متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الفصل الأول: الإمام ودفاعه عن حرمة العلماء والمرجعية الدينية
الكتاب : قبسات من سيرة الإمام الخميني ج4    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة
الإمام ودفاعه عن حرمة العلماء والمرجعية الدينية

 

يرى نفسه مديناً لأساتذته

كان الإمام يذكر أساتذته في أكثر مجالسه وكان يستغفر الله لهم باستمرار فقد كان يرى نفسه مديناً لهم[1].

ويولي اهتماماً خاصاً بآراء الشيخ الحائري

كان الإمام يولي اهتماماً خاصاً بآراء ومنهج استاذه المرحوم الحائري وكان يعتقد أنه لو كان حيّاً لا ستثمر الفرصة التي حانت بعده وقام بتأسيس الحكومة الإسلامية، فكان يقول: ((لو كان المرحوم الحاج الشيخ (عبد الكريم الحائري) حيّاً في هذه الأيام لقام بما قمت به أنا، ولم يكن تأسيسه الحوزة العلمية (في قم) بأقل أهمية من تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية في إيران ))[2].

حفظ الأمانة أصعب الأوضاع

كان الإمام يقول عن مؤسس الحوزة العلمية في قم المرحوم الشيخ الحائري: (يكفي لمعرفة عظمته أنه استطاع حفظ الحوزات العلمية وعلماء الدين في تلك الأوضاع الصعبة التي قرر رضا شاه فيها إبادة الحوزات العلماء، ولقد حفظ هذه الأمانة وسلمها لنا لكي نسلمها بدورنا لمن بعدنا )[3].

يبين مقام الشيخ البافقي

اشتدت الضغوط والممارسات الإرهابية التي كانت تقوم بها حكومة رضا خان في أعوامها الأخيرة، وكان الإمام يلقي في تلك الأيام دروساً أخلاقية في المدرسة الفيضية، وقد كرر مراراً القول بأن ( من يريد زيارة مؤمن استسلمت له الشياطين وآمنت على يديه في هذا العصر، فليذهب إلى مدينة )ري ) وليتوجه ـ بعد ذلك ـ إلى زيارة السيد عبد العظيم الحسني ـ عليه السلام ـ ثم إلى زيارة الشيخ البافقي )[4]. وكان يقرأ أحياناً هذا البيت المشهور:

جه خوش بودكه برآيد به يك كرشمه دوكار                     زيارت شه عبد العظيم وديدن يار[5]

                                                                      

الإمام يتحدث عن علاقته بأستاذه الشاه آبادي

في لقاءٍ جمعني والشيخ الرفسنجاني بسماحة الإمام، تحدث الإمام عن علاقته بالمرحوم والدي، فقال:

(عندما كنت أدرس في الحوزة؛ كنت أشعر باستمرار بأنني أفتقد شيئاً، وقد سعيت كثيراً للعثور على ضالتي هذه، وكان المرحوم الشيخ محمد صادق الشاه آبادي من العارفين بحالي هذه، فصادفني يوماً في المدرسة الفيضية وقال لي: إذا أردت العثور على ضالتك فاعلم أنه جالس في الحجرة الفلانية! سألته: من تعني؟ قال: إنه سماحة الشيخ الشاه آبادي، هو ضالتك التي تبحث عنها).[6]

توجهت إلى الحجرة المقصودة، فرأيت المرحوم الشيخ الشاه آبادي جالساً مع آية الله الحائري مؤسس الحوزة العلمية في قم وهما يتباحثان، وقد جلس آخرون إلى جانبهما وهم يصغون لتحاورهما ويشتركون في الحديث أحياناً فوقفت منتظراً في زاوية إلى أن انتهى البحث وخرج المرحوم الشيخ الشاه آبادي متوجهاً إلى منزله فتبعته وطلبت منه ـ في وسط الطريق ـ أن يخصص لي درساً في الفلسفة لكنه لم يوافق !.

وكان الأهالي والكسبة يسلمون عليه ـ أثناء سيرنا في الطريق ـ ويسألونه عن بعض الأمور فكان يجيبهم بأجوبة، لا تتناسب مع مستواهم الفكري!! فقلت له: أن هؤلاء لا يستطيعون فهم أجوبتكم يا سيدي، فلماذا تجيبونهم بها ؟ أجاب: لا تخلو هذه الأجوبة من ثمرة هي أن تطرق هذه الأقوال الكفرية أسماعهم فهي أقوال يرونها كفراً !!.

وعلى أي حال فقد أقنعته قبل وصولنا المنزل أن يبدأ تدريسي الفلسفة، وعندما وافق قلت: لا أريد دراسة الفلسفة يا سيدي !ان ضالتي شيء آخر، أريد منكم تدريسي العرفان !لكنه لم يوافق على طلبي إلى أن وصلنا منزله فعرض علي الدخول مجاملة فوافقت لكي أصل إلى بغيتي، وقد أصابتني في منزله حالة شعرت معها أنني عاجز عن الكف عن الطلب منه! ألححت عليه كثيراً لكي يستجيب إلى طلبي ورجوته وتوسلت إليه حتى وافق، وحدد عصر احد الأيام موعداً لبدء الدرس المعهود.

بدأت التتلمذ على يديه في عصر ذلك اليوم، وبعد درسين أوثلاثة وصلت إلى حالة رأيت فيها أنني لا أطيق فراقه، كنت أحضر في البداية دورسه العرفانية فقط ثم أخذت بالتزام الحضور في دروسه الأخلاقية أيضاً والتي كان يلقيها في مسجد (عشق علي) ليالي الجمعة بعد إقامة الصلاة، ثم التزمت بالحضور في جميع دروسه ومحاضراته؛ وكنت أكتب تقريراتها جميعاً أيضاً سواء تلك التي كان يلقيها للعامة أو الدروس الخاصة.

وكانت علاقتي تتوثق يوماً بعد آخر به ويشتد حبي لهن وأستطيع اليوم أن أقول بأنني لم أر روحاً بشفافية ولطافة روح المرحوم الشيخ الشاه آبادي.

كان للمرحوم الشاه آبادي تلامذة من مستويات متباينة، يحضرون دورسه بصورة متفرقة، أي لم يكونوا ملتزمين بحضورها جميعا، باستثنائي أنا وبضعة أشخاص آخرين كنا ملتزمين بالمواظبة على حضور دروسه وحتى هؤلاء السادة كانوا يحضرون احيانا ثلاثة دروس أو خمسة في الأسبوع، أما أنا فقد التزمت بالحضور المستمر في دروسه طوال السنين السبع التي قضاها المرحوم الشاه آبادي مقيماً في قم.

