رفض الأستجابة لهذا الاقتراح [6].
لم يرغب أبداً في التصدي للمرجعية
كان الإمام يقضي أيام الصيف بمعية عائلته في منطقة ( إمام زاده قاسم) في طهران في السنين التي تلت وفاة آية الله البروجردي، وفي تلك الأيام كان التوجه لمرجعية آية السيد هادي الشيرازي أقوى من التوجه لمرجعية آية الله الحكيم، لكن السيد الشيرازي توفي ـ مع الأسف ـ بعد عدة شهور، ولذلك جاء عدد من العلماء من قم إلى الإمام وضغطوا عليه لإقامة مجلس تأبيني لآية الله السيد الشيرازي لكنه رفض وقال:( لن أقيم مجلساً تأبينياً ولن اشارك في أي مجلس تأبيني )، وكان سبب هذا الموقف هو مثل هذه الأعمال تعني ـ في العرف الحوزوي ـ التصدي للمرجعية وهذا ما لم يكن يرغب فيه الإمام أصلاً، وأتذكر أن المرحوم الشيخ الإشراقي (صهر الإمام ) قد زار الإمام وعرض عليه هذا الاقتراح مرة اخرى وقال:لقد أرسلني فضلاء حوزة قم لكي أطلب منكم القيام بهذا الأمر, ولكن الإمام أصر على موقفه الرافض، وقد استمرت الضغوط عليه من طلبة الحوزة والأهالي فيما بعد حتى اضطر إلى طبع رسالة فقهية عملية[7].
أريد التفرغ للنشاط العلمي ولكن هذا هو الحال الدنيا
زرنا الإمام بمعية عدد من طلبة الحوزة المؤيدين له في منزله بعد وفاة السيد البروجردي وطلبنا منه السماح بطبع حاشيته العربية على كتاب العروة الوثقى وقلنا: إن عدداً منّا يريدون الرجوع إليكم في التقليد. وكان عدد منا مترددين في الأعلمية بين الإمام وبين المرحوم آية الله السيد عبد الهادي الشيرازي الذي شاع الحديث كثيراً عن زهده وتقواه وأعلميته وقد أدى هذا الحديث إلى إيجاد تلك الحالة من الترديد بين هذين العلمين ولذلك أردنا العمل بالاحتياط في الأخذ بفتاويهما.
وعلى أي حال فقد توفي السيد عبد الهادي الشيرازي بعد خمسة أو ستة شهور من وفاة آية الله البروجردي، وقد تحدث الإمام لنا في ذلك اللقاء مطولاً وكان مما قال: (أريد التفرغ للنشاط العلمي والتدريس، ولكن هذا هو حال الدنيا).
لقد اضطر الإمام في النهاية إلى الموافقة إلى طبع تعليقاته على كتاب العروة الوثقى، ثم على طبع كتبه العلمية الاخرى التي لم يكن قد سمح ـ إلى ذلك اليوم ـ بطبعها، فكان أول ما طبع منها كتاب (المكاسب المحرمة ) بمجلديه[8].
لم يسع للمرجعية طوال حياته
كان عمر الإمام يوم وفاة آية الله البروجردي حدود(62) عاماً، وقد قام عدد من العلماء يومذاك بطبع رسائلهم العملية التي كانوا قد كتبوها من قبل وقاموا بتوزيعها، كما وافقوا على التصدي لدفع الرواتب الشهرية التي كان السيد البروجردي يدفعها لطلبة الحوزة تحت عنوان أن من غير الصحيح أن تبقى الحوزة بلا راع بعد وفاة السيد البروجردي، أما الإمام فلم يتدخل في هذه التحركات أبداً، واقتصر الأمر على حضوره في اجتماع أو اجتماعين لكبار العلماء في الحوزة، ثم انسحب وتابع نشاطه العلمي والتدريس وتربية الطلبة كما كان حالة قبل ذلك دون تغيير.
إن الإمام لم يسع طوال حياته لمقام المرجعية ولا بخطوة واحدة، وخير من يشهد على ذلك تلامذته، فمثلاً قام سماحة الشيخ الميرزا جعفر السبحاني ـ وهو صاحب تقريرات دروس الإمام في الأصول وقد تتلمذ على يده أربعة عشر عاماً؛ قام يومذاك بجمع مبالغ من المال من طلبة الحوزة وجاء بها للإمام لكي يقيم مجلساً تأبينياً على روح السيد البروجردي ـ رحمه الله ـ وهو يتصور أن الإمام لم يعقد مثل هذا المجلس لعدم توفر المال اللازم لذلك لديه، ولا شك أن الذين قدموا هذه الأموال إنما فعلوا ذلك بنوايا خيرة، ولكن الإمام لم يجتنب إقامة مثل هذه المجالس لدوافع مالية، بل لأن إقامة مثل هذه المجالس كانت تحمل دلالات خاصة في الحوزات العلمية يفهم منها ادعاء المرجعية من قبل الطرف الذي يقيمها، والامام لم يتحرك أبداً نحو المرجعية وكانت جهوده تنصب باتجاه تعليم وتربية الطلبة من أجل إعدادهم لمستقبل الحوزة والإسلام[9].
لم يخرج من بيته إثر وفاة السيد البروجردي
لم يتحرك الإمام ولا خطوة واحدة بهدف الوصول إلى المرجعية، بل كان يجتنب بشدة الأعمال التي يمكن أن يفهم منها تصديه للمرجعية ولذلك لم يشارك في مراسم تشييع جثمان المرحوم السيد البروجردي ولم يشارك في إقامة المجالس التأبينية على روحه، بل ولم يخرج في تلك الأيام من منزله على الرغم من أنه كان يحب آية الله البروجردي بعمق [10].
