متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
شرح البيت الثالث والخمسين
الكتاب : اللآلي العبقرية في شرح العينيّة الحميرية    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر

[53]

 

الحِمْيَريُّ مادِحُكُمْ لَمْ يَزَل * وَلَوْ يُقَطَّع اصبع اصبعُ

اللّغة:

«الألف واللام» للعهد.

«الحميريّ» نسبة إلى حِمْيَر كدرهم، وهو ابن سبأ بن يشحب بن يعرب بن قحطان وهو من ملوك اليمن وأوّل ملوكه سبأ، وقيل: يعرب. قيل: وإنّما سمي حميراً لكثرة لبسه الثياب الحمر.

و هو أوّل من وضع من ملوك اليمن على رأسه التاج تاج الذّهب.

وحميَر أيضاً موضع غربي صنعاء.

و لعلّه سمّي باسم حمير الملك.

و يحتمل أن تكون النسبة إليه وقد خفّفت ياء النسبة للضرورة، وقد كرهوا تخفيف المشدّد إذا كان في غير القافية إلاّ أنّه جائز.

«المدح» هو الثناء على الجميل اختياريّاً كان أو غيره، و قيل: يختصّ بالاختياري.


( 568 )
الخطاب يحتمل أن يكون إلى أهل البيت صلوات اللّه عليهم وإن لم يجر لهم ذكر; لحضورهم بالبال، وذكر أوّلهم و سيّدهم أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، وأن يكون إلى الشيعة وهو الأظهر لفظاً.

«زال» من الأفعال الناقصة وهو: زال يزال، فالماضي أصله «زَوِل» كعلم، فأمّا زال يزول وزاله يزيله أي فرقه، فتامّان. و قيل: إنّ الناقصة أيضاً يائية.

وحكى سيبويه وأبو الخطاب عن بعض العرب: ما زيل يفعل كذا، فنقل كسرة الواو إلى ماقبلها ثمّ قلبها ياء لسكونها وانكسار ما قبلها كقيل المبني للمفعول، وهو ملزوم للنفي إلاّنادراً، فقد يقال شاذّاً: زلت أفعل كذا، بحذف حرف النفي، كما في (تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) (1) ومعناه الاستمرار والدوام، فإنّ الزّوال نفي، فإذا نفي تأكّد الإثبات.

ويحتمل أن يكون ما في البيت تامّة فحينئذ يكون بضمّ الزاي من زال عن الشيء، أي ذهب.

وعلى التقديرين فالمراد الاستمرار في جميع الأزمنة، أو تخصيص الماضي لأنّ غرضه الاستعطاف والاستشفاع.

والأنسب بهما ما حصل منه من المدح، أو لعدم الوثوق بالحياة والتوفيق للمدح فيما بعد، ولا يأتي هذا صحة الأوّل، فإنّ مثل هذه العبارة شائع، بمعنى أنّه إن يفي ويوفّق له، كان كذا.

«الواو» حالية، أو للاعتراض، أو للعطف على اختلاف في كلّواو قبل«لو» أو «ان» الوصليتين.والحقّ أنّ «لو» و «إن» باقيتان على الشرطيّة وعلى اقتضاء

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- يوسف:85.


( 569 )
الجواب، وأمّا الواو فيحتمل أن تكون للحال على أن يكون ما بعدها من الجملة الشرطية بتمامها حالاً، وهذا مذهب الزمخشري.

وأن تكون(1) للاعتراض، و هذا مذهب مختار نجم الأئمّة رحمه اللّه بناءً على ما ذهب إليه من جواز الاعتراض في آخر الكلام.

و أن تكون للعطف على مقدّر، و هو مذهب الشيخ عفيف الدين أبي حفص عمر بن عثمان الخبزي في المسائل العشرين، والمقدّر جملة شرطية أُخرى شرطها نقيض المذكور وقد بسطنا الكلام في ذلك في كتابنا «منية الحريص على فهم شرح التلخيص» وفّقنا اللّه سبحانه لإتمامه.

ثمّ إنّ «لو» كما عرفت أصلها المضي(2) وإن دخلت على المضارع.

ولكن المراد بـ«لم يزل» إن كان الاستمرار في جميع الأزمنة، فلا بدّ من أن يكون المراد بـ«لو يقطع» أيضاً إمّا الاستمرار أو الاستقبال كما لا يخفى.

 

الإعراب:

« الحميري»: مبتدأ «مادحكم» خبره، أو صفة، ولمّا كان اسم الفاعل هنا للاستمرار كانت إضافته معنويّة مفيدة للتعريف فجاز وصف المعرفة به.

«لم يزل» خبر آخر، أو هو الخبر، فإن كان ناقصاً كان خبره مقدّراً، أي «لم يزل كذلك» أي: مادحاً لكم، وإن كان تامّاً قدّر له متعلّق، أي «لم يزل عن مدحكم».

ويحتمل على رأي من جوّز تقديم خبر مازال وأخواتها عليها وهم الكوفيون وابن كيسان: أن يكون «مادحكم» منصوباً خبر «لم يزل» ، والجملة

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- أي «و يحتمل أن تكونالواو».
2- إلى هنا تنتهي إحدى النسخ المعتمدة التي بأيدينا.


( 570 )
خبر «الحميري».

