متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
شرح البيت الخامس الى السابع
الكتاب : اللآلي العبقرية في شرح العينيّة الحميرية    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر


[5 ـ 7]

لمّا وقَفنّ العِيسُ في رَسْمِها * وَالعَينُ مِنْ عِرفانِهِ تَدْمَعُ

ذكرتُ من قَد ْكُنْتُ ألْهُو بهِ * فَبتُّ وَالقَلْبُ شَـــجٌّ مُوجَعُ

كأنّ بِالنّــارِ لما شَفَّنِـــــي * مِنْ حُبِّ أروى كبدي تلذع

اللغة:

«لمّا» على وجوه: اسم، وحرف مركّب من كلمتين ومركب من ثلاث كلمات.

فالاسم مصدر «لم» إذا وقف عليه نصباً.

والمركّب من كلمتين كما في قوله:

لمّا رأيتُ أبا يَزيدَ مُقاتِلاً * أَدعَ القِتالَ وأَشْهَدَ الهَيْجاءَ

فإنّ أصل «لمّا» فيه «لنما» قلبت النون ميماً وأُدغمت(1) في الميم و«ما»

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- و نظير ذلك في الألغاز، قوله:
عافت الماء في الشتاء فقلنا * برّديه تصادفيه سَخينا

فيقال كيف يكون التبريد سبباً لمصادفته سخينا؟
و جوابه: أنالأصل «بل ردّيه» ثم كتب على لفظ الألغاز(المصدر نفسه).


( 178 )
ظرفية، و «ادع» منصوب بـ «لن» والظرف أعني «ما» مع ما أُضيف إليه ظرف لـ «ادع» وأمّا نصب «اشهد» فبـ«أن» مقدّرة، والواو عاطفة له على القتال لا على «ادع» كقوله:

وَ لُبْسُ عَباءَة وتَقَرَّ عَيني * أَحَبُّ إليَّ مِنْ ْ لُبْسِ الشُّفُوف(1)

والمركّب من ثلاث كما قيل في قوله تعالى:(وَإِنْ كُلاً لَمّا لَيُوَفِّينّهُم)(2) على قراءة شدّ نون «ان» و ميم «لما»، إنّ أصله «لمن ما» فأُبدلت النّون ميماً وأُدغمت، فلمّا كثرت الميمات حذفت الأُولى.

و«الحرف» قسمان:

عاملة وهي الجازمة المختصة بالمضارع.

وغير عاملة، وهي قسمان:

حرف استثناء نحو(إِنْ كُلُّ نَفْس لَمّا عَلَيْها حافِظ)(3) فيمن شدّد الميم، ونحو: انشدك باللّه لما فعلت.

وحرف وجود لوجود، وقيل: وجوب لوجوب، فيكون نظيره «لو» إلاّ أنّها

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- جاء في بلاغات النساء لابن طيفور:119 قال: قال أحمد بن الحارث بن أبي الحسن المدايني قال: كان يزيد بن هبيرة الممارس أول أمير ولي اليمامة لعبد الملك بن مروان فتزوج امرأة من ولد طلبة بن قيس بن عاصم المنقري فقالت:

للبس عباءة وتقرّ عيني * أحبّ إليَّ من لُبس الشفوف

و بكر يتبع الاظعان حبُّ * أحبّ إليَّ مـن بغـل زفـوفو

بيت تخفق الأرواح فيه * أحبّ إليَّ من قصر منـيف

و ذكره ابن عقيل في شرحه(الشاهد:33) و جاء فيه: البيت لميسون أُمّ يزيد بن معاويه، كما ذكر ذلك ابن هشام في مغني اللبيب:1/267 رقم 424.
2- هود:111.
3- الطارق:4.


( 179 )
حرف امتناع لامتناع وهي تقتضي جملتين ولا تدخل إلاّ على الماضي. وزعم ابن السرّاج و الفارسي و ابن جنّي وجماعة أنّها ظرف بمعنى «حين» وابن مالك أنّها ظرف بمعنى «إذْ» و أُريد بلزوم الإضافة إلى الجملة لها واختصاصهما بالماضي.

«وقف» يقف وقوفاً: دام قائماً، وقفته وقفاً يتعدّى ولا يتعدّى.

«التاء» المتحركة المضمومة: ضمير متّصل مرفوع للمتكلّم وحده، والمذهب المنصور أنّه أعرف المعارف.

«الألف واللاّم» في «العيس»: للعهد الذّهني أو الخارجي باعتبار أنّ مراده «عيسيّ» فعوّض الألف واللام عن الإضافة.

و«العيس» ـ بالكسر ـ : الإبل البيض التي يخلط بياضها شي من الشقرة، واحدها «اعيس» والأُنثى «عيسا»، و تعيست الإبل: صارت بياضاً في سواد الظّرفية المدلول عليها بـ«في» إمّا حقيقية أو مجازية، والمراد: في جنب رسمها فتنزل مجاور الظرف منزلة الظرف.

«الواو» للحال، «الألف واللام» للعهد الخارجي لأنّها عوض عن الإضافة أي عيني العين الجارجة المخصوصة من حرف جرّ بمعنى التعليل.

«العرفان» والمعرفة: إدراك الشيء، بتفكّر و تدبر لأثره، وأصله من «عرفت»أي أصبت عرفه، أي رائحته، أو أصبت عُرفه أي حدّه، ولذا يقال: عرفت اللّه لأنّ إدراكه تعالى إنّما هو بالتفكّر والتدبّر في آثاره، ولا يقال:عرف اللّه، إذ لا تفكّر ولا تدبّر في شأنه تعالى ويضادّه الإنكار كما يضادّ العلم الجهل، قال سبحانه: (يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمَّ يُنْكِرونَها)(1) وقال تعالى: (فَعَرَفَهُمْ وَ هُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ).

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- النحل:83.


( 180 )
فقد تحقّق أن(1)ّ المعرفة أخصّ من العلم، وقد يقال: إنّ الفرق بينها و بين العلم أنّها تخصّ البسيط أي التصوّر أو الجزئي. والعلم يخصّ المركّب أي التصديق أو الكلّي.

ويقال: إنّها العلم الحادث بعد أن لم يكن أو الأخير من العلمين المتحلّل بينهما غفلة أو نسيان، أوجهل.

دمعت العين «تدمع» كمنع وفرح، أي سال منها الدّمع.

«الذكر» والذكرى: خلاف النسيان، واجعله منكم على ذكر ـ بالكسر وبالضم ـ أي لا تنسه .