لا أرضى بحدوث أبسط تشتت في صفوف الحوزة
حزن الإمام بعمق لوفاة آية الله البروجردي، لكنه لم يحضر مراسم تشييعه ولم يعقد مجلساً تأبينياً له !!وقد سأل عدد من السادة العلماء وطلبة العلم عن سبب ذلك وألحوا عليه من أجل عقد مجلس تأبيني للسيد البروجردي، فاكتفى بالقول:( أرى من المحتمل أن يؤدي حضوري في مراسم التشييع إلى حدوث تشتت في صفوف الطلبة، فقد يلتف عدد منهم حولي، وأنا لا أرضى حتى بهذا المقدار من التشتت، يجب أن يكون جميع السادة في صف واحد)، فقال أحد فضلاء الحوزة للإمام: ولكن قد يفسر عدم حضوركم مراسم تشييع جثمان السيد البروجردي وعدم إقامتكم لمجلس تأبيني بأنكم معارضون له، فأجاب الإمام: ( أقسم بجدي أنني لا أعرف شخصاً يحب آية الله البروجردي مثلما أحبه، ولكنني لا أشارك في هذه المراسم دفعاً لأبسط أشكال الاختلاف والنزاع المحتمل). وعندها قال أحد السادة الحاضرين:ولكن من المحتمل أيضاً أن يفهم الناس عدم مشاركتكم في هذه المراسم بأنكم تعارضون إقامة مراسم التأبين والعزاء لفقد آية الله البروجردي، وهذا التصور قد يؤدي بحد ذاته إلى بث الاختلاف التشتت! فقال الإمام: (قد يقول البعض ذلك، ولكن لا ضير في ذلك)!.
ثم اجتمع فضلاء الحوزة وطلبتها ( من تلاميذ الإمام ) وعقدوا مجلساً تأبينياً باسم الإمام بمناسبة وفاة آية الله البروجردي، وقد التقى الشيخ الفلسفي كلمة في هذا المجلس، وقبل أن يرتقي المنبر قال له الإمام: ( لا تذكر إسمي في كلمتك)، فأجاب الشيخ الفلسفي: هذا الموقف يقتضيه واجب ترون أن عليكم القيام به، وأنا أيضاً أشعر بأن علي واجبا سأقوم به!
ثم ارتقى الشيخ الفلسفي المنبر وتحدث مفصلاً في مدح مقام الإمام [11]!!
لا أحب أن يفسر حضوري بأنني أعرض نفسي للزعامة!
حضر الإمام ـ بعيدة وفاة آية الله العظمى البروجردي ـ بعض المجالس التأبينية التي عقدت على روحه، ثم قلل المشاركة في المجالس اللاحقة الأمر الذي أثار الاعتراضات فأجاب الإمام عليها بالقول: ( لا أحب أن يفسر حضوري بأنني أعرض نفسي للزعامة).ولذلك فقد صبر الإمام ولم يعقد مجلساً تأبينياً لآية الله البروجردي إلاّ بعد أن انتهت المجالس التي عقدها العلماء الكبار بل وحتى علماء الطبقة الثانية والثالثة، أي بعد سبعة عشر أو ثمانية عشر يوماً من وفاة السيد البروجردي[12]!!
كان يحلق في معارج الجهاد الأكبر
نشطت بعض الأيدي المشبوهة بعد وفاة آية الله البروجردي لمنع ذكر إسم أي من مراجع قم في المجالس التأبينية التي أقيمت على روحه، وبعد (18) يوماً من وفاته أرسل نظام الشاه برقية تعزية بهذه المناسبة إلى حوزة النجف على أمل نقل المرجعية من قم إلى النجف كمقدمة لإنحلال الحوزة العلمية في قم. والعمل الوحيد الذي كان بالامكان القيام به يومذاك هو أن تعقد المجالس التأبينية لآية الله البروجردي في المسجد الأعظم في قم ـ والذي كان مركزاً لمراسم العزاء طوال أربعين يوماً بعد وفاة السيد ـ بأسماء الشخصيات العلمائية في حوزة قم، وان تذكر هذه الأسماء في هذه المراسم أو في الإعلانات الورقية التي تلصق على الجدران بشأن هذه المراسم، ولكن الإمام اجتنب حتى هذه الباب المفتوحة والتي كان من الممكن التبليغ له، فجلس في بيته وأغلق بابه أيضاً!
لقد اتخذ هذا الموقف في وقت كان الحضور في وسط الناس وخاصة ابناء المدن الاخرى الذين تدفقوا يومها على قم يشكل فرصة مهمة لتعرف الناس عليه أو على الأقل سماع بعضهم لإسمه، لكن الإمام أغلق هذا الباب أيضاً بل وكان يجتنب حتى إقامة مجلس تأبيتي باسمه للسيد البروجردي مثلما فعل جميع العلماء الكبار يومذاك، وقد آذى هذا الموقف محبيه الذين غفلوا من حقيقة الإمام يحلق في معارج الجهاد الأكبر ومجاهدة النفس: فهنا تكمن علة موقفه، ولذلك أغلق على نفسه كل تلك الأبواب حتى مضت (15) يوماً على وفاة آية الله البروجردي ولم يتم تحقيق أي شيء على صعيد تعريف الناس بشخصية الإمام، وقد انتهت المجالس التأبينية التي عقدها كبار العلماء الأمر الذي أقلق بعض الاخوة من عدم عقد الإمام لمجلس منها باسمه؛ ولذلك جاء آية الله الشهيد السعيدي مع عدد من فضلاء مشهد إلى الإمام في يوم (25) شوال ذكرى وفاة الإمام الصادق عليه السلام وقد خصص هذا اليوم لمجلس تأبيني للسيد البروجردي يعقد باسم الطلبة المشهديين، وأثناء هذا اللقاء قال هؤلاء السادة للإمام:( لقد أقمتم إثر وفاة آية الله الكاشاني مجلساً تأبينياً على روحه وفي المسجد الأعظم استمر يومين، لذلك فان عدم إقامتكم مجلساً تأبينياً بمناسبة وفاة آية الله البروجردي سيكون له انعكاسات غير مناسبة).
ومع التذكير بهذه القضية وتنازل طلبة مشهد عن الوقت المخصص لهم لصالح الإمام، عقد في يوم (25) شوال مجلس تأبيني باسم الإمام على روح آية الله البروجردي؛ وعندما دخل الإمام ـ وهو المقيم لهذا المجلس ـ المسجد، أعلن عريف المجلس عن دخوله وقال: يقام هذا المجلس من قبل آية الله العظمى السيد الخميني، وعندما سمع الإمام بهذا الإعلان استدعى عريف المجلس وقال له بحالة من عدم الرضا: ( لا يحق لكم أن تذكروا اسمي إلى حين انتهاء عقد هذا المجلس عصراً).[13]
إقامة مجلسه التأبيني على روح السيد البروجردي بعد (12) يوماً
توفي السيد البروجردي يوم(13) شوال (سنة 1380هـ.ق) سنة 1340هـ.ش(1961م)، وأقام الإمام مجلسه التأبيني على روحه يوم (25) شوال، وكان هذا أول مجلس تأبيني يحضره الإمام من المجالس التأبينية التي أقيمت على روح السيد البروجردي وقد شارك بعد ذلك في مجالس اخرى[14].
