أما سعاد فقد كانت تود لو استطلعت من محمود نتيجة فعالياته ... ولكنها لم تجرأ على ذلك ، لا لشيء ولكن لكي لا تلقي في قلب محمود الشك من إرشاده إلى هذه الفتاة ، فقد كان عليها أن تتجاهل أن كلامها كان له أي تأثير على محمود ، والشيء الذي لاحظته أن محمود لم يكن يؤم البيت إلا ساعة أو ساعتين في النهار وعرفت أوقاته موزعة بين المنتزه وحدائق الغوطة ، وكان منظر سنية وهي غضبى مقطبة أكبر تسلية لها على تصور محمود ، وهو واقع في حبائل نقاء ... فقد كانت سنية تعيش في هم مقيم ، بعد أن أنشغل عنها محمود ، وانصرف إلى ملاحقة نقاء ... وفي مرة عاد محمود إلى البيت فلاحظت عليه سعاد أنه حائر مشوش الفكر ، وأنه كثيراً ما يشرد بين آونة وأخرى فشاع الاضطراب في نفس سعاد ، وخشيت أن يكون محمود قد فشل في محاولاته أو ضعف أمام عناد نقاء ، ولكنها لم تتوصل إلى طريقة تمكنها من فهم الواقع ، وبعد كثرة تردد قررت أن تذهب لزيارة نقاء ، فاتصلت بها تلفونياً واستوثقت من عدم وجود زوار
( 142 ) لديها ثم استقلت سيارتها إلى بيت نقاء ولم تخرج نقاء لاستقبالها ، بل كلفت الخادمة أن تقودها إلى الصالون ، وأخبرت أمها بعزم سعاد على المجيء ، وطلبت منها أن تحضر ، ولكن أمها لم تتمكن أن تجلس مع سعاد أكثر من دقائق ، واعتذرت بكونها محمومة ويلزم عليها أن تذهب إلى غرفتها لتستريح ، وفوجئت نقاء بعزم أمها على الذهاب إلى غرفتها ، وحاولت أن تثنيها على ذلك ، ولكن أمها كانت تظن أنها بحركتها هذه سوف تغضب سعاد وتظهرها على نقمتها عليها وعدم اهتمامها بوجودها... وسر سعاد خروج خالتها وانفرادها بنقاء ، وارتبكت نقاء وحارت ماذا تفعل إذا عادت سعاد إلى كلامها المعهود وهي لا تطيق ذلك مطلقاً ، فهي تخشى أن تصدر عنها كلمات تسيء فيها إلى سعاد ، ولهذا فقد بدا الارتباك واضحاً عليها ... ولاحظت سعاد علائم الاضطراب التي ظهرت على نقاء ، فعللت ذلك بتعليل آخر هو أبعد ما يكون عن الواقع ... فبدأت تتحدث وكان حديثها يدور حول أذواق الرجال في الجمال ، وكلمات الاعجاب التي سبق أن سمعتها من المعجبين... وكيف أن كثيراً من الرجال كانوا يلاحقونها بالمدح والاطراء أينما سارت وأي مكان حلت فيه ...
وكانت سعاد تقصد من ذكرها لهذه الحوادث استدراج نقاء لذكر حوادث مماثلة عسى أن تتوصل إلى معرفة شيء عن موقف محمود معها ، ولكن نقاء لم تكن ممن يجرفهن
( 143 ) الحديث ، فهي لم تعلق على أحاديث سعاد بأي شيء... ولهذا فقد انصرفت عنها سعاد وهي على ثقة من أن محمود قد تمكن من التغرير بنقاء ، وإلا لكانت حدثتها عنه وعن مغازلته لها .. وحدثت سعاد نفسها قائلة : إن نجاح محمود قد أصبح عندي أرجح من فشله ، فليس من المعقول أن تقاوم هذه الفتاة الصغيرة إغراء محمود وترفض ثروته وملايينه.
وفي البيت افتقدت سعاد خادمتها سنية ، وكانت تفتقدها كثيراً في الأيام الأخيرة ، وخمنت أنها في سبيلها إلى التجسس على محمود والتعرف على فاتنته الجديدة ... والواقع أن سنية كانت تتعقب سيدها في أغلب الأيام لترى غريمتها التي سلبته لبه ، وقد شاهدته في أحد الأيام يتحدث مع نقاء ، ولكنها لم تصدق أن هذه الفتاة المحتشمة الوقور هي التي أغرت سيدها وسحرته .. وظنت أن جلوسه معها مجرد مصادفة . ولهذا فقد استمرت تتعقبه وتتجسس عليه.
|