«مَن» اسم مبنيّ على السكون يختصّ بذي العقل مفرداً كان أو مثنى أو مجموعاً، مذكّراً أو مؤنّثاً، موجوداً أو معدوماً متوهّماً، فقد قالت العرب: أصبحت كمن لا يخلق، خلافاً لبشر المريسي فإنّه لم يجوّزه، و ربّما أُطلق على ما لا يعقل تنزيلاً له منزلة من يعقل كقوله تعالى إشارة إلى الأصنام: (مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ القِيامةِ)(2) ، وعلى ما يشمل العاقل وغيره تغليباً نحو: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ)(3) ، وعلى غير العاقل وحده إذا وقع في تفصيل جملة يدخل فيها العاقل وغيره نحو:(وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعَ)(4) وذهب قطرب وجماعة إلى عدم اختصاصه بالعاقل وجواز استعماله في غيره مطلقاً، وهو يقع على وجوه:

منها: الموصولة نحو قوله تعالى:(وَللّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمواتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ) .(5)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- يوسف: 58 .
2- الأحقاف:5.
3- النور:45
4- النور:45
5- الرعد:15.


( 181 )
ومنها: الموصوفة إمّا بمفرد نحو: مررت بمن معجب لك، وقوله:

فَكَفَى بِنا فَضْلاً على مَن غَيْرِنا * حُـبُّ النبـيّ محمّد إيّانـا (1)

على رواية جرّ «غيرنا» ،و يُروى بالرفع فيكون خبراً لـ«هو» مقدّراً، و«من» حينئذ يحتمل الموصولية والموصوفية جميعاً، و زعم الكسائي أنّها لا تكون موصوفة إلاّ فيما يخصّ النكرات، والاحتمالان جاريان في قول الفرزدق:

إنّي وإيّاك إن بَلَّغْنَ أرحُلَنا * كَمَن بَواديه بَعَدَ المحل ممطُورِ (2)

أي كالذي أو كشخص ممطور بواديه بعد المحل، ويجريان هنا أيضاً، إلاّ على رأي من رأى أنّها لا تكون موصوفة إلاّ فيما يخصّ النكرات.وخرج البيتين على زيادة وهي غير مسموعة.

«قد» على وجهين: اسم وحرف.

والاسم على وجهين: اسم فعل، وبمعنى حسب.

والحرف مختص بالفعل المتصرّف الخبري المثبت المجرّد من جازم وناصب وحرف تنفيس وله معاني:

منها: التحقيق، نحو: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها)(3) و نحو: (وَ لَقَد

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البيت لكعب بن مالك الصحابي، و قيل لحسان بن ثابت، و قيل لبشير بن عبد الرحمنبن كعب بن مالك. (شرح شواهد المغني:1/337 ، الشاهد:153. و لم نعثر عليه في ديوان حسان.
2- ديوان الفرزدق: 1/ 237 رقم 182 وفي الأصل: «إذ دخلت بأرحلنا». والبيت من جملة أبيات فيها يمدح يزيد بن عبد الملك ويهجو يزيد بن المهلّب(البحر البسيط).
3- الشمس:9.


( 182 )

عَلِمْتُمُالّذينَ اعتَدَوا مِنْكُم فِي السَّبْتِ) (1).

ومنها التكثير قاله سيبويه في قول الهذلي.

قَدْ أترُكُ القِرْنَ مُصْفَرّاً أنامِلُه * كأنَّ أثوابَهُ مجّتْْ بِفرْصادِ(2)

وقاله صاحب الكشّاف في قوله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) .(3)

وهذا معنى مجازي له كما يتحور عنه بربّ و ربّما.

ومنها: تقريب الماضي إلى الحال، نحو: قد قام زيدٌ، أو: كان قيامه عن قريب.

وقال نجم الأئمة رحمه اللّه : هذه الحرف إذا دخلت على الماضي أو المضارع فلابدّ فيها من معنى التحقيق، ثمّ إنّه ينضاف في بعض المواضع إلى هذا المعنى في الماضي :التقريب من الحال مع التوقّع، أي يكون مصدره متوقّعاً لمن تخاطبه واقعاً عن قريب، كما تقول لمن يتوقّع ركوب الأمير: قد ركب...، أي حصل عن قريب ما كنت تتوقّعه، ومنه قول المؤذّن: قد قامت الصّلاة.

ففيه إذن ثلاثة معان مجتمعة: التحقيق والتوقّع والتقريب.

وقد يكون مع التحقيق: التقريب فقط، ويجوز أن تقول: قد ركب لمن لم يكن يتوقّع ركوبه. قال: ويدخل على المضارع المجرّد من ناصب وجازم وحرف تنفيس، فينضاف إلى التحقيق في الأغلب التقليل، نحو: إنّه الكَذوبَ قد يصدق،

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البقرة:65.
2- البيت لشماس الهذلي، كما ذكر الشنتمري. و يحتمل الصحيح ان البيت لعبيد بن الأبرص في ديوانه/71. و كما جاء ايضاً عن الرضي الاسترابادي في شرح الكافية:4/445.
3- البقرة:144.


( 183 )
أي بالحقيقة يصدر منه الصّدق، وإن كان قليلاً.

وقد يستعمل للتحقيق مجرّداً عن معنى التقليل نحو: (قَدْنَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماء) (1).

ويستعمل أيضاً للتكثير في موضع التمدّح(2) .

وأنكر أبو حيّان في «الارتشاف» إفادتها التقليل، وابن هشام في المغني إفادتها التوقّع قال: أمّا في المضارع; فلأنّ قولك قد يقدم الغائب، يفيد التوقّع بدون «قد» إذ الظاهر من حال المخبر عن مستقبل أنّه متوقّع له، وأمّا في الماضي فلأنّه لو صحّ إثبات التوقع لها بمعنى أنّها تدخل على ما هو متوقّع لصحّ أن يقال في : لا رجل ـ بالفتح ـ : أنّ «لا» للاستفهام لأنّها لا تدخل إلاّ جواباً لمن قال: هل من رجل، ونحوه، فالّذي بعد «لا» مستفهم عنه من جهة شخص آخر كما أنّ الماضي بعد «قد»متوقّع كذلك.

وأنكر بعضهم كونها للتوقع في الماضي، لأنّ التوقّع إنّما هو انتظار الوقوع والماضي قد وقع.

