وفق الحكمة، وكذا يقال على الفعل المطابق للحكمة، وكذا على الفعل المطابق لما ينبغي أويجب.
والمراد هنا إمّا الاعتقاد الحقّ، أو الدِّين الحقّ، أو أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه لكونه الإمام الحقّ، أو اللّه سبحانه، أو الثابت، أو المطلق لما يجب.
«الفاء» للعطف أو فصيحة أو زائدة.
«لا» حرف موضوع للنهي، أي طلب ترك الفعل، أو الكفّ عن الفعل على اختلاف في ذلك.
«الجزع» ضدّ الصبر. وقال الراغب: الجزع أبلغ من الحزن، فإنّ الحزن عامّ، والجزع هو حزن يَصرِفُ الإنسانَ عمّا هو بصدده ويقطَعُهُ عنه، وأصل الجزع قطع الحبل من نصفه، يقال: جَزَعتُهُ فانجزع، و لِتَصوُّر الانقطاع منه. قيل: جَزعٌ الوادي لِمُنْقَطَعِهِِ، ولانقطاع اللّون بتغيّره،. قيل للخَرَز المتلوّن :جَزْعُ، وعنه استعير قولهم: «لَحْمٌ مُجَزَّع» إذا كان ذا لونين. و قيل للبسرة إذا بلغ الإرطاب نصفَها: مُجَزَّعَةٌ
. انتهى.
«بذاك» إمّا مفعول به لـ«جاء»، أو متعلّق به، وهو إن كانت الباء للسببية، أو بمعنى «في».
«من ربّنا» إمّا لغو متعلّق بـ «جاء»، أو مستقرّ حال عن الوحي.
«شيعة الحقّ» منادى مضاف منصوب إمّا بـ«يا» لقيامها مقام «ادعو»، أو لكونها اسم فعل، أو بـ«ادعو» مقدّراً لازم الحذف، على اختلاف في ذلك، والإضافة لامية أو بيانيّة، بمعنى الشيعة الّذين هم الحقّ أي الثابتون في التشيّع، أو
1- مفردات الراغب: 92 «جزع».
( 561 )المطابقون أي المطابق اعتقادهم لما يجب، أو أهل الحقّ تسمية لهم باسم ما يتلبّسون به من الحقّ.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
أو «شيعة» منادى مفرد مبني على الضم لإفراده وتعريفه، وإنّما بني لوقوعه موقع الكاف الاسمية المشابهة للكاف الحرفية لفظاً و معنى، فإنّ : يا زيد، بمعنى: أدعوك، و هذه الكاف ككاف ذلك، ولم يبن المضاف لأنّ المضاف إليه بمنزلة التنوين في الاختصاص بالاسم، فلا يؤثّر معه مناسبة المبنيُّ الأصل، ولأنّه بالتركيب لا يشبه الكاف المفردة، ولم يبن المنكر لعدم المشابهة من جهة النكارة.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
وإنّما بني على الحركة، لأنّه لو بني على السكون لأوهم الوقف والانقطاع عمّا بعده، مع أنّه إنّما ينادى للمصلحة التي بعده.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
وإنّمابني على الضمّ لأنّه لو بني على الكسر لتوهّم أنّه مضاف إلى ياء المتكلّم فحذفت ياؤه واقتصرت على الكسرة.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
وأمّا الفتح، فقد كان له قبل البناء، فلو بني على الفتح لتوهّم أنّه الإعراب . هذا رأي الجمهور.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
وعند الكسائي أنّه معرب مرفوع لتجرّده عن العوامل اللفظية، لا أنّ التجرّد عامل فيه، بل بمعنى أنّه لما لم يكن فيه سبب للبناء أُعرب.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
ثمّ لو جرّ لالتبس بالمضاف إلى ياء المتكلّم.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
ولو نصب لالتبس بغير المنصرف، فرفع ولم ينوّن، للفرق بينه وبين ما رفع بعامل رافع، وإنّما نصب المضاف وشبهه للطول، ولأنّ المنصوب في كلام العرب أكثر.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
وقال الفرّاء: أصل: يا زيد، مثلاً يا زيداً، بالألف ليكون المنادى بين صوتين ثمّ اكتفي بالصوت الأوّل وحُذف الثاني فصار كالغايات فبني على الضم، و إنّما نصب المضاف لقيام المضاف إليه مقام الألف.