يقيم المجلس التأبيني بضغط من طلبته
كان الإمام يرفض أن يعرض نفسه للزعامة. فمثلاً عندما توفي آية الله البروجردي لم يخرج الإمام من بيته إلى الرغم أن المتعارف في الحوزة أن يقيم المرجع اللاحق مجلساً تأبينياً للمرجع المتوفى فور وفاته ولذلك تحدث طلبته معه بهذا الشأن ولكن دون جدوى، إلى يوم السابع والثلاثين أي اليوم الذي كان طلبة مشهد قد حصلوا على موعد لإقامة مجلسهم التأبيني على روح السيد البروجردي فيه، فقام طلبة الحوزة بالضغط على الإمام لإقامة هذا المجلس باسمه رغم أن مجلسه التأبيني كان ينبغي أن يعقد بعد يومين أو ثلاثة من وفاة آية الله البروجردي[15].
يرفض توزيع رسالته العملية مجاناً
لم تكن في الإمام أدنى رغبة في الدنيا والرئاسة والمرجعية، لقد كان آخر من أقام مجلساً تأبينياً بعد وفاة آية الله البروجردي رغم أن التسابق في ذلك كان وسيلة لكسب المكانه الاجتماعية. كما أنه كان يرفض توزيع رسالته العملية مجاناً رغم أن هذا الأمر كان ظاهرة مألوفة وعادية في بيوت المراجع، حتى أن السيد البروجردي ـ ومع عظمته المرجعية ـ أن يعطي نسخاً من رسالته العلمية مجاناً للذين يراجعونه[16].
عليكم الحصول على الرسالة العملية من غير هذا المكان
نقل والد زوجتي الشهيد محمد حسين الصاحبي ـ الذي استشهد هو وزوجته إثر احدى الهجمات الصاروخية لنظام صدام الكافر على مدينة دسفول ـ الحادثة التالية، قال: سافرت قبل انتصار الثورة إلى العراق لزيارة العتبات المقدسة لأهل البيت عليهم السلام، وذهبت في غضون ذلك إلى قسم البراني في بيت الإمام في النجف لزيارته وتقديم مقدار من الحقوق الشرعية لسماحته، وقد أثارت إعجابي في هذا اللقاء قضيتان جديرتان بالتأمل، الأولى هي أنني عندما قدمت الحقوق الشرعية لسماحته لم يستلمها وأمرني ـ بحالة خاصة من اللامبالاة يمتاز بها في مثل هذه الحالات ـ بأن أسلمها لأحد الأشخاص.
إما القضية الثانية فهي أنني طلبت منه نسخة من رسالته العملية ولم يكن ثمنها غالياً وكان من المألوف لدى جميع المراجع أن يقدموا مجاناً لمقلديهم ـ الذين يراجعونهم ـ نسخاً من رسائلهم العملية، لكن الإمام أجاب على طلبي بلهجة مفعمة بالرأفة واللطف قائلاً: (ليس لدي هنا نسخ من الرسالة العملية، عليكم أن تحصلوا عليها خارج هذا المكان)! وبعد التشرف بلقائه زرت أحد مراجع التقليد في النجف فبادرنا هو بالحديث عن الحقوق الشرعية وكان يقدم للمراجعين نسخاً من رسالته العملية مجاناً [17].
كان يتعامل معنا ببرود كامل
كلفني السيد الدكتور السنجابي ـ بعد وفاة المرحوم السيد البروجردي ـ بمهمة الذهاب إلى قم لمعرفة المجتهد الأعلم الذي يجب الرجوع إليه في التقليد، وكان السيد الشريعتمداري هو المرشح الأول لذلك في رأي السيد الدكتور السنجاني والجبهة الوطنية، لكنني وبحكم التزامي الديني كنت أقول: يجب أن أعرف من هو الأعلم والأعدل.
ذهبت أولاً إلى سماحة السيد الشريعتمداري وكانت تربطنا به علاقة من قبل، كان يعرفني جيداً وأعرفه جيداً أيضاً، لكنني عندما زرته لم أشعر بأنه يمكن أن يكون مرجعاً جيداً، فلم يتلائم مع ذوقي الخاص، ثم ذهبت إلى سماحة السيد المرعشي وسماحة السيد الكلبايكاني، ولم أقتنع بهما أيضاً. سألنا: ألا يوجد آخرون مرشحون للمرجعية؟ قالوا: يوجد سيد آخر إسمه روح الله! فذهبنا إلى منزله وانتظرنا قدومه، ثم جاء كعادته ـ أي وهو مطرق إلى الارض لا ينظر إلى احد ـ رد السلام ودخل إلى القسم الداخلي من منزله ثم عاد بعد دقائق وجلس فأخذ المراجعون الذين كانوا بانتظاره يعرضون عليه قضاياهم تباعاً، ولما خرجوا، جلسنا نحن بالقرب منه وقلنا: لقد جئنا إلى قم ممثلين للجبهة الوطنية بهدف معرفة مرجع التقليد ومن أجل هذا جئنا لسماحتكم. وبصراحة:( حسن جداً)! لكنه كان يتعامل معنا ببرود كامل!! بل وقال لنا بصراحة:( ليست لدي نسخ من الرسالة العملية، يمكنكم شراءها من المكتبات )!! نعم، لم يعطنا حتى نسخة واحدة من رسالته العملية في حين أننا عندما كنا نزور باقي المراجع كانوا يقدمون لنا رسائلهم العملية، بل وطعام الغداء، بل والمال وكل شيء !!![18].
إطمئن بالي فقد وجدت الحوزة من يتكفل بأمورها
نقل لي المرحوم الشيخ الإشراقي أنه وبعد وفاة السيد البروجردي لم يكن لحوزة قم زعيم معين، فتم عقد اجتماع ضم مراجع التقليد الحاليين وعدد من العلماء الذين توفاهم الله فيما بعد، وكان الهدف من الاجتماع هو تعيين مسؤول عن الحوزة، وكان من الطبيعي أن من يتولى مسؤولية إدارة الحوزة ستكون له مرجعية التقليد أيضاً تبادل الحاضرين في الاجتماع الاحاديث فوافق أحد السادة على تكفل دفع جزء من رواتب الحوزوين، ووافق آخر على تكفل دفع قسم ثان منها، ووافق ثالث على التكفل بشيء من الاحتياجات المادية للحوزة فقال: ( ليس لدي إمكانية التكفل بشيء، فليس لدي مال لكي أوزعه كرواتب للحوزويين، ولا يمكنني أيضاً توفير الخبز للطلبة).