وقال الراغب: إنّها إنّما تدخل على فعل متجدّد، نحو: (قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا)(3)، (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ)(4)، (قَدْ سَمِعَاللّهُ)(5)، (لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِالمُؤْمِنِينَ)(6)، (لَقَدْ تابَاللّهُ عَلىَ النَّبِيِّ)(7) و غير ذلك ـقالـ : ولما قلت لا يصحّ أن يستعمل في أوصاف اللّه تعالى الذاتية فيقال: قد كان اللّه عليماً حكيماً.

«كان» أصله كون بفتح العين، خلافاً للكسائي على ما نقل عنه أنّ وزنه فعُل بضم العين. وهو على وجهين:

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الشعراء:219.
2- شرح الرضي: 4/445.
3- يوسف:90.
4- آل عمران: 13.
5- المجادله: 1.
6- الفتح: 18.
7- التوبة: 117.


( 184 )
ناقص ناسخ للمبتدأ والخبر; رافع للأوّل ناصب للثاني.

ومنها الشأنية التي يستتر فيها ضمير الشأن، خلافاً لمن زعم أنّها قسم برأسها; ولمن زعم أنَّها تامّة، و تامّ بمعنى ثبت، والثبوت مختلف بحسب اختلاف الأشياء، فمنه ثبوت أزلي نحو: كان اللّه ولا شيء معه، ومنه حدوثي نحو: إذا كان الشتاء فأدفئوني، ومنه بمعنى الحضور نحو: وإن كان ذو عسرة على وجه، ومنه بمعنى الوقوع نحو: ما شاء اللّه كان على ما قيل، و منه بمعنى الإقامة نحو: كانوا وكنّا فما ندري على مهل، وربما جاء بمعنى كفل نحو: كنت الصبي أي كفلته، وبمعنى غزل نحو: كنت الصوف، و قد يكون زائداً نحو:

جِياد بني أبي بَكْر تَسامَـى * علَى كان َالمُسَوَّّمَةِ العِرابِ(1)

ومعنى الناقص: الدلالة على ثبوت خبره لاسمه في الزمان الماضي، وزعم بعضهم أنّه يدلّ على الاستمرار في جميع زمن الماضي، قال نجم الأئمة سلام اللّه عليه: وشبهته قوله تعالى: (وَكانَ اللّه سَمِيعاً بَصِيراً)(2) وذهل أنّ الاستمرار مستفاد من قرينة وجوب كون اللّه سميعاً بصيراً لا من لفظ «كان»، ألا ترى أنّه يجوز: كان زيد نائماً نصف ساعة فاستيقظ، وإذا قلت: كان زيد ضارباً، لم يستفد الاستمرار، قال: وكان قياس ما قال أن يكون كن ويكون أيضاً للاستمرار.

وقال صاحب «الارتشاف» :أكثر النحاة ذهبوا إلى أنّ «كان» تقتضي الانقطاع كسائر الأفعال الماضية، وذهب بعضهم إلى أنّها لا تقتضيه وجعل من ذلك مثل قوله تعالى: (وَكانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً).(3) أي لم يزل.

والذي تلقّفناه من أفواه الشيوخ إنّ «كان» يدلّ على الزمان الماضي المنقطع

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- أنشد الفرّاء هذا البيت و لم ينسبه إلى قائل; و لم يعرف العلماء له قائلاً و يروى المصراع اللأوّل:
«سَرَاةُ بَني أبي بَكر تَسامَى »
(شرح ابن عقيل: الشاهد 70).
2- النساء:134.
3- النساء: 152 و100....


( 185 )
كغيرها من الفعل الماضي.

وقد يكون بمعنى «صار» كقوله :

بتيهاء قفر والمطي كأنّها * قطا الحزن قد كانت فراخاً بيوضها(1)

واختلف فيه وفي سائر الأفعال الناقصة أنّها هل تدلّ على الحدث، فنفاه كثير من المعربين وجعلوه السبب في تسميتها ناقصة.

والمشهور خلافه ،قال نجم الأئمة رضوان اللّه عليه: لأنّ «كان» في نحو: كان زيد قائماً، يدلّ على الكون الذي هو الحصول المطلق، وخبره يدلّ على الكون المخصوص و هو كون القيام أي حصوله، فجيئ أوّلاً بلفظ دالّ على حصول ما، ثمّ عُيّن بالخبر ذلك الحاصل، فكأنّك قلت: حصل شيء، ثمّ قلت: حصل القيام، فالفائدة في إيراد مطلق الحصول أوّلاً ثمّ تخصيصه، كالفائدة في ضمير الشأن ، قبل تعيين الشأن، مع فائدة أُخرى هيهنا، وهي دلالته على تعيين زمان ذلك الحصول المفيد، ولو قلنا : قام زيد، لم تحصل هاتان الفائدتان معاً، فـ«كان» يدلّ على حصول حدث مطلق تقييده في خبره، وخبره يدلّ على حدث معيّن واقع في زمان مطلق تقييده في «كان».

لكن دلالة «كان» على الحدث المطلق أي الكون وضعيّة،ودلالة الخبر على الزمان المطلق: عقلية ـو قالـ: وأمّا سائر الأفعال الناقصة نحو «صار »الدالّ على الانتقال، و«أصبح» الدالّ على الكون في الصبح أو الانتقال، ومثله

ــــــــــــــــــــــــــــ

1- ذكره الشريف الرضي في «حقائق التأويل»:222، وفي هامشه نسب البيت إلى الشاعر ابن أحمر وفيه: «بفيفاء» بدل «بتيهاء» و قال البغدادي: انه من ابيات لابن أحمر شاعر اسلامي مخضرم (شرح الرضي:4/189). و في تاج العروس للزبيدي: 5/11 :قال عمروبن أحمر:

أريهم سهيلاً والمطي كأنها * قطا الحزن قد كانت فراخاً بيوضها


( 186 )
أخواته(1)، و «مادام» الدالّ على معنى الكون الدائم، و«ما زال» الدالّ على الاستمرار وكذا أخواته، و «ليس» الدالّ على الانتفاء: فدلالتها على حدث معيّن لا يدل عليه الخبر في غاية الظهور.(2)