لقد تتلمذت في جميع هذه الأيام على يديه واستفدت من دروسه المختلفة، وبقي الحال على هذا المنوال إلى أن انتقل إلى طهران فلم استطع بعد ذلك أن ألازمه في جميع الأوقات لأنني كنت منهمكا في الدراسة في قم، لكنني كنت أذهب إليه في كل عطلة ـ في أيام عاشوراء، وأيام شهر رمضان وغيرها، إذ كنت أسافر إلى طهران لحضور دروسه حيثما كان يلقيهما سواء في منزله أو في المسجد، فكنت أحرص على ملازمته قدر المستطاع طوال مدة بقائي في طهران [7].

يمسح قبر الملكي التبريزي بعمامته

عندما عاد الإمام من باريس وجاء إلى قم، ذهب لزيارة مقبرة (شيخان)، وقد فتح عمامته عندما زار قبر استاذه الشيخ الميرزا جواد الملكي التبريزي ومسح بذؤابتها صخرة القبر وجلس عنده وقرأ القرآن وسورة الفاتحة، وفي ذلك مظهر من مظاهر تكريمه لأستاذه[8].

وما أدراك ما ملا صدرا

أخبروا الإمام ـ في أيام تدريسه الأصول عصر كل يوم في مسجد السلماسي في قم ـ أن بعض الأشخاص الذين يحضرون الدرس قد أهانوا الملا صدرا، الأمر الذي أغضبه كثيراً فقال ـ وهو يعظهم ناهياً لهم عن التجرأ على عظماء الدين:)وما أدراك ما ملا صدرا؟ لقد حلّ المعضلات الفلسفية التي عجز أبو علي ابن سينا عن حلها ! فلماذا لا نراقب ألسنتنا وما نتفوه به ؟!)[9].

غضبه بسبب الإساءة لمؤلف الأسفار

لم أر لدى الآخرين ما رأيته لدى الإمام من استنباطات عميقة وإدراك دقيق للمعارف الإلهية وللفلسفة وآراء محي الدين ابن العربي، وأتذكر أنه وكما يبدو قد سمع ـ عند بداية التدريس في بداية أيام الدراسة في منتصف شهر( شهريور) بعد عودته من السفرـ بان أحد السادة ـ وقد توفي رحمه الله ـ قد أساء القول في مؤلف كتاب الأسفار، فغضب إلى درجة، قال معها:)الأسفار، وما أدراك ما الأسفار ؟! هل تعرف ما يضمه هذا الكتاب ؟وهل تعرف من هو مؤلفه ؟!).

لم يكن الإمام يتطرق إلى مثل القضايا عادة، ولكن شدة الأذى الذي أصابه اضطرته إلى مثل هذا التعامل [10].

دفاعه عن الحجج الإلهية

كان يوجد في حوزة قم العلمية المقدسة أشخاص ساذجون فكرياً وذوو نوايا خيرة لكنهم لم يكونوا يحسنون الظن أبداً بالفلسفة والحكمة الإلهية والعرفان، وقد أوجدت معارضتهم لها أجواء مضادة للفلسفة والعلوم العقلية، كانت من القوة إلى درجة تكفي لاغتيال شخصية كل من يقموم بتدريس الفلسفة، فانبرى الإمام بكل شجاعة لمحاربة هذه الأجواء ودحض هذه الأفكار، ودافع عن الملا صدرا الذي حكموا بكفره!! فقد بلغ هجومهم ضد آرائه درجة كان الذين يدرسون كتبه يضطرون إلى التخفي في ذلك واختيار )السراديب)[11]والأماكن البعيدة عن الأنظار لدراسة كتب هذا العالم الجليل.

إما الإمام فقد بلغ من دفاعه عنه أنه كان يقول عنه:) الملا صدرا، ما الملا صدرا؟! وما أدراك ما الملا صدرا؟!)؛ وكان يؤيد أفكاره التي عارضها أولئك المقدسون طويلاً، ومنها قوله في المعاد الجسماني فكان يقول على اعتراضات المقدسين على هذا القول:(إن عقيدة المعاد التي يقول بها الملا صدرا هي العقيدة نفسها التي تؤمن بها المرأة العجوز)[12].

وأعتقد أن الثورة التي فجرها الإمام في دفاعه عن هؤلاء الحجج الإلهية أعظم من هذه الثورة الإسلامية، فهو بتصديه الشجاع للخواص من ذوي الظاهر الصالح؛ والذين تصعب للغاية مواجهتهم عادة؛ وقد أنهى مؤامرة استمرت ثلاثة قرون ضد الملا صدرا ونظرائه [13].

إحضروا دروس الشيخ الشاه آبادي

روى السيد النصيري السرابي ـ وهو من تلامذة الإمام ـ قال: زرت الإمام قبل شهر رمضان المبارك من إحدى السنين وسألته: نرغب في حضور دروس أحد السادة في هذا الشهر المبارك للإستفادة منها، فأيهم أنسب في رأيكم ؟ أجاب: (أحضروا دورس الشيخ الشاه آبادي).

وقد حضرنا دروس الشيخ الشاه آبادي طوال الشهر في أحد مساجد طهران واستفدنا منها. وقد سألت الإمام يوماً: لقد سمعت من هنا وهناك يا سيدي، أن السيد الحجة[14]كان يعارض تدريسكم الفلسفة، فهل أن ما سمعته صحيح ؟ فقال: (كلا، هذا الأمر لا أساس له من الصحة، أن أجهزة وعملاء رضا خان هم الذين كانوا يعارضون ذلك).

وكان جلاوزة رضا خان أيام حكومته يؤذون العلماء كثيراً، ولذلك كان الإمام وطلبته يذهبون للدراسة إلى البساتين المحيطة بمدنية قم[15].

كان يرى نفسه من أهل بيت استاذه الشاه آبادي

لقد أنشد الإمام ـ أيام دراسته ـ إلى المرحوم الشيخ الميرزا محمد علي الشاه آبادي (وهو عمي) إلى درجة لم يترك معها حضور دروسه العرفانية أبداً في حين كان للمرحوم الشاه آبادي تلامذة كثيرون لا يلتزمون بالحضور المستمر في دروسه، فكانوا يتركونها أحياناً أما الإمام فقد كان ملتزماً بحضورها وقد أنشد منجذباً إليه إلى درجة كان يرى نفسه معها أنه من أهل بيته، فمثلاُ إذا قال المرحوم عمي لولده مهدي: إذهب لشراء رغيفاً من الخبز، كان الإمام يبادر إلى القيام بنفسه ويقول: لا حاجة لذهابه، أنا أذهب لشراء الخبز، ويذهب بالفعل ويشتري الخبز ويرجع به، لقد توثقت علاقته بالمرحوم عمي إلى هذه الدرجة [16].

