2- شرح الرضي: 4/194.
( 406 )وغيَّظه فتغيّظ، وأغاظه وغايظه. وفي الصحاح إنّه غضبٌ كامنٌ للعاجز.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
«الفعل» ـ بالفتح ـ: هو التأثير، و ـبالكسر ـ هو الأثر، وكلّ منهما عام لما كان عن علم، أو لا عن قصد، أو لا عن إنسان أو حيوان أو نبات أو جماد أو غير ذلك.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
«ما» حرف يؤتى به لكفّ ما قلبها عن العمل فيما بعدها. وأمّا بحسب المعنى فهي زائدة، وزعم ابن درستويه وبعض الكوفيين أنّها نكرة مبهمة بمنزلة الضمير في نحو: ربه رجلاً. وهي اسم لمكان ونحوها. والجملة بعدها مفسّرة لها وخبر كان، ولم تحتج الجملة إلى رابط، كما لم تحتج مفسّراً لضمير الشأن والقصة لأنّها هي ما في المعنى.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
وذهب جماعة، منهم: الزجّاجي والزمخشري، إلى جواز الإعمال مع «ما» هذه في جميع الحروف المشبّهة بالفعل، وعن الزجاج تجويز ذلك في غير «إن» و «أن» و«لكن».
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
«الآناف»: جمع «أنف» وهو العضو المعروف، ويُجمع على أُنُوف وآنف أيضاً.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
«الجدع» قطع الأنف أو الأُذن أو اليد أو الشفة. جدعه: كمنعه فهو أجدع، والأُنثى جدعاء.
الإعراب:
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
«ظلّ» إمّا ناقصة اسمها «قوم» والجملة بعده صفة له، والمصراع الثاني خبر، أو الجملة الأُولى خبر، والمصراع الثاني صفة لمصدر مقدّر، أي «غاظهم غيظاً كأنّما آنافهم تجدع»أي شبيهاً بغيظهم إذا جدعت آنافهم . فقد ولي حرف التشبيه غير
( 407 )المشبه به ممّا يدلّ عليه وذلك كثير، كقوله تعالى:
(كُونُوا أَنْصارَ اللّهِ كَما قالَ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ)(1) الآية.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
أو «ظلّ» تامّة بمعنى أقام نهاره، و حينئذ فالجملة الأُولى صفة «قوم» والثانية حال عنه.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
ثم إن كانت «ما »كافّة كما هو الشائع المشهور; ف آنافهم مبتدأ خبره «تجدع».
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
وإن كانت «كان» باقية على عملها فهما اسمها وخبرها.
المعنى:
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
المراد بـ «ظلّ» إمّا مجرّد الصيرورة، أو عنى بالنهار المفهوم منه مدّة أعمارهم، فإنّ مدّة العمر بل مدّة الدنيا، بمنزلة نهار واحد; لقصرها وزوالها، أو لتشابه أجزائها في أكثر الأحكام، أو عنى ذلك النهار الذي وقع فيه النصب حسب، وتخصيصه مع دوام ذلك في سائر الأيّام، لأنّ الغيظ في أوّل وقوع المكروه أشدّ وأقوى كما لا يخفى، يعني: وصار قوم أغضبهم ـ أو أغضبهم في الغاية ـ فعل النبيّ
ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ و هو نصبه الخليفة، مشبّهين بهم إذا جدعت آنافهم في شدّة الغيظ والألم، أو الذلّ والحقارة وذهاب البهاء، أو صاروا كذلك في تمام عمرهم أو في يومهم ذلك، أو صار قوم منهم مغيظين بفعله غيظاً شبيهاً بغيظهم إذا جدعت آنافهم، أو أقام نهارهم قوم غاظهم فعله حال كونهم مشبّهين بهم إذا جدعت آنافهم .
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الصف:14.
( 408 )
المعاني:
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
فيه مسائل:
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
الأُولى: العدول عن «صار» إلى «ظلّ» إن كان بمعناه للتوجيه.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
الثانية: تنكير قوم لإبهامهم وإن كان بعضهم مما يعلم منهم ذلك، فإنّ إبهام البعض كاف في إبهام الجميع، ولتحقيرهم أو لتقليلهم كما فهم ذلك من الأضلع والآناف.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
الثالثة: تقديم مفعول الغيظ لكونه ضميراً وأصله الاتّصال، ولا داعي إلى الانفصال، وللوزن وللقريب إلى المرجع،وتقريب عائد الموصوف إليه للاهتمام بربط الصفة به.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
الرابعة: كفّ «كان» عن العمل ممّا للوزن، ولتبعيد الجملة التي بعدها صورة عن أن يدخلها«كان» إبهاماً لكون مضمونها محقّقاً، وتبعيد الـ«ما» ليس في الحقيقة مشبّهاً به عن موضع المشبّه به، أعني ما يلي «كان»، وإن كانت «ما» زائدة لا كافّة فهي لتأكيد الشبه مع الاشتمال على نوع تبعيد«ما» من التبعيدين المقصودين.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
الخامسة: إيثار الآناف على الأُنوف والأنف، للوزن والتقليل كما في إيثار الأضلع.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
السادسة: إيثار الجملة الاسمية على الفعلية، لأنّ مراده بجدع الآناف: التألّم والتوجّع أو الذلّ والمهانة وزوال البهاء، فأراد الدلالة على ثبات ذلك ودوامه، وللوزن والقافية.
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
السابعة: تخصيص الجدع بـ«آنافهم»، لأنّ الأنف أدخل في الذّلّ وفي إزالة البهاء، وبذلك يزداد التألّم فإنّه ينضاف إلى الجمساني منه الروحاني.
( 409 )![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
الثامنة: الإتيان بالمضارع لئلاّ يتوهّم انقضاء المراد بجدع الآناف، ولاستحضار تلك الحال العجيبة الشأن، وإبهام أنّهم كافّة يتحدّد لهم جدع الآناف زماناً فزماناً، ويطرأ ذلك فيهم وهو يقوي شدّة الألم الحاصل به وأنّه لا سلو لهم ولا مجال لاستراحتهم.
البيان:
![](http://www.imamsadeq.org/book/sub8/al-homeyria/blank.gif)
إسناد الغيظ إلى فعله
ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ مجاز وحقيقة، غاظهم النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بفعله التشبيه، الذي فيه تشبيه مفرد بمفرد، فإنّه إمّا تشبيههم وهم غائظون بفعله بهم وهم مجدوع آنافهم أو تشبيه حالهم بحال أُخرى لهم. ثمّ إن كان المصراع الثاني خبر «ظل» كان جميع أركان التشبيه مذكورة سوى الوجه، فهو باعتبار إهمال الوجه ممّا يسمى مجملاً. وكذلك إن كان حالاً أو كان الخبر هو الجملة الأُولى فإنّ المشبّه وإن لم يكن ملفوظاً إلاّ أنّه في حكم الملفوظ. وكذا المشبّه به على كلّ حال ليس ملفوظاً وإنّما هو في حكم الملفوظ.