مع الرسول الأعظم في دار هجرته
* عام الحزن * اول هجرة للرسول * خروجه إلى الطائف * النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعرض نفسه على القبائل * دخول الإسلام يثرب * الإعداد للهجرة * مبيت علي عليه السلام في فراش النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) * الهجرة * النبي الإعظم في المدينة * بين الرسول الأعظم والمقداد
(24)
(25)
مع الرسول الأعظم في دار هجرته عام الحزن
قال الشيخ الأبطح * لعائديه من قريش : « لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمدٍ واتبعتم أمره ، فأطيعوه تنالوا السعادة في دنياكم وآخرتكم » . . كانت هذه الكلمات الرحيمة تتهدل بين شفتي أبي طالب ـ عمّ الرسول وكافله ـ وهو يُزمعُ الرحيل عن هذه الدنيا ، فقد إشتد به المرض بعد أن تخطّى الثمانين من عمره واثقلت الهموم كاهله ، وبينما كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خارجاً لبعض حوائجه ، إذا بالناعي ينعى له عمه . أقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسرعاً نحو البيت الذي فيه عمه أبو طالب حتى إذا وصل إليه مسح جبينه الأيمن ثم مسح الأيسر ـ كما كان هو يمسح جبين النبي ـ ثم رثاه بهذه الكلمات : « رحمك الله يا عم ، ربيت صغيراً وكفلتَ يتيماً ، ونصرتَ كبيراً ، فجزاك الله عني وعن الإسلام خير جزاء العاملين المجاهدينَ في سبيله بأموالهم وأنفسهم » . ثم بكى صلى الله عليه وآله وسلم وأبكى من كان حول عمه أبي طالب . ____________ * ـ لقب أبي طالب .
(26)
أبو طالب ، هذا الذي لم يترك النصح والنصرة لابن أخيه حتى آخر لحظةٍ من لحظات حياته ، ترك غيابه فراغاً في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ترجمته لنا دموع النبي ، وأفصح عنه حزنه وأساه عليه . وما مضت أيام على موت أبي طالب ، حتى واجه النبي مصيبةً أخرى ليست بأقل من مصابه بعمه ، فها هي خديجة أيضاً تحتظر ! خديجة التي بذلت مالها وحياتها في نصرة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وانجاح رسالته . . صاحبة اليد الكريمة التي كانت تمسح دموع محمد وآلامه وأحزانه . . هذه اليد بدأت ترتعد من وطأة المرض أيضاً . . وماتت خديجة ! بذلك فقد محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عمه الذي رباه ونصره وضحى لأجله خلال أربعين عاماً أو تزيد ، كما فقد زوجته التي بذلت له مالها وواسته في جميع الخطوب ، والتي كانت تود أن تتحمل عن كل شيء ليسلم لرسالته . هاتان الفاجعتان الأليمتان في أيام معدودات ، كل واحدة منهما على انفرادها تكفي لأن تترك أقوى النفوس كليمة مضعضعة ! فكيف وقد اجتمعتا على محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في عام واحد ! لذلك ، فقد سمي هذا العام بعام « الحزن » . ووجدت قريش في موت أبي طالبٍ وخديجة ثغرةً واسعة يمكن معها النيل من محمد ومضايقته ومطاردته ، فأبو طالب كان الدرع الواقي والحصن الحصين للنبي ، وقريش مهما بلغ بها التعسف والحقد فإنها لن تستطيع الوصول إلى محمدٍ وأبو طالب حيّ ، أما الآن فقد هوى ذلك الحصن ، بل بالأحرى ذلك العملاق ، وبقي محمدّ وحده في الساحة معه لفيف من الدهماء وبعض العبيد ، وقليل من بني هاشم ليسوا بذات أثر في نظر قريش ! لذلك فقد جدت قريش في إيذائه والتنكيل بأصحابه ، وكان من أيسر أنواع الأذى الذي أنزلته به ـ بعد فقد عمه ـ أن مر عليه أحد سفهاء قريش ، فاغترف بكلتا يديه من التراب والأوساخ ، وألقاها على
(27)
وجهه ورأسه . فدخل بيته وهو بهذه الحالة ، فقامت إليه ابنته فاطمة وكانت أصغر بناته ـ وهي حديثة عهد بفاجعة أمها خديجة ـ فجعلت تغسل رأسه وتميط عنه التراب وتبكي ، فالتفت اليها صلى الله عليه وآله وسلم ومسح رأسها بكلتا يديه وقال لها : لا تبكي يا بنية فإن الله مانع آباك وناصره على أعداء دينه ورسالته . لقد كان هذا العام عام الحزن والأذى والأسى ، إلا أنه كان إيذاناً بمرحلةٍ انتقالية جديدة في حياة الرسول والرسالة . تلك هي مرحلة الإنتقال من الدعوة إلى الدولة .
(28)
|