كم عاش سلمان . . ؟
مسألة ـ طول العمر ـ حيرت كثيراً من الباحثين ، وهي مسألة تترتب عليها أهمية كبرى في غير ما نحن فيه ، من حيث أنها تصل بنا إلى الحديث عن ( المهدي ) أو المخلص الذي ينتظره العالم والذي ولد منذ أكثر من ألف سنة ولا زال حياً ، تسوقنا إلى الحديث عنه مرغمين ، لذلك فإن رفض الفكرة من أساسها يعني الرفض لفكرة بقاء المهدي ، وأمثالها ، مع أن ذلك أمر تسالمت عليه الأديان وأقرته . إذن : مسألة طول العمر مسألة ذات أهمية قصوى لما يترتب عليها من آثار جليلة ، فلا يمكن الوقوف أزاءها موقف الحيرة والتردد ، بل لا بد من البت فيها كي نريح ونستريح . والآن : ماذا يقول المؤرخون عن عمر سلمان . ؟ قال العباس بن يزيد ، قال أهل العلم : عاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة ، فأما مائتان وخمسون فلا يشكون فيه . قال أبو نعيم : كان سلمان من المعمرين ، يقال أنه أدرك عيسى بن مريم وقرأ الكتابين . (1) وقال ابن الأثير : وكان عمره مائتين وخمسين سنة ، هذا أقل ما قيل فيه . ____________ 1 ـ أسد الغابة 2 / 332 .
(162)
وقيل ثلاثمائة وخمسون سنة ، وكان قد أدرك بعض أصحاب المسيح عليه السلام .(1) وقال ابن عبد البر : يقال أنه أدرك عيسى بن مريم ، وقيل بل أدرك وصي عيسى ، ثم عقب قائلاً : قال الذهبي : وجدت الأقوال في سنه كلها دالة على أنه تجاوز المائتين وخمسين ، والاختلاف إنما هو في الزائد . . الخ (2). والذي أعتقده أن هذه النصوص كافية في إقتناعنا بالنسبة لعمر سلمان الذي تجاوز المائتين وخمسين سنة ، ولكن يبقى سؤال : هل هناك مانع من أن يعيش الإنسان فترات طويلة ربما تجاوزت الألف سنة أو أكثر ؟ والجواب هو بالنفي القاطع ، فلا مانع من ذلك البتة ، بل كل الشواهد الدينية والعلمية تقر ذلك وتؤيده ، وكذلك الحسية . الشواهد الدينية ، تؤكد أن الخضر عليه السلام لا زال حياً منذ عهد موسى عليه السلام ، وأن نوح عليه السلام لبث في قومه 950 سنة بنص الآية الكريمة : « فلبث فيهم ألف سنةٍ إلا خمسين عاما . » وقصة أصحاب الكهف : « ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعا » فيها دليل كافٍ ، إلى ما هنالك . الشواهد العلمية : وهي تتلخص بنظرية أن الإنسان « قابل للبقاء إلى حد بعيد » وأن السؤال المحير هو : « لماذا الموت ؟ » لا « لماذا الحياة » فإن الأنسجة الرئيسية في جسم الكائن الحي قابلة للإستمرار إلى ما لا نهاية له ما لم يعرض لها ما يقطع حياتها . فقد أصبح من المقرر لدى علماء الحياة أن لا مانع للإنسان من حياةٍ طويلة إذا تيسرت له جميع الظروف المناسبة ، بل لقد قرروا أن الأجزاء الأولية ____________ 1 ـ الكامل 3 / 287 . 2 ـ الإصابة 2 / 62 .
(163)
للأنسجة يمكن أن تبقى حيةً نامية ما دام يتوفر لها الغذاء اللازم والمناخ الملائم وما دامت في منأىً عن العوارض الخارجية المعيقة للنمو والحياة . (1) إذن فلنفتش عن سر الموت ، لماذا يموت الإنسان ؟ هناك ما يقرب من مائتي إجابة عن هذا السؤال الخطير الذي كثيراً ما يطرح في المجالس العلمية ، والذي دافعه حلم الإنسان بالخلود ، وقد يطرح بعضهم أجوبةً لهذا السؤال : منها : ( فقدان الجسم لفاعليته ) ، ( وانتهاء عملية الأجزاء التركيبية ) ، ( تجمد الأنسجة العصبية ) ، ( حلول المواد الزلالية القليلة الحركة ، محل الكثير منها ) ، ( ضعف الأنسجة الرابطة ) ، « انتشار سموم « بكتريا » الأمعاء في الجسم » وما إلى ذلك . وربما كان القول « بفقدان الجسم لفاعليته » قولاً جذاباً ، فان الآلات الحديدية والأقمشة والأخشاب كلها تفقد فاعليتها بعد أجل محدود كذلك أجسامنا أيضاً تبلى وتفقد فاعليتها كالجلود التي نلبسها في موسم الشتاء . لكن العلم الحديث لا يؤيدنا في ذلك ، لأن المشاهدة العلمية للجسم الإنساني تؤكد أنه ليس كالجلود الحيوانية والآلات الحديدية ، وليس كالجبال . . وإن أقرب شيء يمكن تشبيهه به ، هو ذلك ( النهر ) الذي لا يزال يجري منذ آلاف السنين على ظهر الأرض ، فمن الذي يستطيع القول بأن النهر الجاري يبلى ويهن ويعجز ؟ . بناءً على هذا الأساس ، يعتقد الدكتور « لنس بالنج * » أن الإنسان أبدي إلى حد كبير ، نظرياً ، فان خلايا جسمه آلات تقوم بإصلاح ما فيه من الأمراض ومعالجتها تلقائياً ! وبرغم ذلك فإن الإنسان يعجز ويموت ؛ ولا تزال علل هذه الظاهرة أسراراً تحير العلماء . ____________ 1 ـ يوم الخلاص / 113 . * ـ حائز على جائزة نوبل للعلوم .
