متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
رواية المستدرك الثانية
الكتاب : سلمان الفارسي ، عـرض وتحليـل    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة

 

رواية المستدرك الثانية (1)

 بسنده عن زيد بن صوحان عن سلمان ، قال :
 كنت يتيماً من رام هرمز ، وكان ابن دهقان رام هرمز يختلف إلى معلم يعلمه ، فلزمته لأكون في كنفه ، وكان لي أخ أكبر مني وكان مستغنياً بنفسه ، وكنت غلاماً قصيراً ، وكان إذا قام من مجلسه تفرق من يحفظهم ، فإذا تفرقوا خرج فيضع بثوبه ثم صعد الجبل ، وكان يفعل ذلك غير مرة متنكراً .
 قال : فقلت له انك تفعل كذا وكذا ، فلم لا تذهب بي معك ؟
 قال : أنت غلام وأخاف أن يظهر منك شيء .
 قال : قلت لا تخف . قال : فإن في هذا الجبل قوماً في برطيلهم (2) لهم عبادة ، ولهم صلاح ، يذكرون الله تعالى ويذكرون الآخرة ، ويزعموننا عبدة النيران وعبدة الأوثان وأنا على دينهم .
 قال : قلت فاذهب بي معك اليهم ، . قال : لا أقدر على ذلك حتى أستأمرهم ، وأنا أخاف أن يظهر منك شيء فيعلم أبي فيقتل القوم ، فيكون هلاكهم على يدي .
____________
1 ـ المستدرك 3 / 599 .
2 ـ البرطيل : يظهر أنه مكان عبادتهم .


(72)

 قال : قلت لن يظهر مني ذلك . فاستأمرهم فأتاهم فقال : غلام عندي يتيم ، فأحب أن يأتيكم ويسمع كلامكم .
 قالوا : إن كنت تثق به .
 قال : أرجو أن لا يجيء منه إلا ما أحب . قالوا : فجىء به .
 فقال لي : قد استأذنت في أن تجيء معي ، فإذا كانت الساعة التي رأيتني أخرج فيها فإتني ولا يعلم بك أحد ، فان أبي إن علم بهم قتلهم .
 قال : فلما كانت الساعة التي يخرج ( فيها ) تبعته ، فصعدنا الجبل فانتهينا إليهم فإذا هم في برطيلهم (1) وكان الروح قد خرج منهم من العبادة ، يصومون النهار ويقومون الليل ، ويأكلون عند السحر ما وجدوا . فقعدنا إليهم ، فأثنى الدهقان على حبر ، فتكلموا فحمدوا الله وأثنوا عليه ، وذكروا من مضى من الرسل والأنبياء حتى خلصوا إلى ذكر عيسى بن مريم عليهما السلام فقالوا :
 بعث الله عيسى عليه السلام رسولاً ، وسخر له ما كان يفعل من إحياء الموتى ، وخلق الطير ، وابراء الأكمة والأبرص والأعمى ، فكفر به قوم وتبعه قوم ، وإنما كان عبد الله ورسوله ابتلى به خلقه .
 قال : وقالوا قبل ذلك ، يا غلام إن لك لربّاً ، وإن لك معاداً ، وان بين يديك جنةٌ ونار إليها تصيرون ، وإن هؤلاء القوم الذين يعبدون النيران أهل كفر وضلالة ، لا يرضي الله ما يصنعون وليسوا على دين . فلما حضرت الساعة التي ينصرف فيها الغلام ، انصرف وانصرفت معه ، ثم غدونا إليهم فقالوا مثل ذلك وأحسن ولزمتهم ، فقالوا لي :
 يا سلمان إنك غلام وانك لا تستطيع أن تصنع كما نصنع ، فصلّ ونم وكل واشرب .
____________
1 ـ من الأصل ، قال علي وأحسبه قال : وهم ستة أو سبعة .