وظنّي أنّ النزاع بين الفريقين لفظي لأنّه لا شبهة في نحو: إن قام زيد، يدلّ على كون القيام، فإذا قيل: كان زيد قائماً، لم يكن الغرض من الإتيان بـ«كان» إلاّ إفادة أنّ القيام في الزمان الماضي، وكذا صار زيد غنياً، إنّما جيئ فيه بـ«صار» للدلالة على أنّ بثبوت القيام بعد أن لم يكن، وكذا في البواقي، فهذه الأفعال وإن كانت دالة على الاحداث بلا شبهة إلاّ أنّه لا شبهة في أنّ الظاهر أنّه لا يتعلّق غرض المتكلّم باحداثها وإنّما يتعلق بالأزمنة المفهومة منها، وإن تعلّق فلا قصد إليها بالذات وإنّما قصد إليها لتكون رابطة للنسبة ، و لذا عدّها المنطقيون حروفاً وروابط، وما ادّعاه نجم الأئمة رحمه اللّه في معانيها يكذّبه موارد الاستعمال، إذ لو صحّ لكان استعمالها مخصوصاً بما يقصد فيه التأكيد ويكون له عظيم من الشأن كما في ضمير الشأن مع أنّه ليس كذلك،ولذا قالوا: إنّه إذا أُريد إبقاء معنى الماضي مع أنّ الشرطيّة جُعل الشرط لفظ «كان» نحو:(إِن كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ)(3) ، (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُل)(4) لأنّ الحدث المطلق الذي هو مدلوله يستفاد من الخبر وإنّما يُذكر للدلالة على الزمان،وأما«ليس» فمن الظاهر أنّه لا يراد منه إلاّ «النفي»، ولذا ذهب جماعة من المعربين إلى أنّه حرف نفي، فقد تبيّن أنّ الذين من قالوا إنّ الأفعال الناقصة لا تدل على الحدث أرادوا أنّ الحدث لا يقصد بها، والذين قالوا: يدلّ عليه، أرادوا أنّ ذلك داخل في معانيها والكل صحيح.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- المراد بـ «أخواته»: الأفعال الدالّة على وقت، مثل «أمسى» و «أضحى».
2- شرح الرضي على الكافية: 4/182. مؤسّسة الصادق، طهران.
3- المائدة: 116.
4- يوسف:26.


( 187 )
«اللَّهو» :ما يشغل الإنسان عمّا يعنيه ويهمّه، ويعبّر عن كلّ ما به استمتاع باللّهو، كما قال تعالى: (لَوْ أََرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً)(1) ويقال: لهوت بالشيء ألهو لهواً أو تلهيت إذا لعبت به وتشاغلت وغفلت به عن غيره، وألهاه من كذا، أي شغله، ولهيت عن الشيء ألهى، كرضيت أرضى، لهياً إذا سلوت عنه وتركت ذكره، وإذا غفلت عنه واشتغلت بغيره.

وفي الحديث: إذا استأثر اللّه بشيء فإله عنه(2)، أي اتركه وأعرض عنه.

وكذا حديث الحسن في البلل بعد الوضوء.

إله عنه، ولهيت بالشيء أيضاً إذا أحببته.

«الباء» في «به» إمّا للتعدية، أو للسببية، أو الاستعانة أو المصاحبة.

«الفاء» المفردة مشتركة بين الحرف والفعل، أمّا الفعل فهو «فِ» مكسوراً أمراً من «وفى».

وأمّا الحرف فحرف هجاء وحرف معنى.

أمّا الكلام عليه من الجهة الأُولى: فاعلم أنّ مخرجها من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا عند الجمهور وهو المتصوّر.

وذهب الفرّاء إلى أنّ مخرجها ما بين الشفتين وليس بشيء، وهي مهموسة رخوة منفتحة منخفضة ذلقية على رأي.

وأمّا الكلام عليه من الجهة الثانية: فاعلم أنّها حرف لا عمل لها، خلافاً لبعض الكوفيين فإنّهم جعلوها ناصبة للفعل. والمبرّد فإنّه جعلها خافضة، في نحو

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الأنبياء: 17.
2- من أمثال العرب (مسند زيد بن علي:ص 361) و في التبيان في تفسيرالقرآن: ج10/270 و في ج4/417 (إذا استأثر اللّه بشي لاه عنه).


( 188 )
قوله:

فَمِثْلَكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ و مُرْضِع * فَأََلْهَيتُها عَنْ ذِي تَمائِمَ مُحُولِ(1)

في رواية جر المثل.

والمشهور المتصوّر أنّ النصب في الأوّل بـ«أن» مضمرة، و أنّ الجرّ في الثاني بـ«ربّ» مضمرة.

ثمّ «الفاء» ترد على وجوه:

منها: أن تكون عاطفة وحيئنذ تفيد ثلاثة أُمور:

أوّلها: الترتيب، فإن عطفت مفرداً على آخر فإن كان مسنداً أفادت أنّ إسناد المسند الثاني إلى المسند إليه بعد إسناد المسند الأوّل نحو: زيد قام فقعد، وكذا إن كان موقعاً على مفعول أو متعلّق أفادت أنّ وقوع الثاني على المفعول أو تعلّقه بالمتعلق بعد وقوع الأوّل، أو تعلّقه نحو: ضرب فأكرم زيداً عمرو، فإن كان مسنداً إليه أفادت أنّ إسناد المسند إلى الثاني بعد إسناده إلى الأوّل نحو: قام زيد فعمرو. وكذا إن كان مفعولاً أو متعلّقاً أفادت أنّ وقوع المسند أو ملابسته بالنسبة إلى الثاني بعد وقوعه أو ملابسته بالنسبة إلى الأوّل، وإن كان صفة معطوفة على صفة أُخرى لموصوف واحد أفادت أنّ اتّصاف الموصوف بمصدر الثانية بعد اتّصافه بمصدر الأُولى نحو: زيد الآكل فالنائم.

وإن عطفت جملة على أُخرى فإن كان لها محلّ من الإعراب كان الحكم فيها كالحكم في عطف المفردات، وإلاّ أفادت أنّ حصول مضمون الثانية بعد حصول مضمون الأُولى، وعن الفرّاء أنّها لا تفيد الترتيب أصلاً. قال ابن هشام: وهذا مع

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- من معلّقة امرئ القيس و الّتي مطلعها: «قفا نبك من ذكرى حبيب و منزلِ» (ديوان امرئ القيس:33).


( 189 )
قوله: إنّ «الواو» تفيد الترتيب غريب، واحتجّ بنحو قوله تعالى: (أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُون) .(1)

والجواب عنه من وجهين:

الأوّل: أنّه يجوز أن يكون المراد: أردنا إهلاكهم فإنّ إطلاق الفعل الاختياري على إرادته كثير.

والثاني: أنّ الترتيب على نوعين: ترتيب معنوي: وهو الذي مرّ ذكره. وذكري: وهو في نحو عطف المفصل على المجمل نحو: (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً)(2) (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي)(3) (ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرينَ)(4) وهو كثير.