(164)
إن جسمنا هذا في تجدد دائم ، وإن المواد الزلالية التي توجد في خلايا دمائنا تتلف كذلك ثم تتجدد ، ومثلها جميع خلايا الجسم تموت وتحل مكانها خلايا جديدة ، اللهم إلا الخلايا العصبية . وتفيد البحوث العلمية : أن دم الإنسان يتجدد تجدداً كلياً خلال ما يقرب من أربع سنين ، كما تتغير جميع ذرات الجسم الإنساني في بضع سنين ، ونخرج من هذا بأن الجسم الإنساني ليس كهيكل ، وإنما هو كالنهر الجاري أي أنه ذو عمل مستمر . (1)
شواهد حسية : بعد هذا فليس بعجيب أن يطول عمر بعض الناس إذا توفرت الظروف الصالحة ـ كما نرى بالبديهة في عصرنا الحاضر ـ فقد عمَّر كثيرون من سكان منطقة خوزستان إلى ما فوق المئتي سنة ، ووصل أفراد منهم إلى ربع الألف وزادوا (2) كما أجرت بعض وسائل الإعلام مقابلات معهم منذ أربع سنوات . الإستقراء : وهو شاهد رابع يضاف إلى تلك الشواهد ، فقد دون المؤرخون الشيء الكثير عن أخبار المعمرين وأحوالهم ، وأفرد بعضهم كتباً خاصةً لذلك ـ ونذكر من هؤلاء المعمرين ما يلي .
1 ـ لقمان بن عاد . قال في مجمع البحرين ، أنه عاش ألف سنة ، وقيل أنه عاش عمر سبعة أنسر ، فكان يأخذ النسر وهو فرخ ويجعله في الجبل ، فإذا مات أخذ غيره ، حتى كان آخرها « لُبَد » وكانت أطولها عمراً ، فقيل : طال الأمد على لبد ، ولما رأى هلاكه قال : اهلكتني يا لبد ، وفيه يقول الأعشى :
لنفسـك أن تختـار سبعـة أنسـر * إذا ما مضى نسـر خلـوت إلى نسـر فعمـر حتـى خـال أن نسـوره * خلود وهل تبقى النفـوس على الدهـر وقـال لأدنـاهن إذ حـل ريشـه * هلكـت وأهلكت ابن عـادٍ ولا تـدري
____________ 1 ـ راجع الإسلام يتحدى / 80 . 2 ـ يوم الخلاص / 113 .
(165)
2 ـ ربيع بن ضبع بن وهب ، قيل : انه عاش ثلاثمائة وأربعين سنة وأدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يسلم ، وهو الذي يقول ، وقد جاوز المئتين :
ألا أبـلـغ بـنّي بـَني ربيـع * وأشـرار الـبنـين لهـم فـداء بـأني قد كـبرت ودق عظمي * فـلا يشغلـكم عنـي الـنسـاء إذا كـان الشتـاء فأدفئـونـي * فـان الشيـخ يهـدمـه الشتـاء وأمـا حيـن يذهب كـل قـر * فـسـربـال خفـيـف أو رداء إذا عـاش الفتى مئتيـن عامـاً * فقـد ذهـب اللـذادة والـفتـاء
3 ـ أكثم بن صيفي الأسدي التميمي . « قيل أنه عاش ثلاثمئة وثلاثين سنة . » (1) وكانت العرب لا تفضل عليه أحداً ، وهو القائل :
وإن إمرىءٍ قد عاش تسعين حجةً * إلى مئةٍ لم يسئم الـعيش ، جـاهـل خلت مائتـان غيـر ست واربـع * وذلك من عـد اللـيـالـي قـلائـل
وقد أدرك الإسلام وكتب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً يقول فيه : باسمك اللهم ، من العبد إلى العبد فانا بلغنا ما بلغك ، وأتانا عنك خبر ، ما أصله ؟ فإن كنت رأيت فأرنا ، وإن كنت علمت ، فعلمنا ، وأشركنا في كنزك ، والسلام . فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى أكثم بن صيفي ، أحمد الله إليك ، إن الله أمرني أن أقول لا إله إلا الله ، أقولها وآمر الناس بها ، الخلق خلق الله والأمر كله لله ، خلقهم وأماتهم ، وهو ينشرهم وإليه المصير ، أدبتكم بآداب المرسلين ، ولتسئلن عن النبأ العظيم ، ولتعلمن نبأه بعد حين . فلما وصل كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بني تميم ووعظهم وحثهم على المسير إليه ، وعرفهم وجوب ذلك عليهم ، فلم يجيبوه ، فسار هو ____________ 1 ـ الإصابة 1 / 112 راجع للتفصيل .
