بدء المعارضة
فوجىء الناس ـ في اليوم الأول لبيعة عثمان ـ بأمور ما عهدوها من سيرة الشيخين أبي بكر وعمر ، وانما تفرد بها عثمان ، مما دفعهم لإِعلان الاستياء والاستنكار ، جاعلين في حسابهم أنه بذلك يخرق العهد الذي اخذه عليه عبد الرحمن . قال اليعقوبي : وخرج عثمان والناس يهنئونه ، فصعد المنبر ، فجلس في الموضع الذي كان يجلس فيه رسول الله ، ولم يجلس أبو بكر ولا عمر فيه ، جلس أبو بكر دونه بمرقاة ، وجلس عمر دون أبي بكر بمرقاة ، فتكلم الناس في ذلك ، فقال بعضهم : اليوم ولد الشر . وروي : أنه خرج من الليلة التي بويع له في يومها لصلاة العشاء الآخرة وبين يديه شمعة ، فلقيه المقداد بن عمرو ، فقال ما هذه البدعة ! (1) ولم تكن حكاية المنبر والشمعة هذه بذات بال لولا أنها خارجة على سيرة الشيخين ، وأنها مؤشر لإِرتكاب أمور أفضع وأخطر بكثير ! . لكن أمراً آخر حصل في ذلك اليوم أثار حفيظة المخلصين ، فدفعهم إلى الجهر بالمعارضة ، فقد تناهى إلى سمعهم قول لأبي سفيان في محضر الخليفة تستشم منه رائحة الإِلحاد في دين الله ، وبداية التفكير في تحويل الخلافة الى ملك ، وذلك . ____________ 1 ـ اليعقوبي 2 / 162 ـ 163 .
(162)
أن عثمان ـ بعد البيعة ـ دخل رحله ، فدخل اليه بنو أمية حتى إمتلأت بهم الدار ثم أغلقوها عليهم ، فقال أبو سفيان بن حرب : أعندكم أحد من غيركم ؟ قالوا : لا . قال : تلقّفوها يا بني أميّة تلقُّف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب ، ولا جنّةٍ ، ولا نار ، ولا بعث ، ولا قيامة ! » فانتهره عثمان وساءه بما قال ، وأمر بإخراجه . فدخل عبد الرحمن بن عوف على عثمان ، فقال له : ما صنعت ! فوالله ما وُفقت حيث تدخل رحلك قبل ان تصعد المنبر ، فتحمد الله وتثني عليه ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتعدَ الناس خيراً . فخرج عثمان ، فصعد المنبر ، فحمد الله واثنى عليه ، ثم قال : هذا مقام لم نكن نقومه ، ولم نُعدّ له من الكلام الذي يقام به في مثله ، وسأهيء ذلك ان شاء الله . . (1) وشاعت مقالة أبي سفيان بين المسلمين ، فساءهم ذلك ، فكان أول من أعلن استنكاره وغضبه ، عمار بن ياسر ، فأقبل في اليوم التالي حتى دخل السمجد والناس مجتمعون فيه ، فقام وقال : « يا معشر قريش ؛ أما إذا صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم ههنا مرة ، وههنا مرة ، فما أنا بآمنٍ من أن ينزعه الله منكم فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله . (2) وخرج المقداد في ذلك اليوم ، فلقي عبد الرحمن بن عوف ، فأخذ بيده وقال : ____________ 1 ـ شرح النهج 9 / 53 ـ 54 . 2 ـ مروج الذهب 2 / 343 .
(163)
إن كنت أردت ـ بما صنعت ـ وجه الله ، فأثابك الله ثواب الدنيا والآخرة ، وإن كنت إنما أردت الدنيا ، فاكثر الله مالك ! فقال عبد الرحمن : إسمع ، رحمك الله ، إسمع ! قال : لا أسمع والله . وجذب يده من يده ، ومضى حتى دخل على علي عليه السلام ، فقال : قم ، فقاتل حتى نقاتل معك . قال علي : فبمن أقاتل ؛ رحمك الله ؟ ! وأقبل عمار بن ياسر ينادي :
يـا نـاعي الإِسـلام قـم فـإنـعـه * قـد مـات عـرفٌ وبـدا نُـكـرُ
أما والله لو أن لي أعواناً لقاتلتهم ! والله لئن قاتلهم واحد ، لأكونن له ثانياً ! فقال علي : يا أبا اليقظان ، والله لا أجد عليهم أعواناً ، ولا احب أن أعرضكم لما لا تطيقون . (1) وجاءت حادثة العفو عن عبيد الله بن عمر « قاتل الهرمزان » فزادت الطين بلة . قال اليعقوبي : واكثر الناس في دم الهرمزان ، وإمساك عبيد الله بن عمر ! وصعد عثمان المنبر ، فخطب الناس ، ثم قال : آلا إني ولي دم الهرمزان ، وقد وهبته لله ولعمر ! فقام المقداد بن عمرو ، فقال : إن الهرمزان مولىً لله ولرسوله ، وليس لك أن تهب ما كان لله ولرسوله . قال : فننظر ، وتنظرون . ثم اخرج عثمان عبيد الله بن عمر من المدينة إلى الكوفة ، وأنزله داراً فنسب الموضع إليه فقيل : « كويفة ابن عمر . . » (2) ____________ 1 ـ شرح النهج 9 / 55 ـ 56 ـ 57 . 2 ـ اليعقوبي 2 / 163 ـ 164 .
(164)
|