متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
شرح الأبيات الثامن والثلاثين الى الأربعين
الكتاب : اللآلي العبقرية في شرح العينيّة الحميرية    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر

[38 ـ 40]

 

إذا دَنََوا منه لِكَيْ يَشْرَبُــوا * قيلَ لَهُمْ تَبّاً لَكُمْ فَارْجِعُوا

دُونَكُمْ فالْتَمِسُــوا مَنْهـلاً * يرويكُمُ أو مَطْعَمـاً يُشبعُ

هذا لمَنْ والى بني أحمدا * و لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمُ يُتْبَعُ

اللّغة:

«إذا» إمّا ظرفية محضة، أو متضمّنة لمعنى الشرط.

«دنا» دنواً و دناوة: قرب كأدنى وحقيقة القرب في المكان، ثمّ استعمل في الزمان وفي الرّتبة.

«من» للتعدية.

«اللام» للتعليل.

«كي» على وجهين: اسم مخفف«كيف» قال:

كي تجنحون إلى سلم وماثئــرت * قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم(1)

وحرف ينتصب بعده المضارع فسيبويه على أنّه النّاصب والخليل والأخفش على أنّ الناصب «أن» مقدّرة.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- مغني اللبيب: 1/182، رقم 301، و مجمعالبحرين: 4/87.1.


( 478 )
ثمّ إنّ سيبويه والأكثرين على أنّه قد يكون حرفاً جارّاً للاسم والكوفيّون على أنّه يختص بالفعل فلا يكون جارّاً أبداً، وقيل: إنّه لا يكون إلاّ جارّاً وهو رأي الأخفش، فالذين قالوا: إنّها قد تكون ناصبة وقد تكون جارّة قالوا: إنّه قد تتقدّم «اللاّم» نحو (لِكَيْلا تَأسَوْا)(1) فحينئذ لابدّ من أن تكون ناصبة، بمعنى أن«لا» جارّة بمعنى «لام» التعليل والاسم يدخل عليها «لام» التعليل وما في البيت من هذا القبيل، وقد يكون بعدها«أن» المصدرية الناصبة فلابدّ من أن تكون بمعنى «لام» التعليل.

وكذلك إذا انتصب بعدها الفعل وليس هناك «لام» ولا «أن» وكذلك إذا كان بعدها «ما» الاستفهامية فيقال: «كيمه» بمعنى «لمه» ولا يجرّ الاسم الصريح إلاّهنا وأمّا نحو: «كي لتقضيني، فاللام عندهم زائدة مؤكّدة لـ«كي»، أو بدل منها، كما أنّ «أن» في نحو قولهم: لكنّما أو كيما أن أفعل تأكيد أو بدل، لكون «كي» هنا بمعنى «أن» و إبدال الحرف من الموافق له في المعنى واقع، كما قيل في قوله: «فثمّ إذا أصبحت أصبحت عادياً».(2)

إنّ ثمّ بدل من الفاء، والّذين قالوا إنّها لا تكون إلاّ جارّة يعتذرون في نحو ما في البيت بزيادة اللام. واعتذر الكوفيّون النافون لكونها جارّة عن نحو«كيمه» بأنّها ناصبة لمقدّر، كأنّه قال القائل فعل كذا لكذا، فقال: كيمه؟ أي: كي تفعل ماذا؟ ولا تتصرّف تصرّف «أن» فلا تقع مبتدأ، ولا فاعلاً، ولا مفعولاً، ولا مجروراً إلاّ باللام، ويجوز تأخير معلول مابعدها عنها فتقول: كي أزورك جئتك.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الحديد: 23.
2- شطر بيت نُسب إلى زهير كما جاء في ديوانه: 106 و كامله:

أراني إذا ما بتُّ بتُّ على هوىً * و أنّي إذا أصبحت ُ أصبحتُ غادياً

و قالالإصمعي: ليست لزهير، و قيل: هي لصرمة الأنصاري ولا يشبه كلام زهير.


( 479 )
«الشّرب» : بالحركات الثلاث والضمّ أشهر: تناول كلّ مائع ماءً كان أو غيره. شرب يشرب كعلم يعلم وأشربته أنا.

«اللام»: للتبليغ،وقيل: للتعدية، كما عرفت.

«الفاء» إمّا زائدة على القول بجواز زيادتها كما في قوله:

لا تَجْزعي إن مُنْفِسٌ أَهْلَكْتُهُ * فإذا هَلَكْتُ فَعِنْدَ ذَلِكِ فَاجْزِعِي(1)

أو فصيحة، أي هي بما في حيزها جواب لشرط مقدّر، أي إذا طردتم عن الحوض فارجعوا.

أو للاستئناف على ما قيل من إتيانه لذلك كقوله: «ألم تسأل الربع القواء فينطق».

أو للعطف على مقدّر، أي ارجعوا فارجعوا، كما قيل في قوله: «أنت فانظر لأي ذاك تصير» إنّ التقدير انظر فانظر.

