متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
شرح البيت الخمسين
الكتاب : اللآلي العبقرية في شرح العينيّة الحميرية    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر

[50]

 

موْلّىً لَهُ الجَنَّةُ مَأْمُــورَةٌ * والنّارُ من إجلالهِِ تَفزَعُ

اللغة:

«اللام» للاختصاص أو الاستحقاق أو شبه التملّك.

«الألف واللام» للعهد أو الاستغراق ، وكذلك الألف واللام في «النار» فإنّ لجهنّم أيضاً منازل و دركات كما للجنّة درجات و مساكن لا تحصى.

«من»للتعليل.

«الإجلال» التعظيم، أي العد جليلاً.

المراد بـ«النار» إمّا معناها الحقيقي، أو أهلها، أو المراد بالفزع ليس معناها الحقيقي، بل يكون مجازاً عن مطواعيتها له، والمطواعية مجازاً عن تحقّق مراده ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فيها، بأن يدخلها من شاء ولا يدخلها من شاء، أو النار مضاف محذوف أي أهل النار.

الإعراب:

«مولى» خبر «هو» مقدراً.


( 542 )
«له» متعلّق بـ«مأمورة».

«الجنّة» مبتدأ «مأمورة» والجملة صفة لـ«مولى»، ويحتمل أن يكون «له» ظرفاً مستقرّاً و«الجنة» فاعله، والجملة صفة لـ«مولى» و «مأمورة» تمييزاً، كـ:«فارساً» في : للّه دره فارساً، وحينئذ فاللاّم تحتمل غير الاختصاص.

ثمّ إنّ «مأمورة» إمّا أن يكون نزل بالنسبة إلى المفعول الثاني الذي يتعدّى إليه بالباء منزلة اللازم، أو يقدّر باتّباعه أو امتثال أمره.

جملة المصراع الثاني إمّا عطف على جملة الصفة فيكون من عطف إحدى الصفتين على الأُخرى، أو يكون العطف قبل الوصفية حتى تكون الصفة مجموع الجملتين فإنّ المجموع بمعنى مطاع الجنّة و النار.

وإمّا عطف على جملة المصراع الأوّل فيكون من عطف أحد الخبرين على الآخر.

«النار» مبتدأ خبره «تفزع»، و على تقدير مجاز الحذف في التقدير مضاف إليه مقدّر.

«من إجلاله» متعلّق بـ «تفزع» ومفعوله الذي يتعدّى إليه بمن محذوف، أي منه أو منزل منزلة اللازم، أي يحصل لها الفزع والذعر من جهة إجلاله.

المعنى:

«هو» أي حيدر ـ صلوات اللّه عليه ـ مولى الجنّة المعهودة، أي جنّة الآخرة أو الجنان كلّها مأمورة له بإطاعته، أو الجنّة مخصوصة به أوحقّ له أو ملك له من حيث المأمورية، أي مأموريته مخصوصة به أو حقّ له أو ملك له، و النار المعهودة أي نار جهنم أو نيران جهنّم كلّها تخاف و تذعر منه لإجلاله وتعظيمه.

والحاصل أنّ كلاًّ من الجنّة والنار مطيع له وأنّه قسيمها . والأخبار الناصّة بذلك لا تحصى كثرة من طرق العامّة والخاصّة، ولا بأس بالتبرّك بذكر بعض من


( 543 )
ذلك:

فقد روى الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري في «بشارة المصطفى لشيعة المرتضى» بإسناده إلى ابن عبّاس: لمّا فتح اللّه على نبيّه مدينة خيبر قدم جعفر ـ عليه السَّلام ـ من الحبشة، فقال النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ :لا أدري أنا بأيّهما أُسرّ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر. وكانت مع جعفر ـ عليه السَّلام ـ جارية فأهداها إلى عليّ ـ عليه السَّلام ـ ، فدخلت فاطمة ـ عليها السَّلام ـ بيتها فإذا رأس عليّ ـ عليه السَّلام ـ في حجر الجارية، فلحقها من الغيرة ما يلحق المرأة على زوجها، فتبرقعت برقعتها ووضعت خمارها على رأسها تريد النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ تشكو إليه عليّاً ـ عليه السَّلام ـ .

فنزل جبرئيل ـ عليه السَّلام ـ على النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فقال له: «يامحمد إنّاللّه يقرؤك السّلام ويقول لك: هذه فاطمة أتتك تشكو عليّاً فلا تقبلنَّ منها. فلمّا دخلت فاطمة ـ عليها السَّلام ـ قال لها النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : ارجعي إلى بعلك وقولي له رغم أنفي لرضاك.

فرجعت فاطمة فقالت: يا ابن عم رغم أنفي لرضاك. فقال عليّ ـ عليه السَّلام ـ : يا فاطمة شكوتيني إلى النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ واحياءاه من رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، أُشهدك يا فاطمة أنّ هذه الجارية حرّة لوجه اللّه في مرضاتك، وكان مع عليّ ـ عليه السَّلام ـ خمسمائة درهم فقال: وهذه الخمسمائة درهم صدقة على فقراء المهاجرين و الأنصار في مرضاتك.

