متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المختار من القصيدة ـ شرح البيت الأوّل
الكتاب : اللآلي العبقرية في شرح العينيّة الحميرية    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر
وإذا بلغ الكلام هذا المبلغ حان أن أُعوّض على الدرر مستعيناً باللّه خالق القوى والقدر، وقد اخترت من نسخ القصيدة أطولها وأبسطها وأوضحها وأسبطها(1)، قال رحمه اللّه :

[1]

لأُمِّ عَمرو باللِّوى مَرْبَعُ * طامِسةٌ أعلامُـــهُ بَلْقَعُ

اللغة:

«اللام »المفرد على وجهين:

حرف هَجْي، وحرفُ مَعنى.

فلنتكلّم على أحوالها بكلّ اعتبار.

أمّا الكلام عليها بالاعتبار الأوّل، فاعلم أنّ مخرجها ـ على ما قاله سيبويه(2) وغيره ـ : من حافّة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينها و بين ما

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- السَّبْطُ : الشّعْرُ الذي لا جعُودة فيه، و شعرٌ سَبْطٌ وَسَبِطٌ: مُستَرسِلٌ غير جَعْد. (لسان العرب :«سبط)».
2- هو عمرو بن عثمان بن قبرالفارسي (المتوفّى 180هـ) لقب بـ «سيبويه» له ترجمة في «المعارف» لابن قُتيبة: 302 ـ اخبارالنحويّين والبصريّين للسيرافي: 48 ـ انباء الرواة:2/36.


( 88 )
يليها من الحنك الأعلى ممّا فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية(1).

قوله: «من أدناها إلى ما دون طرف اللسان» إلى رأسه، وقوله: «إلى منتهى طرف اللسان»: أي رأسه.

والضواحك: هي الأسنان الأربعة التي بين الأضراس والأنياب. وجاء بمعنى: كلّ سن يبدو عند الضحك.

وتخصيص الأوّل لأنّها نهاية ما يظهر من الأسنان عند الضحك، ووَصْف السن به وصفٌ مجازي كالشارب.

والضحك: بمعنى الظهور والتلألؤ والالتماع، كما يقال: له رأي ضاحك لا لَبس فيه. ويقال لِطَلع النخل: الضاحك والضُّحك.وضحك البرق.والحوض يضحك في الروضة. وكما قال بأحد المعنيين:

لا تَعْجَبي يا سَلمُ مِنْ رجل * ضَحِكَ المَشِيبُ بِرأْسِهِ فبَكَى(2)

والأنياب من الأسنان: التي بين الضواحك والرباعيات.

والرباعيات: هي الأسنان التي بين الناب والثنايا.

والثنايا: هي التي في مقدّم الفم فلكلّ من الأصناف الأربعة أربع: اثنتان من فوق واثنتان من أسفل.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- كتاب سيبويه: 4/433. و نصّه: ... وما فويق الثنايا مخرج النون.
2- البيت لدعبل الخزاعي من (الكامل)، انظر ديوانه: 143. (مؤسّسة الأعلمي، بيروت 1417هـ). و نسبه في أعلامالزركلي:5/214 إلى(البرداني محمد بن أحمد ابن محمد أبوالحسن) عن كتاب(المحمّدون:56).


( 89 )
وخالف في ذلك الحاجبي(1) فلم يعتبر من الأسنان إلاّالثنايا، قال في الإيضاح: وكان ينبغي أن يقال فوق الثنايا إلاّ أنّ سيبويه قال مثل ذلك، فمن أجل ذلك عددوا، وإلاّفليس في الحقيقة فوق ذلك ، لأنّ مخرج النون يلي مخرجها وهو فوق الثنايا فكذلك هذا، على أنّ الناطق باللام تنبسط جوانب طرفي لسانه ممّا فوق الضاحك إلى الضاحك الآخر وإن كان المخرج في الحقيقة ليس إلاّفوق الثنايا، هذا وإنّما ذلك يأتي لما فيها من شبه الشدّة ودخول المخرج في ظهر اللسان فينبسط الجانبان لذلك،فلذلك عدّد الضاحك والناب والرباعية والثنايا.

و خالف الشاطبي(2) في ظاهره فلم يعتبر إلاّاللسان والحنك، والشيخ أبو الحجاج يوسف بن محمد البلوي المعروف بابن الشيخ في كتاب «الف باء» فلم يعتبر إلاّاللسان.

وقال الجعبري(3) في «شرح حرز الأماني» : من رأس حافّة اللسان وطرفه ومحاذيهما من الحنك الأعلى ومن اللثّة في سمت الضاحك لا الثنيّة، خلافاً لسيبويه.

واعتبر الشيخ أحمد بن علي الكوفي صاحب «حل الرّموز» فويق الناب إلى الثنايا.

أقول: أمّا النزاع بين سيبويه والحاجبي فيشبه أن يكون لفظياً كما هو الظاهر

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- هو عثمان بن عمر بن أبي بكر المعروف بابن الحاجب (المتوفّى 646هـ). له ترجمة في البداية والنهاية:13/80 ـ النجوم الزاهرة:4/301)
2- أبوالقاسم بن فيّرة بن أبي القاسم خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي الضرير(538 ـ 590هـ). له ترجمة في سير أعلام النُّبلاء:21/261 ، البداية والنهاية: 13/10، النجوم الزاهرة:6/136.
3- ابراهيم بن عمر بن ابراهيم بن خليل الجعبري(640 ـ 732هـ) يُعرف بابن السراج. له ترجمة في معجم المؤلّفين:1/69، اعلام الزركلي:1/55، البداية والنهاية:14/185.


( 90 )
ممّا حكينا من كلامه، فإنّه معترف بأنّ اللسان ينبسط على الضواحك وما بينها جميعاً، إلاّأنّه يقول: إنّ المخرج حقيقة ما فوق الثنايا، وكأنّه في ذلك صادق، واعتبر سيبويه جميع ذلك وإن كان بعضه تابعاً لبعض. وأمّا ابتداء صاحب «حل الرّموز» من الناب، فلانتهاء الضعف في الضاحك، فإنّ نهاية القوة في الوسط الذي هو بازاء الثنايا ولا يزال يضعف قليلاً قليلاً إلى الضاحك، وربّما لم يظهر مدخليته لغاية الضعف فيه.

وأمّا عدم اعتبار الجعبري للثّنايا، فلا يتمّ إلاّإذا تلفّظ باللام بشدّة فإنّه حينئذ ينعطف طرف اللّسان إلى الحنك.

وأمّا الشاطبي فلعلّه تسامح إمّا باستعمال الحنك فيما يشمل اللثَّة تغليباً، أوبالاكتفاء ببعض أجزاء المخرج.

ثمّ اللام من الحروف الذولقية أو الذلقية التي تبتدئ من ذولق اللّسان أو ذلقه أي حدّه وهي ثلاثة: الراء واللاّم والنون، وفي بعض نسخ «العين» للخليل: إنّ حروف الذلق: الراء واللاّم والنون والفاء والباء والميم، ولعلّه إدخال الثلاثة الأخيرة باعتبار طرف الفم إذ لا مدخل للسان فيها، والمراد النسبة إلى الذلق، بمعنى الفصاحة لخفّة النطق بها وسهولته، ثمّ هي من المجهورة(1) أي التي يقوى التصويت بها; لما يمنع النفس من الجبران معها وهي ما عدا حروف «سكت فحثه شخص ». و هي أيضاً بين الشديدة والرخوة وهي حروف لم ترو عنّا، فإنّ الشديدة ما ينحصر الصوت في مواضعها عند الوقف وهي حروف «أجدك قطبت»، والرخوة مايجري الصوت معها في الوقف وتلك الأحرف الثمانية ينحصر

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- قال في تاج العروس: 3/114، المجهورة من الحروف عند النحويّين بأجمعهم في قولهم «ظلّ قوربض إذ غزا جند مطيع».