( 562 )![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
وقد ينوّن المنادى المفرد المعرفة للضرورة، كقوله:
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
سلامُ اللّهِ يا مَطَــرٌ عَلَيهــا ولَيْسَ عَليكَ يا مَطَرُ السلاَّمُ
(1)
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
و اعلم أنّ المراد بالمفرد هنا ما لا يكون مضافاً ولا مشابهاً له، سواء كان مفرداً أو مثنّى أو مجموعاً، إلاّ أنّ المثنّى والمجموع لا يبنيان على الضمّ، بل على الألف والواو.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
وذهب بعض الكوفيين إلى تشبيههما بالمضاف فنادوهما بالياء، نحو: يا زيدَين و يا زيدِين .
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
هذا في الجمع بالواو والنّون، وأمّا غيره من الجموع، كـ«الشيعة» فلا شبهة في كونها كالواحد، وعلى هذا فـ«الحقّ» صفة للمنادى يجوز فيه الرفع حملاً على لفظ المتبوع; والنّصب على محلّه.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
قال نجم الأئمّة رضي اللّه عنه: فإن قلت: فَلِمَ لَمْ يجز بناء التوابع المفردة ولا سيّما الوصف منها كما جاز في: لا رجل ظريف، فكتب يقول: يا زيد الظريف، واللاّم لا تمنع البناء كما لم تمنع في الخمسة عشر.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
قلت: إنّما جاز ذلك في «لا» لأنّ المنفي في الحقيقة هو الوصف لا الموصوف فكان لا باشرت الوصف، وذلك لأنّ معنى لا رجل ظريف فيها : لا ظرافة في الرّجال الّذين فيها، فالمنفي مضمون الصفة، فهي لنفي الظرفاء لا نفي الرجال، فكأنّه قيل: لا ظريف فيها، بخلاف يا زيد الظريف، فإنّ المنادى لفظاً ومعنى هو المتبوع. فبان الفرق.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
على أنّه أورد الأخفش في مسائله الكبير أنّ بعضهم يقول في الوصف وعطف البيان، نحو: يا زيد الطويل، ويا عالم زيد: إنّهما مبنيان على الضمّ كما في
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البيت للأحوص الأنصاري، شرح ابن عقيل: الشاهد 307.
( 563 )البدل. انتهى.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
وعن الأصمعي: أنّه لا يوصف المنادى المضموم، لشبهه بالمضمر الذي لا يجوز وصفه، فنحو«الظريف» في :يا زيد الظريف، إذا ارتفع، خبر أنت مقدراً، وإذا انتصب مفعول أعني مقدّراً.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
وفيه أنّه لا يلزم من شبهه بالمضمر كونه مثله في جميع أحكامه، ثمّ إفراد«الحق» على هذا التقدير لكونه في الأصل مصدراً يستوي فيه الواحد وغيره، أو لكونه وصفاً بحال المتعلّق وفاعله مقدّر أي: الحقّ تشيعهم أو اعتقادهم.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
ويجوز أن يكون «الحقّ » خبر مبتدأ محذوف أي أنتم الحقّ، أو دينكم الحقّ، أو مبتدأ خبره محذوف، أي: الحقّ معكم، وأن يكون مفعولاً لمقدّر، أي الزموا الحقّ أو لزمتم الحق، أو خبر كان محذوفاً، أي: كنتم الحق.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
وعلى كلّ تقدير يحتمل فيه الحقّ عليهم فإمّا المراد به أهل الحقّ، أو يكون «الأهل» مقدراً مضافاً ففيه مجاز حذف، أو لا تقدير ولا عناية، وذلك ظاهر عند ملاحظة معاني«الحق».
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
ثمّ إنّ المنادى له قد يتقدّم على النداء وقد يتأخّر، تقول: قم يا زيد، وتقول: يا زيد قم.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
والوجهان هنا محتملان، فإنّه يجوز أن يكون المنادى له قوله: «بذاك جاء الوحي من ربّنا».
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
ويجوز أن يكون قوله:«فلا تجزعوا» وأن يكون قوله:«الحق» إذا كان جملة برأسها.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
فعلى الأوّل يكون «الفاء» في «فلا تجزعوا» للعطف على المنادى له.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
وعلى الثاني يجوز أن تكون فصيحة والتقدير: إذا كان الأمر كذلك فلا تجزعوا، وأن تكون زائدة، وأن تكون للعطف على مقدّر، أي أبشروا فلا تجزعوا، أو
( 564 )لا تجزعوا فلا تجزعوا، فيكون مبالغة في النهي عن الجزع.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
والثّالث يكون للعطف على جملة «الحق» .