فنزل جبرئيل ـ عليه السَّلام ـ على النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فقال: يا محمد اللّه يقرؤك السّلام ويقول: بشّر علي بن أبي طالب بأنّي قد وهبت له الجنّة بحذافيرها لعتقه الجارية في مرضاة فاطمة، فإذا كان يوم القيامة يقف على باب الجنّة فيُدخل من يشاء الجنة برحمتي و يمنع منها من يشاء بغضبي، وقد وهبتُ له النّار بحذافيرها لصدقته الخمسمائة


( 544 )
درهم على الفقراء في مرضاة فاطمة فإذاكان يوم القيامة يقف على باب النّار فيدخل من يشاء النار بغضبي ويمنع من يشاء منها برحمتي.

فقال النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ::بخ بخ مَن مثلك يا عليّوأنت قسيم الجنّة و النار.(1)

وروى ابن شيرويه الديلمي في «الفردوس» عن كتاب الاحسن والمحسن للصفواني، في خبر طويل،عن إسحاق بن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جدّه، عن آبائه صلوات اللّه عليهم قال: قال النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : وينزل الملكان، يعني: رضوان ومالك، فيقول مالك: إنّ اللّه أمرني بلطفه و منّه أن أسعر النيران فسعرتها، وأن أغلق أبوابها فغلقتها، وأن آتيك بمفاتيحها فَخُذْها يا محمد، فأقول: قد قبلت ذلك من ربّي فله الحمد على ما منّ به عليّ، ثمّ أدفعها إلى عليّ.

ثمّ يقول رضوان: إنّ اللّه أمرني بمنّه ولطفه أن أُزخرف الجنان فزخرفتها، وأن أغلق أبوابها فغلّقتها، وأن آتيك بمفاتيحها فخذها يا محمّد، فأقول: قد قبلت ذلك من ربّي فله الحمد على ما منّ به عليّ، ثمّ أدفعها إلى علي، فيتنزل عليّ وبيده مفاتيح الجنة ومقاليد النار فيقف علي بحجزتها ويأخذ بزمامها و قد تطاير شررها وعلا زفيرها وتلاطمت أمواجها فتناديه النار:جزني يا عليّ فقد أطفأ نورك لهبي، فيقول لها عليّ: أُتركي هذا وَلِيّي، و خُذي هذا عدوّي ، وإنّ جهنم يومئذ لأطوع لعلي من غلام أحدكم لصاحبه.(2)

وروى الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن بابويه رحمه اللّه في كتاب «علل الشرائع والأحكام» بإسناده عن سماعة بن مهران قال: قال أبو عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ : إذا كان يوم القيامة وضع منبر يراه جميع الخلائق، يقف عليه رجل يقوم ملك عن يمينه وملك

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- بشارة المصطفى: 101.
2- مناقب آل أبي طالب:92، والبحار:39/204.


( 545 )
عن يساره، فينادي الذي عن يمينه: يا معشر الخلائق هذا عليّ بن أبي طالب صاحبالجنّة يدخل الجنّة من شاء، و ينادي الذي عن يساره: يا معشر الخلائق هذا علي بن أبي طالب صاحب النار يدخلها من شاء.(1)

وروى في «عيون أخبار الرضا» باسناده عن أبي الصلت الهروي قال: قال المأمون للرضا ـ عليه السَّلام ـ : يا أبا الحسن أخبرني عن جدّك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السَّلام ـ بأيّوجه هو قسيم الجنّة والنار و بأيّ معنى فقد كثر فكري في ذلك؟ فقال له الرضا ـ عليه السَّلام ـ : يا أمير المؤمنين ألم ترو عن أبيك ، عن آبائه، عن عبد اللّه بن عباس أنّه قال: سمعت رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يقول: حُبّ عليّ إيمان وبغضه كفر؟ فقال: بلى، فقال الرّضا ـ عليه السَّلام ـ : فقسمة الجنة والنار إذا كانت على حبّه وبغضه فهو قسيم الجنّة و النّار.

فقال المأمون: لا أبقاني اللّه بعدك يا أبا الحسن أشهدك أنّك وارث علم رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ . قال أبو الصلت الهروي: فلمّا انصرف الرضا ـ عليه السَّلام ـ إلى منزله أتيته فقلت له : يابن رسول اللّه ما أحسن ما أجبت به أمير المؤمنين، فقال لي الرّضا ـ عليه السَّلام ـ : إنّما كلّمته من حيث هو، ولقد سمعت أبي يحدّث عن آبائه عن عليّ ـ عليهم السَّلام ـ أنّه قال: قال لي رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : يا عليّ أنت قسيم الجنّة والنّار يوم القيامة تقول للنار هذا لي و هذا لكِ.(2)

وروي في العلل باسناده عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق ـ عليه السَّلام ـ : لمَ صار أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب قسيم الجنّة والنّار؟ قال: لأنّ حبّه إيمان وبغضه كفر، وإنّما خلقت الجنة لأهل الإيمان،

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- علل الشرائع: 1/164 ح4.
2- عيون أخبارالرضا: 1/92 ح 30.