( 91 )
الصوت في مواضعها، إلاّ أنّه تعرض لها أعراض توجب خروج الصوت من غير مواضعها، أمّا اللاّم فلأنّ مخرجها أعني طرف اللسان، وإن لم يتجاف عن الحنك عند النطق حتى يجري الصوت بينهما، إلاّ أنّه لم يسد طريق الصوت بالكلّية كالدال والتاء، بل انحرف طرف اللسان فخرج الصّوت من مستدق اللّسان فويق مخرجه.

وأمّا البواقي فنكِل بيانها إلى كتب التصريف.

ثمّ هي من المنفتحة وهي ما عدا المطبقة والصّاد والضّاد والطاء والظاء، والإطباق أن ينطبق الحنك على اللسان عند النطق بالحرف.

ثمّ هي من المنخفضة وهي ما عدا المستعلية وهي المطبقة مع الخاء والغين والقاف ، والاستعلاء ارتفاع اللسان إلى الحنك عند النطق بالحرف.

وهي وحدها تسمّى منحرفة، لأنّ اللّسان ينحرف عند النطق بها. وجعل الكوفيون وحكى ابن أبي طالب الراء أيضاً منحرفة.

وأمّاالكلام عليها بالاعتبار الثاني، فاعلم أنّهما نوعان: إحداهما غير عاملة، والأُخرى عاملة.

والكلام هنا في العاملة وهي على قسمين: الجارة، والجازمة، خلاف الكوفيين فقد زادوا الناصبة، لزعمهم أنّ «لام كي» و«لام الجحود» بأنفهسما ناصبتان.

والكلام هنا في الجارّة :فاعلم أنّها في المشهور مكسورة إلاّالمضمر غير الياء فإنّها مفتوحة في الأكثر، وخزاعة تكسرها معه أيضاً.

وأمّا مع الياء فكسرها متّفق عليه. هذا في غير المستغاث، وأمّا فيه فتفتح إذا لم يكن معطوفاً على غيره، وحكى يونس وأبو عبيدة وأبو الحسن وأبو عمرو، أنّهم


( 92 )
سمعوا العرب بفتحها مع الظاهر مطلقاً.

وحكى ابن أبي طالب عن بني العنبر(1) أنّهم يفتحونها مع الفعل. وعن أبي زيد أنّه سمع من يقرأ (وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ)(2) بفتح اللاّم.

وحكى المبرّد عن ابن جبير أنّه قرأ (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لتَزولَ مِنْهُ الجِبالُ)(3) بفتح اللاّم مع فتح لام الفعل.

فإن قلت: على من كسرها أنّ الأصل في البناء، لا سيما في الحروف، أن يبنى على السكون لخفّته، ولكونه عدماً والعدم أصل في الحادث، ولمّا تعذّر هنا السّكون للزوم الابتداء بالساكن،كان الأصل أن يبنى على الفتح لكونها أُخت السكون في الخفّة وإن كانت أُخت الكسرة في المخرج، كما بنيت الكاف والواو والفاء وغيرها من الحروف المبنية على حرف واحد، على الفتح.

قلنا: فرقاً بينها وبين لام الابتداء، ولم يعكس لياطبق حركة الجارّة، أثرها الذي هو الكسر وما بحكمه، ولمّا كان الافتراق في الضمائر حاصلاً فإنّ لام الابتداء لا يتصل به ضمير جعلت فيها مع الأصل إلاّفي الياء، فإن استدعاها كسر ما قبلها قويّ، وإبقائها في المستغاث على الفتح، للفرق بين المستغاث والمستغاث له، وكسرها في المعطوف، لحصول الفرق بالعطف.

وأمّا معاني اللاّم الجارّة فكثيرة، والمناسب هنا ثلاثة معاني:

الاختصاص: كما في قولك: المنبر للخطيب، والحصير للمسجد، والسرج للفرس، وقوله تعالى: (فإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ)(4).

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- بني العنبر بن عمرو بن تميم و إليهم ينسب «العنبري».
2- الأنفال: 33.
3- إبراهيم:46.
4- النساء:11.


( 93 )
والملك: كمافي قوله (تعالى): (لَهُ ما فِي السَّمواتِوَما في الأَرض)(1).

والاستحقاق: كما في : الحمد للّه، والعزّة للّه، والملك للّه، والنار للكافر، وغيرها.

وما قيل من اختصاصها بالوقوع بين معنى وذات، لم يثبت، ولو سلّم فليؤوّل هنا بالتمكّن في المَربَع، كما يُؤوّل في النار بعذابها.

أُمّ الشيء: أصله. ومنه الوالدة. وأُمّ النجوم: المجرّة لأنّها لاجتماع كثير من النجوم فيها كأنّها أصل ينبعث منها النجوم. وأُمّ القرى، لمكة; لأنّ الأرض دُحِيَت من تحتها. ويقال للمعدة: أُمّ الطعام، وللجلدة التي تشتمل على الدماغ: أُمّ الدماغ،تشبيهاً لهما بالوالدة.

وعن الخليل والأخفش: كلّ شيء انضمّت إليه أشياء فهو أُمّ، وبذلك سمّي رئيس القوم أُمّاً لهم، وأُمّ مثوى الرجل صاحبه منزله الذي ينزله.

وقوله سبحانه: (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ)(2) بمعنى: التي تضمّه وتؤويه.

وأُمّ الكتاب: اللَّوح المحفوظ; لاشتماله على كلّ عِلم.

ومن العرب من يكسر همزته، وقرأ(فَرَدَدْناهُ إلى أُمّه)(3) بالكسر.

وقد يحذفون الهمزة استخفافاً فيقولون: «ويل مه»، وربّما كتبوه «ويلمه» متّصلاً.

وربّما قالوا:« أُمّة» بإلحاق التاء.

واختلف في أصله ، فقيل: أصله «أُمَّهةٌ» لجمعه على «أُمّهات»، وقيل:

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البقرة:107 و116.
2- القارعة:9.
3- أي«إمّه». القصص:13.


( 94 )
«أُمّهتي صدفٌ والياس أبي».

وقيل بل هو الأصل ولكن جاء «أُمَّهة»بمعناه، ولذا يُجمع على «أُمّات» أيضاً. وقيل: «الأُمّهات» يخصّ الناس، و«الأُمّات» البهائم. وقيل إنما زيدت الهاء في جمعها للتفخيم، وخُص بها الجمع لأنّه موضع تخييرمّا.

«العمر»: بالفتح والضم، وبضمّتين: الحياة.

وقال أبو حيّان في «ارتشافه»: وفي معنى عمر قولان:

أحدهما مذهب البصريين: أنّه بمعنى البقاء، تقول: طال عمرك وعمرك. والتزموا فتح العين مع اللام في القَسَم فالمجرور بعده فاعل والمصدر مضاف إليه.

والثاني ما ذهب إليه بعض الكوفيين والهروي: أنّه مصدر ضدّ الخلو، مِن: عمّر الرجل منزله، والمقسم يريد تذكير القلب بذكر اللّه تأكيداً للصدق. وبه قال السهيلي.