وكان من الطبيعي أن لا يكون للإمام سهم في مرجعية التقليد مع هذا الموقف، ولذلك كان يفترض أن لا تكون نتائج هذا الاجتماع مريحة له وكان من المفترض أن يخرج منه وهو غير مرتاح ولكن الذي حدث على العكس بالكامل، يقول الشيخ الإشراقي: لقد أمعنت النظر إلى الإمام لحظة خروجه من الاجتماع فوجدته مفعماً بحالة من الارتياح والسرور أثارت تعجبي واستغرابي، فقلت له: كيف يمكن أن تكونوا بهذه الحالة من السرور والفرح؟ أجاب: (إن سبب سروري هو أن بالي قد اطئمن، فقد وجدت الحوزة من يتكفل بأمورها، ووافق السادة على التكفل بتوفير رواتبها وخبز طلبتها ولذلك زال قلقي وارتاح بالي)!
يقول الشيخ الإشراقي: فسألته: وأنتم بماذا تكفلتم؟ أجاب: ( لم أتكفل أنا بشيء)[19].!!
الله تعإلى هو حافظ الحوزة
عقد علماء الطبقة الأولى في حوزة قم اجتماعاً بعد أيام من وفاة السيد البروجردي بهدف اتخاذ الاجراءات اللازمة لحفظ الحوزة، وقد دعي الإمام أيضاً لهذا الاجتماع، وبعد عودته من هذا الاجتماع قال: ( كان عقد هذا الاجتماع ضروري لترتيب دفع الرواتب وحفظ الحوزة )، فسأله سماحة الشيخ الإشراقي: وهل تكفلتم أنتم بشيء؟ أجاب: (كلا)، فسأله ثانية: ولماذا؟ يمكنكم أن تقترضوا ما يلزم إذا لم يكن لديكم شيء من الحقوق الشرعية، فقال الإمام: ) هذا ما لا أفعله أبداً، متى ما وصلت الأموال أعطيتها السادة، وإذا لم يصلني شيء منها فلا حاجة لكي أوقع نفسي في أسر الديون، والله تعإلى هو حافظ الحوزة)[20].
دعوني أبقى مدرساً في الحوزة لا أكثر
بقي الإمام مصراً على موقفه الرافض لطبع رسالته العملية على الرغم من مرور فترة طويلة على وفاة المرحوم السيد البروجردي وعلى الرغم من كثرة طلباتنا الملحة والمكررة منه للموافقة على ذلك، حتى إننا كنا نقول له:يا سيدي، أن عيالاتنا وأولادنا يقلدونكم وهم بحاجة لرسالتكم العميلة للتعرف على فتاويكم؛ فكان يجيب بالقول:( دعوني أبقى مدرساً في الحوزة لا أكثر ).
كما كان يمتنع عن توزيع رواتب على الحوزويين ـ مثلما يفعل بقية مراجع التقليد ـ على الرغم من إمكانية توفير هذه الرواتب ووضعها تحت اختياره لكي يوزعها باسمه، كان يقول: ( كل من شاء أن يحضر الدرس فليحضر). ثم وافق على توزيع الرواتب مضطرا بعد تكرر الضغوط والطلبات المحلة منه[21].
لن أسمح بطبع الرسالة العملية ما لم أرَ المقلدين
كان الكثير من مراجع التقليد قد استعدوا للقيام بالواجب بعد انتقال آية الله العظمى السيد البروجردي إلى رحمة الله، وقد أعدت لهم من قبل المقدمات اللازمة للقيام بذلك، ولذلك تكفل إثنان أو ثلاثة منهم بتوفير ودفع الرواتب التي كان يدفعها مكتب آية الله العظمى للبروجردي لطلبة الحوزة والتي كانت تبلغ يومذاك(128)ألف تومان شهرياً، أما الإمام فلم يتدخل في ذلك يومذاك واكتفى بمتابعة التدريس والبحث العلمي؛ وكان إذا حضر المجالس التأبينية التي كانت تعقد على روح الله السيد البروجردي حضرها بصورة غير واضحة متعمداً أن لا يلاحظ حضوره ـ.
وبعد انتهاء هذه المجالس عزم طلبة الحوزة ـ الذين لم يهدأوا عن متابعة قضية تصدي الإمام للمرجعية لإيمانهم بمؤهلاته العلمية والأخلاقية ـ على طرح هذه القضية عليه فذهبوا إلى زيارته؛ وأتذكر أن عددهم كان ثلاثين شخصاً، زاروه يوم الخميس وطلبوا منه رسالته العملية فكان جوابه هو:( لن أسمح بإعداد وطبع الرسالة العملية ما لم أر المقلدين).
ومع هذا الجواب لم يستطع هؤلاء الطلبة متابعة طلبهم، وكان مقصود الإمام هو:إنني لست من الذين يطبعون رسائلهم العملية قبل رجوع المقلدين اليهم، ولا يمكنني أن أعمل بهذه الصورة، فإذا رجع إلي المقلدون صار الأمر واجباً شرعياً؛ وبعبارة اخرى:( إنني لا أرتب مقدمات مرجعيتي بنفسي)[22].
نحن مقلدونك ونريد رسالتك العملية
لم تكن للإمام رسالة عملية مطبوعة عندما توفي المرحوم آية الله العظمى البروجردي.وقد أقنعناه بصعوبة، بالغة بطبعها بعد ذلك، ولعلنا كنا حدود المائة من تلامذته اجتمعنا وذهبنا لزيارته وقلنا:ياسيدي نحن نرجع في التقليد اليكم ونريد الحصول على رسالتكم العملية، وبذلك جعلناه أمام الواجب الشرعي لكي يوافق على طبع رسالته العملية، وحصلنا ـ بعد المزيد من الإلحاح ـ على إذن بطبعها، وتم طبع أول رسالة عملية له تحت عنوان (نجاة العباد) وقد قام بتنظيمها عدد من طلبته على ضوء فتاويه[23].