أنت لم تعرف أباك !!

كان المرحوم آية الله المطهري يقول:لم أسمع الإمام ولو لمرة واحدة يذكر إسم المرحوم الشاه آبادي دون أن يردفه بعبارة (روحي فداه)! كانت علاقة الإمام بالمرحوم والدي وثيقة وقلبية عميقة، حدث مرة أن جرى الكلام في حضوره (في النجف) بشأن قضية معينة وذكر إسم أحد السادة أثناء الحديث فتصور الإمام أنني أقارنه بالمرحوم والدي، ولذلك تأذى بعمق وقال لي بحدة:

(إنك لم تعرف أباك! إن من غير الممكن مقارنته لا بهذا السيد ولا بنظائره) [17].

الشاه آبادي موجود رباني لطيف

قال الإمام يوماً في وصف أستاذه في العرفان، آية الله المرحوم الشيخ الشاه آبادي ـ رضوان الله عليه ـ (أن المرحوم الشيخ الشاه آبادي هو موجود رباني لطيف). وقد درس الإمام العرفان ـ أي القضايا المعنوية ومعرفة الله ـ عند هذا الأستاذ [18].

احترامه لصورة استاذه

زار منزلنا في النجف يوماً عدد من كبار علماء النجف، وقد جلس الإمام في مكان مستدبراً القبلة، ثم التفت إلى أن صورة والدي المرحوم فوق رأسه فقام فوراً وجلس مستقبلاً القبلة وصورة المرحوم والدي! وقد أثار هذا الموقف تعجب الجميع من شدة احترامه حتى لصورة أستاذه[19].

دفاعه عن العلامة المجلسي والعلماء المخلصين

في تلك الأيام التي أخذ بعض الكتاب بمهاجمة المرحوم العلامة المجلسي ـ عن جهل أو لإغراض مشبوهة ـ، وكانوا يعييون عليه ارتباطه بالبلاط الصفوي: ألقى الإمام كلمة في مسجد الشيخ الأنصاري ـ بعد اطلاعه على هذه الهجمات ـ دافع فيها عن حرمة العلماء المخلصين، وبيّن فيها أن بعض العلماء الأجلاء مثلا العلامة المجلسي كانوا على علم يقيني بأن ارتباطهم بسلاطين الجور يضعف مكانتهم السامية ويسيء إلى شخصياتهم المرموقة، لكنهم حفظوا هذا الارتباط مضحين بسمعتهم من أجل أن يستفيدوا من قدرتهم ونفوذهم المعنوي في سبيل الحد من ممارسات هؤلاء السلاطين الاستبدادية ويدفعوا شرورهم عن الإسلام قدر المستطاع ويحدوا من ظلمهم للعباد قدر الإمكان [20].

اعرفوا قدر هذا السيد

كنت في بيت السيد الكاشاني في شارع (بامنار) في طهران في أحد أيام الصيف، فقال السيد الكاشاني: اعرفوا قدر هذا السيد فهو الذي ينقذكم، أيها الجاهلون اعرفوا قدر هذا السيد !.

كنا يومها شباباً مفعمين بالحماس وكنا على ارتباط بمنظمة (فدائي الإسلام)، إما الإمام فلم يكن يظهر الارتباط بها [21].

علت صرخة الاعتراض من الإمام

استغلت إحدى المجلات حالة الانفلات في أوضاع الصحف التي ظهرت بعيد انتصار الثورة، فوجهت إهانة للمرحوم الشهيد آية الله الشيخ فضل الله النوري، فعلت صرخة الاعتراض من الإمام منكرة هذا الفعل[22].

 أين وجدت هذا الأعجوبة

كان الإمام يكن المودة للسيد الكاشاني، وكانا قد التقيا في بيت والدي الذي كان صديقاً للسيد الكاشاني وكان منزله ومنزل والدي يقعان في الزقاق نفسه، وذلك عندما جاء السيد (الإمام) إلى طهران لأمر الزواج وبقي في بيت والدي ثمانية أيام، وقد قال السيد الكاشاني لوالدي بعد اللقاء: أين وجدت هذا الأعجوبة !.[23]

الإسلام هو مصدر قوتنا

محمد حسنين هيكل: ما هو العامل الأساس في هذا الاتساع العظيم لنهضتكم ؟

الإمام: الإسلام هو مصدر قوتنا. كان البعد السياسي أقوى في نهضة آية الله السيد الكاشاني والدكتور مصدق وقد كتبت يومها رسالة للسيد الكاشاني بشأن ضرورة الاهتمام بالبعد الديني للنهضة، لكنه وبدلاً من تقوية هذا البعد وتغليبه على البعد السياسي تعامل على العكس من ذلك وإلى درجة صار معها رئيساً لمجلس الشورى الوطني، وكان هذا الإجراء اشتباهاً [24].

يجب مناصرة وتأييد آية الله الكاشاني

سافرت إلى قم المقدسة سنة 1327هـ، ش (1948م) برفقة عدد من طلبة الحوزة بهدف الزيارة, وقد التقينا آية الله البروجردي في منزله ذات ليلة وكان اللقاء أثناء مجلس للإجابة على الاستفتاءات عقده بحضور عدد من الأشخاص، فقبلنا يده وجلسنا في زاوية الغرفة، وقد جرى الحديث في هذا اللقاء عن قضية سياسية ترتبط بما أعلنه احد رؤوساء الجامعات الإيرانية من أن الجامعات يجب أن تكون مستقلة بالكامل فلا يسمح بفرض شيء عليها لا من الدين ولا من المواقف السياسية، وقد تصدى المرحوم آية الله الكاشاني لهذا التحرك وكان يسعى لملاحقة هذا الشخص قضائياً، وكان خبر هذه القضية قد وصل إلى قم، وكان الإمام حاضراً في المجلس المذكور وكان أحد الذين طلبوا بقوة من آية الله البروجردي التدخل في هذه القضية، ولكن آية الله البروجردي كان متحفظاً تجاه ذلك كما يبدو لأسباب معينة، إما الإمام فكان يقول: )يجب مناصرة وتأييد آية الله الكاشاني الذي تصدى لهذا الأمر).

لقد كان واضحاً منذ تلك الأيام أن للإمام موقفاً تجاه هذه القضايا بل وكان يسعى لإقناع آية الله البروجردي أيضاً باتخاذ مواقف حازمة تجاه إجراءات الجهاز الحاكم، وقد أصبح موقفه فيما بعد موقف الحوزة العلمية في قم عموماً [25].