وقال الراغب: اسم لمدّة عمارة البدن بالحياة، ـقال:ـ فهو دون البقاء فإذا قيل: طال عمره، فمعناه: عمارة بدنه بروحه. وإذا قيل: بقاؤه، فليس يقتضي ذلك، فإنّ «البقاء» ضد« الفناء»، ـقال:ـ ولفضل البقاء على العمر وصف به اللّه تعالى، و قلّما وصف بالعمر(1).

أقول: ولذا ورد النهي عن قول: لعمر اللّه.

والعَمر، بالفتح وبفتحتين: الدِّين، قيل: ومنه لَعَمري.

وبالفتح والضمّ: منابت الأسنان وما بينها من اللحم المستطيل، وجمعه بالمعنيين عمور، و تحملهما قوله ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : «أوصاني جبرئيل بالسواك حتى خفت على

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- مفردات غريب القرآن:347.


( 95 )
عُموري»(1).

والعَمَر، بالفتحتين: المنديل تُغطي به الحرّة رأسها. والعمران: الكمال.

والعَمر بالفتح: ضرب من النخل طويل. و:القرط.

والعمران: اللحمتان المتدلّيتان على اللَّهاة.

والعُمر، بالضم: المسجد والبيعة والكنيسة.

وعَمرو، بالفتح: اسم مأخوذ من أحد المعاني المناسبة من هذه المعاني، كُتب بالواو فرقاً بينه و بين عُمَر مضموم الأوّل مفتوح الثاني، ولذا لم تكتب بها في النصب لحصول الافتراق بالألف.

الباء: حرف تَهجِّي. وحرف مَعنَى.

أمّا الكلام عليها بالاعتبار الأوّل: فاعلم أنّها من الحروف الشفويّة، مخرجها ما بين الشفتين بانطباق بينهما بالاتفاق. وهي مجهورة شديدة، منفتحة منخفضة ذلقية على رأي، وهي من حروف القلقلة وهي حروف «قطب جد»، وإنّما سميت قلقلة، لأنّها يصحبها ضغط اللسان في مخارجها في الوقف مع شدّة الصوت المتصعّد من الصدر وهذا الضغط يمنع من خروج ذلك الصوت، فإذا أردت بيانها احتجت إلى قلقلة اللسان، أي تحريكه عن موضعه حتى يخرج صوتها فيسمع.

وأمّا الكلام عليها بثاني الاعتبارَين: فاعلم أنّها مكسورة.

وعن ابن جنّي أنّه حكى عن بعضهم أنّ حركتها الفتح مع الظاهر، وإنّما بنيت على الكسر مع أنّ الأصل بناؤها على الفتح كما علمت، للزومها الحرفية

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- ابن أثير: النهاية في غريب الحديث: 3/299، و لسان العرب:4/1215 «عمر».


( 96 )
والجرّ، وكلّ منهما يناسب الكسر.

أمّا الحرفية: فلأنّها تقتضي عدم الحركة، والكسر يناسب العدم لقلّته، إذ لا يؤخذ في الفعل، ولا في غير المنصرف من الأسماء ولا في الحرف إلاّنادراً، ولقربه من السكون في المخرج كما مرّت إليه الإشارة، لأنّ الواقف على السكون لافظ بكسرة خفيّة.

وأمّا الجر: فللمناسبة: وهذا بخلاف الكاف فإنّها وإن لزمت الجرّ لكن لم تلازم الحرفية. وبخلاف الواو فإنّها وإن لزمت الحرفية إلاّ أنّها لا تلازم الجرّ، لأنّها تكون عاطفة ومعترضة ونحوهما. وأمّا تاء القسم: فلا تلازم شيئاً من الحرفية والجرّ.

وقال الزجاج: إنّما كُسرت الباء للفصل بين ما يجر، وقد يكون اسماً كالكاف وما يجر ولا يكون إلاّحرفاً كالباء.

وقال المبرّد: العلّة في كسرها ردّها إلى الأصل، ألا ترى أنّك إذا أخبرت عن نفسك بأنّك كتبت باءً قلت: «ببيت» فرددتها إلى الياء، والياء أُخت الكسرة.

وأمّا معانيها: فكثيرة إلاّ أنّه يمكن اعتبار الإلصاق(1) في كلّ منها، ولذا حصرها سيبوبه في الالزاق والاختلاط.

والمعنى المناسب هنا هو الظرفية، كقوله تعالى: (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَر) (2) ونحو: زيدٌ بالبصرة.

الألف واللام اللّتان للتعريف، فيهما أقوال:

أحدها: إنّ الحرف المعرّف ثنائي الوضع«ال» كـ«قد» و «هل» وإنّ الهمزة

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- لَصِق، و هي لغة تميم، و قيس تقول لَسق بالسين و ربيعة تقول لَزَق.(لسان العرب: «لصق)».
2- القمر: 34.


( 97 )
للقطع كما في «أُم» و«أو» وهو الذي ذهب إليه الخليل وابن كيسان.

وثانيها: إنّ المعرّف «ال»إلاّ أنّ همزتها همزة وصل معتدّ بها في الوضع وهو المعزى إلى سيبويه.

وثالثها: إنّ المعرّف إنّما هو اللام الساكنة وضعاً، والهمزة زائدة; للوصل بالساكن، وعليه الأكثر.

ورابعها: إنّ المعرّف إنّما هو الهمزة، واللام مزيدة، للفرق بين همزة التعريف وهمزة الاستفهام، وعُزي إلى المبرّد.

واستدلّ للأوّلَيْن: بأنّ حروف المعاني ليس فيها ما وضع على حرف واحد ساكن، وبفتح الهمزة وثبوتها في الاستفهام، نحو: أالان، وفي النداء نحو: يا اللّه، وفي القسم نحو: ها للّه لأفعلن، وبأنّهم يقولون في التذكير«ألي» كما يقولون «قدي»، وبأنّ الأصل في كلّ كلمة أن تكون جميع حروفها أصليّة.

وللثالث: بحذف الهمزة في الدّرج، وبأنّ حرف التنكر حرف واحد ساكن هو التنوين، فكان المناسب أن يكون حرف ضدّه كذلك.

وإنّما خالفت التنوين فدخلت أوّل الكلمة لتحفظ عن الحذف فإنّ الآخر يدخله الحذف كثيراً، وإنّما كانت لاماً لأنّ اللام تدغم في ثلاثة عشر حرفاً.

وأمّا إثبات همزتها في الاستفهام، فللفرق بينه و بين الإخبار.

وأمّا إثباتها في «يااللّه» و«ها للّه» فلأنّ الألف واللام في لفظ «اللّه» عوضان عن همزة «إله» ولازمتان للكلمة وبذلك صارتا بمنزلة أجزاء الكلمة.

وأمّا قولهم: «ألي» كـ «قدي» فلتنزيلهم لهما; لتلازمهما منزلة «قد»، ولعلّ سيبويه لمّا رأى تعارض دليلَي أصالة الهمزة وزيادتها جمع بين الأصالة والوصيلة.


( 98 )
وأمّا حجّة الرابع: فهو أنّه حرفٌ زيد لمعنى، وأولَى الحروف بذلك حروف العلّة وأولاها «الألف»، لكونها أخفّها، ولمّا تعذّر الابتداء بها قُلبت همزة.

ويدلّ على عدم أصالة «اللاّم» أنّها تُقلب ميماً في لغة حمير إمّا مطلقاً أو فيما لا يُدغم فقط.