وذهب الجرمي إلى أنّها للترتيب إلاّفي الأماكن والأمطار.

فالأوّل لقوله:

قِفا نَبْكِ مِنْ ذِكْرى حَبيب ومَنْزِل * بِسِقْطِ اللّوى بَيْنَ الدَّخولِ فَحَومَلِ(5)

والثاني: لأنّا نقول: مطرنا مكان كذا فمكان كذا، و إن كان وقوع المطر فيهما في وقت واحد.

والأمر الثاني من الثلاثة التي يفيدها «الفاء» هو للتعقيب، أي حصول المعطوف، أو حصول المسند له عُقَيب حصول المعطوف عليه، أو حصول المسند له بلا مهلة، وهو إمّاحقيقي بأن لا يتراخى بينهما حقيقة زمان، وحكمي بتنزيل ما بينهما زمان منزلة ما لا زمان بينهما، إمّا لقصره، أو لأنّه لا يمكن حصول الثاني بعد

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الأعراف:4.
2- النساء:153.
3- هود:45.
4- الزمر:72 و غافر:76.
5- ديوان امرئ القيس: 144 مطلع معلقتهالمشهورة.


( 190 )
الأوّل إلاّ بعد مضي زمان فلم يتراخ بينهما إلاّ ذلك الزمان، كما يقال: تزوج فلان فولد له، إذا لم يفصل بين التزوّج والولادة إلاّ زمن الحمل.

ونحو قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِماءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً) (1).

وقال نجم الأئمة ـرضي اللّهعنهـ : إنّ «الفاء» في مثل ذلك فإن اخضرار الأرض يبتدئ بعد نزول المطر لكن إنّما يتمّ في مدة ومهلة، فجيئ بالفاء، نظراً إلى أنّه لا فصل بين نزول المطر وابتداء الاخضرار، قال: ولو قيل: ثمّ تصبح الأرض مخضرّة، نظراً إلى تمام الاخضرار جاز(2).

و نحن نقول: لو قال: ثمّ تصبح الأرض نظراً إلى حقيقة الأمر جاز . وإذا تأمّلت وجدت م آل الكلامين واحداً، وكذا م آل ما قيل من أنّ التعقيب في كلّ شيء بحسبه م آلهما ، وبعضهم يقدر لنحو تصبح هنا معطوفاً عليه نحو: فأنبتنا به وطال النبت فتصبح.

وقيل: إنّ «الفاء» هنا للسببية، و فاء السبب لا يدلّ على التعقيب لصحّة أن يقال: إن أسلم فهو يدخل الجنّة، مع ما بينهما من المهملة الظاهرة.

وقيل: إنّ الفاء ربّما كانت بمعنى «ثمّ » كالآية ، وقوله تعالى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَونَا العِظامَ لَحْماً).(3)

والأمر الثالث بما يفيده الفاء السببيّة، وهو غالب في عطف الجملة أو الصفة نحو: (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ)(4)(فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمات فَتابَ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الحج:63.
2- شرح الرضي:4/389.
3- المؤمنون:14.
4- القصص:15.


( 191 )

عَلَيْهِ) .(1)(لآكِلُونَ مِنْ شَجَر مِنْ زَقُّوم * فَمالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُون) .(2)

ومن وجوه«الفاء» أن يكون للسببية من غير عطف، نحو التي في أجوبة الشروط، ونحو: جاءك زيد فأكرمه.

قال نجم الأئمة (رض): و تعريفه(3) بأن يصلح تقدير «إذا » الشرطية قبل «الفاء» وجعل مضمون الكلام السّابق شرطها، فالمعنى في مثالنا: إذا كان كذا فأكرمه، قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمواتِ وَالأَرْض وَما بَيْنَهُما فَلْيَرتَقُوا فِي الأَسْباب) .(4) وقال تعالى: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نار وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِين * قالَ فَاخْرُجْ مِنْها)(5) أي إذا كان عندك هذا الكبر فاخرج، و قال: (رَبِّ فَأَنْظِرْني)(6) أي إذا كنت لعنتني فأنظرني، و قال:(فَإِنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ)(7) أي إذا اخترت الدنيا على الآخرة فإنّك من المنظرين، و قال: (فَبِعِزَّتِكَ )(8) أي إذا أعطيتني هذا المراد (فَبِعزَّتِكَ لأَغْوِيَنَّهُمْ)(9).(10)

ومن وجوهها أن يكون بمعنى «الواو» كما في قوله: بين الدّخول فحومِلَ.

«بات» الرجل يبيت وبيات بيتاً وبياتاً وبيتوتة: إذا دخل في اللّيل، ومنه «البيت» فإنّه في الأصل مأوى الإنسان باللّيل، وبات يفعل كذا، إذا فعله ليلاً، كما يقال: ظلّ يفعل كذا، إذا فعله نهاراً.فقد جاء تامّاً وناقصاً.

«الواو» للحال، أو زائدة لزيادة الخبر بالاسم إن صحّ مجييُها زائدة، كما قال الأخفش والكوفيون وحملوا عليها (فَلَمّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ لِلْجَبينِ * وَنادَيْناهُ).(11)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البقرة:37.
2- الواقعة:52و53.
3- اي الضابط الذي يمكن معرفته به.
4- سورة ص:10.
5- سورة ص:76 ـ 77.
6- سورة ص:79.
7- سورة ص: 80.
8- سورة ص:82.
9- سورة ص:82.
10- شرح الرضي: 4/288.
11- الصافات: 103 ـ 104.


( 192 )
«الألف واللام» للعهد عوضاً عن المضاف إليه، أي قلبي شج، أصله شجي، على فعل كفرح، من الشجو، وهو الحزن، يقال: شجاه شجوه شجواً إذا أحزنه، وأشجاه يشجيه اشجاء إذا أغصه، وتقول منهما جميعاً: شجى يشجي شجًى كرضي، إذا حزن. ومنه اشتقّ شج; يقال: رجل شجي وامرأة شجيّة، بتخفيف الياء.

«الوجع» : المرض، والأظهر أن يقال: إنّه الألم، والإيجاع: الإيلام.

«كأنّ» حرف مركّب عند الخليل وسيبويه وأكثر البصريين وادّعى ابن الخبّاز وابن هشام الخضراوي عليه الإجماع، ومن البصريين من ذهب إلى أنّه حرف بسيط وهو الأقوى. والأوّلون قالوا: إنّ أصله كاف التشبيه و«إن» ، وإنّ أصل كان زيد الأسد، أنّ زيداً كالأسد فقدّمت الكاف للاعتناء بالتشبيه.