(73)

 قال : فاطلع الملك على صنيع ابنه ، فركب في الخيل حتى أتاهم في برطيلهم فقال : يا هؤلاء ، قد جاورتموني فأحسنت جواركم ، ولم تروا مني سوءاً ، فعمدتم إلى إبني فأفسدتموه علي ، قد أجلتكم ثلاثاً ، فان قدرت عليكم بعد ثلاث ، أحرقت عليكم برطيلكم هذا ، فالحقوا ببلادكم فاني أكره أن يكون مني إليكم سوء .
 قالوا : نعم ، ما تعمدنا مساءتك ، ولا أردنا إلا الخير . فكفَّ ابنه عن إتيانهم .
 فقلت : اتق الله ، فانك تعرف أن هذا الدين دين الله ، وأن أباك ونحن على غير دين . إنما هم عبدة النار لا يعبدون الله ، فلا تبع آخرتك بدين غيرك .
 قال : يا سلمان هو كما تقول ، وإنما أتخلف عن القوم بقياً عليهم ، وإن تبعت القوم طلبني أبي في الجبل ، وقد خرج في إتياني إياهم حتى طردهم ، وقد أعرف أن الحق في أيديهم ، فأتيتهم في اليوم الذي أرادوا أن يرتحلوا فيه ، فقالوا :
 يا سلمان ، قد كنا نحذر مكان ما رأيت ، فاتق الله تعالى واعلم أن الدين ما أوصيناك ، وأن هؤلاء عبدة النيران لا يعرفون الله تعالى ، ولا يذكرونه ، فلا يخدعنك أحد عن دينك .
 قلت : ما أنا بمفارقكم .
 قالوا : أنت لا تقدر أن تكون معنا ، نحن نصوم النهار ، ونقوم الليل ، ونأكل عند السحر ما أصبنا ، وأنت لا تستطيع ذلك .
 قال : فقلت : لا أفارقكم .
 قالوا : أنت أعلم ، وقد أعلمناك حالنا ، فإذا أتيت خذ مقدار حمل يكون معك شيء تأكله ، فانك لا تستطيع ما نستطيع بحق .
 قال : ففعلت ، ولقينا أخي فعرضت عليه ، ثم أتيتهم يمشون وأمشي معهم ، فرزق الله السلامة حتى قدمنا الموصل ، فأتينا بيعة الموصل ، فلما دخلوا إحتفوا


(74)

بهم ، وقالوا : أين كنتم ، ؟ قالوا : كنا في بلاد لا يذكرون الله تعالى ، فيها عبدة النيران ، وكنا نعبد الله فطردونا .
 فقالوا : ماهذا الغلام ؟ فطفقوا يثنون علي وقالوا : صحبنا من تلك البلاد فلم نر منه إلا خيراً .
 قال سلمان : فوالله انهم لكذلك إذ طلع عليهم رجل من كهف جبل ، قال : فجاء حتى سلم وجلس ، فحفّوا به ، وعظموه أصحابي الذي كنت معهم ، وأحدقوا به .
 فقال : أين كنتم ؟ فأخبروه . فقال : ما هذا الغلام معكم ؟ فأثنوا علي خيراً وأخبروه باتباعي إياهم ، ولم أرَ مثل إعظامهم إياه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم ذكر من أرسل من رسله وأنبيائه وما لقوا وما صنع بهم ، وذكر عيسى ابن مريم عليه السلام وانه ولد بغير ذكر ، فبعثه الله عز وجل رسولاً ، وأحيى على يديه الموتى ، وأنه يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً باذن الله ، وانزل عليه الإنجيل ، وعلمه التوارة وبعثه رسولاً إلى بني إسرائيل ، فكفر به قوم وآمن به قوم ، وذكر بعض ما لقي عيسى بن مريم ، وأنه كان عبد الله أنعم الله عليه فشكر ذلك له ، ورضي الله عنه حتى قبضه الله عز وجل وهو يعظهم ويقول : اتقوا الله والزموا ما جاء به عيسى عليه الصلاة والسلام ، لا تخالفوا فيخالف بكم ، ثم قال : من أراد أن يأخذ من هذا شيئاً فليأخذ ، فجعل الرجل يقوم فيأخذ الجرة من الماء ، والطعام ، فقام أصحابي الذي جئت معهم فسلموا عليه وعظموه وقال لهم : الزموا هذا الدين وإياكم أن تفرقوا ، واستوصوا بهذا الغلام خيراً . وقال لي : يا غلام ، هذا دين الله الذي تسمعني أقوله ، وما سواه الكفر .
 قال : قلت : ما أنا بمفارقك .
 قال : إنك لا تستطيع أن تكون معي ، اني لا أخرج من كهفي هذا إلا كل يوم أحد ولا تقدر على الكينونة معي .