ولا يخفى أنّ الدليلين بمكان من الوهن، وأنّ هذا الرّأي بمكان من الضعف، وإنّما الأمر متردّد بين الثلاثة الأُوَل، بل بين الأوّل والثالث والأظهر هو الثالث، ومعناهما التعريف أي جعل الاسم معرفة، وزعم ابن مالك أنّه لا يمكن حدّ المعرفة قال: لأنّ هاهنا ما هو معرفة معنى نكرة لفظاً نحو: كان ذلك عام أوّل، وعكسه نحو: أُسامة، وما فيه الوجهان كذي اللام الجنسيّة.

والمشهور: إمكان التعريف فقيل: ما وضع لشيء بعينه، وقيل: ما وضع ليستعمل في شيء بعينه، والحقّ ما هو المشهور من إمكان التعريف.

وأمّا استعمال النكرة لفظاً في معنى المعرفة وعكسه، فهما من التوسعات.

وأمّا التعريفان فلكلّ وجه.

والمراد بالتعيين المأخوذ فيهما، ما يعمّ الشخصي والنوعي، والمقصود منها: أن يكون اللفظ إشارة إلى المعنى باعتبار تعيينه، فلا يرد أنّ النكرات أيضاً تدل على معان معيّنة، إذ ما من معنى إلاّ و له تعيين وامتياز عن غيره لا سيما إذا عمّم التعيين للنوعي، فإنّ معاني النكرات وإن كانت كذلك إلاّ أنّها ليست إشارات إليها باعتبار تعيّناتها.

واعلم أنّ اللام لها معاني أربعة. وتحقيقها أيضاً:

إمّا للإشارة إلى حصّة معيّنة من الماهية المدلول عليها بمدخولها فرداً أو فردين أو أفراداً، ولابدّمن أن تكون الحصّة إمّا مذكورةً قبل، نحو (كَما أَرْسَلْنا


( 99 )

إِلى فِرْعَونَ رَسُولاً * فَعَصى فِرعَوْنُ الرَّسُولَ)(1)، (فِيها مِصْباحٌ المِصْباحُ في زُجاجَة الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوكَبٌ دُرِّيٌّ)(2)، أو حاضرة عند المتكلّم نحو: جاءني هذا الرجل، و:يا أيّها الرجل، و: خرجتُ فإذا أسد، و: الآن، و: اليوم، و كما أنّك تقول لرجل يشتم رجُلاً بحضرتك: لا تشتم الرَّجل، أو معلومة معهودة بين المتكلّم والمخاطب نحو: (إِذْ هُما فِي الغارِ(3)).

وإمّا للإشارة إلى الماهية وهو يتشعّب إلى ثلاثة، فإنّها : إمّا إشارة إلى نفس الماهية من حيث هي من غير اعتبار وُجودها في ضمن الأفراد و تسمّى لام الطبيعة ولام الحقيقة، نحو: الرَّجل خيرٌ من المرأة، أو إليها باعتبار وجودها إمّا مع قرينة البعضية أي الوجود في ضمن بعض الأفراد ويسمّى لام العهد الذّهني، نحو: أكلتُ الخُبْزَ، وشَرِبتُ الماءَ، ورَكِبتُ الخَيْلَ، أو مع قرينة العموم، أو مع عدم القرينة، وتحمل على العموم أيضاً في المقامات الخطابية حذراً من الترجيح بلا مرجِّح ويسمّى لام الاستغراق، نحو: (إِنَّ الإِنْسانَ لَفِي خُسْر * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا)(4) و الّذي يحتمله اللاّم هنا، العهدان.

«اللِّو»ى، كألي: ما التَوَى من الرَّمْل، أو مُسْتَرَقُّه، ومُنْقَطَعُهُ ، ألْوى القَوم: صاروا إلى لِوى الرَّمْلِ، يقال: ألوَيتُم فَانزِلُوا.

«المَربَعُ»: منزل القوم. في الربع خاصّة، يقال: هذه مَرابِعُنا وَمصايفُنا.

«الطُّمُوسُ»: الدُّرُوسُ والامِّحاء(5)، وقد طَمَسَ يَطْمِسُ وَيَطْمُسُ وَطَمَسْتُهُ طَمْساً، يتعدَّى ولا يتعدَّى، وانْطَمَس الشيءُ و َتَطَمَّسَ: أي انْمَحى وَدَرَسَ، ولفظ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- المزمّل:16ـ 17.
2- النور:35.
3- التوبة:40.
4- العصر:2ـ3.
5- اِمَّحى، يَمَّحِي، اِمحاء. و الأصل في اِمََّّحى: اِنْمَحى، ووزنه «اِنْفَعَلَ».(لسان العرب: «محا)».


( 100 )
الطامسة هنا يجوز جعله من كلّ من اللاّزم والمتعدّي: أمّا الأوّل فظاهر، وأمّا الثاني فلأنّ اسم المفعول كثيراً ما يكون على صيغة اسم الفاعل بمعنى ذو كذا، كراضية في (عيشَة راضية) على وجه.

التاء: حرف واسم، والحرف: حرف هجاء، وحرف معنى.

أمّا حرف الهجاء: فمخرجها على ما قاله سيبويه و غيره: ما بين طرف اللّسان وأُصول الثنايا، يعني الثنايا العليا.

وزاد في الارتشاف مصعداً إلى جهة الحنك.

وفي «الإيضاح» للحاجبي قوله: وأُصول الثنايا ليس بحتم، بل قد يكون ذلك من أُصول الثنايا وقد يكون ممّا بعد أُصولها قليلاً مع سلامة الطّبع من التكلّف.

وفي «المفتاح» للسكّاكي و«حرز الأماني» وغيرهما: أنّه ما بين طرف اللّسان والثنايا العليا من غير تقييد بالأُصول، وهو موافق لما ذكره الحاجبي.

وفي «شرح حرز الأماني» للجعبري بين رأس اللّسان وبين أُصول الثنتين العليتين أو وسطهما، وهو تصريح بموافقته.

وفي «حلّ الرّموز»: بين رأس اللّسان وما يلي أُصول الثنايا فقد حتم الوسط على عكس الأوّل.

وهي مجهورة شديدة منفتحة منخفضة نطعية، أي مبدؤها من نطع الغار الأعلى وهو بالكسر وكعنب، ما ظهر منه فيه آثار كالتحرير.

والحروف النطعية هي: الطّاء والدال والتاء، وهي مصمتة أي ممّا عدا حروف الذلاقة والإصمات، أنّه لا يكاد يبنى منها كلمة رباعية أو خماسية مُعراة عن حروف الذلاقة فكأنّه قد صمت عنها.


( 101 )
وأمّا التاء التي هي حرف معنى، فعلى قسمين:ساكنة ومتحركة، والكلام هنا في المتحركة والتي هنا منها علامة التأنيث مخصوصة بالاسم تقلب في الوقف هاءً، أو قيل: بل علامة التأنيث هي الهاء تقلب في الوصل تاءً، أو أصلها أن تجيئ لفصل وصف المؤنّث عن وصف المذكّر، نحو: طامسة وطامس، وللفصل بين الآحاد المخلوقة وأجناسها كتمرة وتمر، وجرادة وجراد.

وقد يكون ذو التاء جنساً وعديمها واحداً ككَمئَ وكماة عند بعض، وجبيَ وجباة، وفقع وفِقعة على ما قيل. وقد يأتي لوحدة أسماء المصنوعات كسفينة وسفين، وعمامة وعمام، ولبنة ولبن، وجرة وجر، وقلنسوة وقلنسو.