هل نطرق بابكم كلما احتجنا لمعرفة فتواكم
اجتمع عدد من تلامذة الإمام في منزله بعد وفاة المرحوم السيد البروجردي وطلبوا منه بإلحاح إعداد وطبع رسالته العملية باللغة الفارسية وطبعها، ولكنه لم يكن يوافق على السماح بذلك، لقد احتشدنا ـ نحن وبمعية عدد من الطلبة ـ في غرفة القسم البراني من منزله، وقلنا له: ما الذي نفعله ياسيدي ونحن نرى أن واجبنا هو الرجوع اليكم في التقليد الشرعي ودعوة الآخرين أيضاً لتقليدكم؟ هل يمكن أن نطرق بابكم في الأوقات المناسبة وغير المناسبة ونسألكم من فتواكم في كل قضية تمر بنا؟! وهل يمكن أن نطلب من مقلديكم أن يطرقوا بابكم كلما احتاجوا لمعرفة فتواكم في مسائلهم الشرعية؟! أم أن الوضع الطبيعي هو أن تكون رسالتكم العملية متوفرة بأيدي المقلدين لكي يتعرفوا بواسطتها على فتاويكم كما هو العرف الشائع بين جميع مراجع التقليد؟!
بعد هذه الاستدلالات وافق الإمام على أن يقوم بعض الطلبة بإعداد وطبع رسالته العملية[24].
السادة موجودون وهم يتكفلون أمور الحوزة
عقد علماء الطبقة الأولى ( في حوزة قم) إجتماعاً بعد وفاة آية الله البروجردي، ووافق كل منهم على التكفل بقسم من أمور الحوزة، وبعد انتهاء الاجتماع وجه المرحوم الإشراقي (صهر الإمام ) سؤالاً إليه هو: ما الذي وافقتم أنتم على تكفله من أمور الحوزة؟ أجاب: (لم أتكفل بشيء، السادة موجودون وهم يدبرون أمورها)؛ فانزعج الشيخ الإشراقي من هذا الجواب وذهب، فقلنا للإمام: أن تلامذتكم ـ يا سيدي ـ كثيرون وهم يتوقعون منكم غير هذا الموقف، فقال:( لا معنى لهذا التوقع)[25].
خادم لطلبة الحوزة
إجتمع العلماء بعيد وفاة المرحوم السيد البروجردي في منزله لإتخاذ قرارات بشأن تدبير أمور الحوزة وتكفل دفع الرواتب الشهرية التي كان يدفعها ـ رحمه الله ـ لطلبة الحوزة، وقد سألوا الإمام عما يتكفله هو من هذه الأمور فقال: ( أنا باق على حالي خادم لطلبة الحوزة مشتغل بالتدريس والبحث العلمي)[26].
لم يفكر بالرئاسة أبداً
لم يكن الإمام ـ ومع ما تميز به من عظمة الشخصية والمكانة الاجتماعية المرموقة ـ يفكر أبداً بالرئاسة والترأس، ولم يقم بأبسط خطوة لتعريف الآخرين بشخصيته أو الحصول على أي منصب، وكان يجتنب حتى الحضور في الاجتماعات التي تعقد بشأن هذه الأمور، كما كان يتجنب أن يحيط به أصحابه ومؤيدوه وهو يخرج من منزله، بل ورفض حتى طبع رسالته العملية بعد وفاة المرحوم آية الله البروجردي إلى أن راجعه عدد من فضلاء الحوزة وأساتذتها وعدد كبير من طلبتها ولعدة مرات وألحوا في الطلب منه السماح بطبع رسالته العملية لأنهم تيقنوا من أعلميته ورجعوا إليه في أمر التقليد الشرعي.
وبعد أن أعطى رسالته العملية رفض طبعها على نفقة الآخرين، فتكفل عدد من الفضلاء بطبعها على نفقتهم الخاصة، وبذلك وضعت فتاويه بين أيدي مقلديه فطبعت أولاً حاشيته على كتاب وسيلة النجاة لآية الله السيد أبي الحسن الإصفهاني ثم حاشيته على العروة الوثقى ثم رسالته العملية المستقلة[27].
إذا احتاج المسلمون يوماً لمرجع
طلبوا من الإمام مراراً أن يتصدى للمرجعية الدينية بعد وفاة آية الله البروجردي وان يطبع رسالته العملية لأن الناس يريدون الرجوع إليه في أمر التقليد الديني فكان يقول: ( خطوا حولي بخط أحمر، ودعوني أتفرغ لعلمي التدريسي، إذا احتاج المسلمون يوماً لمرجع في التقليد فسأتصدى يومها لذلك، اما الآن فيوجد من بهم الكفاية فدعوني وشأني).
وكان هذا الموقف سبباً لازدياد حبنا ـ نحن والعارفين بحاله ـ له[28].
إذا استطاع المتصدون النهوض بالأمر..
نقل إلي المتولي لمرقد السيدة المعصومة الحادثة التالية، قال: ذهبت بعد يوم من وفاة السيد البروجردي إلى السيد الخميني ودعوته أن يتصدى للمرجعية فقال: ( لا حاجة لذلك الآن، لا يقع على عاتقي اليوم واجب شرعي في هذا المجال، إذا استطاع السادة المتصدون النهوض بأعباء الأمر فهم جديرون بذلك وأنا قانع بالاقتصار على مهمة التدريس، اما إذا لم يستطيعون ففي هذه الحالة..)[29].
أجدر من الجميع
بعد وفاة المرحوم السيد البروجردي، كان تلامذة الإمام المخلصون يرونه أجدر من الجميع بمقام المرجعية الدينية لكنه كان يرفض بحزم القيام بأي تحرك على هذا الطريق، فكان يرفض طبع رسالته العملية ويرفض إقامة المجلس التأبيني على روح السيد البروجردي ويرفض أمثال هذه التحركات التي يفهم منها تصديه للمرجعية.
وقد زرناه يوماً برفقة أحد الأصدقاء واقترحنا عليه طبع رسالته العملية فكان يأبى ذلك حتى قال صاحبي كلمة تشم منها رائحة بعض المغالاة في شخصية الإمام الأمر الذي أثار غضبه وقال لنا بلهجة حادة: (ما هذا الذي تقولونه عني، لست أنا الذي تصفون)[30].