( 546 )
وخلقت النار لأهل الكفر، فهو ـ عليه السَّلام ـ قسيم الجنّة والنار، لهذه العلّة فالجنة لا يدخلها إلاّأهل محبّته ، والنار لا يدخلها إلاّ أهل بغضه.

قال المفضل: فقلت: يابن رسول اللّه فالأنبياء والأوصياء ـ عليهم السَّلام ـ كانوا يحبّونه وأعداؤهم كانوا يبغضونه؟

قال: نعم.

قلت: فكيف ذلك؟ قال: أماعلمت أنّ النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قال يوم خيبر: لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبُّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله ما يرجع حتى يفتح اللّه على يديه، فدفع الراية إلى عليّ ـ عليه السَّلام ـ ففتح اللّه عزّوجلّ على يديه؟

قلت: بلى. قال: أما علمت أنّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ لمّا أتى بالطائر المشوي قال: اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي من هذا الطائر، وعنى به عليّاً ـ عليه السَّلام ـ ؟

قلتُ: بلى. قال: فهل يجوز أن لا يحبّ أنبياء اللّه ورُسُله وأوصياؤهم ـ عليهم السَّلام ـ رجلاً يحبّه اللّه ورسوله ويحبّ اللّه ورسوله؟

فقلت له: لا، قال: فهل يجوز أن يكون المؤمنون من أُممهم لا يحبّون حبيب اللّه وحبيب رسوله وأنبيائه ـ عليهم السَّلام ـ ؟

قلت: لا، قال: فقد ثبت أن جميع أنبياء اللّه ورسله وجميع المؤمنين كانوا لعليّ بن أبي طالب ـ عليه السَّلام ـ محبّين، وثبت أنّ أعداءهم والمخالفين لهم كانوا لهم ولجميع أهل محبّتهم مبغضين؟

قلت:نعم . قال: فلا يدخل الجنّة إلاّ من أحبّه من الأوّلين و الآخرين ولا يدخل النار إلاّمن أبغضه من الأوّلين والآخرين، فهو إذن قسيم الجنة و النار.


( 547 )
قال المفضّل بن عمر: فقلت له: يا بن رسول اللّه فرّجت عني فرّج اللّه عليك فزدني ممّاعلّمك اللّه.قال: سل يا مفضّل .

فقلت له: يا ابن رسول اللّه فعليّ بن أبي طالب ـ عليه السَّلام ـ يُدخل محبّه الجنّة ومبغضه النار؟ أو رضوان و مالك؟.

فقال: يا مفضّل أما علمت أنّ اللّه تبارك و تعالى بعث رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وهو روح إلى الأنبياء ـ عليهم السَّلام ـ وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام؟ قلت: بلى.

قال: أما علمت أنّه دعاهم إلى توحيد اللّه وطاعته واتّباع أمره ووعدهم الجنّة على ذلك، وأوعد مَن خالف ما أجابوا إليه وأنكره النار؟ قلت: بلى.

قال: أفليس النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ضامناً لما وعد وأوعد من ربّه عزّوجلّ؟ قلت: بلى.

قال: أو ليس علي بن أبي طالب ـ عليه السَّلام ـ خليفته وإمام أُمّته؟ قلت: بلى.

قال: أو ليس رضوان ومالك من جملة الملائكة المستغفرين لشيعته الناجين بمحبّته؟ قلت: بلى.

قال: فعلي بن أبي طالب إذن قسيم الجنّة و النار عن رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، ورضوان ومالك صادران عن أمره بأمر اللّه تبارك و تعالى.

يا مفضّل خذ هذا فإنّه من مخزون العلم و مكنونه لا تخرجه إلاّ إلى أهله.(1)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- علل الشرائع 1/162 ـ 163.


( 548 )

المعاني:

فيه مسائل:

الأُولى : تنكير «مولى» للتعظيم.

الثانية: تقديم «له» على مابعده إن كان متعلّقاً بـ«مأمورة»، للحصر و الوزن والتوجيه وتقريب الضمير من مرجع والابتداء بالعائد في الصفة والتبرّك، لرجوع الضمير إلى من تبرّك باسمه وصفاته، وكذا تقديم «مِن إجلاله» على «تفزع» وفيه رعاية القافية أيضاً.

الثالثة: إن كان «مأمورة» تمييزاً ففيه إيضاح بعد إبهام.

البيان:

إن كان «مأمورة» تمييزاً فإسناد «له» إلى «الجنّة» مجازي فإنّ فاعله حقيقة هو المأمورية : مأموريّة الجنة، إمّا بمعناه الحقيقي، لجواز أن يجعلها اللّه قابلة للخطاب والأمر، وإمّا بمعنى تعلّق التقدير الإلهي كماعرفت سابقاً، وكذا نسبة الفزع إلى النار إمّا بمعناها الحقيقي، أو النّار مجاز عن أهلها، أو فيه مجاز الحذف أو الاسناد مجازي، أو الفزع مجاز عن المطواعية المراد بها تحقيق ما أراده ـ عليه السَّلام ـ فيها.

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net