(75)

 قال : وأقبل عليّ أصحابه فقالوا يا غلام انك لا تستطيع أن تكون معه .
 قلت : ما أنا بمفارقك ! قال له أصحابه ، يا فلان إن هذا غلام ، ويخاف عليه .
 فقال لي : أنت أعلم . قلت : فاني لا أفارقك . فبكى أصحابي الأولون الذين كنت معهم عند فراقهم إياي .
 فقال : يا غلام ، خذ من هذا الطعام ما ترى أنه يكفيك إلى الأحد الاخر ، وخذ من الماء ما تكتفي به ، ففعلت ، فما رأيته نائماً ولا طاعماً ، إلا راكعاً وساجداً إلى الأحد الآخر ، فلما أصبحنا ، قال لي : خذ جرتك هذه وانطَلَق . فخرجت معه أتبعه حتى انتهينا إلى الصخرة ، وإذا هم قد خرجوا من تلك الجبال ينتظرون خروجه فقعدوا ، وعاد في حديثه نحو المرة الأولى ، فقال : إلزموا هذا الدين ولا تفرقوا ، واذكروا الله واعلموا أن عيسى بن مريم عليهما السلام كان عبد الله تعالى ، أنعم الله عليه ، ثم ذكرني ، فقالوا له : يا فلان كيف وجدت هذا الغلام ؟ فأثنى علي وقال خيراً . فحمدوا الله تعالى وإذا خبز كثير وماء كثير ، فأخذوا وجعل الرجل يأخذ ما يكتفي به وفعلت ، فتفرقوا في تلك الجبال ، ورجع إلى كهفه ورجعت معه ، فلبثنا ما شاء الله ، يخرج في كل يوم أحد ويخرجون معه ويحفون به ويوصيهم بما كان يوصيهم به . ، فخرج في أحد فلما اجتمعوا حمد الله تعالى ووعظهم ، وقال مثل ما كان يقول لهم ثم قال لهم آخر ذلك :
 يا هؤلاء ، أنه قد كبر سني ورق عظمي وقرب أجلي وانه لا عهد لي بهذا البيت منذ كذا وكذا ولا بد من إتيانه ، فاستوصوا بهذا الغلام خيراً فاني رأيته لا بأس به . قال : فجزع القوم فما رأيت مثل جزعهم ، وقالوا : يا فلان أنت كبير فأنت وحدك ولا نأمن أن يصيبك شيء ( ولا بد لك من ) يساعدك ( ونحن ) أحوج ما كنا إليك .
 قال : لا تراجعوني ، لا بد من إتيانه ( يعني بيت المقدس ) ، ولكن استوصوا


(76)