يزور السيد الكاشاني في غربته

أساؤا كثيراً إلى المكانة الاجتماعية للمرحوم آية الله السيد الكاشاني بسبب مواقفه المعارضة لمصدق والاختلاف الذي نشب بينهما، وقد أصيب السيد الكاشاني بمرض في تلك الأيام فكان الشخص الوحيد الذي ذهب من قم إلى طهران لعيادته هو الإمام الذي عطّل درسه في الأصول من أجل ذلك، إذ ذهب لعيادة آية الله الكاشاني بعد أن ألقى درسه الصباحي في الفقه.

لقد قام الإمام بهذه الزيارة في وقت كانوا ينشدون أشعاراً مبتذلة تسيء للسيد الكاشاني وينشرون في الصحف أشعاراً تنتهك حرمته، وكان الإمام يحظى بشخصية علمية واجتماعية مرموقة في الحوزات العلمية ولدى الخواص، لذلك فلا يمكن العثور على شاهد ـ أوضح من سفره إلى طهران وعيادته لآية الله الكاشاني ـ يبين اهتمام الإمام بجميع أبعاد القضايا.

إن مما لا شك فيه أن الإمام لم يذهب لعيادة آية الله الكاشاني كمسلم عادي يذهب لعيادة مريض، كما لم يقم بزيارته لأنه عالم ديني، فكان الكثير من العلماء يمرضون، ولم يكن الإمام يعودهم في مرضهم، فقط كان الإمام حريصاً على وقته مقتصراً على الواجبات، فمثلاً لم يكن يشارك في مراسم التشييع عادة؛ لذلك كان الإمام يسعى لتحقيق هدف آخر وهو يذهب لعيادة آية الله الكاشاني خاصة وإنه عطّل درسه من أجل ذلك [26].

يعقد مجلساً تأبينياً

أقام الإمام مجلساً تأبينياً للمرحوم آية الله الكاشاني في المسجد الأعظم إثر وفاته، وقد كان يحضر بنسفه هذا المجلس الذي أقامه ليومين.

وهكذا ينبغي أن يكون عالم الدين

نقل آية الله السيد السلطاني، كان السيد البروجردي مقيماً في بروجرد في عهد مرجعية المرحوم السيد أبو الحسن الاصفهاني وكان الإمام يسألني أحياناً عن السيد البروجردي وعن طبيعة شخصيته، وقد قلت له أن السيد البروجردي لا يصغي لكلام المسؤولين الحكوميين، أنه مستقل، فقال الإمام بارتياح: (بارك الله فيه، هكذا ينغبي أن يكون عالم الدين)[27].

إدعوا آية الله البروجردي للمجيء إلى النجف

سعى الإمام وأكثر من الجميع من أجل مجيء آية الله البروجردي إلى قم وإقامته فيها، وكان ذلك منه لإنه يعرف شخصية السيد البروجردي. وكان يقول بنفسه عن هذه القضية:

(عندما زرت النجف سنة 1323هـ.ش 1944م) كان السيد أبو السحن الاصفهاني على قيد الحياة، وقد قلت يومها في اجتماع حضره عدد من فضلاء حوزة النجف، إن الإيرانيين لا يعرفونكم أيها السادة، ينبغي لكم أن تدعوا ـ بعد السيد أبو الحسن ـ عالماً يعرفه الإيرانيون لكي يحفظ حوزة النجف وإلاّ فإنها ستنهار. فقالوا: من مثلاً ؟ قلت: آية الله السيد البروجردي.

لم يستسيغوا يومها هذا الكلام، ولكن بعد وفاة السيد أبو الحسن لم يكن في النجف مرجع يعرفه الإيرانيون لكي يحفظ النجف وحوزتها ) [28].

اهتمام الإمام بحفظ كيان المرجعية والحوزات العلمية

رافقت الإمام في سفر إلى طهران بعد وفاة آية الله البروجردي، وقد روى لي يومها:)عند تشرفي بزيارة النجف الأشرف اقترحت في اجتماع حضره السادة العلماء أن يدعوا آية الله البروجردي للمجيء إلى النجف وبدأ التدريس فيها كمقدمة، لكي يتولى زعامة الحوزات العلمية ومرجعية الشيعة بعد وفاة آية الله السيد أبو الحسن الاصفهاني، وقد قلت في هذا الاجتماع: إنني أقدم هذا الاقتراح لسببين:

أولاً: أن آية الله البروجردي هو الأعلم إثباتاً.

ثانياً: أنه رجل اجتماعي، وهو أجدر شخص يمكن الاعتماد عليه لمسؤولية المرجعية وحفظ كيان الحوزات العلمية.

وبعد مدة من هذا الاجتماع قال لي أحد السادة: إن السادة الذين حضروا ذلك الاجتماع قد قالوا: أن السيد روح الله لا يعرف حوزة النجف، إن فيها علماء بارزون، فقلت: إنقلوا للسادة قولي لهم: إنكم لم تنتبهوا إلى مغزى قولي، إنني قلت: إنا رجل اجتماعي، وهذه الصفة غير الأعلمية كما هو واضح ؛كما أنني قلت: إن السيد البروجردي هو الأعلم في مقام الإثبات وهذا لا ينافي أن يكون السادة الآخرون أعلم في مقام الثبوت وأن كان السيد البروجردي هو الأعلم في مقام الثبوت أيضاً )!.

يجب تقوية السيد البروجردي

بعد وفاة آية الله السيد أبو الحسن الإصفهاني ـ قدس سره ـ ترشح للزعامة الدينية آيات الله السيد البروجردي والسيد القمي، وكان الإمام يدعو للسيد البروجردي ويرجع الناس إلى تقليده، وقد سافر إلى عدة مدن للدعوة إليه، فسألته: لماذا لا ترجعون الناس إلى تقليد آية الله القمي ؟فقال: )أن سماحة آية الله السيد حسين القمي يقيم في العراق لا في إيران، لذلك يجب تقوية السيد البروجردي بهدف تقوية حوزة قم وعلماء إيران ).

كان الإمام يعتقد أن السيد البروجردي عالم متنورٌ وبالإمكان التحرك عن طريقه لتحقيق أهدافه الثورية، وقد قلت له بعد مدة مديدة: لقد بلغتم كثيراً لمرجعية آية الله البروجردي ولكنها لم تكن على وفق ما أردتم !فقال: )صحيح، والسبب هو أنهم أوحوا للسيد آية الله البروجردي أن الناس ليسوا راسخين في عهودهم وإيمانهم فلا يمكن اتخاذ شيء مهم بالاعتماد عليهم )[29].