وقد تكون علامة لتأنيث الاسم الجامد نحو : امرئ وامرأة، ورجل ورجلة، وغلام وغلامة، وإنسان وإنسانة، وحمار و حمارة، و بِرذَون وبرذَونَة، وأسد وأسدة.

و قد تدخل الصفات دلالة على الجمعية ، نحو: بغال و بغالة، و حمار وحمارة، و جمال و جمالة، ووارد و واردة، و شارب و شاربة، و بصري و بصرية، و كوفي وكوفية، و أشعريّ و أشعريّة.

وتجيئ لأغراض اُخر والكل متفرّع على التأنيث.

«الأعلام» ، مكسّر علم: وهو العلامة وما ينصب ليُهتدى به في الطريق، والجبل أو الطويل منه، والراية وما يعقد على الرمح، وسيّد القوم، ويقال: فلان علم، أي مشهور، تشبيهاً بالراية أو الجبل.

«الهاء»: حرف واسم، والحرف حرف تهجّي وحرف معنى.

أمّا الكلام على حرف التهجّي منها: فاعلم أنّ مخرجها أقصى الحلق كالهمزة والألف إمّا في رتبة واحدة، أو الهمزة أوّل ثمّ الهاء و الألف في رتبة، أو الهمزة أوّل ثمّ الألف ثمّ الهاء، أو الهاء أوّل، أو الألف هوائية لا مخرج لها على اختلاف الآراء.


( 102 )
والحقّ أنّ الألف هوائية وهو المروي عن الخليل. قال الجعبري في «شرح حرز الأماني» :والتحقيق ما ذكره الخليل، ومعنى جعل سيبويه الألف مخرج الهمزة أنّ مبدأه مبدأ الحلق ثمّ يُمدّ ويمرّ على الكلّ. ثمّ إنّ الظاهر أنّ الهمزة أوّل ثمّ الهاء وهي تسمّى: مهنوناً، لضعفها وخفائها، و هي مهموسة مصمتة رخوة منفتحة منخفضة.

وأمّا الكلام على حرف المعنى منها، فليس ممّا يتعلّق بما هنا، لكونها هنا اسماً. وأمّا الاسم منها: فهو ضمير المذكّر الغائب الواحد متّصل مشترك بين المجرور والمنصوب. والواو والياء الملفوظتان بعده إشباع وتقوية للحركة. خلافاً للزجّاج فإنّه يجعل الضمير مجموع الهاء والواو، والحجازيون يضمّونه مطلقاً كان قبله ياء أوكسرة أو لا. وغيرهم يكسرونه بعدهما إلاّإذا اتّصل به ضمير آخر نحو يعطيهوه ولم يعطهوه.

ثمّ إن كان قبله متحرّك أُشبعت حركته والإسكان، والاختلاس ضرورة عند سيبويه، وحكاهما الكسائي عن بني كلاب و بني عقيل.

وإن كان قبله حرف لين فحذف الواو والياء أحسن والإشباع بهما عربي، وإن كان ساكناً غير لين فالإشباع أحسن عند أبي عمرو و سيبويه، خلافاً للمبرّد إذ الاختلاس عنده أجود، وتبعه ابن مالك، وقرأ ابن ذكوان: أَرْجِهْ(1)، بكسر الهاء من غير إشباع بعد كسره مفصولاً بينها وبين الهاء بساكن، وإن كان مفصولاً بينه وبين متحرّك بساكن حُذف جزماً أو وقفاً جاز الإشباع والإسكان والاختلاس، نحو: (يَرْضَهِ لَكُمْ)(2)، و(يُؤدِّه إليكَ)(3) و: (فألقه إليهم) (4).

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الأعراف: 131 و الشعراء:36.
2- الزمر: 7.
3- آل عمران: 75.
4- النمل: 28.


( 103 )
و «البَلْقَع»: الأرض القفر التي لا شيء فيها، يقال: منزل بلقع، ودار بلقع بغيرها، إذا جعل نعتاً، فإن كان اسماً قيل: انتهينا إلى بلقعة لمساء.

الإعراب:

لأُمِّ عَمْرو: ظرف عامله عامٌّ واجبُ الحَذفِ إمّا فعل أو اسم على اختلاف الرأيين، وهو كائنٌ أو كان، أو حاصلٌ أو حَصَل، أو ما يؤدّي مؤدّاهما.

وعن ابن جنّي تجويز إظهار هذا العامل.

قال نجم الأئمّة: ولا شاهد له قال: وأمّا قوله: (فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ)(1) فمعناه ساكناً غير متحرّك وليس بمعنى كائناً (2).

واختلف في أنّ الضمير حُذف مع العامل أو استقرّ في الظرف.

فذهب السيرافي إلى الأوّل وغيره إلى الثاني، ويدلّ عليه أنّه قد يؤكد، كقوله:

فإنْ يَكُ جُثماني بأرضِ سواكم * فإنّ فؤادي عِندك الدهرُ أجمعُ (3)

و انّه قد يعطف عليه كقوله:

أَلا يا نَخْلَةً مِنْ ذاتِ عِرْق * عَلَيْكَ وَ رَحْمَةُ اللّهِ السّلامُ (4)

إذ لا يجوز تقدّم المعطوف على المعطوف عليه فلا يمكن أن يجعل «رحمة اللّه»معطوفاً على «السّلام» وينتصب عنه الحال، كقوله عزّمن قائل:(فَفِي الجَنَّةِ خالِدينَ فِيها) .(5)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- النمل:40.
2- شرح الرضي علي الكافية:1/244.
3- ذكره في شرح شواهدالمغني: 2/846 الشاهد 682 و قال هو من قصيدة لجميل أوّلها:

أهاجَكَ أمْ لا بالمَداخِلِ مَرْبَعُ * ودارٌ بأجراعِ الغَدِيريْنِ بَلْقَعُ

4- قال البطليوسي:لا أعلم قائله. قال: و نسبه قوم للأحوص (انظر شرح شواهد المغني: 2/777 الشاهد568).
5- هود:108.


( 104 )
وعندي أنّ الإنصاف أنّ قول السيرافي أقرب إلى التحقيق، فإنّ الاسم الجامد لا يصلح شيء منهما لأن يستتر فيه الضمير، ولأنّه لو بقي الضمير لكان بين المفرد وأخويه، والمذكر وأُخته، فرقاً كما كان في العامل إلاّ أنّه لمّا كسر حُذِف العامل، بل وجب لشدّة ظهوره، حتى كان ذكره بمنزلة الحشو في الكلام نزل منزلة المذكور فأكّد وعطف عليه وأوقع عنه الحال ولا بُعد فيه، على أنّ لقائل أن يقول: إنّ التأكيد في البيت لـ«فؤادي»، والرفع للحمل على محله، والعطف على المحذوف لا يحصى كثرة، وأنّ «رحمة اللّه» معطوف على «السلام» وإن تأخّر عنه، كما في قوله:

ثمّ اشتكيت لاشكاني و ساكنه * قبر بسنجبار أو قبر على قهد(1)

هذا كلّه إن لم يكن للظرف مرفوع ظاهر محكوم بكونه فاعلاً له، وإلاّفلا خلاف في أنّ لا ضمير لا في العامل المقدّر ولا في الظرف.

واعلم أنّهم حصروا ما يجب حذف عامله في ثمانية مواضع:

الأوّل: أن يكون صفة والعامل عامّاً نحو: (أَوْ كَصَيِّب مِنَ السَّماءِ) .(2)

والثاني: أن يكون حالاً والعامل كذلك نحو: (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ في زينَتِهِ) .(3)

والثالث: أن يكون صلة والعامل كذلك نحو: (مَنْ فِي السَّمواتِ) .(4)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البيت لـ «ضنان بن عباد اليشكري» ذكره البكري الاندلسي في كتابه «معجمما استعجم»:3/760، و جاء في معجم البلدان للحموي:4/418 و قال: قهد ـ بالتحريك ـ اسم موضع.
2- البقرة:19.
3- القصص:79.
4- يونس:66.