إجتناب ما يمهد للرئاسة
كان الإمام يسعى ـ قدر المستطاع ـ في اجتناب التحركات لا ضرورية للتمهيد للوصول إلى المرجعية والزعامة الشيعية، كان يرفض دفع الرواتب الشهرية لجميع طلبة الحوزة ويقول: ( ما لدينا يكفي فقط لدفع رواتب المدرسة الفلانية وإذا لم يصلنا هذا المقدار من المال فلن ندفع حتى هذه الرواتب )!
لقد طلبنا منه ـ باقتراح من السادة حجج الإسلام المسعودي والصانعي ـ أن يدفع رواتب الحوزة فأبى، ثم طلبنا من آية الله المنتظري أن يطلب منه ذلك، فذهب إليه لكنه أبى أيضاً، وقد ذهبت إليه أنا ثلاث مرات وكررت عليه هذا الطلب شديد حتى استجاب [31].
إهتمامه بإعطاء ذخائر العلم
في تلك الأيام التي كان الجميع في الحوزة يفكرون بطبع رسائلهم العملية وزيادة ما يحصلون عليه من سهم الإمام عليه السلام من الحقوق الشرعية ودفع رواتب الحوزة، في تلك الأيام كان الإمام يتعامل بطريقة مناقضة لهذا التيار بالكامل، كان المألوف يومذاك أن يسعى أساتذة الحوزة والمرشحون للمرجعية والساعون لها إلى توفير مايمكنهم من دفع رواتب الحوزة الشهرية، اما الإمام فلم يكن يرغب ـ لعظمة روحه ـ سوى بإعطاء ما لديه من ذخائر العلم [32].
كان معرضاً على التصدي للمرجعية
كان الإمام قد كتب حاشية تعليقية على دورة كاملة من كتاب وسيلة النجاة للمرحوم السيد أبي الحسن الإصفهاني وكذلك على كتاب العروة الوثقى، ورغم كثرة ترددنا على منزله إلاّ أننا لم نعرف بذلك في حين أن من يرغب في أن يصير مرجعاً للتقليد يعمد عادة إلى اطلاع المقربين منه إلى الأقل بأنه صنف مثل هذه المؤلفات الفقهية، لكن الإمام امتنع عن الإفصاح عن ذلك حتى لنا نحن، فلم نعرف بتأليفه لهذين الكتابين إلاّ بعد أن راجعه طلبة الحوزة بعد وفاة آية الله البروجردي من أجل طبع هذين الكتابين [33].
بلغ من تهذيبه لنفسه
كان الإمام يقوم بتدريس الأخلاق مدة في حوزة قم العلمية، وقد بلغ من تهذيبه لنفسه درجة قال معها ـ عندما طلبوا منه بإلحاح أن يطبع رسالته العملية بعد وفاة آية الله البروجردي ـ ( لا يوجد احتياج لي للقيام بهذه المسؤولية، لقد تولاها آخرون )[34].
يرفض الاستفادة من الحقوق الشرعية لتوزيع رسالته العملية
كان الإمام يقول:(لا أرضى بالقيام في منزلي بأبسط عمل على صعيد التصدي للمرجعية والزعامة )، يقول بعض الأصدقاء: كانت الكثير من الطلبات تصلنا في عامي 41ـ 42هـ.ش، ( 62ـ 1963م ) من مدن إيران والبلدان الاخرى خاصة من الباكستان للحصول على الرسالة العملية للإمام، فسعينا طويلاً لإقناعه بأن يأذن لنا بالاستفادة من الحقوق الشرعية لتلبية هذه الطلبات لكنه كان يرفض بحزم.كان يقول:( الله يشهد أنني لم أتحرك ولا بخطوة واحدة للوصول إلى مقام المرجعية)[35].
لم تؤثر عليه اعتراضات المعترضين
بادر عدد من مراجع الحوزة بعيد وفاة آية الله البروجردي في سنة 1340هـ.ش(1961م)بل وحتى قبل ذلك، إلى طبع رسائلهم العملية، وأخذ الذين يرجعون إليه في التقليد الديني وغيرهم بالتردد على منازلهم بالصورة المألوفة باستثناء الإمام فهو لم يطبع رسالته العملية ولم يغير شيئاً من برنامجه الحياتي ولم يظهر رغبة في تردد الناس على منزله، ولم تؤثر على موقفه هذا اعتراضات المعترضين وتابع سلوكه المعهود[36].
لم أتوقع منك مثل هذا الكلام
من المتعارف بين المراجع عقد اجتماعات بحضور عدد من الفقهاء تحت عنوان لجنة الاستفتاء للإجابة على الاستفتاءات التي تصلهم، وقد شكل جميع العلماء الكبار في حوزة قم لجان خاصة للإجابة على الاستفتاءات بعد وفاة آية الله البروجردي، اما الإمام فلم يقم بهذا التحرك، وكنا نحن ـ بالطبع ـ نرغب أن يشكل لجنة خاصة به من هذه اللجان، لأنها أحد الشؤون الضرورية للمرجعية الدينية، لكننا كنا نعلم بأنه لن يوافق على ذلك؛ ولذلك قلت له يوماً: أن الفقهاء وفضلاء الحوزة الذين كانوا يحضورن دروس آية الله البروجردي، لا يحضرون الآن دروس أي من العلماء الاحياء، ولذلك فان تكاملهم العلمي قد توقف، فحبذا لا تسمحون لي أن أدعوهم للاجتماع في منزلكم بضع ليال كل أسبوع لكي تعرضوا عليهم المسائل والمعضلات الفقهية للبحث فيها وتعينوهم على حلها لكي يكتمل تسلطهم على علم الفقه!
كان هدفي من هذا الاقتراح في الواقع هو تشكيل لجنة للاستفتاء خاصة بالإمام لكنني لم أصرح بهذا العنوان تجنباً لرفضه ـ لكنه نظر إلي بنظره خاصة بعد انتهاء كلامي وقال معاتباً:(لم أتوقع منكم ـ أيها الشيخ الأميني مثل هذا الكلام، كنت أتوقع أن تقول لي: لقد بلغت من العمر عتياً واقترب موتك، فليكن كل فكرك وهمك في الله واليوم الاخر والاجتهاد في إصلاح نفسك ومجاهدة النفس الأمارة بالسوء. فكيف جئت لكي تخاطبني بهذا الكلام، ما هي حاجتي للجنة للاستفتاء، إذا سأل أحد من مسألة شرعية أجيب عليها بنفسي)[37].