اهتمامه بوحدة الحوزة العلمية

 ذهب الإمام عدة مرات لعيادة آية الله البروجردي أيام رقوده في المستشفى للعلاج بعد أن غادر مدينة بروجرد إلى قم و) طهران ) بسبب مرضه، وقد كرر الطلب منه مراراً خلال هذه الزيارات أن يقيم في قم بصورة دائمية، وكان يقول بهذا الخصوص: (إن مجيء السيد البروجردي إلى قم ينقذ حوزتها العلمية من اختلاف الأذواق بين مراجعها المتعددين (السادة: الخوانساري، الحجة، والصدر)، ومن الاختلاف بين مؤيديهم) [30]

شعور بالمسؤولية تجاه الحوزة

كان الإمام من الذين بذلوا الكثير من المساعي في سبيل مجيء المرحوم آية الله البروجردي إلى قم، يقول المرحوم والدي: قال لي سماحة السيد روح الله بعد مجيء آية الله البروجردي إلى قم: ) لقد جئنا بالسيد إلى قم وعليكم أتنم مهمة إبقاءه فيها )!.

ولم يتوان الإمام في بذل أي مسعى أو القيام بأي عمل لدعم آية الله البروجردي، يدفعه إلى ذلك شعوره بالمسؤولية تجاه الحوزة، ولذلك لم يأنف عن القيام بالأعمال التي تبدو غير مناسبة لمكانته العلمية والاجتماعية، فمثلاُ كان يقوم حتى بمهمات من قبيل شراء قماش الحجاب الخفيف المانع لدخول البعوض وينصبه للسيد البروجردي !

وقد أخذ المرحوم آية الله البروجردي بإلقاء درسين في الفقه والأصول بعد إستقراره في قم، وكان يحضر دروسه جميع علماء قم الكبار تقريباً باستثناء الآيات الثلاثة (الخوانساري، الصدر، والحجة)، وقد حضر الإمام هذه الدروس عدة سنين، وكتبَ تقريرات، لها، وكان ينقل في دروسه في السطوح العالية (الخارج) آراءً لأية الله البروجردي لم نقرأها ولم نسمعها من غيره، ثم اتضح فيما بعد أنّها من التقريرات التي كتبها بنفسه لدروس السيد البروجردي[31].

يغسل عباءة السيد البروجردي

حظي آية الله البروجردي في زيارته الأولى لقم بحفاوة بالغة، من علمائها خاصة من الإمام الذي احتفى به كثيراً وإلى درجة، رأيتُهُ معها بنفسي يغسل عباءة السيد البروجردي؛ فقد نزع عباءتَه ووضعها على كتفي آية الله البروجردي وأخذ عباءة السيد وغسلها بالماء ثم جاء بها إليه[32].

اهتمامه بحفظ الحياة العلمية لحوزة قم

كان الإمام يرى أن مجيء آية الله البروجردي إلى قم من العوامل الضرورية لحفظ الحياة العلمية لحوزة قم بعد وفاة المرحوم الشيخ الحائري اليزدي، وكان السيد البروجردي يومها من علماء الطبقة الأولى علمياً وأخلاقياً، ولذلك فقد بذل الإمام مساعٍ واسعة من أجل إقامة السيد البروجردي في قم. وطبقاً لما نقلته والدتي فإن الإمام كان يكتب بخطه أحياناً (50 ـ 60) رسالة إلى علماء مختلف أرجاء إيران لكي يطلبوا من السيد البروجردي أن يقيم في قم وكان ذلك عندما رقد آية الله البروجردي في مستشفى )الفيروزآبادي) في مدينة ري لإجراء عملية جراحية له، وقد أثمرت جهود العلماء الشاملة وخاصة الإمام وأقنعت السيد البروجردي في النهاية بالإقامة في قم[33].

هدف السادة الاستفادة العلمية من وجودكم

وافق آية الله البروجردي على الإقامة في قم بصورة مؤقتة بعد أن سمحوا له بمغادرة المستشفى في طهران، وبالفعل جاء إلى قم بعد انتهاء علاجه في المستشفى، وقد أُستقبل عند وصوله إلى قم بحفاوة، واحترام، وبعد شهرين او ثلاثة من ذلك قال لي الإمام يوماً: (سمعتُ أن آية الله البروجردي قرر مغادرة قم، حققوا في الأمر، إذا غادر قم فمن الصعب إرجاعه إليها).

وكان السيد البروجردي في تلك الأيام يلقي درس الخارج في الفقه[34]عصر كل يوم فسألته بعد انتهاء الدرس: سمعت أنكم تريديون العودة، فهل هذا الخبر صحيح؟ قال: ربّما، قلت: وما السبب؟ قال: لقد وعدني عدة أشخاص في طهران بتقديم المساعدات لي في قم لكي أستطيعَ ترتيب الأوضاع لكنهم لم يقدموا شيئاً إلى اليوم.

وكان الإمام قد قال لي مسبقاً: (إذا تحجج آية الله البروجردي بالمشاكل المالية، فقولوا له: إن السادة العلماء الذين دعوكم للمجيء إلى قم لم يكن هدفهم الحصول على منافع مالية من سماحتكم، بل هدفهم هو الاستفادة العلمية من وجودكم، لذلك فحتى لو لم تبدأوا بدفع الرواتب الشهرية للحوزة بعد عشر سنين من الإقامة في قم فلن يكون ذلك نقصاً فيكم، بل ولا يتوقع أحدٌ منكم أن تقوموا بدفع الرواتب).

أجل، كان الإمام يصرُ على إبقاء السيد البروجردي في قم ويعلله ذلك بأن حوزة قم ضعيفة من الناحية العلمية وإزالة الضعف هو ببقاء السيد البروجردي فيها، وقد قال لي يوماً: )إن من الحيف أن تفتقد حوزة قم حضور آية الله البروجردي، يا ليت الأوضاع اللازمة لمجيئه إليها تتوفر لكي يأتي). وقد كان للإمام السهم الأوفر من مساعي الإتيان بآية الله البروجردي إلى قم، كما بذل جهوداً كبيراً في التبليغ لمكانته العلمية بعد النجاح في إقناعه بالمجيء إلى قم[35].

هدفه إلهي من احترام المرجعية

في إحدى السنين وقع شك في رؤية هلال العيد، فجاء الإمام إلى بيت آية الله البروجردي وجلس إلى قبيل الظهر في غرفة سكرتير السيد البروجردي، الحاج محمد حسين الأحسني بانتظار صدور حكم آية الله البروجردي. وكان للإمام هدفٌ إلهي من القيام بجميع هذه الأعمال المعبرة عن شدة احترامه للسيد البروجردي: لكنه انقطع عن حضور درس السيد وقلل التردد على بيته في السنين الأخيرة من حياته، وصرح بعلةِ ذلك بالقول: (كان هدفنا هو أن نعرّف الآخرين بأن السيد هو المرجع العام للتقليد، وقد حققنا هذا الهدف، لذا فعلينا التوجه لدراستنا فنحن أيضاً من طلبةِ العلم)[36].