( 105 )
والرّابع: أن يكون خبراً للمبتدأ قبل دخول النواسخ أو بعده والعامل كذلك نحو: زيد في الدّار.

والخامس: أن يكون رافعاً للاسم الظّاهر ولا يكون إلاّوالعامل عام نحو: في الدار زيد.

والسّادس: أن يكون استعماله كذلك فيجب اتّباعه، وذلك في الأمثال وأشباهها نحو: حينئذ، الآن، وأصله: كان ذلك حينئذ، و: اسمع الآن.

والسّابع: أن يضمر العامل على شريطة التفسير نحو: يوم الجمعة صمت فيه

والثامن: القَسَم بغير الباء.

والثلاثة الأخيرة ليست ظروفاً مستقرّة.

والخمسة الأُوَل كلّها تسمّى مستقرّة، إمّا بفتح القاف بمعنى استقرار الضمير فيها على القول بذلك، أو استقرار معنى العامل والضمير فيها، أو استقرار معنى الاستقرار فيها، أو بكسرها بمعنى الاشتمال على معنى الاستقرار، أو بمعنى الاستقلال والاستغناء عن التعلّق بشيء، أو بمعنى أنّها لمّا كانت مسندة أو قائمة مقام المسند خرجت عن كونها فضلة فاستقرّت، فإنّ الفضلة متزلزلة بين الثبوت والزوال.

ثمّ إنّ الظرف المستقر في الأربعة الأُول وفيما إذا ولي نفياً أو استفهاماً يعمل في الفاعل والحال و الظرف والتمييز والمستثنى والمفاعيل إلاّالمفعول به، فإنّ الكون العامل في الظرف قاصر لا يكون له مفعول به، فإذا تعقّب أحد هذه الظروف مرفوع كان فيه أقوال:

أحدها: أنّه يجوز أن يكون المرفوع مبتدأ خبره الظرف، ويجوز أن يكون فاعلاً


( 106 )
للظرف والأوّل أرجح.

وثانيها: جوازهما مع رجحان الثاني.

وثالثها: تعيين الثاني.

واختلف في أنّ العامل في الاسم الذي بعد هذا الظرف من الفاعل وغيره هل هو العامل المحذوف، أم الظرف؟ على قولين.

كما اختلفوا في أنّ الخبر أيّهما؟

ويؤيد الثاني أنّ الحال لا يتقدّم عليه، ولو كان عاملها العامل المقدّر لجاز التقدّم وأنّ الضمير قد استتر فيه لما تقدّم. ولو لم يكن عاملاً لم يستتر فيه الضمير وقد عرفت ما في الاستدلال على استتار الضمير فيه.

وأمّا عدم تقدّم الحال، فيحتمل أن يكون لالتباسها إن قدّمت بعامل الظّرف إلاّأن يكون جامداً، فإن أُوّل بالمشتق جرى فيه الالتباس وإلاّ احتمل التأويل به لتعلّق الظرف به، وبالجملة فالالتباس جار في الكل.

ويمكن أن يؤيّد على تقدير تقدير الفعل، بأنّه لو كان العامل هو الفعل لم يشترط بالاعتماد على أحد الأُمور الستّة إذ لا اشتراط بذلك لعمل الفعل.

وإن لم يكن الظرف في أحد هذه المحال ويعقبه مرفوع، فلا يخلو إمّا أن يكون المرفوع حدثاً، أو أنّ بمعمولها أو غيرهما.

فإن كان غيرهما فأوجب الكوفيون أن يكون فاعلاً أيضاً، ولا يشترطون الاعتماد وإنّما أوجبوه، لأنّهم لا يجيزون تقديم الخبر على المبتدأ، للزوم الإضمار قبل الذكر، ولذا قالوا في قائم زيدٌ: إنّ زيداً فاعل «قائم»، ولم يجيزوا أن يكون مبتدأ خبره «قائم».


( 107 )
وجوّز الأخفش الأمرين وكذا جوزهما في : قائم زيدٌ، إذ لا يشترط الاعتماد في شيء من الظرف والصفة ولا يمنع تقديم الخبر على المبتدأ.

وأمّا سائر البصريين; فعلى وجوب أن يكون المرفوع مبتدأ خبره الظرف، لاشتراطهما الاعتماد على أحد الأُمور الستّة.

وأمّا إذا كان المرفوع أحد الباقيين فعند الخليل لا فرق بينهما و بين غيرهما. وفرق سيبويه فأجاز ارتفاعهما بالفاعلية.

قال الفاضل في التّعليق: ولعلّ السرّ فيه هو أنّ الحدث ادّعي للحصول والوقوع مع استدعاء الحصول ما يتعلّق هو به فيصرفه أي يصرف الحدث معناه، أي معنى الفعل الذي في الظرف إلى نفسه وإن لم يكن ذلك المعنى قوياً، بخلاف الخنث فإنّها تستدعي مزيد قوّة فلا يستطيع المعنى الضعيف الّذي في الظّرف أن يصرفها إلى نفسه.

وذهب الفارسي إلى أنّ «أن» بمعمولها يرتفع بالفاعلية دون الحدث الصريح، قيل إنّما عمل في أنّ بلا اعتماد لشبهها المضمر في أنّها لا توصف.

إذا تقرّر هذا فنقول: على المختار عند البصريين«لأُمّ عمرو» خبر لقوله: «مربع» وعند الكوفيين «مربع» فاعل للظرف.

ولابتدائية «مربع» مسوّغان:

أحدهما: الوصف.

والثاني: كون الخبر ظرفاً مخصوصاً أو تقدّم الخبر عليه على اختلاف الرأيين.

ومنشأ الخلاف: أنّ مدار الابتدائية على الإفادة أو التخصيص.

فإن كان الأوّل، كفى كون الخبر ظرفاً مخصوصاً لحصول الفائدة، بخلاف ما


( 108 )
لم يكن مخصوصاً، نحو: في الدارِرَجُلٌ، إذ الزمان لا يخلو عن أن يكون في دارما رجل.

وإن كان الثاني، فإنّه بالتأخّر عن الخبر يشبه الفاعل، فكما يجوز كونه منكراً لتخصيصه بالفعل كذا يجوز الابتداء بالمنكر المتأخّر.

وقوله: باللِّوى: يحتمل أن يكون حالاً عن «مَرْبَعُ» وصحّ مع أنّه نكرة لوصفه وتأخّره.

وأن يكون حالاً عن ضمير الظرف المتقدّم على تقدير الخبرية.

وأن يكون خبراً آخر لمربع.

وأن يكون صفة لأُمّ عمرو إن كان نكرة، بل وإن كان معرفة بتقدير اسم الموصول، كما قيل في قوله:

عدس ما لعباد عليك أمارة * نجوت وهـذا تحمـلين طليـق(1)

إنّ التقدير«وهذا الّذي تحملين».

وأن يكون متعلّقاً بالظرف الأوّل فيكون لغواً، وعلى الأربعة الأُول مستقرّاً.