بهذا الغلام خيراً ، وافعلوا . . وافعلوا . . قلت : ما أنا بمفارقك . قال : يا سلمان ، قد رأيت حالي وما كنت عليه ، وليس هذا كذلك . ، أنا أمشي أصوم النهار وأقوم الليل ولا أستطيع أن أحمل معي زاداً ولا غيره ، وأنت لا تقدر عل هذا . قلت : ما أنا بمفارقك . قال : أنت أعلم .
 قالوا : يا فلان ، فانا نخاف على هذا الغلام ؛ قال : فهو أعلم ، قد أعلمته الحال وقد رأى ما كان قبل هذا . قلت : لا أفارقك ، فبكوا وودعوه ، وقال لهم : اتقوا الله وكونوا على ما وصيتكم به ، فان اعش فعلي ( أن ) أرجع إليكم ، وإن مت فإن الله حي لا يموت .
 فسلم عليهم وخرج وخرجت معه يمشي وأتبعه ، يذكر الله تعالى ولا يلتفت ولا يقف على شيء ، 0حتى إذا أمسينا قال : يا سلمان ، صلّ أنت ونم وكل واشرب ، ثم قام هو يصلي حتى انتهينا إلى بيت المقدس ، وكان لا يرفع طرفه إلى السماء حتى انتهينا إلى باب المسجد وإذا على الباب مُقْعَدٌ فقال يا عبد الله ، ترى حالي ، فتصدق علي بشيء ، فلم يلتفت إليه ودخلنا المسجد ، فجعل يتتبع أمكنة من المسجد ، فصلى فيها . فقال : يا سلمان إني لم أنم منذ كذا وكذا فإن فعلت أن توقظني إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا ، نمت ، فاني أحب أن أنام في هذا المسجد ، وإلا لم أنم .
 قلت : فإني أفعل . فنام ، فقلت في نفسي هذا لم ينم منذ كذا وكذا ، لأدعنه ينام حتى يشتفي من النوم ، فلم يمض إلا يسيراً حتى استيقظ فزعاً يذكر الله تعالى . فقال لي : يا سلمان ، مضى الفيء من هذا المكان . . أينَ ما كنت جعلت على نفسك ؟
 قلت : أخبرتني أنك لم تنم منذ كذا وكذا ، فأحببتُ أن تشتفي . ، فحمد الله تعالى .
 وكان فيما يمشي ، يعظني ويخبرني أن لي رباً وأن بين يدي جنةً وناراً وحساباً ، ويعلمني ويذكرني نحو ما يذكر القوم يوم الأحد حتى قال فيما يقول : يا


(77)

سلمان ، إن الله عز وجل سوف يبعث رسولاً اسمه أحمد يخرج بتهمة ـ وكان رجلاً أعجمياً لا يحسن القول ( فيقول في تهامة تهمة ) ـ علامته أنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم ، وهذا زمانه الذي يخرج فيه قد تقارب ، أما أنا فإني شيخ كبير ولا أحسبني أدركه ، فان أدركته أنت فصدقه واتبعه .
 قلت : وإن أمرني بترك دينك ؟
 قال : اتركه ، فان الحق فيما أمر به ، ورضى الرحمن فيما قال .
 وقام ، فخرج فتبعته فمر بالمقعد ، فقال ( الرجل ) المقعد : يا عبد الله دخلت فسألتك فلم تعطني ! وخرجت فسألتك ، فلم تعطني ! فقام ينظر هل يرى أحداً ، فلم يره ، فدنا منه فقال له : ناولني يدك ، فناوله ، فقال : بسم الله . فقام كأنه أنشط من عقال صحيحاً لا عيب فيه ، فخلا عني بعده ، فانطلق ذاهباً فكان لا يلوي على أحد ولا يقوم عليه .
 فقال لي المقعد : يا غلام إحمل علي ثيابي حتى أنطلق فأسير إلى أهلي ، فحملت عليه ثيابه وانطلق لا يلوي علي ، فخرجت في أثره أطلبه ، فكلما سألت عنه قالوا : أمامك حتى لقيني ركب من كلب ، فسألتهم ، فلما سمعوا لغتي ، أناخ رجل منهم لي بعيره فحملني خلفه حتى أتوا بلادهم ، فباعوني فاشترتني إمرأة من الأنصار ، فجعلتني في حائط لها ، وقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرت به ، فأخذت شيئاً من تمر حائطي . . . ثم ذكر خبر الصدقة والهدية والخاتم ، وأن أبا بكر اشتراه وأعتقه ـ وهو مخالف للمشهور من أن النبي هو الذي ساعده على عتقه كما تقدم .


(78)


(79)


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net