سعيد لدعم مطالب المرجعية وحفظ كرامتها

إبان رئاسة السهيلي للحكومة [الإيرانية في عهد الشاه] بعث له سماحة السيد حسين القمي رسالة طالبة فيما بإلغاء قرار الرفع الإجباري للحجاب الذي فرض في عهد رضا شاه

وأن تمنح الحرية ـ كحد أدنى ـ في ارتداء الحجاب او عدم ارتدائه، أما مطلبة الآخر فهو تدريس التشريعات القرآنية في جميع المدارس حتى الحكومية منها؛ ولكن الحكومة رفضت القبول حتى بهذا المقدار من المطالب على الرغم من أن الحكومة كانت يومذاك ضعيفة للغاية.

وكان من الطبيعي ان يبادر العلماء والحوزويون إلى بذل مساعيهم لمنع الحكومة من الاستهانة بمرجع ديني جليل مثل السيد حسين القمي وتجاهل مطالبه. وقد كنت في تلك الأيام مقيماً في البروجرد وأتذكر أن الإمام قد جاء يومها إلى بروجرد برفقة أحد علماء قم وتحدثا مع السيد البروجرد بهذا الخصوص فأرسل السيد البروجردي رسالة شديدة اللهجة إلى الحكومة هددها فيها بأنه سيتحرك لجميعة جميع عشائر منطقة (لرستان) باتجاه طهران اذا تجاهلت مطالب سماحة السيد حسين القمي، وبذلك أجبر النظام الشاهنشاهي على الرضوخ لهذه المطالب.

وقد عرفت من هذه الحادثة أن السيد الخميني، يجاهد في سبيل الدين، وقد سعى كثيراً ـ بعد ذهابي إلى النجف ـ في نقل آية الله البروجردي إلى قم وقد نجح في تحقيق ذلك في النهاية ـ وكان سبب مساعيه هذه هو أن الحوزة العلمية القمية كانت يومذاك ضعيفة للغاية ولم يكن لأي من مراجعها الثلاثة شهرة ومكانة وعظمة آية الله البروجردي الذي أدى انتقاله إلى قم إلى تقوية حوزتها من جميع الجهات [37].

 لهذا السبب دعمت مرجعية السيد البروجردي

كنا يومنا في خدمة الامام في منطقة (إمام زاده قاسم)، كان ذلك بعد أسبوع من وفاة آية الله البروجردي فقال:(ان سبب إصراري على مجيء آية الله البروجردي إلى قم هو إنه كان في قم بعض المراجع مثل آية الله الخوانساري، آية الله الحجة، آية الله الصدر، ولكن لم يكن في حوزة قم كيان يمكن اعتباره مركز قوة، للحوزة، يضاف إلى ذلك أن صفة الجامعية التي كانت في السيد البروجردي كانت مفقودة في السادة الآخرين، فقد كان يتحلى بروح قوية تمكنه من السيطرة على المسؤولين الحكوميين، ومثلاً جاء بختيار يوماً إلى هناك وكان العلماء جالسين فجلس هو على درجة ومدة رجليه فقال له المرحوم آية الله البرجردي أجلس متأدباً في حضورالعلماء !

هذه الروح لم تكن موجودة بهذه الصورة لدى السادة الآخرين).

ثم تطرق إلى حال أحد السادة وقال: )إنه يتجنب حتى الشرطي العادي فكيف يمكن ان يفكر بالسيطرة على الحكومة ؟!، ولكن هذه الروح كانت موجودة في آية الله البروجردي ولذلك ضغطت من أجل الاستفادة من قوة نفوذه بهدف إقامة الحكم الإسلامي، وإسقاط الحكومة او السيطرة عليها على الأقل )[38].

 طريقة استلامي الراتب من السيد البروجردي

كان السيد البروجردي يقدم مساعدات لأساتذة الحوزة، وكان الإمام أيضاً يستلم منها شيئاً وقد قال لي بصراحة عنها مجيباً على سؤالي بشأنها: )إن طريقة استلامي هذه الأموال منه كانت على هذه النحو: كان السيد الحاج محمد حسين المدير الاول في بيت السيد البروجردي، يأتي إلى بيتنا مرتين في العام ويقدم لي ظرفاً فيه مال من طرف السيد ).

ثم حان الوقت الذي بدأ الأمام بدفع رواتب الحوزة بنفسه، ولم يكن يقتصر على دفع الرواتب لحوزة قم بل كان يقدم المساعدت والرواتب لحوزات النجف وباكستان وأفغانستان والإمارات ومناطق اخرى كثيرة[39].

يحضر درس السيد احتراماً له

كان الإمام يحضر دروس آية الله البروجردي فقد كنت أراه في المدرسة عصراً، وأعتقد أنه لم حضوره يكن لحاجته لهذه الدروس بل كان حضروه بهدف التعبير عن احترامه السيد البروجردي [40].

ويرافقه إلى باب منزله إكراماً له

كان الإمام يحضر ـ لعدة سنين ـ دروس الفقه والأصوال التي كان يلقيها آية الله البروجردي وكان يبدي من الاحترام له أكثر من المألوف بين التلميذ وأستاذه، وكان يرافقه إلى باب منزله اذا ذهب اليه مشياً [41].

يصطحب تلامذته لحضور درس السيد البروجردي

كان الإمام يصطحب تلامذته بعد انتهاء إلقاء درسه عليهم ويذهب معهم لحضور درس المرجع الأكبر للشيعة آية الله البروجردي رغم أن عدد الذين كانوا يحضرون دروس الإمام في الفقه والأصول يومذاك يتراوح بين (400ـ 500) طالب [42].

ويحضر دروسه رغم غناه عنها

كان الإمام يحضر دروس البحث الخارج في الأصوال التي كان يلقيها السيد البروجردي رغم أنه كان يومها فقيها وأصولياً مرموقاً وغنياً عن حضور دورس الآخرين، لكنه كان يحضر دروس السيد البروجردي ويجلس في زاوية بين طلبته احتراماً له وتقوية لمكانته، وكان ذلك منه في وقت كنا ـ نحن طلبة الحوزة ـ نرى أن الإمام وآية الله البروجردي في منزلة علمية واحدة [43].

كان هدفه توقية المرجعية

جاء آية الله البروجردي إلى قم بعد وفاة المرحوم الشيخ الحائري، فكان الإمام ـ ورغم انه كان في منزلة علمية مرموقة ـ يحضر دورس السيد البروجردي بهدف تقويته وكان يقول: (إنني استفدت كثيراً من دروس السيد البروجردي )[44].