«دونكم» إمّا اسم فعل وهذه الصيغة من اسم الفعل جاء متعدّياً، يقال: دونك زيداً، أي خذه، وجاء لازماً أي تأخّر، والأمران هنا محتملان، أو ظرف متعلّق بـ«التمسوا» المذكور بعده وتكون الفاء زائدة كما في «فعند ذلك فاجزعي» أو متعلّق بـ«التمسوا» مقدّراً، أي(2) دونكم التمسوا فالتمسوا.

«التمس» الشيء طلبه، وأصله طلب الشيء والفحص عنه باللّمس.

«النهل» ـ محرّكة ـ: الشرب الأوّل، نهلت الإبل كفرحت نهلاً ومنهلاً، والمنهل: المورد والموضع الّذي فيه المورد.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البيت للنمير بن تولب يجيب فيها امرأته و قد لامته عليالتبذير، . شرح ابن عقيل: الشاهد: 157، التبيان للطوسي:5/174.
2- في المخطوط: «أين» ويحتمل وقوع الخطأ أثناء النسخ. والواضح أنّ المقصود ما أثبتناه لعدم استقامة المعنى بالأُولى.


( 480 )
«روي» كرضي ريّاً، وروي أي شرب ما يكفيه، وكذلك ارتوى وتروّى وهو ريّان وهي رياء، وارويته ورويته،أي جعلته ريّان.

«الطعم» والطعام: تناول الغذاء،طعمه كسمعه، والمطعم اسم مكان له قيل: وقد يستعمل في الشرب، كما في قوله تعالى:(وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنّي) .(1)

«الشبع» كعنب ضدّالجوع، شبع خبزاًأو من الخبز كسمن وأشبعته أنا.

«اللام» للاختصاص أو الاستحقاق أو الملكية.

«من» موصولة أو موصوفة.

«تولّى» فلاناً وتوالاه ووالاه، أي اتّخذه وليّاً أي محباً أو قيّماً بأُموره وأولى به من غيره أو أحبّه أو أتبعه.

«غير» اسم لازم الإضافة وربّما حذف ما أُضيف إليه لفظاً وهو منوي إذا تقدمه«لا» أو «ليس» فيقال: عندي درهم لا غير أو ليس غير، بالضم فيهما تشبيهاً له بالغايات، خلافاً للأخفش فإنّه يقول: إنّها ضمة إعراب، وقد يقال: ليس غيراً وليس غيرٌ بالتنوين، وقد يقال: ليس غيرَ ـ بالفتح من غير تنوين ـ بجعله خبر ليس منوياً معه المضاف إليه، وله معاني:

أحدها: أن يكون بمعنى مغاير وحينئذ يكون صفة غالباً، نقول: جاءني رجل غير زيد.

ومنها: أن يكون بمعنى «إلاّ» كقولك: جاءني القوم غير زيد.

ومنها: أن يكون بمعنى «لا» كقوله تعالى:(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَباغ)(2) وقولك: عندي زيد غير عمرو، وعليك بالحركة غير السكون، وأنا زيداً غير

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البقرة:249.
2- البقرة:173 والأنعام:145 والنحل:115.


( 481 )
ضارب. والمراد هنا هو المعنى الأوّل أو الثاني.

«تبعه» كعلمه تبعاً وتباعة: مشى خلفه واقتدى به في أعماله وامتثل أوامره، وانتهى عن مناهيه، وهذان المعنيان مأخوذان من الأوّل.

الإعراب:

«إذا» إن كانت ظرفية كانت مضافة إلى الجملة بعدها وتعلّقت بـ«قيل»، وإن كانت شرطية ففيها الخلاف الذي عرفته.

ضمير «دنوا» يرجع إلى القوم السابق ذكرهم، وهم الّذين لم يرضوا بالوصي وخالفوا ما أوصاهم به النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، والضمير في «منه» عائد إلى الحوض أو الكوثر.

«لكي يشربوا» متعلّق بـ«دنوا» والشّرب متعلّق مقدّر، أي يشربوا منه.

«تبّاً لكم» إلى آخر البيت الثالث، مرفوع المحل على أنّه قام مقام فاعل القول، وإعراب «تبّاً لكم» قد مضى فيما سبق.

«فارجعوا» إمّا عطف على «ارجعوا» مقدّراً أو مستأنف وله متعلّق مقدّر، أي ارجعوا عنه.

«دونكم» إن كان ظرفاً تعلّق بـ«التمسوا» المذكور أو المقدّر إن كان المذكور عطفاً على المقدّر، وإن كان اسم فعل فإن كان بمعنى خذوا كان له مفعول مقدّر، أي دونكم منهلاً، فحذف بقرينة المذكور أو تنازع «هو» و«التمسوا» في المذكور، وإن كان بمعنى تأخّروا، فلا مفعول له وأصل اسم الفعل هذا ظرف، فأصل«دونك زيداً»: دونك زيد فخذه، ثمّ حذف«فخذه» واستغنى بالباقي، ثمّ لما قام الباقي مقام المحذوف تضمّن معنى خذ فنصب «زيد» و قيل: دونك زيداً،


( 482 )
بمعنى خذه، ثمّ الكاف التي فيه مجرور المحل كما كانت كذلك، وقيل إنّه لا محلّ لها بل إنّما هي حرف خطاب كالتي في جهلك، والكسائي على أنّها في موضع نصب، والفراء على أنّها في موضع رفع.