لا أريد أن أكون مرجعاً
كان الإمام يصدر ـ في بداية النهضة ـ وهو في قم بيانات متعددة فأرسل له احد علماء طهران رسالة ـ بواسطتي ـ مضمونها: أن من غير المناسب لسماحتكم الإكثار من إصدار البيانات بحكم أنكم تعدون من مراجع التقليد، لذلك قللوا من إصدار هذه البيانات.
وعندما نقلت للإمام هذه الرسالة قال:( أبلغوا سماحته سلامي وقولي: أنني لا أريد أن أكون مرجعاً للتقليد، إنما أريد القيام بواجبي الشرعي )[38].
سنكون أكثر ارتياحاً كلما أبعدتم الناس عن تقليدنا
جاء أحد علماء إيران إلى النجف بعد وفاة المرحوم الحكيم وقال للإمام: لقد حملني بعض علماء طهران رسالة لسماحتكم هي أن تجاهلكم لبعض العلماء والشخصيات العلمائية أدى إلى قيامهم بإرجاع الناس بعد وفاة السيد الحكيم إلى تقليد علماء آخرين غيركم.وكان الهدف من هذه الرسالة تنبيه الإمام إلى لزوم الاهتمام أكثر بهؤلاء لو أراد أن يتحركوا في التبليغ له، فكان جواب الإمام هو: (أبلغوا هذه السيد سلامي وقولي له أننا سنكون أكثر ارتياحاً كلما أبعدتم الناس عن تقليدنا، فان ذلك يجعل واجبنا أخف ومسؤوليتنا أكثر)[39].
سأكون شاكراً لكم إلى يوم القيامة إذا...
بعد وفاة المرحوم آية الله الحكيم كتب وكيل له في احدى المدن الإيرانية رسالة إلى الإمام وهو في النجف، وطلب منه أن يعينه وكيلاً به بعد وفاة السيد الحكيم، فكتب الإمام وكالة عادية وبعثها له، لكن هذا الشخص لم يقنع بها وطلب حكماً بتعينه وكيلاً للإمام في تلك المحافظة، وقد توسط السيد مصطفى أيضاً مؤيداً أهلية الرجل لذلك، لكن الإمام لم يوافق وقال:( تكفي الوكالة التي كتبتها له ).
ثم أن هذا السيد بعث للإمام رسالة هدد فيها بأنه سيدعو الناس إلى التراجع عن تقليده إذا لم يستجب لطلبه، فكتب له الإمام رسالة جوابية قال فيها بشأن هذا التهديد:( سأكون شاكراً لكم إلى يوم القيامة إذا قمتم بهذه الخدمة لي، لأن تراجع الناس عن تقليدي يؤدي إلى تخفيف مسؤولتي)[40].
لست منافساً لكم
من الأساليب المؤثرة والجديرة بالملاحظة التي انتهجها الإمام وهو يعيش وسط حوزة النجف العلمية، أنه لم يكن يقوم بأي تحرك مفاجئ وذلك لكي لا يثير قلق وخوف الذين حرموا بركات تهذيب النفس وتزكيتها ولكي لا يجعلهم ينظرون إليه كمنافس لهم، ولذلك لم يقم في السنة الأولى لإقامته في النجف بتوزيع الرواتب الشهرية على طلبة الحوزة بصورة رسمية، واكتفى بتوزيع مقدار من الحقوق الشرعية عليهم بمناسبة شهر رمضان المبارك.وبعد عام أخذ يوزع الرواتب كل شهرين مرة، وبالتالي أخذ بتوزيعها بصورة ثابتة ورسمية في شهر أبان من سنة 1347هـ.ش، ( شهر تشرين الثاني1968م) [41].
أنا طالب علم وواجبي في النجف غير الذي كان في إيران
عندما جاء الإمام إلى النجف الأشرف، اجتمعنا مع عدد من الأخوة وطلبنا منه أن يبدأ التدريس، وللمرة الأولى ـ في حوزة النجف لكنه أبى.
وكانت السياسة التخريبية للسافاك تقوم على أساس نقل الإمام من منفى إلى آخر، وكان الهدف من نقله إلى النجف هو أن إطفاء تفوقه العلمي فيها وسط أساتذة الفقه في حوزتها حيث سيكون غريباً هناك عسى أن يؤدي ذلك إلى تخلي الشعب الإيراني المسلم عنه، هذه هي المؤامرة التي حاكتها عقول منظمة السافاك المريضة، وقد أدرك الإمام أبعادها وأهدافها، ولذلك فانه حرص على وصف نفسه بأنه مجرد طالب علم عندما وصل إلى النجف الأشرف، وأتذكر جيداً أن هذا الوصف أبكى يومها الكثير من الأصدقاء وأصابهم بحالة عجيبة من الانكسار، فكيف يصف الإمام نفسه بهذا الوصف في النجف وهو القائد الجليل الذي هزّ بكلماته شعباً كاملاً وزعزع سلطة جبارة مدعومة من المعسكرين الشرقي والغربي؟!
عندما زرناه للمرة الأولى وطلبنا منه أن يستأنف التدريس وقلنا له: أن تدريسكم لموضوع ( المكاسب) لم يكتمل في حوزة قم العلمية في إيران فأكملوه هنا، قال:(أنا طالب علم في النجف، وواجبي هنا يختلف عن واجبي عندما كنت في إيران)[42].
أجوبة قصيرة
إجتمع عدد من السادة العلماء عند الإمام في الأيام الأولى لإقامته في النجف الأشرف وطرحوا عليه مجموعة من الأسئلة فكان يجيب عليها أجوبة قصيرة للغاية، كان قليل الكلام كثير الإصغاء[43].
عدم رغبته في التصدي لإمامة صلاة الجماعة
كان من أخلاق الإمام قلة الكلام عادة إلاّ أن يوجه إليه سؤال، لكنه قرر أن يتكلم أكثر في مجالس النجف.سأله المرحوم السيد الحكيم يوماً:هل تأمون صلاة الجماعة في مكان ما؟ أجاب (لم أكن أقيم صلاة الجماعة حتى عندما كنت في قم ).
وكان هدف السيد الحكيم أن يعرض عليه إمامة صلاة الجماعة في أحد المساجد النجف أو أن يعرض عليه أن يأم المصلين في مكانه، فكان جوابه يتضمن عدم رغبته في ذلك[44].