واجبي اليوم هو التدريس لا غير

أتذكر أن أحد الأصدقاء اسمه الشيخ أسد الله نور اللهي طلب من الإمام في مجلس درسه ان يتدخل في قضية انتخابات مجلس الشورى الوطني التي كانت حماها قد تصاعدت في سنة 1330هـ. ش، (1951م ) في عهد مرجعية السيد البرورجردي، وكان التنافس يومها شديداً بين مؤيدي مصدق وبين مؤيدي الشاه، ولكن أياً من المرشحين لعضوية المجلس لم يكن يحظى بتأييد من فضلاء الحوزة، ولذلك طلب صديقنا المذكور من الإمام في مجلس درسه ان يتدخل ويرشح مؤمنين ملتزمين للإنتخابات عموماً او لتمثيل قم على الأقل، ولكن الإمام اعتذر عن الاستجابة لهذا الطلب، وقال:)ان واجبي اليوم هو التدريس فقط )[45].

والنصيحة لأئمة المسلمين

لقد شاهدنا من الإمام التزاماً بصمت عظيم في عهد زعامة آية الله البروجردي استمر من يوم وصوله إلى قم إلى يوم وفاته في شهر شوال سنة 1380هـ.ق، فلم يتدخل الإمام مباشرة طوال هذه المدة في الشؤون السياسية وانصب على التدريس والتأليف والاجتهاد في تهذيب النفوس والنصيحة للمراجع وبالخصوص المرجع الأكبر المرحوم السيد البروجردي، رغم انه كان من المتوقع منه وهو مؤلف كتاب ) كشف الأسرار ) ان يواصل جهوده لتجسيد تلك الأراء السياسية التي عرضها في ذلك الكتاب خاصة مع وجود بعض الفرجة في الأجواء السياسية يومذاك، ولكن الإمام لم يقم يومها سوى بالتأليف وتربية الطلبة والتزام الصمت !.

فما الذي حدث وأدى إلى غياب صرخات الساحقة تلك وحلول صمت كامل محلها بمجرد دخول المرحوم السيد البروجردي إلى قم ؟! أن السر يكمن في أن الإمام رجل رباني تدور جميع حركاته وسكناته وكلامه وصمته حول محو القيام بالواجب الشرعي، فلم يكن واجبه ـ في ظل الزعامة العامة للمرحوم البروجردي ـ سوى )النصيحة لأئمة المسلمين )، ولذلك اكتفى في ذلك العهد بالبحث العلمي والنشاطات التربوية، فالتزامه الصمت في عهد المرحوم البروجردي هو كالتزام الإمام علي عليه السلام الصمت في عهد النبي الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.[46]

اختار العزلة تجنباً للتحزب مقابل المرجع المطلق

تجنباً للتحزب في مقابل المرجع الأعلم والمطلق في تلك الأيام اختار الإمام العزلة وملازمة البيت في معظم أوقاته، حتى دروسه كان يلقيها في بيته الذي لم يكن يخرج منه سوى لزيارة الحرم الطاهر للسيدة المعصومة (فاطمة بنت الإمام الكاظم عليه السلام)، أو الذهاب لصلاتي المغرب والعشاء في الحرم المطهر والحجرة التي فيها قبر آية الله الشهيد الشيخ فضل الله النوري او للإشتراك في مجلس العزاء الذي كان يقيمه آية الله البروجردي او لزيارة السيد البروجردي أحياناً [47].

شبيه بالمعجزة

قال الإمام مراراً عن آية الله البروجردي:(أن مايشبه الكرامة والمعجزة ان يدير شيخ كبير بهذه الصورة الجيدة الحوزة العلمية بل العالم الشيعي!)[48].

لا يجلس بالقرب من السيد البروجردي

كنت أشاهد الإمام يجلس بكل أدب وتواضع بين الطبقة المتوسطة من طلبة الحوزة بعيداً عن محل جلوس آية الله العظمى البروجردي في مجلس العزاء الذي كان يقيمه في منزله السيد البروجردي بمناسبة أيام الفاطمية من سنة 1332هـ.ش(1953م)، وكان المرحوم التربتي يرتقي المنبر في هذا المجلس.

كنت أشاهد الإمام طوال هذه الأيام التي كنت أحضر فيها مجلس العزاء المذكور، وهو يجلس متربعاً بكل أدب يصغي لما يقوله خطيب المجلس ويبقى على هذه الحالة منذ بداية المجلس إلى نهايته، وكنت أتعجب من عدم جلوسه بالقرب من المرحوم البروجردي وجلوسه بكل تواضع كمستمع عادي بين الطلبة الشباب غير المعروفين رغم ما كان يتمتع به في الحوزة من مكانه مرموقة وقدسية معروفة [49].

ادعوا إلى هنا حفظاً له من المزيد من الانحراف

أراد النظام البهلوي ـ في عهد مرجعية المرحوم السيد البروجردي ـ تشكيل مجلس )المؤسسين ) الأعيان، وكان بحاجة لأن يكون أحد أعضائه من رجال الدين، فوجه دعوة لأحد الخطباء في قم أسمه السيد البرقعي لعضوية هذا المجلس، ولم يقل السيد البروجردي شيئاً له بهذا الخصوص، فذهب الرجل إلى طهران وأجريت معه مقابلة إذاعية قال فيها: إنني ممثل لرجال الدين وقد جئت من قم ولدي ذكريات لا تنسى عن لقائي بالملك والملكة !!

وأشير هنا إلى ان الإمام كان يدعو السيد البرقعي ـ عندما يقيم مجلساً لعزاء ـ لكي يرتقى المنبر كآخر خطباء التعزية في المجلس، ولذلك قلت للإمام: لماذا تدعون ياسيدي هذا السيد إلى صعود المنبر في مجلسكم وهو يتعاون مع السلطة ؟! أن هذا الأمر يؤذي الأهالي، فأجابني الإمام:) إنني أدعوه للخطابة هنا حفظاً له من المزيد من الأنحراف ! اذا لم ندعه نحن فيستوجه نحو السلطة الحاكمة )ويقع في أحضانها ).