ثمّ منهم من قال: إنّه فتحت« أنّ » لفظاً لرعاية لفظ الكاف، لأنّها لا تدخل إلاّ على المفردات ففتحت لفظاً لتشبه «أن» التي تقلب مابعدها إلى معنى المصدر وهي في المعنى باقية على حالها لم تصر حرفاً مصدرياً.

ومنهم من قال: إنّ فتح «أن» لطول الحرف بالتركيب.

وعلى هذين الرأيين لا يكون للكاف هنا عمل فيما بعدها، ولا محلّ لها من الإعراب ولا تعلّق لها بشيء لما صارت جزء الحرف ككاف «كأين».

ومنهم من قال: إنّ «أن» هي تقلب مابعدها إلى معنى المصدر، وإنّ الكاف هنا اسم بمعنى «مثل» و هو مبتدأ مضاف إلى مابعده محذوف خبره، والتقدير في المثال مثل كون زيد أسداً، ثابت.

وعلى كلّ تقدير فهي من الحروف التي أشبهت الأفعال لفظاً، ومعنى، فعملت عملاً شبيهاً بعملها وهو رفع أحد الاسمين ونصب الآخر كما هو عمل الفعل المتعدّي، لمشابهتها الأفعال المتعدّية وإنّما قدّم منصوبها على مرفوعها فرقاً


( 193 )
بينها و بين «ما» الحجازية فإنّها أيضاً تشبه الفعل، أعني ليس إلاّأنّ مشابهتها إنّما هي بالفعل الناقص الغير المتصرّف وإنّما تشبهه معنى، فكان شبهها بالفعل أضعف فأوجب فيها تقديم مرفوعها، وهذه الحروف لما كان شبهها أقوى كانت أقوى في العمل فقدّم منصوبها.

ورأي الكوفيين أنّها إنّما تعمل في الاسم، وأمّا إخبارها فهي مرتفعة بما كانت مرتفعة به.

و قد أجاز بعض أصحاب الفرّاء نصب الاسمين بها كقوله:

كَأنَّ إِذْنَيْهِ إذا تَشَوّفَا * قادِمَةً أوْ قَلَماً مُحَرَّفَا(1)

وقوله:

إذَا اسْوَدَّ جُنْحُ اللّيلِ فَلْتَأتِ وَ لْتَكُنْ * خطاكَ خِفافاً إنَّ حُرّاسَنا أُسْدَا(2)

ولـ«كأنّ» معان: منها التشبيه: وهو المعنى الغالب المتّفق عليه. وزعم جماعة أنّها لا تكون للتشبيه إلاّ إن كان خبرها جامداً نحو: كأنّ زيداً أسد، فإن كان مشتقّاً كانت بمعنى الظن.

«الباء» للآلة، أو السببية، أو بمعنى« في».

«الألف واللام» للعهد الذهني.

«اللام» للتعليل.

«ما» إمّا اسمية أو حرفية.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البيت لمحمد بن ذؤيب العماني النهشلي الفقيمي الراجز يصف فرساً و هو أحد شعراء الرشيد ويقال انّه عاش 130 سنة. (شرح شواهد المغني:2/515 الشاهد 304، شرح ابن عقيل:1/347).
2- و ينسب إلى عمر بن أبي ربيعة، و لم يوجد في ديوانه.


( 194 )
و«ما» الاسمية على وجوه:

منها: الموصولة وهي عند الجمهور مختصّة بما لا يعقل، وعن أبي عبيدة وابن درستويه ومكي بن أبي طالب وابن خروف: أنّها تقع على من يعقل. وادعى ابن خروف أنه مذهب سيبويه.

قال السهيلي: إنّها لا تقع على أُولي العلم إلاّبقرينة وهي قرينة التّعظيم والإبهام كما يطلق على اللّه سبحانه.

وعن المعري في «اللامع» أنّ الشيء إذا كان لا يدرك وحقيقته يجعل كالشيء المجهول ويطلق عليه« ما» نحو: سبحان ما سبّح الرّعد بحمده.(1)

وقال ابن مالك : إنّها تقع على ما لا يعقل مع من يعقل نحو:(وَللّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّمواتِ وَما فِي الأَرْضِ مِنْ دابَّة)(2) . وعلى صفات من يعقل نحو: (فَأَنْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساء)(3) و نحو: (وَالسَّماء وما بَناها) .(4)

وقدعبّر غيره عن ذلك بأنّها تقع على أنواع من يعقل.

ومنها: الموصوفة: إمّا بمفرد نحو: مررت بما معجب لك، أو بجملة نحو:

ربّما تكره النفوس من الأمر * له فرجة كحل العقال (5)

على وجه.

و الحرفية: أيضاً على وجوه:

منها: المصدرية وتسمّى الموصولة، وهي نوعان: زمانيّة ، وغير زمانيّة.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- اقتباس من سورة الرعد، آية 13: (ويسبح الرعد بحمده).
2- النحل:49.
3- النساء:3.
4- الشمس: 5.
5- البيتان من قصيدة لأُمية بن أبي الصلت، من شعراء الجاهلية المتقدمين، ذكر فيها قصة سيدنا إبراهيم الخليل و ما حدث من رؤياه (شرح الرضي: 3/51 و مختار الصحاح:257). و جاء في مغني اللبيب:1/297 و تاج العروس:2/84 و فيه «الأُم» بدل «الأمر».


( 195 )
فالزمانيّة: ما يقدّر قبلها فيها لفظ الزمان وشبهه مضافاً إليها نحو(ما دمت حيّاً)(1) أي زمان دوامي، ونحو: جَلَستُ ما كنتُ جالِساً، أي زمن جلوسك.

وغير الزمانية: بخلافها نحو: (ودُّوا ما عَنِتُّم)(2) (عَزِيزٌ عَليهِ ماعَنِتُّم)(3) (وضاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرض بِما رَحبت)(4) إلى غير ذلك.

«شَفَّ» جسمه يَشِفُّ شُفُوفاً: نحل، وشَفَّه الهمُّ يَشُفُّهُ ـ بالضم ـ شفّاً: هزله.

وفي الخلاص للنطنزي: شف: أذاب وأحزن.

«النون» حرف هجاء، وحرف معنى.