(166)
وبنوه ، وبنو بنيه ، فمات قبل أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعاش بعده حفيده صيفي بن رياح مئتين وسبعين سنة ، ولم ينكر من عقله شيء .
6 ـ عمرو بن جمحة الدوسي . قيل : انه عاش أربعمئة سنة ، وهو الذي يقول :
كبرت فطـال العمر حتى كأننـي * سيـم أفـاعٍ ليـله غيـر مهجـع فما الموت أفنـاني ولكن تتـابعت * علي سنـون من مصيف ومربـع ثلاث مئين قـد مررن كـوامـلاً * وهـا أنـا بعـد أرتجي مر أربـع
7 ـ عبيد بن شريد الجرهمي ، (1) قيل : إنه عاش ثلاثمئة وخمسين سنة ، وقيل أقل من ذلك ، وقد أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحسن إسلامه وبقي بعده إلى أيام معاوية ، وقدم عليه فقال له معاوية : أخبرني يا عبيد عما رأيت وسمعت . ؟ ومن أدركت ؟ وكيف الدهر ؟ فقال : أما الدهر فرأيت ليلاً يشبه ليلا ، ونهاراً يشبه نهارا ، ومولوداً يولد ، وحياً يموت ، ولم أدرك أهل زمان إلا وهم يذمون زمانهم ، وأدركت من قد عاش ألف سنة وحدثني عمن عاش قبله ألفي سنة . . الخ .
9 ـ العوام بن المنذر ، عاش دهراً طويلاً ، وأدرك خلافة عمر بن عبد العزيز ، فأدخل عليه وقد اختلفت ترقوتاه ، فقيل له : ما أدركت ؟ فقال :
فـوالله مـا أدري أأدركـت أمـةً * على عهد ذي القـرنين أم كنت أقـدمـا متى تكشفوا عني الـقميص تبينـوا * جنـاحـي لم يكـسين لحمـاً ولا دمـا
10 ـ معد يكرب الحميري ، عاش مائتين وخمسين سنة . ____________ 1 ـ في الإصابة 3 / ص 101 رقم 6395 عبيد بن شرية . . أحد المعمرين . . قال عاش مائتين وأربعين سنة ، وقيل ثلاثمائة سنة الخ . . راجع .
(167)
11 ـ جعفر بن فرط الجهني (1) عاش ثلاثمائة سنة ، وأدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأسلم . 12 ـ عوف بن كنانة الكلبي ، عاش ثلاثمائة سنة . 13 ـ هبل بن عبد الله بن كنانة ، عاش ستمائة وسبعين سنة . 14 ـ قس بن ساعدة الأيادي ، قيل أنه عاش ستمائة سنة ، وقيل أقل من ذلك . (2) 15 ـ ذو القرنين ـ 3000 سنة . 16 ـ الضحاك ( بيورسب ) 1200 سنة . 17 ـ أفريدون بن اثـفيان الذي ملك 500 سنة عاش 1000 سنة . 18 ـ ملك فارس الذي أحدث عيد النيروز 2500 سنة وقيل استتر عن قومه 600 سنة . الخ (3) بعد هذا يمكننا بكل طمأنينة أن نقول : 19 ـ سلمان الفارسي عاش 250 سنة وقيل أكثر من ذلك . وقيل أنه أدرك بعض أوصياء المسيح عليه السلام وهو غير بعيد . ____________ 1 ـ في الإصابة 1 / 261 رقم الصحابي 1290 جعفر بن قرط العامري ذكره أبو حاتم السجستاني في المعمرين وقال 300 سنة . 2 ـ حقائق الإيمان . 3 ـ يوم الخلاص ص 118 وقد ذكر أرقاماً لا داعي لذكرهما هنا .
(167)
|