ثمّ إنّهم اختلفوا في أسماء الأفعال، فالأخفش على أنّه لا محل لها من الإعراب، ونسب ذلك إلى الجمهور وسيبويه والمازني وأبو علي الدينوري على أنّها في موضع نصب فما كان منها منقولاً عن المصادر فعلى المصدرية، وما كان منها منقولاً عن الظروف فعلى الظرفية استصحاباً لحالتها السابقة.

وقيل: إنّها مرفوعة المحال على الابتداء واستغنت بالضمير المستكن فيها عن الخبر كما استغنى نحو: «قائم» في :أقائم الزيدان؟ بالفاعل عن الخبر. ثمّ إنّها عند جماعة معارف; لكونها أعلام جناس. وفصل جماعة فقالوا: إنّ ما لزمه التنوين منها كونها نكرة ولم يدخله التنوين ألبتة كبله معرفة، وما يدخله تارة ولا يدخله أُخرى كمه، نكرة إذا نوّن ومعرفة إذا لم ينوّن.

«فالتمسوا» إمّا مستأنف وهو إذا كان فاؤه الاستئناف وكان «دونكم» اسم فعل، أو كانت الفاء زائدة و«دونكم» ظرفاً متعلّقاً به أو عطف على «التمسوا» مقدّراً، أو على «دونكم» إذا كان بمعنى تأخّروا أو خذوا، فإنّه في قوّة أن يقال: تأخّروا فالتمسوا منهلاً أو خذوا منه منهلاً فالتمسوا منهلاً.

«يرويكم» صفة لـ«منهلاً».

«يشبع» صفة لـ«مطعماً» بمعنى يشبعكم،فحذف المفعول أو نزل منزلة اللازم، أي يحصل الشبع.

جملة البيت الأخير استئناف، كأنّهم قالوا: لم تطردنا عنه، فقيل: لأنّ هذا . الخ.


( 483 )
«هذا» مبتدأ خبره ما بعده.

«غيرهم» إمّا مفعول لـ«يتبع» من غير تفريع، أو مفعوله الذي فرع له الفعل، وهو إذا كان «غير» بمعنى «إلاّ» فانّ الاستثناء، حينئذ يكون مفرغاً ، أي يتبع النّاس أو أحداً أو نحو ذلك إلاّ إيّاهم.

المعنى:

إنّ أُولئك القوم إذا قربوا من الحوض أو الكوثر لأن يشربوا منه قيل لهم: هلاكاً وخسراناً لكم ارجعوا عن هذا المنهل، اطلبوا عندكم مورداً يرويكم أو مطعماً يشبعكم أو يحصل به الشبع، أو تأخّروا فاطلبوا أو خذوا منهلاً آخر فاطلبوا أو اطلبوا فاطلبوا، أي اطلبوا مرّة بعد أُخرى.

وفي قوله «مطعماً يشبع»: إشارة إلى أنّ الحوض أو الكوثر كما يروي يشبع أيضاً، والأمر كذلك كما عرفت من الأخبار، ثمّ يعلّل لهم ذلك ويجاب عن سؤالهم عن علة ذلك; بأنّ المنهل ـ أي الحوض أو الكوثر ـ ملك من أحبّ أو اتّبع بني أحمد المصطفى ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ من الأئمّة الهداة صلوات اللّه عليهم و لم يكن يتبع من غايرهم، أو لم يكن يتبع أحداً إلاّإيّاهم. وهذا الحصر إضافي بالنسبة إلى من ضادّهم.

أو يقال: إنّ اتّباع أتباعهم داخل في اتّباعهم وموافقهم أو مخصوص لهم أو حقّهم، وموالاة بنيه يستلزم موالاة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، و لذا اكتفى بذلك عن الإفصاح به، وقد عرفت من الأخبار ما يفصح بهذا المضمون و به أخبار لا تحصى كثرة من طرق الخاصة والعامّة مذكورة في مواضعها.


( 484 )

المعاني:

فيه مسائل:

الأُولى: بُني القول للمجهول تعظيماً للقائل ولعدم تعيّنه، فإنّه كما يكون أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يجوز أن يكون الملائكة والمؤمنين أيضاً، ولأنّه لو نسبه إلى أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه لتوهّم ربطه بما تقدّم من حديث الذبّ وليس كذلك، بل إنّما يتعلّق بما سبق من قوله«لا هم عليه يردوا حوضه» والأبيات العشرة معترضة في البين، لبيان الحوض وصفاته.

الثانية : تقديم «دونكم» على «فالتمسوا» إن كان متعلّقاً به، أو على «التمسوا» المقدّر إن تعلّق به الحصر بالإضافة إلى الحوض، أو الكوثر والتوجيه.

الثالثة: تقديم «غيرهم» على «يتبع» للوزن والقافية وتقريب الضمير من مرجعه ولشرافتهم المقتضية لتقديمهم وهذا على تقدير أن يكون «غير» بمعنى «إلاّ».

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net