أمّا الكلام عليها من الجهة الأُولى: فاعلم أنّ مخرجها إذا كانت ساكنة خفيفة فمخفاة لم يبق منها إلاّالغنة من الخيشوم. وأمّا إذا كانت ساكنة غير خفيفة كالتي في «اضربن»، أو متحرّكة: فمن طرف اللّسان بينه و بين ما فويق الثنايا. كذا في الكتاب وزاد غيره متّصلاً بالخيشوم تحت اللاّم قليلاً.

وزعم قطرب والجرمي والفرّاء وابن دريد أنّ مخرج النون واللام والراء واحد وهو طرف اللسان وأُصول الثنايا، وهي مجهورة منفتحة منخفضة ذلقيّة بين الشديدة و الرخوة .

وأمّا الكلام عليها من الجهة الثانية: فاعلم أنّها نوعان: ساكنة، ومتحركة.

والكلام هنا في المتحرّكة، وهي أنواع منها«نون الوقاية» وتسمّى «نون العماد» وهي تتوسط بين ياء المتكلّم وما قبله وقاية له عن الكسر اللازم لمناسبة الياء كانت الياء منصوبة بفعل متصرّف كـ «أكرمني»، أو جامد كـ «عساني»

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- مريم:31.
2- آل عمران:118.
3- التوبة:128.
4- التوبة: 25 وفي الأصل جاء خطأ: «الأرض عليه».


( 196 )
و:قاموا ما خلاني، وما عداني، وحاشاني، أو باسم فعل نحو: دراكني وتراكني وعليكني، أوبحرف نحو: انّني وكأنّني ولكنّني.

أو مجرورة بالحرف نحو: منّي وعنّي، وبالاسم نحو: لدنّي وقدني إذا كان اسماً بمعنى حسب.

«الياء» هنا: ضمير للمتكلّم وحده.

واختلف في أصله أنّه الفتح أو السكون؟

فقيل بالأوّل لأنّ الواضع إنّما ينظر إلى الكلمة حال إفرادها، فكلّ كلمة على حرف واحد لزم أن يكون وضعها على الحركة لامتناع الابتداء بالساكن.

ثمّ الأصل في حركتها الفتحة، لأنّ الحرف الواحد لا سيما حرف العلّة ضعيف لا يحتمل حركة ثقيلة.

وقيل بالثاني لأنّ الأصل عدم الحركة وكون نظر الواضع إلى الكلمة حال إفرادها مطلقاً في محل المنع، إذ من البيّن أنّه نظر في المظمرات إلى حال تركّبها، ولذا وضعها مرفوعة ومنصوبة،ومجرورة والإعراب لا يكون إلاّحالة التركيب، ولو لم ينظر في شيء من الكلمات إلى حال تركّبها فلِمَ فرّق بين ما لا تستعمل إلاّمركّبة وما تستعمل مفردة فأطرد وضع القبيل الثاني على أزيد من حرفين دون الأوّل، بل كان ينبغي كما أنّه وضع القسم الأوّل على حرف كـ«الياء» و«الكاف» ونحوهما وعلى حرفين كـ«ما» و «من» وضع القسم الثاني أيضاً كذلك.

هذا و لا خلاف في أنّها جاءت في الاستعمال ساكنة ومتحركة وأنّه يلزم تحريكها إذا اجتمعت مع ساكن نحو: عصاي، وإنّها إذا لم تجتمع مع ساكن كان الإسكان أكثر لعدم الافتقار إلى الحركة من كونها حرف علّة يثقل عليها التحريك، وقد جاء إسكانها مع كون ما قبلها ألفاً في قراءة نافع:(مَحْيايَ وَمَماتي)(1)، فإمّا

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الأنعام: 162.


( 197 )
لإجراء الوصل مجرى الوقف، أو لأنّ الألف لما كان أكثر مَدّاً من أخويه قام مقام الحركة; ثمّ إنّها إذا تحرّكت فبالفتح إلاّفي لغة بني يربوع فإنّهم يكسرونها إذا كانت قبلها ياء نحو«في» تشبيهاً لها بالهاء في نحو: «فيه» و «لديه» و عليها قراءة حمزة و الأعمش و يحيى بن ثابت (ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ)(1)وأقرّهُم عليه الفرّاء وأبو عمرو بن العلاء و قطرب، و ردّه غيرهم و لحقهم طائفة منهم.

«من» حرف جرّ: إمّا للبيان، أو للتعليل، أو للتبعيض، أو زائدة.

«الحبّ» ـ بالضم والكسر ـ والمحبّة ، و الحباب ـ بالضم والكسر ـ إرادة ما يراه المحبّ خيراً، أُضيف إلى المعنى، وإرادة صحبة الشيء أو وجوده إن أُضيف إلى العين لكن الإرادة في الموضعين شديدة، أو هو كيفيّة أُخرى للنفس فائقة على الإرادة واصلة على ما قيل من حبّه القلب، لأنّ شهوة المحبوب تخلص إلى حبّة القلب فيقال: حبّيت فلاناً، بمعنى أصبت حبة قلبه، كما يقال: شغفته وكبدته و فادته، وقيل في قوله تعالى :(حبّب إليكم الايمان) (2) المعنى أوصله إلى حبّة القلب.

«أروى» اسم امرأة، والاروى إمّا جمع أو اسم أجمع للأروية للأُنثى من الوعول للأكثر من العشر، يقال: ثلاث أراوى ـعلى أفاعيلـ إلى عشر، فإذا تعدّتها قيل: الأروى.

«الكبد» ككتف في وجوهه الثلاثة من فتح الأوّل فكسر الثاني، أو سكونه وكسر الأوّل فسكون الثاني: العضو المعروف،وهي مؤنّثة،وقد تذكّر، وكبد الشيء معظمه ووسطه،وأصلهما من المعنى الأوّل.

لذعته النار لذعاً: أحرقته.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- إبراهيم:22.
2- الحجرات: 8.


( 198 )

الإعراب:

«لمّا» إن كان ظرفاً كان مضافاً إلى الجملة الأُولى متعلّقاً بالثانية أي ذكرت، وإلاّ كان حرف تعليق. والجملتان شرط وجزاء. والمجموع على التقديرين مستأنفة صفة أُخرى لدار. و المصراع الثاني حال عن فاعل«وقفت» لأنّ الألف واللام في العين بمنزلة العائد ولا يعود إلاّ على المتكلّم. والأقوى في الجملة الاسمية أن يكون بالواو والعائد جميعاً، ولأنّها إنّما تبيّن هيئة الفاعل حين الوقف لا هيئة المفعول.

