رواية الحاكم النيسابوري في المستدرك (1)
بسنده عن أبي الطفيل عن سلمان الفارسي ، قال : « كنت رجلاً من أهل جي ، وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق فكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء ، فقيل لي إن الدين الذي تطلب إنما هو بالمغرب ، فخرجت حتى أتيت الموصل ، فسألت عن أفضل من فيها . ، فدللت على رجل في صومعة ، فأتيته ، فقلت له : إني رجل من أهل جي ، وجئت أن أطلب العمل وأتعلم العلم ، فضمني إليك ، أخدمك وأصحبك ، وتعلمني شيئاً مما علمك الله . قال : نعم . فصحبته ، فأجرى علي مثل ما كان يُجري عليه ، وكان يجرى عليه الخل والزيت والحبوب ، فلم أزل معه حتى نزل به الموت ، فجلست عند رأسه أبكيه . فقال : ما يبكيك . ؟ قلت : أبكي أني خرجت من بلادي أطلب الخير ، فرزقني الله صحبتك ، فعلمتني ، وأحسنت صحبتي ، فنزل بك الموت ، فلا أدري أين أذهب ؟ ____________ 1 ـ المستدرك مع التلخيص ج 3 / 603 .
(68)
فقال : لي أخ بالجزيرة مكان كذا وكذا وهو على الحق ، فأته فاقرأه مني السلام ، وأخبره أني أوصيت إليه وأوصيتك بصحبته . فلما أن قبض الرجل ، خرجت فأتيت الرجل الذي وصفه لي ، فأخبرته بالخبر ، وأقرأته السلام من صاحبه ، وأخبرته أنه هلك وأمرني بصحبته . فضمني إليه ، وأجرى علي ما كان يجري علي مع الآخر ، فصحبته ما شاء الله ، ثم نزل به الموت ، فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكي ، فقال لي : ما يبكيك . ؟ قلت : خرجت من بلادي أطلب الخير ، فرزقني الله صحبة فلان ، فأحسن صحبتي وعلمني وأوصاني عند موته بك ، وقد نزل بك الموت ، فلا أدري أين أتوجه ؟ . فقال : تأتي أخاً لي على درب الروم فهو على الحق ، فأته ، واقرأه مني السلام ، واصحبه فانه على الحق . فلما قبض الرجل ، خرجت حتى أتيته فأخبرته بخبري وتوصية الآخر قبله ، قال : فضمني إليه وأجرى علي كما كان يجري علي ، فلما نزل به الموت جلست أبكي عند رأسه ، فقال لي ما يبكيك . ؟ فقصصت قصتي ، قلت له : إن الله تعالى رزقني صحبتك ، فأحسنت صحبتي ، وقد نزل بك الموت ولا أدري أين أتوجه . فقال : لا دين ! وما بقي أحد أعلمه على دين عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام في الأرض ، ولكن هذا أوانٌ يخرج فيه نبي ، أو قد خرج بتهامة ، وأنت على الطريق لا يمر بك أحد إلا سألته عنه ، فاذا بلغك أنه قد خرج ، فانه النبي الذي بَشّر به عيسى صلوات الله وسلامه عليهما ، وآية ذلك (1) أن بين كتفيه خاتم النبوة ، وأنه يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة . ____________ 1 ـ الآية هنا العلامة .
(69)
قال : فكان لا يمر بي أحد إلا سألته عنه . ، فمر بي ناس من أهل مكة ، فسألتهم . فقالوا : نعم ، ظهر فينا رجل يزعم أنه نبي ! فقلت لبعضهم : هل لكم أن أكون عبداً لبعضكم على أن تحملوني عقبه ، وتطعموني من الكسر ، فإذا بلغتم إلى بلادكم ، فان شاء أن يبيع باع ، وإن شاء أن يستعبد إستعبد ! . فقال رجل منهم : أنا . فصرت عبداً له حتى أتى بي مكة ، فجعلني في بستان له مع حبشانٍ كانوا فيه ، فخرجت ، فسألت ، فلقيت إمرأة من أهل بلادي ، فسألتها ؟ فإذا أهل بيتها قد أسلموا . قالت لي : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجلس في الحجر (1) هو وأصحابه إذا صاح عصفور بمكة ، حتى إذا أضاء لهم الفجر تفرقوا . فانطلقت إلى البستان ، فكنت أختلف (2) ، فقال لي الحبشان : مالك ؟ فقلت : أشتكي بطني ، وإنما صنعت ذلك لئلا يفقدوني إذا ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما كانت الساعة التي أخبرتني المرأة يجلس فيها هو وأصحابه ، خرجت أمشي حتى رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فاذا هو يجتبي ، وإذا أصحابه حوله ، فأتيته من ورائه ، فعرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أريد ، فارسل حبوته ، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه ، فقلت : الله أكبر ، هذه واحدة . ثم أنصرفت ، فلما أن كانت الليلة المقبلة ، لقطت تمراً جيداً ، ثم أنطلقت حتى أتيت به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوضعته بين يديه . فقال : ما هذا ؟ فقلت : صدقة . فقال للقوم ، كلوا ، ولم يأكل . ثم لبثت ما شاء الله ، ثم أخذت مثل ذلك ، ثم أتيته فوضتعه بين يديه ، فقال : ما هذا ؟ فقلت : هدية . فأكل منها وقال للقوم : كلوا . ____________ 1 ـ حجر اسماعيل بجانب الكعبة . 2 ـ الإختلاف : الرواح والمجيء .
(70)
فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . فسألني عن أمري وأخبرته . ، فقال : إذهب فاشترِ نفسك . فانطلقت إلى صاحبي ، فقلت : بعني نفسي . فقال : نعم ، على أن تنبت لي بمائة نخلة . ، فما غادرت منها نخلةً إلا نبتت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخبرته أن النخل قد نبتت . فأعطاني قطعةً من ذهب ، فانطلقت بها ، فوضعتها في كفة الميزان ، ووضع في الجانب الآخر نواة ، قال : فوالله ما استقلت قطعة الذهب من الأرض ، قال : وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته . فأعتقني .
(71)
|