طامسة: صفة لمربَع بحال المتعلّق، ويسمّى مجموع النعت بـ:«حال المتعلق»، والمتعلّق أو النعت وحده بـ«النعت السببي»، وإنّما يشترط مطابقة هذا النعت لمنعوته في الإعراب والتعريف أو التنكير دون الإفراد أو أخويه، ودون التذكير أو أُخته، إذ لا ضمير فيه يعود إلى المنعوت ولا هو مسند إليه بل إنّما أُسند إلى المتعلّق، فإنّما يجب مطابقته له في التذكير وفي التأنيث إن كان مؤنّثاً حقيقياً غير مفصول.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- القائل: يزيد بن مفرغ الحميري.
و في حاشية الصبان: 1/160 أنّها من قصيدة هجا بها عباد بن زياد بن أبي سفيان، و كما جاء ذلك في قطرالندى 106، و أكثر كتب النحوييّن، و التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي 3/320.


( 109 )
أعلامه: فاعل «طامسة»

بلقــع: صفة أُخرى لمربَع فعلية أي لحال الموصوف.

 

المعاني: فيه مسائل:

الأُولى: في تقديم الظرف الأوّل على «مربع»: أمّا إن جُعل «مربع» فاعلاً له، فلأنّ تقديم العامل على معموله الأصل ولا معارض له. وأمّا إن جُعل مبتدأ، فلازدياد تخصيصه و مسوّغ ابتدائيّته على القول بأنّ التقديم من المسوّغات، وللاهتمام بذكر اسم الحبيبة لكونها نصب عين المحب، ولتعظيمها، وللتبرك باسمها، وللاستلذاذ، ولزيادة تمكين المبتدأ في ذهن المخاطب فإنّ في ذكر الخبر تشويقاً إليه والشيء إذا نِيلَ بعد مُقاسات الشوق كان أوقع في النفس، ولئلاّ يتلبّس الظرف بالصفة، ولئلاّ يطول الفصل بين المبتدأ والخبر فإنّ للمبتدأ صفات كثيرة لابدّ من اتّصالها به وتقدّمها على الخبر لو أُخّر، ولإيهام أنّ المتكلّم لا يساعده لسانه على التلفّظ بالمبتدأ إلاّ بعد تكلّف بليغ لكونه موحشاً منفوراً عنه لاتّصافه بكونه طامس الأعلام وكذا وكذا، ولإيهام أنّ المربع لطمس أعلامه صار من النكارة والإبهام بحيث لا يمكن إخطاره بالبال وتمييزه من الحاضرات في الذهن إلاّبعد تأمل ومضيّ زمان، وللدلالة على أنّ المبتدأ لنكارته وإبهامه من حقّه أن يوضع موضع الخبر، فإنّ المجهول عند المخاطب من كلّ جملة هو المحكوم به والمحكوم عليه معلوم عنده، وللاهتمام بإثبات هذا المربع لأُمّ عمرو(1) فإنّ ثبوته لها ممّا يُستنكر ويُستغرب لوجوه:

الأوّل: إنّ المحبّ يستبعد في نفسه موت المحبوب لعظمه في نفسه.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- في الأصل: «عمر».


( 110 )
والثاني: إنّ التعبير عن شيء بعلمه قد يكون للكناية كما أنّه يُكنّى بـ«أبي لهب» عن الجهنّمي لملاحظة وضعه التركيبي، فيحتمل أن يكون كنّى بـ«أُمّ عمرو» عن كونها أصل العمر والحياة، وإذا كانت أصل العمر فمن الغريب جدّاً أن يموت، وهذان الوجهان إنّما يتمّان إن كان المراد بيان موت «أُمّ عمرو» لا هجرها عن ذلك المربع.

والثالث: أن يكون غريباً عند المتكلّم أن تهجر أُمُّ عمرو هذا المربع، إمّا لكون المربع ممّا لا ينبغي أن يُهجر لكونه من أحاسن(1) المربع نضارةً وصفاءً وهواءً ونحو ذلك، أو لكون أُمُّ عمرو ممّا لا ينبغي أن تهجرها; لأنّها من المقصورات في الخيام اللاّئي يُستبعد جدّاً خروجهنّ ومسافرتهنّ، أو لأنّ من الغريب أن تهجره حتّى تطمس أعلامه ويصير(2) كذا وكذا، أو لغاية البُعد بين حالتي المربع; حالته الآن، وحالته حين كانت فيه أُمّ عمرو.

والرابع: إنّ من الغريب جدّاً أن تطمس أعلام أرض كانت مربعاً لأُمّ عمرو ويصير(3) كذا وكذا، بل كان ينبغي أن يكون ببركة قدومها فيه دائم التف(4)وّق على سائر المرابع، والوجه الثالث إنّما يتمّ إن كان المراد بيان هجرها المربع لا موتها والرابع يعمّ الوجهين، ويحتمل أن لا يريد هجرها و لا موتها، بل يريد أنّها الآن تربع وتنزل في الربيع في هذا المكان الموصوف بكذا وكذا، وحينئذ فوجه الاستغراب ظاهر.

وللإيضاح بعد الإيهام فإنّه لابدّ في الخبر من ضمير راجع إلى المبتدأ وقبل ذكره يكون مبهم المرجع، ولتعظيم المبتدأ فإنّه يُبتدأ بغيره ليتهيّأ المخاطب لاستماعه

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- «الأحاسن»: جمع «أحسَن»، و جمع الحَسْناء من النساء: حِسان، ولا يقال للذكر «أحسن» إنّما تقول: «هو الأحسن» على إرادة التفضيل.و أحاسن القوم:حِسانهم.(لسان العرب: «حسن)».
2- أي المربع.
3- أي المربع.
4- «دائمة»: الأصل، والمثبت أصح; لأنّه يعود على «مربعُ».


( 111 )
إيهاماً، لأنّه لابدّ من التهيّؤ التامّ والاستعداد البليغ لاستماعه وللتعجّب من أحواله على نحو ذلك، ولإيهام أنّ مربع الحبيبة ممّا لا يغيب عن الذهن ولذا أُرجع إليه الضمير قبل ذكره، ولأنّ المربع لمّا كان اسم مكان لم يعقل معناه قبل تعقّل المتمكّن لتضمّنه النسبة بينه و بين المكان فينبغي تقديم ذكره ليتمّ فهم معناه.

ولستُ أُريد باسم المكان هنا ما هو المصطلح العامّ للمكان الحقيقي وغيره، وإنّما أُريد به ما هو اسمٌ لمكان النّاس أو غيرهم ممّا يتمكّن حقيقة أي ما يفسّر بمكان جسم باعتبار حال أو زمان، كما يقال: إنّ المربع مكان الناس وقت الربيع، والمشتى مكانهم وقت الشتاء، والمصيف مكانهم في الصيف، ولا يقال مكان الربيع أو الشتاء أو الصيف، كما يقال في المقتل: مكان القتل، وفي المصدر مكان الصدور وهكذا، وإن أمكن إرجاع هذه إلى المعنى الأوّل وإنّما لم أرد المعنى العام، لأنّ ما يفسّر منها بأمكنة الاحداث لا ينظر فيها أوّلاً إلاّإلى الأحداث فإنّها التي جعلت ذوات الأمكنة، هذا كلّه مع الضرورة، وهذه الوجوه أكثرها تجتمع، وبعضها لا يجامع بعضاً كما لا يخفى على الفَطن، ثمّ إنّ أكثرها لا يخصّ تقدير كون «مربع» مبتدأ بل يجري على الوجهين.

المسألة الثانية: في ظرفية المسند: ووجهها أنّ الظّرف اختصار الجملة الفعلية أو اسم الفاعل مع فاعله فهو مفيد فائدة الجملة الفعلية أو الاسمية مع الاختصار. هذا هو الوجه العام الجاري في جميع الموارد.

