قصة الهرمزان ، ومقتله على يد بن عمر
كان الهرمزان أحد ملوك فارس ، وكان قد عقد صلحاً مع المسلمين في السنة السادسة عشرة للهجرة ، ما لبث أن نقضه فيما بعد بتحريض من يزدجرد ، وعلم المسلمون بذلك فجهزوا جيشاً لمحاربته ومحاربة من تعاقد معه على ذلك . فأسر ، وأقبلوا به الى المدينة مكتوفاً وعليه تاجه وحليته ، فأراد عمر أن يضرب عنقه ، فأعلن إسلامه في قصة طريفة . فقد روي : أن عمر قال له : « يا هرمزان ، كيف رأيت وبال الغدر » ؟ فقال : يا عمر ، إنا وإياكم في الجاهلية كنا نغلبكم ، إذ لم يكن الله معكم ، ولا معنا ! فلما كان الله معكم غلبتمونا . قال : فما عذرك في انتقاضك مرةً بعد مرة ؟ ! قال : أخاف إن قلتُ أن تقتلني . قال : لا بأس عليك ، فاخبرني . فاستسقى ماءً ، فأخذه ، وجعلت يده تُرعَد . قال : مالك ؟ قال : أخاف أن تقتلني وأنا اشرب . قال : لا بأس عليك حتى تشربه . فألقاه من يده ، فقال : ما بالك ! أعيدوا عليه الماء ولا تجمعوا عليه بين القتل والعطش . قال : كيف تقتلني ، وقد أمنتني ! ؟ قال : كذبت ! قال : لم أكذب .
(165)
فقال أنس : صدق يا أمير المؤمنين . قال : ويحك يا أنس ! أنا أؤمن قاتل مجزأة بن ثور والبراء بن مالك ! والله لتأتيني بالمخرج أو لأعاقبنّك ! قال : إنك قلت : « لا بأس عليك حتى تخبرني ولا بأس عليك حتى تشرب » ! وقال له ناس من المسلمين مثل قول أنس . فأقبل على الهرمزان ، فقال : تخدعني ! والله لا تخدعني إلا أن تُسلم ، فأسلم ، ففرض له الفين وأنزله المدينة » . (1) فلما قُتل عمر ، ظن ابنه عبيد الله أن الهرمزان كان شريكاً لأبي لؤلؤة في قتل والده ، فعمد إلى الهرمزان فقتله ، وقتل معه جفينة ابنة ابي لؤلؤة . « وأراد عبيد الله أن لا يترك سبيّاً بالمدينة يومئذٍ إلا قتله ، فاجتمع المهاجرون الأولون ، فأعظموا ما صنع عبيد الله من قبل هؤلاء ، واشتدوا عليه وزجروه عن السبي . فقال : والله لأقتلنهم وغيرهم ـ يعرض ببعض المهاجرين ـ فلم يزل عمرو بن العاص يرفق به حتى دفع إليه سيفه . . (2) ـ » فلما استخلف عثمان ، دعا المهاجرين والأنصار ، فقال : اشيروا علي في قتل هذا الذي فتق في الدين ما فتق ! فاجمع راي المهاجرين والأنصار على كلمة واحدة يشجعون عثمان على قتله . وقال جل الناس : أبعد الله الهرمزان وجفينة ، يريدون يتبعون عبيد الله أباه !!. وعن المطلب بن عبد الله قال : قال علي لعبيد الله بن عمر : ما كان ذنب بنت أبي لؤلؤة حين قتلتها ؟ فكان رأي علي حين إستشاره عثمان ، ورأي الأكابر من أصحاب رسول الله على قتله ، لكن عمرو بن العاص كلم عثمان ____________ 1 ـ شرح النهج 12 / 114 . 2 ـ الغدير 8 / 132 .
(166)
حتى تركه . فكان علي يقول : لو قدرت على عبيد الله بن عمر وليَ سلطانٌ لإقتصصت منه . (1) أما عثمان ، فحين بلغه مقالة علي تلك ، قام فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : « أيها الناس ، إنه كان من قضاء الله ان عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، أصاب الهرمزان وهو رجل من المسلمين ليس له وارثٌ إلا الله والمسلمون ؟ وأنا إمامكم ، وقد عفوت ، أفتعفون عن عبيد الله بن خليفتكم بالأمس ؟ قالوا نعم . فعفا عنه . (2) وفي ذلك اليوم قال المقداد مقالته الآنفة . فلما بلغ علياً ـ ما قاله عثمان ـ تضاحك ، وقال : سبحان الله ! لقد بدأ بها عثمان ! أيعفو عن حق إمرئ ليس بواليه ! تالله إن هذا لهو العجب ! (2) وكان عبيد الله قد حبس في بيت ، وقيل في السجن ، فأطلقه عثمان وكان رجلٌ من الأنصار يقال له : زياد بن لبيد البياضي ، إذا رأى عبيد الله بن عمر قال :
ألا يـا عبيـد الله مـالـك مهـربٌ * ولا ملجـأٌ مـن ابن أروى (3) ولا خفـرْ أصبـت دمـاً والله في غـير حِلّـهِ * حرامـاً وقتـل الهـرمـزان لـه خطـر على غير شيء غير أن قـال قائـل * أتتـهمـون الهـرمـزان عـلـى عمـر فقـال سفيـهٌ والـحـوادث جّمـة * نعـم ، أتـهمـه قـد أشـار وقـد أمـر وكـان سلاح العبد في جوف بيتـه * يقـلبـه والأمـر بـالأمـر يـعـتـبـر
____________ 1 ـ راجع الغدير 8 / 132 إلى 135 . 2 ـ راجع شرح النهج 9 / 54 ـ 55 . 3 ـ ابن أروى : هو عثمان .
(167)
فشكا عبيد الله بن عمر إلى عثمان زياد بن لبيد وشعره ، فدعا عثمان زياداً فنهاه ، فقال زياد في عثمان :
أبـا عمـرو عبـيـد الله رهـنٌ * فـلا تشكـك بقتـل الهـرمـزان فإنـك إن غفـرت الجـرم عنـه * واسـباب الخـطا فرسـا رهـانِ أتعفـو ، إذ عفـوتَ بغيـر حقٍ * فـما لـك بـالذي تحكـي يـدانَ
فدعا عثمان زياداً ، فنهاه وشذ به . (1) ولما اكثر الناس التحدث في دم الهرمزان ، أمر عثمان عبيد الله بالرحيل إلى الكوفة وأقطعه فيها داراً وأرضاً فسمي ذلك الموضع بـ « كويفية بن عمر » وحين ولي الإمام علي عليه السلام الخلافة ، طلب عبيد الله فهرب إلى معاوية ، فقال عليه السلام : لئن فاتني في هذا اليوم لا يفوتني في غيره ! فلما كانت حرب صفين قتل فيها . وقيل : إن علياً هو الذي قتله ، ضربه ضربةً فقطع ما عليه من الحديد حتى خالط سيفُه حشوة جوفه . (2) ____________ 1 ـ راجع الكامل 3 / 75 ـ 76 . وشذ به : إذا قُرئت كلمة واحدة يكون معناها : طرده . واذا قرئت كلمتين ، هكذا : شذ به : يكون المعنى عزله عن الناس . 2 ـ راجع مروج الذهب 2 / 385 .
(168)
|