و يجوز على بعد أن يكون حالاً عن المفعول فيكون خالياً عن العائد، نحو: جاء زيد والشمس طالعة، ومثله جائز واقع. وقد استشكلوه لما أنّها لا تنحل إلى مفرد ولا تبيّن هيئة فاعل أو مفعول، ولا هي مؤكّدة. فأوّلها ابن جنّي بتقدير العائد فيقدّر في المثال والشمس طالعة عند مجيئه، فيكون كالنعت أو الحال السببيّين نحو: مررت برجل قائم غلمانه، ومررت بالدار قائماً سكّانها.

وقال ابن عمرون: إنّها مؤوّلة بنحو: «مبكرا». و قال الزمخشري: إنّها من الأحوال التي حكمها حكم الظرف، فلذلك عريت عن ضمير ذي الحال. وذهب المطرزي(1) إلى أنّها مفعول معه.

ففي البيت إذا جعلنا المصراع الثاني حالاً عن العيس; إمّا أن يؤوّل بتقدير العائد أي: وعيني فوقها من عرفانه تدمع.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- ذكره الكلباسي في «سماء المقال في علم الرجال2/395» قائلاً: هو ناصر بن عبد السيد بن علي المطرزي الخوارزمي الحنفي (توفى سنة 610هـ) له كتاب «المغرب في ترتيب المعرب» اختصر من كتاب المعرب، تكلم فيه عن الألفاظ التي يستعملها فقهاء الحنفيّة من الغريب، و راجع معجم المطبوعات العربية و المعربة:2/1760.
و ذكره السيد بحر العلوم في الفوائد الرجاليّة و ذكر ولادته سنة 538هـ و وفاته سنة 616هـ.


( 199 )
أويؤوّل بتقدير العائد، أي: عيني فوقها من عرفانه تدمع.

أويؤوّل إلى مفرد نحو: متكياً عليها أو فوفها، أو يقال فيه مقال الزمخشري، و على قول المطرزي يكون مفعولاً معه.

ويحتمل أن يقال على جعله حالاً عن العيس: إنّ المراد بالعين عين العيس فيكون من الإغراق الشائع بين الشعر، أو المبالغة البليغة وحينئذ لا إشكال.

ثمّ إنّ من النّحاة من أوجب في الحال عن الفاعل التقديم على المفعول إن لم تكن قرينة تدل على ذلك، فعلى رأيه لا يكون هذا الحال إلاّ عن المفعول إلاّأن يكتفي في القرينة بما ذكر من جهتي الرجحان، وهنا احتمال آخر; وهو أن يكون حالاً عن مجموع الفاعل والمفعول خصوصاً إذا كان المراد بالعين عينه وعيون العيس جميعاً، فإنّه حينئذ في قوة أن يقال: وعيني تدمع وعينها تدمع.

«العين» : مبتدأ خبره «تدمع» والظرف أعني «من عرفانه» متعلّق بـ«تدمع» والضمير فيه عائد على رسمها، والإضافة فيه إلى المفعول ذكرت جواب «لمّا».

«من» موصولة أو موصوفة مفعول له، والجملة بعده صلة أو صفة.

«قد» إمّا للتحقيق، أو للتكثير، أو للتقريب إلى الحال استحضاراً للحال الماضية تلذّذاً أو تنزيلاً لحضورها في الذهن منزلة حضورها في الخارج.

«كنت»: فعل ناقص مع اسمه،والإتيان به إمّا للتصريح بالمضي فإنّ «قد» لما كان يقرب الفعل الماضي إلى الحال، فلو كان فعلاً آخر غير لفظ «كان» كاد أن يتوهّم منه إرادة الحال حقيقة فجيئ بلفظ «كان» لبعده عن هذه الإرادة، لأنّه لتمحّضه للمضي يتوصل به لإفادة النص عليه فيما لولاه لكان احتمال لعدم إرادته، ولإفادة المضي في المضارع وأتى به ليدل على أنّ التقريب إلى الحال المفهوم من «قد» ليس حقيقيّاً، بل إنّما المراد استحضار الصورة الماضية، أو أنّه أراد الاستمرار في الزمان الماضي فأتى بـ «كان» الذي كثيراً ما يجيئ بذلك المعنى حتى توهّم بعضهم أنّ ذلك معناه كما تقدّم، وأردفه بالمضارع الدالّ على الاستمرار


( 200 )
التجدّدي فأفاد أنّه كان لا يزال يلهو به.

«ألهو» : جملة فعليّة خبر «لكان» والظّرف متعلّق بها.

«الفاء» إمّا للعطف مع السببيّة، أو للسببيّة المجرّدة. وعلى التقديرين فالمقصود من السبب بالذات هو القيد أي الجملة الحالية، فإنّ الذكر إنّما هو سبب للشج والإيجاع لا البيتوتة. أو يقدر ظرف، أي فبتّ هناك أو فيه، فيصحّ أن يكون المقيّد نفسه أيضاً مقصوداً في السّبب، أي لما ذكرت من كنت ألهو به، وإنّ الدار داره بت هناك.

وأمّا الفاء لمجرّد العطف، فالمقصود أيضاً كلّ من المقيّد و القيد.

وأمّا التعقيب المفهوم منها على هذا التقدير والتقدير الأوّل; فباعتبار حدوث الذكر لأنّه في الاستدامة مجامع للبيتوتة.

وأمّا «الفاء» بمعنى الواو وحينئذ فيعتبر وجود الذّكر حدوثاً واستدامة لئلاّ تكون البيوتة عقيبه.

«بات» إمّا تامّة وهو الظاهر، وإمّا ناقصة.

فعلى الأوّل يكون الضمير فاعله والواو للحال والجملة الاسمية حالاً عنه.

وعلى الثاني يكون الضمير اسمه والواو زائدة والجملة خبره، أي: شجى القلب موجعة، أو خبره البيت الذي بعده.

«القلب شج» اسمية.

«موجع» خبر بعد خبر، أو صفة لـ«شج».

ثمّ لفظ «شج» لما جاز أن يكتب بلاياء و أن يكتب بالياء كقاضي، اختلفت النسخ في رقمه فجاز أن يكون مراد الناظم رحمه اللّه شجى كعمى مصدراً لا صفة، وحينئذ يكون موجع هو الخبر، وشجى مفعولاً له(1) أي موجع للشجى، وأن يكون

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- في الأصل: «له له»، تظهر إحداهما زائدة.


( 201 )
حالاً بمعنى اسم الفاعل، أو للمبالغة.

«كان» اسمه «كبدي» وخبره «تل

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net