ثم نقل لي الإمام فيما بعد هذه الحادثة قال: )عندما سمعت كلامه عبر المذياع كنت أرقد في البيت لإصابتي بمرض )حمى مالطا)، ورغم ذلك استدعيته وقلت له: ما هذا الكلام الذي قلته عبر الإذاعة ؟! فأنكره وقال: إنني لم أقل بأنني ممثل لرجال الدين في قم، بل قلت إنني أحد رجال الدين في قم )ولم يكن إنكاره صحيحاً ).ثم أن الإمام قال له: )أن لم يكن قد قلت ذلك فعليك أن ترتقي المنبر في المسجد الأعظم وتقول:إنني لم أقل:أنا ممثل لرجال الدين في قم، بل قلت: انا أحد رجال الدين:اما إذا لم تفعل فأنني سأرتقي بنفسي المنبر في المسجد الأعظم وأقول ما أريد قوله )!!

ثم قال الإمام: (لقد إضطر الرجل بالتالي إلى أن يرتقي المنبر في المسجد الأعظم وينكر ذلك القول، وهذا الامر أدى إلى أن لا يكون اعتماده على السلطة الحاكمة)، وقال الإمام أيضاً: (لقد أبقيته في مجلسي لكي لا يخطب في مجالس اخرى ويتفوه بكلام تأييدي للشاه)[50]

يقدم النصائح للمرجعية بشأن القضاي الحساسة

كانت تلاحظ منذ البداية خصوصيات في الإمام لم تكن موجودة في غيره من العلماء، فمثلاً شارك ـ في عهد مرجعية السيد البروجردي ـ ثلاثة أشخاص من إيران في مؤتمر فيّنا، وأحد هؤلاء الثلاثة كان من رجال الدين أسمه السيد علي أكبر البرقعي، وقد استغل أعضاء حزب (توده) الحزب الشيوعي الإيراني مجيء البرقعي إلى قم وخوجوا في مظاهرت ضد الإسلام وعلمائه والإسلاميين، فاختار السيد البروجردي الإمام ممثلاً عنه لحل المشكلة في قم، فأشار الإمام بلزوم نفي السيد البرقعي عن قم، وقد تم نفيه بالفعل إلى مدينة )يزد ).ولم يكن الإمام يبدي رأيه في القضايا المختلفة في عهد مرجعية السيد البروجردي لكنه كان يقدم له النصائح في القضايا الحساسة [51].

إذا وافق السيد روح الله فهو الأفضل

قبل انتفاضة )15)خرداد كان آية الله العظمى السيد البروجردي يقول لتجار سوق طهران كلما راجعوه طالبين أن يعين لهم إماماً لجماعة مسجد السوق:إذا وافق سماحة السيد روح الله تولي مهمة إمامة هذا المسجد فهو الأفضل، لكنهم عندما كانوا يراجعون الإمام في ذلك كان يرفض ويقول: (أريد أن أبقى طالباً للعلم أدرس وأدرس)[52]

ثقة المرجعية بالإمام

كان آية الله البروجردي يحترم الإمام كثيراً، مثلما أن الإمام كان يحترمه كثيراً، كان السيد البروجردي يحب الإمام كثيراً ويكلفه بالمهمات الحساسة، فمثلاً أرسله عند وقوع حادثة مشهد إلى هذه المدينة كممثل عنه وبصلاحيات كاملة في مهمة لحل المشكلة استغرقت شهرين، كما أرسله أيضاً في مهمة مماثلة إلى مدينة نهاوند لحل مشكلة وقعت فيها [53]

هذا الشخص لا يصلح سكرتيراً لي

أمر آية الله البروجردي مرة بالعثور على سكرتير له يكون معمماً وحسن الخط، وقد وجدوا ما طلب بعد بحث طويل وعرفوه له فقال: ليأت إلى هنا لكي أراه عن قرب، فحضر يوماً مجلس السيد البروجردي وكان الإمام حاضراً عنده فجلس هذا الشخص في مكان أعلى من الإمام، ولما ذهب قال السيد البروجردي:لا أريد استخدام هذا الشخص، وعندما سألوه عن السبب قال: إن من يجلس أعلى من سماحة السيد روح الله لا يصلح سكرتيراً لي [54]

استشارة السيد البروجردي للإمام

يقول حجة الإسلام والمسلمين السيد عباس المهري: كنت يوماً عند المرحوم آية الله البروجردي عندما جاء للقائه ممثل للحكومة وطلب الحصول على موافقته على قرار كانت الحكومة في صدد تنفيذه: فقال آية الله البروجردي: سأبلغ الحكومة جوابي بعد إجراء المشاروات اللازمة مع بعض العلماء.

تساءلت ـ في نفسي ـ أي علماء قم سيستشيره السيد البروجردي في أمثال هذه القضايا؟ ولم يطل انتظاري كثيراً فقد رأيت بعد فترة وجيزة الإمام الخميني يدخل إثر استدعاء السيد البروجردي له، ثم دخلا في غرفة خاصة لتبادل الآراء والتشاور في خلوة، بهذا الشأن، وبعد ساعة بعث المرحوم البروجردي برسالة تضمنت موقفه من طلبها.

وإضافة إلى استشارة السيد البروجردي للإمام في القضايا السياسية المهمة، كان يدعوه احياناً للإشتراك في مباحثاته التي كان يجريها أحياناً مع المسؤولين الحكوميين أو كان يوكله ممثلاً عنه للتفاوض مباشرة مع ممثل الحكومة أو مسؤوليها [55]

التزام الصمت ابتغاء لرضا الله

ينقل أحد الأصدقاء الحادثة التالية, يقول: تحدثت للإمام يوماً عن بعض النقائص والأخطاء فقال لي: (أن حامل الراية اليوم هو آية الله العظمى البروجردي، فلا يجب علينا التصدي لشيء في هذه الأوضاع ).

لقد التزم الإمام الصمت في عهد مرجعية المرحوم آية الله البروجردي ابتغاء لرضا الله، ثم قال بعد وفاته: (لقد وقعت المسؤولية الان على عواتقنا، فلا يجوز لنا السكوت، يجب أن نتكلم وان تعلو صرختنا وان نوعي الناس على حقائق الأمور)[56]

اهتمامه بمركزية الموقف الحوزوي

لم يكن الإمام يتدخل أبداً في شؤون الحوزة في عهد مرجعية السيد البروجردي، وكان يقول: (للحوزة رئيس يجب الرجوع إليه). وأتذكر أن عدد من الأصدقاء زاروا الإمام عندما ضرب رئيس شرطة قم أحد فضلاء حوزة قم وعلمائها هو الشيخ حسن الطهراني، ولما أخبروه بالحادثة قال لهم: ) للحوزة رئيس، فراجعوه وأخبروه بما جرى ).ولم نفهم يومها سر موقف الإمام وكنا نتساءل باستمرار: لماذا لم يتدخل الإمام في هذه القضية ؟لكننا اليوم ـ وبعد مضي كل هذه السنين ـ أدركنا مغزى قول الإمام [57]


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net