المعنى:
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
يا أتباع الدِّين الحقّ وأنصاره أو أنصار اللّه، أو أتباع أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه وأنصاره، أو أيّتها الشيعة من الثابتين في التشيّع أو المطابق اعتقادهم لما يجب أو من أهل الحقّ، أو يا شيعة أي المسمَّون بهذا الاسم الذين هم الحقّ أي أهله، أو الثابتون في التشيّع، أو المطابق اعتقادهم لما يجب; أتى من ربّنا الوحي، أي القرآن أو كلام اللّه غيره، أو انزاله تعالى الكلام بالّذي ذكر، من أنّ شيعة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يُروَوْن من الحوض ولا يُمنعون، أو بجميع ما ذكر من أحوال الشيعة وإمامهم واصدادهم، أو أتى به الوحي حال كونه من ربّنا، أي الوحي الّذي من ربّنا، أو أتى فيه الوحي أو بسببه: فلا تجزعوا، أو: «بذاك جاء الوحي من ربّنا يا شيعة الحق» إذا كان الأمر كذلك فلا تجزعوا، أو أبشروا فلا تجزعوا، أو لا تجزعوا فلا تجزعوا، أو يا شيعة أنتم الحقّ أو أهل الحقّ أو معكم الحق أو دينكم الحق أو الزموا الحقّ أو لزمتم الحق أو كنتم الحق أو أهل الحق فلا تحزنوا.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
ثمّ إن كان المراد بالوحي هو القرآن فمعنى إتيانه بذلك أنّ الآيات الناصّة بوجوب اتّباع أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه وهلاك من خالفه ولم يتواله، كثيرة، فهي تدل على نجاتهم وهلاك مَن عداهم.
المعاني:
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
فيه مسائل:
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
الأُولى: التعبير عن «في» بالباء إن كانت بمعناها ، للإيجاز والوزن والتوجيه.
( 565 )![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
الثانية: الإشارة بما وضع للقريب لتنزيل القرب الذكري منزلة المكاني وللتنبيه تنبيه على أنّ ما ذكر ينبغي أن يكون نصب عين المؤمن حاضراً في ذهنه ليستبشر به ويقوى في دينه.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
الثالثة: تقديم «بذاك» على «جاء» للاعتناء بشأن المشار إليه، ولتقريب اسم الإشارة من المشار إليه، ولا سيما واسم الإشارة موضوع للقريب وللوزن.ويجوز أن يكون للحصر خصوصاً، إذا كانت الباء للسببيّة، فإنّ غاية الغايات للبعث والإنزال والتبليغ إنّما هو الإيمان وإثابة المؤمنين، فما ذكر هو السّبب حقيقة للوحي، وغيره وسائل إليه وأسباب له. وإن كان
(1) الباء للتعدية أو الظّرفية
صحّ الحصر أيضاً بهذا الاعتبار، فإنّه لما كان العمدة فكأنّه ما أتى إلاّ به أو في شأنه .
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
الرابعة: العدول عن : وحي ربّنا إلى «الوحي من ربّنا» إن كان «من ربّنا» حالاً عن «الوحي» للإيضاح بعد الإبهام.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
الخامسة: زيادة«من ربّنا» لزيادة التنصيص مزيد التقرير والتثبيت لما ذكر والتعظيم له.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
السادسة: إفراد الحق: إذا كان محمولاً عليهم مع ما ذكر من الوجه، للإيماء إلى أنّهم بمنزلة شخص واحد، أو ينبغي أن يكونوا كذلك في الاجتماع على الحقّ وفي انتصار بعضهم ببعض، وكونهم يداً على من سواهم.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
البيان:
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
«الباء» إن كانت بمعنى «في» كانت استعارة، واستعمال اسم الإشارة الموضوع للإشارة الحسّية في المعاني استعارة تشبيهاً للحضور الذهني، أو الذكري بواسطة ذكر ألفاظها بالحضور الخارجي اسناداً لمجيئ إلى الوحي مجازي أو الوحي
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- ذُكّر على تقدير «إن كان حرفالباء».
( 566 )مجاز، أو المجيئ استعارة تبعيّة، أو في الوحي مجاز في الحذف إن كان المراد بالحق الباري سبحانه كان نسبة الشيعة إليه مجازية، فإنّ أنصار اللّه بمعنى أنصار دينه أو أوليائه، أو فيه مجاز في الحذف.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
وإن كان الحقّ صفة للشيعة أو كان الإضافة بيانية احتمل أن يكون «الحقّ» مجازاً عن أهله، وأن يكون فيه مجاز الحذف.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
ثمّ نصّ الناظم رحمه اللّه على نفسه واستعطف واستشفع ضمناً وافتخر صريحاً; بأنّه مادح أهل البيت صلوات اللّه وسلامه عليهم أو مادح شيعتهم على اختلاف احتمال فقال: