متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
شرح البيت الحادي والعشرين
الكتاب : اللآلي العبقرية في شرح العينيّة الحميرية    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر

[21]

 

فاتّهمُوهُ وخَبَـــتْ فيهِــم على خلاِفِ الصّادق الأضلُعُ

 

اللغة:

«الفاء» إمّا للعطف المتضمّن للسببية ، أو المجرّدة.

«اتّهم» فلاناً بكذا: أدخل عليه التهمة كهمزه، أي ما يتّهم عليه، وأصل التهمة الوهمة. ومعناه في الأصل ما يتوهم فيه خلاف ما عليه الأمر في نفسه.

«الواو»: إمّا للعطف، أو الحال.

«الخبوّ» سكون لهب النهار، وخبت النار تخبو، وأخبأها صاحبها، وخبت الناقة إذا كانت جديدة فسكنت.

ويحتمل أن يكون ما في البيت :«حنّت» بالحاء المهملة فالنّون من حنوت عليه أي عطفت، ويقال: فلان أحنى الناس ضلوعاً عليك، أي أشفقهم عليك.

وأن يكون مخفّف خبأت، أي سترت كما قيل: الخب في الخبئ.

«الخلاف» والاختلاف والمخالفة أن يأخذ كلّ واحد طريقاً غير طريق الآخر في حاله أو فعله، وكأنّه من الخلف ضدّ القدّام، وأنّه أن يكون كلّ واحد منها خلف الآخر.


( 401 )
«الألف واللام» للعهد الخارجي.

«الصدق» في الأصل إنّما هو مطابقة القول الخبري للواقع كما هو المشهور، أو الاعتقاد كما قيل، أو كليهما كما قيل. وتحقيق القول في ذلك و تمييز الحقّ من غيره موكول إلى ما يليق به من الكتب إلاّ أنّ الحقّ هو الأوّل، إلاّ أنّه ربّما ينبغي الصدق إذا انتفى الاعتقاد، وربما يثبت إذا ثبت الاعتقاد وإن خالف الواقع، ومعنى ذلك حقيقة أنّه ليس بصادق أو صادق في اعتقاده. وربّما ينسب الصدق إلى الكلام الإنشائي لتضمّنه معنى كلام خبري.

«الأضلعُ» جمع ضلع كجذع و عنب، و يجمع أيضاً على أضلاع و ضلوع، ويجمع أضلاع على أضالع، ويقال منه ضلع الشيء ضلعاً إذا اعوجّ فصار كالضلع، و رمح ضلع، و حمل مضلِع أي ثقيل على الأضلاع، و أكل و شرب حتى تضلّع أي تملا ما بين ضلوعه وهو ممّا يتعيّن تأنيثه، و الألف و اللام فيه للعهد، أي أضلعهم.

الإعراب:

جملة «فاتّهموه»: عطف على جملة «لم يرضوا ولم يقنعوا» إن كانت الفاء عاطفة، والجملة التي بعدها إمّا عطف عليها أو حال عن فاعلها، بتقدير «قد» أو لا بتقديرها، كلٌّ من الظرفين لغو متعلّق بـ«خبت»، والأضلع فاعل له.

و«الصادق» إمّا منزل منزلة اللازم، أو التقدير الصادق فيما قال في الخطب.

المعنى:

لما لم يرضوا ولم يقنعوا بما قاله النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ اتّهموه في ذلك و قالوا: ليس ذلك عن وحي من اللّه سبحانه بل إنّما كان عن هوى من النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ـ والعياذ باللّه ـ


( 402 )
وسكنت أي قامت وثبتت عليمخالفة الصادق فيما قاله أو من شأنه الصدق أبداً.

«أضلعهم» أي عزموا في قلوبهم على الخلاف أو عطف أضلعهم على الخلاف فبوّأته و أوته في جوفها أو سترت عليه فأضمرته في جوفها.

روى الثعلبي وغيره في تفسير قول اللّه تعالى: (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذاب واقِع)(1): سئل سفيان بن عيينة عن قول اللّه عزّوجلّ:(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذاب واقِع) في من نزلت؟

فقال: لقد سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك : حدّثني جعفر بن محمّد، عن آبائهعليهم السَّلام قال: لمّا كان رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بغديرخُم ناديالناس، فاجتمعوا، فأخذ بيد عليّ ـ عليه السَّلام ـ فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه. فشاع ذلك وطار في البلاد فبلغ ذلك الحارث بن النعمان، فأتى رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ على ناقته حتّى أتى الأبطح، فنزل عن ناقته فأناخها وعقلها، ثمّ أتى النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ـو هو في ملأ من أصحابهـ، فقال: يا محمّد أمرتنا عن اللّه أن نشهد أن لاإله إلاّاللّه وأنّك رسول اللّه فقبلنا منك، وأمرتنا أن نصلّي خمساً فقبلناه منك، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلناه منك، و أمرتنا أن نحجّالبيت فقبلناه، ثمّ لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضّلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه، وهذا شيء منك أم مناللّه؟

فقال: والّذي لا إله إلاّ هو إنّه من أمر اللّه.

فولّى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللّهمّ إن كان ما يقوله محمّد حقّاً فأمطر علينا حجّارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فما وصل إليها حتى رماه اللّه بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره. وأنزل اللّه سبحانه و تعالى:

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- المعارج: 1.


( 403 )

(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذاب واقِع * لِلكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ)(1) . (2)

المعاني:

فيه مسائل:

الأُولى: حذف المفعول الثاني لـ«الاتّهام»، للاختصار والتنبيه على أنّ من اتّهمه في هذا الأمر فقد اتّهم في كلّ ما جاء به، لأنّ المانع من الاتّـهام مشترك بين الجميع وهو النبوّة الموجبة للصدق في جميع الأقوال، ولأنّ الكفر بشيء ممّا جاء به النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ كفرٌ بالجميع، ولأنّ هذا الأمر لعِظَمِه وكونه العمدة في الدين بحيث إذا لم يصدّق به لم يفد معه تصديق غيره، فالكافر به في حكم الكافر بالكلّ.

الثانيـة: حذف «قد» من الجملة الحالية، للإيجاز والوزن والتوجيه.

الثالثـة: تقديم الظرفين على الفاعل، للوزن والقافية والاهتمام.

الرابعة: تقديم الظرف الأوّل على الثاني لتقريب الضمير من مرجعه، والاهتمام للتعجّب والتعجيب والوزن والقافية، ولئلاّ يتوهّم تعلّقه بالخلاف أو الصادق إن أُخّر عن الظرف الثاني دون الفاعل، ولئلاّ يفصل به بين معمولي الفعل.

الخامسة: حذف معمول الصادق للإيجاز والوزن والتوجيه، والدلالة على أنّهصلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم لكماله في الصدق بحيث لا ينصرف الذهن من إطلاق الصادق إلاّ إليه.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- المعارج:1ـ2.
2- خصائص الوحي المبين: للحافظ ابنالبطريقالربعي: 89 ح 24 عن تفسيرالثعلبي المخطوط: ص 78.


( 404 )
السادسة: إيثار الأضلع على الضلوع و الأضلاع، للدلالة على قلّتهم بالنسبة إلى من لم يضمر الخلاف، فإنّه جمع قلّة و كان الأمر كذلك، أو نزّل حقارتهم منزلة قلّتهم، وللوزن.

البيان:

إمّا أن يكون مثل إضمارهم الخلاف في قلوبهم التي هي أضلعهم بثبوت أضلعهم وسكونها على الاحتواء والانطواء عليه، أو بعطفها عليه فيكون استعارة في المركّب أو شبه مجرد الاشتمال عليه بعطفها عليه فيكون استعارة تبعيّة، أو أسند الستر إلى الأضلع مجازاً وهو في الحقيقة فعل أصحابها.

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net