لا تسموه درساً ولا تدعوا أحداً لحضوره
بعد مضي شهرين من إقامة الإمام في النجف الأشرف وقبل مجيء عائلته اليها، كان يؤم عدداً من حاشيته في الصلاة وهو في منزله، وقد طلب منه يوماً عدد من فضلاء حوزة النجف أن يبدأ التدريس فقال: ( ليس الآن). وعندما وافق على بدء التدريس استدعانا إلى دخل منزله، ولم يكن يومها قد اتخذ ما يعرف بالبراني وقال لنا: ( لقد وافقت على أمر الدرس واجتماعكم حولي باعتبار أنني اكبر منكم سناً بعض الشيء، لذلك فما نقوم به هو نوع من المباحثات العلمية ولا نسميه درساً وتدريساً، وأنا أطلب منكم طلباً أرجوكم أن تستيجيوا له وهو:أن لا تدعوا أحداً لحضور وأن لا تسمونه درساً أصلاً، لا حاجة لذلك، يكفي هذا العدد المحدود من الأشخاص)[45].
يرفض توزيع الرواتب على الحوزة للمعنى الذي يشتمل عليه
إقترحوا على الإمام يوماً أن يبدأ بدفع رواتب شهرية لطلبة حوزة النجف فرفض وقال: ( ليس بإمكاني القيام بذلك)، فقال الحاج الشيخ نصر الله الخلخالي ـ وهو الذي اقترح ذلك ـ: أنا أضع المبالغ اللازمة لدفع هذه الرواتب تحت تصرفكم كقرض، وعليكم أن تأذنوا بذلك فقط.
وكان الإمام يرفض دفع الرواتب للحوزة باسمه بسبب ما يشتمل عليه من معنى خاص ( التصدي للمرجعية الدينية)، ثم اضطر إثر كثرة الطلبات الملحة إلى القبول بتوزيع (معونات) بمناسبة حلول شهر رمضان الذي صادف يومها عرض هذا الاقتراح عليه، ثم أقنعه الشيخ نصر الله الخلخالي ـ وبعد جهد جهيد ـ بمواصلة دفع هذه الرواتب[46].
كنت أتوقع منك أن تنصحني وتنهاني لو كنت أقول بمثل هذا
ذهبت لزيارة الإمام في منزله في النجف الأشرف في أحد الأيام التي تلت شهر رمضان المبارك في ذلك العام، وكان ذلك بعد انتهاء الدرس، ولما دخلت المنزل سألت خادم قسم البراني المشهدي ناد علي عنه فقال إنه موجود، فقلت: أبلغوه سلامي وأنني أرغب في زيارته لأمر أريد عرضه علي لو سمح بذلك؛ فذهب المشهدي ناد علي ثم رجع بإذن الدخول على الإمام دخلت وقد شعرت يومها بجرأة وشجاعة في نفسي أعانتني على أن أقول له: لقد جئت إلى سماحتكم بعد أن استخرت الله فكانت الاستخارة تأمرني بالمجيء وهدفي هو أن أعرض عليكم قضية واحدة.قال:(وما هي ؟)، قلت أطلب منكم أن تحصلوا على مبلغ من المال لدفع الرواتب لطلبة الحوزة حتى لو لم يكن ذلك بصورة وراتب شهرية ثابتة فقال:( إن هذه الأموال (الحقوق الشرعية) لا تستحصل، بل إذا وصلت للإنسان وجب عليه أن يصرفها في مواردها المشروعة، فقلت:أنها تستحصل في البداية ثم تبدأ بالوصول!
كررت طلبي مرتين والإمام يرفض، فقلت: يبدو أنكم ياسيدي جالسون في المنزل ولا تدرون ما يحدث خارجه! قلت ذلك بهذه اللهجة الصريحة، فقال: ) ما الذي يحدث في الخارج؟) قلت: إن بعضهم يبلغون ويدعون المرجعية الأشخاص استناداً لدفعهم هذه الرواتب، وعندما وصل كلامي إلى هذه العبارة نظر لي بنظرة خاصة وقال:( أيها السيد سروش، لم أكن أتوقع منك هذا الكلام!! كنت أتوقع منك أن تنصحني وتنهاني لو كنت أقوم بمثل هذه الأعمال !ما هذا الكلام؟! أن همنا هو أن تدار الحوزة العلمية في قم، فإذا تصدى أحد لتوفير رواتبها انبرى الآخر للتدريس )!
لا زالت كلمته هذه تدوي في إذني: ( كنت أتوقع منك أن تنصحني وتنهاني لو كنت أقوم بمثل هذه الأعمال )!وعلى أي حال حاولت في ذلك اليوم تكرار هذه الطلب بعبارة اخرى فقال الإمام:( أيها السيد سروش، لو كان لديكم كلام غير هذا فتفضلوا وإلاّ فإني أرجوكم أن تعرضوا عن هذا الحديث)! ثم أنني خرجت من عنده[47].
سر رفضه إرسال بعثة للحج
كان المألوف ـ أيام إقامة الإمام في النجف ـ أن يرسل كل مرجع للتقليد بعثة إلى مكة في موسم الحج، وكان الحاج الشيخ نصر الله الخلخالي، رحمه الله ـ وهو من محبي الإمام ـ يلح عليه في أن يرسل هو أيضاً بعثة إلى مكة في موسم الحج لكنه رفض لأن ذلك كان يشتمل على الدعاية والتبليغ لمرجعيته، اما الشيخ الخلخالي فقد احتمل أن سبب رفض الإمام هو ورعه من صرف سهم الإمام عليه السلام من الحقوق الشرعية في مثل هذه الموارد لذا قال للإمام: أفدوا انتم سماحة السيد المدني وحده وأنا أتكفل بتحمل نفقة سفره، لكن الإمام رفض هذا الاقتراح أيضاً [48].
إعملوا بما يقتضيه واجبكم الشرعي
بعد وفاة المرحوم السيد البروجردي بسته شهور كنت يوماً في طريق السفر من طهران إلى قم، فالتقيت في الموقف الذي تتوقف فيه حافلات النقل للاستراحة، بأحد أصحاب دور النشر، وبعد تبادل السلام والمجاملات المألوفة أخبرني أنه لا زال يعمل في مجال الطباعة والنشر وأضاف: إنني عائد الآن من قم وقد زرت فيها السادة العلماء
|