المصراع الأخير: إن كان اعتراضاً لم يقدّر إلاّ جواب الشرط أي «يقطع لمدحكم» إن كان «لم يزل » ناقصاً، أو «لم يزل عن مدحكم» إن كان تامّاً، وذلك لأنّه على الأوّل يكون قرينة الجواب «مادحكم»إن كان خبر «لم يزل» وإلاّفمادحكم المقدّر خبراً له.

و على الثاني يكون قرينة «لم يزل» و «لو» هذه بمنزلة «لو» في نحو قوله:«لو لم يخف اللّه لم يعصه» بمعنى استمرار الجزاء على تقديري الشرط وجر نقيضه،بل على تقدير النقيض أولى، وإن كان حالاً قدّر مع ذلك مبتدأ تكون الجملة الشرطية بتمامها خبراً له، أي: وهو لو يقطع لمدحكم; وذو الحال إمّا الحميري أو الضمير في «لم يزل».

و إن كان معطوفاً قدّر مع الجواب شرطية أُخرى: لو لم يُقَطَّع لمَدحكم ولو يُقَطَّع لمدحكم.

وأمّا الجزم بـ«لو»، فقيل: إنّه لغة و قيل بجوازه في الشعر، كقوله:

لَوْ يَشَأ طارَ بِـهِ ذُو مَيْعَــة * لاحِق ُ الآطالِ نَهْدٌ ذُو خُصَـلْ(1)

و قوله:

نامت فؤادك لم يحزنك ماصنعت * إحدى نساء بني ذهل بن شيبانا

و قد خرج الأوّل على لغة من يقول شا يشا بألف ثمّ أُبدلت الألف همزة ساكنة كما قيل: العالم والحاتم، و كما وجّه به قراءة ابن ذكوان منسأته بهمزة ساكنة.

و الثاني على أنّ ضمة الإعراب سلب تخفيفاً كقراءة أبي عمير، و ينصركم

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البيت عزاء في الحماسة لامرأة من بني الحارث، و قالالعيني: هو لعلقمة. شرح شواهدالمغني:2/664 الشاهد 422.


( 571 )
ويأمركم ويشعركم.

«اصبع»: فاعل «يقطع»أي مفعوله القائم مقام الفاعل، وفيه مجاز حذف، أي مثل اصبع، أي ما يكون بقدرها في الصغر، أو يجوز بالأصبع نفسه عن مثله فالمجاز في اللفظ.

و «اصبع» الثاني معطوف على الأوّل بحذف حرف العطف، وهنا ظرف مقدّر، أي يقطع منه اصبع اصبع، أو يقطع اصبع اصبع منه، فالمحذوف على الأوّل متعلّق بالتقطيع، وعلى الثاني صفة الفاعل وفيه تقدير آخر في اللفظ، أو العناية، وهو قوله على المدح ولو لم يلزم الاصرار لكان الظاهر اصبعاً اصبعاً على التمييز أو الحال كما لا يخفى.

المعنى:

إنّي مادحكم أهل البيت أو أيّتها الشيعة ولم أزل كذلك ، أو لم أزل و لاأزال كذلك، أو لم أزل عن مدحكم أو لم أزل ولا أزول، أو الحميري الذي هو مادحكم لم يزل الخ، ولو قطّع منّي مثل اصبع واصبع حتى قطّع كلّي كذلك لم أزل عن مدحكم أو لمدحتكم، أو و الحال أنّي لو قطع مني الخ. أو وأنا لو قطّع منّي. إلخ.

والحاصل أنّه لو قطع اصبعاً اصبعاً على المدح لم يزل عنه.

المعاني:

فيه مسائل:

الأُولى: عدم التصريح باسمه للتحقير والوزن.

الثانية: تقديم «مادحكم» على «لم يزل» إن كان خبراً له، للاهتمام والوزن


( 572 )
والتوجيه والتأكيد، فإنّ لم يزل يتضمّن ذكره مرّة أُخرى تقديراً.

الثالثة: الوصف بمادحكم إن كان صفة للافتخار والاستعطاف والاستشفاع والتنبيه على اشتهاره بأنّه مادحهم، حتى أنّه يوضّحه نفسه بهذاالوصف، لأنّ الغالب في وصف المعرفة التوضيح، وليكون قرينة على المحذوف، وللتأكيد المستفاد من التكرير الذي عرفته.

الرابعة: حذف خبر «لم يزل» أو متعلّقه; للإيجاز والتوجيه من جهة نفسه ومن جهة «مادحكم».

الخامسة: الإتيان بالمضارع بعد «لو» للتنصيص على إرادة الاستقبال، أو ليكون قرينة على إرادة الاستمرار، فإنّ المضارع أقرب إليه من الماضي والاستمرار، للاستمرار فيما علّق عليه وهو المدح، وإن أراد الزّمان الماضي فالإتيان به لاستحضار تلك الحالة وجعلها نصب عينه.

البيان:

في «لم يزل» تجوز إن كان تامّاً فإنّ الزوال عن الشيء بمعنى الذهاب والمدح ليس ممّا يتحقّق عنه ذهاب حقيقي، ويجوز آخر إن أُريد به الاستمرار، وكذا لو يقطع إن أُريد به الاستمرار.

وفي «اصبع» إمّا يجوز في اللفظ، أي استعارة مصرّحة، أو يجاز حذف كما عرفت.

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net