ويمكن أن يكون من الوجه العام أيضاً أنّه لم يتعلّق غرض مهمّ من المتكلّم ببيان الثبوت أو الحدوث لمضمون الجملة، فلا يريد التصريح بالمسند فإنّه يتبيّن فيه الثبوت أو الحدوث ويوهم تعلّق غرض المتكلّم بإبانته.

ثمّ إنّ لها وجوهاً خاصّة مناسبة للمقامات فمن وجوه الظرف المتحمل لتقدير الفعل ولتقدير اسم الفاعل كما هنا; جعل الكلام محتملاً لوجهين، وتوسيع


( 112 )
مجال الفهم وهو وجه عامّ لكلّ ظرف محتمل لتقديري الفعل و الاسم، ولكنّه إنّما يجري على رأي من يجوّزهما.

وممّا يختصّ بهذا المقام من الوجوه: أنّ المتكلّم استكره التصريح بحصول مربع موصوف بهذه الصفات لحبيبته.

ومنها: أنّه أراد إفادة الاختصاص أو الاستحقاق أو التملّك أوّل مرة على أخصر وجه، ولو عبّر بالفعل أو الاسم أمكن إفادتها لكن كان يفوِّت الاختصار أو كان يفوّت إفادتها أوّل مرّة، فالأوّل إن عبّر بنحو: اختصّ أو استحقّ أو ملك، والثاني إن عبّر بنحو كان أو: استقرّ أو حصل.

ومنها: أنّه يكون اسم الحبيبة أقرب إلى الصدر إذ لا يتقدّمه إلاّ حرف مفرد.

المسألة الثالثة: في ذكر علمها: فنقول: إنّه لتربية الفائدة، فإنّه كلّما كان الحكم أكثر اختصاصاً وتقيّداً كانت الفائدة أتمّ، وكلّما ازداد جزءاً من أجزاء الجملة تخصيصاً ازداد الحكم تخصيصاً.

وللتبرّك باسمها وللاستلذاذ به، ولتمييزها أفضل تمييز لذكرها بالاسم المختصّ بها.

وللكناية عن كونها أصل حياة المتكلّم أو الناس إن أُخذ الاسم من العمر بمعنى الحياة.

أو عن استقامة قامتها وتماميتها إن أُخذ من العمر بمعنى النخل.

أو عن كونها منقرطة إن أُخذ من العمر بمعنى القرط.

أو عن أنّها أصل الدِّين وقوامه إن أُخذ من العمر بمعنى الدِّين.

أو عن أنّها مجمع الحياة إن كان «الأُمّ» بمعنى ما يجتمع إليه أشياء، ولهذا معنيان يصلح كلّ منهما للإرادة، أحدهما: أنّ الأحياء كلّهم يجتمعون إليها ويفزعون إلى لقائها، والثاني: أنّ كلّ حيّ فهو يفديها بنفسه ويهبها حياته.


( 113 )
أو عن أنّها مجمع الدِّين، ويصحّ فيه المعنيان أيضاً: أمّا الأوّل فظاهر، وأمّا الثاني فلأنّ الدِّين أعزّ من الحياة، فأراد أنّهم يهبونها أديانهم فضلاً عن أعمارهم.

وأمّا العدول عن الاسم واللقب إلى الكنية.

فلأنّه يفوت فيهما الكنايات المقصود أخذها، ولتعظيمها وتخييل أنّ صريح اسمها ممّا لا يليق المتكلّم لأن يتلفّظ به أو السامع لأن يسمعه.

وللاستعفاف عن ذكر صريح اسمها.

ولإخفائها عن السامعين خوفاً من الرُّقباء أو غيرهم، كما ورد أنّ الحسن البصري كان في الدولة الأموية كلّما حدّث عن أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ كنّى عنه بـ «أبي زينب».

ولترتبه التحيير، ولتقوية التوجّع باعتبار ما كنّى به عنه، من المعاني الأصلية على ما عرفت.

ولصون صريح اسمها عن أن يسبقه شيء أو يُخبر بشيء، ولصونه عن أن يثبت له مربع كذا وكذا من صفته، ولأنّ النفس لا تساعده على أن يثبت مثل ذلك المربع لصريح اسمه، أو يقدم عليه شيئاً أو يجرّه بشيء.

ولأنّه حينئذ يتضمّن الكلام شبه انطباق إن أراد التحيير من موتها باعتبار بعض الكنايات السابقة، فإنّها إذا كانت أصل الأعمار أو مجمعها كان ينبغي أن لا تموت أبداً.

ولأنّه حينئذ يتضمّن التوجيه أي جعل الكلام محتملاً لمعنيين أو معان، فإنّه يحمل إرادة المعنى العلمي والمعنى التركيبي، وعلى الثاني يحتمل إرادة تلك الشُّخص المعهودة وإرادة غيرها، وربّما يضمن الإيهام لأنّ معناه القريب هو الضبع وقد أريد به غيره، وإن لم يسلم ذلك ففيه إيهام إن لم يرد به إنسان أو أُريد به


( 114 )
إنسان غير مكنّى به، فإنّ المعنى القريب هو الإنسان المكنّى لا سيّما إن أُريد رجل.

و سيتبيّن لك عن قريب إن شاء اللّه.

هذا كلّه إن كان أُم عمرو علماً و أراد به المعنى العلمي سواء كان ممّا وضعه الناظم لعين أو معنى أو كان موضوعاً.

ويجوز أن لا يريد به إلاّمعناه التركيبي وحينئذ فيكون منكراً ولتنكيره وجوه:

منها: الإبهام على السامعين.

ومنها: التعظيم، إمّا بتخييل أنّها من العظم بحيث لا يليق المتكلّم لأن يتفوّه بالاسم المختص بها أو السامع لأن يسمعه، وإمّا بتخييل أنّها من العظم بحيث لا يعرف كنهه ولا كنه ذاته.

ومنها: التجاهل، والغرض من التجاهل المبالغة في إمحاء أعلام المربع بحيث لا يتعيّن لديه صاحبه.

ومنها: صون الذات المعينة عن أن يسبق اسمها شيء أو تجرّبشيء أو يثبت له مربع كذا وكذا.

ومنها: الاستعفاف عن ذكر المرأة باسمها أو بما يعينها.

ومنها: إظهار أنّ هذا الجنس المعبّر عنه بهذا الاسم منحصر في الفرد المقصود ظاهر الانحصار فيه، فلا يسبق الذهن إلى غيره إذا أُطلق.

المسألة الرابعــة: في ظرفية «باللّوى» إن كان مستقرّاً، والوجه فيها بعض ما ذكر من وجوه ظرفية «لأُمّ عمرو».

المسألة الخامسة: في العدول عن لفظة «في» إلى «الباء» فنقول: إنّه للدلالة على الملازمة والملاصقة، بمعنى أنّه لم يكن ينفكّ عن اللّوى مربعها.


( 115 )
المسألة السادسة: في تعريف «اللّوى»والوجه فيه تربية الفائدة إن كانت«اللام» للعهد الخارجي، أو تخييل تربيتها وتصويرها بصورة المرباة إن كانت للعهد الذهني، فإنّ المعهود بالعهد الذهني و النكرة سواء في المعنى، وإنّما اعتبار التصريف فيه أمر لفظيّ، ثمّ إن كان العهد خارجيّاً ولم يجر ذكر للّوى بين المتكلّ

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net